الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلاحو الهند يُحشّدون ضد حكومة اليمين العنصري

رشيد غويلب

2024 / 4 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تتحدى الحركة الفلاحية في الهند حكومة اليمين القومي الهندوسي بزعامة ناريندرا مودي بشكل استثنائي لم تمارسه من قبل حركة أخرى في البلاد. لقد بدأت الحركة التعبئة ضد الفقر المتزايد في المناطق الريفية الناجم عن سياسات الليبرالية الجديدة الاقتصادية.

وكانت الحركة الفلاحية قد نفذت أكبر احتجاجات في العقود الأخيرة، ومثلت الاحتجاجات ضربة قوية لحكومة مودي.

واستؤنفت موجة الاحتجاجات في وقت سابق من هذا العام، ودعا اتحاد نقابات الفلاحين في ثلاث ولايات إلى تنظيم مسيرة، في 23 شباط الفائت، في العاصمة دلهي. وقوبل المحتجون بقمع واسع، أدى إلى مقتل أحد الفلاحين الشباب، وجرح عدد آخر.

وكانت حركتان مهنيتان أساسيتان انضمتا إلى الدعوة إلى المسيرة هما، «أس كي ام» و «كي أم أم»، المنشقة من اتحاد الفلاحين الهنود العام «أس كي أم»، الذي يضم اتحادات فلاحية في جميع انحاء الهند. وهو الاتحاد الذي قاد حركة الفلاحين الاحتجاجية في عامي 2020 و2021.

وفي سياق هذه التطورات دعا اتحاد «أس كي أم» منظمات الفلاحين إلى مؤتمر في دلهي، في 14 اذار الفائت، شارك فيه أكثر من 50 ألف فلاح من جميع أنحاء البلاد. وجرى خلاله تجديد الدعوة إلى وحدة جميع منظمات الفلاحين، وناشدت جميع المنظمات الناخبين الإطاحة بحكومة مودي في الانتخابات المقبلة.

المطالب
تشمل المطالب الرئيسية لاتحادات الفلاحين: حدًا أدنى لسعر الدعم المضمون قانونًا لبعض المحاصيل المختارة، وفق توصيات اللجنة الوطنية للزراعة، وخفض تكاليف المواد المستخدمة في الحقول، والغاء الديون المتراكمة من السلف. وإلغاء مشروع قانون الكهرباء (المعدل) لعام 2022.

وكانت اتحادات الفلاحين قد أطلقت الموجة السابقة من الاحتجاجات بشكل أساسي ضد ثلاثة مشاريع قوانين زراعية قدمتها حكومة مودي. وفي كانون الأول 2021، قررت الاتحادات إيقاف الاحتجاجات، لأن حكومة مودي سحبت مشاريع القوانين المذكورة، ووافقت على مناقشة مطالب الحركة الأخرى، بما في ذلك ضمان الأسعار وإسقاط القضايا الجنائية ضد الفلاحين المحتجين.

وتم تشكيل لجنة لاتخاذ قرار بشأن قضايا مثل تعزيز ما يسمى بالزراعة الطبيعية بميزانية صفرية، والتغييرات القائمة على العلم في أنماط المحاصيل مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات المتغيرة للبلاد، ووسائل لجعل السعر أكثر فعالية وشفافية. وينبغي أن تضم اللجنة ممثلين عن الحكومة المركزية وحكومات الولايات، بالإضافة إلى ممثلي الفلاحين والباحثين والاقتصاديين الزراعيين.

تصاعد الاحتجاجات
لقد عادت الاحتجاجات بزخم أقوى، لأن اللجنة المشكلة لم تف بتعهداتها، وفق بادال ساروج، السكرتير المشارك للتنظيم الفلاحي في الحزب الشيوعي، وأحد قيادي اتحاد فلاحي عموم الهند، بالإضافة إلى التلاعب في تركيبة اللجنة، حيث تم ابعاد ممثلي الفلاحين الذين تم اختيارهم، وتم ضم أشخاص إلى قوام اللجنة تحدثوا علنًا ضد مطلب خطة الحد الأدنى لدعم للمحاصيل.

ويضيف القيادي الشيوعي، أن حكومة مودي تحاول، من الباب الخلفي، تنفيذ مضامين مشاريع القوانين الزراعية الثلاثة التي قامت بسحبها. لقد سمحت، على سبيل المثال، في قانون الميزانية المؤقتة، بزيادة مشاركة القطاع الخاص في أنشطة ما بعد الحصاد: التخزين والتجهيز والتسويق والعلامات التجارية.

ومع ذلك، فإن استياء الفلاحين يعود لأسباب أعمق. في الدراسات الاستقصائية التي أجريت خلال الموجة الأخيرة من الاحتجاجات، أفاد الفلاحون أنهم يعيشون في حالة أزمة مستمرة، ولا يحصلون حتى على الحد الأدنى من سعر منتجاتهم، الذي يغطي تكاليف الزراعة وقوة عملهم. وفي الوقت نفسه، ارتفعت تكاليف الأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية والكهرباء بشكل كبير. ولذلك فإنهم بالكاد قادرون على تغطية تكاليف الزراعة، ويضطرون إلى الحصول على قروض في كل خطوة تقريبًا.

ونظرًا لانخفاض كمية المحاصيل، يضطر معظم الفلاحين باستمرار إلى تحمل ديون جديدة. وخلال العقدين الماضيين، لم تعد الزراعة مصدرا للدخل المعيشي. بالإضافة إلى تصاعد انخفاض المشتريات الحكومية من المنتجات الزراعية. لقد انخفضت المشتريات الحكومية من القمح في موسم 2022 /2023 بنسبة 53 في المائة مقارنة بالموسم السابق.

ووفقا لمسح أجراه مكتب الإحصاء الوطني، ارتفعت ديون العوائل الفلاحية، في سنوات 2013 – 2019 بنسبة 58 في المائة تقريبا. ويشير التقرير أيضًا إلى أن أكثر من نصف العوائل الفلاحية كانت مديونة، حيث بلغ متوسط الدين المستحق لكل أسرة، في عام 2018، 74.121 ألف روبية. ويبلغ متوسط دخل العائلة في الريف أكثر بقليل من 300 ألف روبية (3325 يورو) سنوياً. وخلال العقدين الماضيين، ارتفعت معدلات الانتحار بين الفلاحين بشكل حاد. ووفقا لأحدث معطيات المكتب الوطني لسجل الجرائم، انتحر قرابة 45 ألف فلاح وعامل زراعي بين عامي 2018 -2022. وخلال سنوات 1995 - 2018، تم تسجيل قرابة 400 ألف حالة انتحار.

ما تزال نسبة كبيرة من السكان تعمل في الزراعة، ويعود ذلك في الغالب إلى غياب البدائل الجذابة. ووفق التقرير الدوري للقوى العاملة 2021-2022، فإن قرابة 45,5 في المائة من مجموع القوى العاملة تعمل في الزراعة والصناعات المرتبطة بها. ويمثل هذا 18,3 في المائة من إجمالي القيمة المضافة في سنوات 2022-2023 في الهند. وعلى الرغم من زيادة مساهمة قطاعي الصناعة والخدمات في الناتج الإجمالي المحلي، إلا أن هذه القطاعات لم تتمكن بعد من استيعاب فائض عمالة القطاع الزراعي.

كما أن التشتت المتزايد لملكية الأراضي الزراعية يجعل الحياة صعبة بالنسبة لغالبية الفلاحين الصغار والهامشيين: منذ نشر أول دراسة زراعية في عام 1971، تضاعف عدد الحيازات الزراعية في الهند، من 71 مليون في الفترة 1970-1971 إلى 145 مليون في عامي 2015-2016. وارتفع عدد الشركات الصغيرة (التي تقل مساحتها عن هكتار واحد) من 36 مليون في عام 1971 إلى 93 مليون في عام 2011.

لقد ازداد عدد العقارات الريفية بشكل عام، وانخفض متوسط حجم المزارع أكثر من النصف بين عامي 1970- 2016 من 2,28 هكتار إلى 1,08 هكتار. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد العمال الزراعيين الذين لا يملكون أرضاً (من 106,8 مليون عام 2001 إلى 144,3 مليون عام 2011)، في حين انخفض عدد الفلاحين من 127,3 مليونا إلى 118,8 مليونً خلال الفترة نفسها. وهذا يعني أن عدد العمال الزراعيين العاملين تجاوز، لأول مرة، عدد الفلاحين.

أزمة عميقة
إن التطورات السلبية: انخفاض الربحية، وارتفاع التكاليف، والافتقار إلى فرص العمل البديلة، وركود الإنتاجية، تشكل أعراضاً لأزمة زراعية أعمق. وهذه الأزمة هي نتيجة لسياسات الإهمال التي اتبعتها الحكومات الهندية المتعاقبة.

وتكمن جذور المشكلة في اختلال توازن التنمية الرأسمالية بعد استقلال الهند مباشرة وفشل الإصلاحات الزراعية في أغلب الولايات (باستثناء جامو وكشمير، وكيرالا، والبنغال الغربية، وتريبورا). وظل إصلاح الأراضي، في معظم الولايات مجرد حلم بعيد المنال.

لم تكن هناك إصلاحات زراعية قائمة على المساواة، لذلك انتهت التدابير الحكومية لتعزيز التنمية الزراعية لصالح الأغنياء وملاك الأراضي. وقد اتسعت فجوة عدم المساواة الطبقية، وبين المراتب المجتمعية على مر السنين بالتوازي مع النمو الزراعي وزيادة الإنتاجية.

ونتج قدر أكبر من عدم المساواة عن ما يسمى بالثورة الخضراء، حيث وفرت ملكية الأراضي والموارد والحصول على الائتمان الزراعي مكاسب غير متناسبة للفلاحين الأغنياء وملاك الأراضي. وأدى هذا التطور غير المتكافئ إلى انتشار الفقر والبطالة على نطاق واسع وانخفاض القوة الشرائية لقطاعات كبيرة من سكان الريف. وقد انعكس هذا بدوره في تأخر نمو السوق المحلي والطلب المحلي، وأدى إلى إضعاف تقدم التصنيع في الهند.

في أوائل التسعينيات، عاشت الهند أزمة ميزان مدفوعات شاملة. استجابت الحكومة لإصلاحات اقتصادية ليبرالية جديدة. لقد تم تحرير التجارة والتمويل من القيود وخصخصة الشركات المملوكة للدولة. وفي القطاع الزراعي، أدت هذه الإصلاحات إلى انكماش السياسة المالية وانخفاض الاستثمار العام في الزراعة. وعانت بشكل خاص البنية التحتية الريفية وأنظمة الري والإعانات الزراعية والبحوث.

وليس من المستغرب أن تدفع أزمة القطاع الزراعي الواسعة الفلاحين من كافة الطبقات، الأغنياء والفقراء، وملاك الأراضي والمعدمين ـ إلى المطالبة بتغيير ظروفهم الاقتصادية.

وعلى الرغم من الطبيعة المتعددة للأزمة، فإن المناقشات في وسائل الإعلام الهندية تميل إلى التركيز على القضايا الهامشية: إن صفحات الصحف الصادرة في عموم الهند مليئة بالمناقشات حول خطة الحد من الفقر أو التنويع الزراعي (ناهيك عن التقارير المستمرة حول كيفية تأثير الحصار الذي يفرضه الفلاحون المحتجون على حياة السكان «الطبيعيين»، في حين يتم تجاهل الأسئلة الأعمق.

الانتخابيات المقبلة
من المقرر أن تجرى الانتخابات العامة في نيسان - أيار 2024. واستعدادًا للحملة الانتخابية، نظمت حكومة مودي حفلًا كبيرًا في كانون الثاني، افتتح فيه رئيس الوزراء شخصيا معبد رام ماندير الهندوسي في أيوديا، الموقع السابق لمسجد دمره حشد من المتطرفين الهندوس في عام 1992. والهدف هو تعميق الاستقطاب الديني، لتعبئة الناخبين الهندوس، في حين تظل المشاكل الأساسية: البطالة، الجوع، وانتحار الفلاحين دون حل.

لقد أعادت حركة الفلاحين الحاجات المادية إلى مركز النقاش. وفضحت موجة الاحتجاجات الحالية، مرة أخرى، صورة مودي الذي لا يقهر.

ووفقًا للقيادي الشيوعي بادال ساروج، أدت الحركة إلى تعزيز المعارضة السياسية في ولايات مثل بيهار وأوتار براديش وراجستان وأيضا في ماديا براديش وتشاتيسجاره. وبسبب الطبيعة العضوية للنضالات الفلاحية، تمكنت الحركة من تصعيد الوضع، بحيث أصبح خارج سيطرة الحكومة وتوقعاتها. إن القضايا التي تريد الحكومة أن تظل منسية أصبحت فجأة متداولة مرة أخرى، في مناقشات الناس اليومية».

لقد حظيت مطالب الفلاحين بدعم كتلة المعارضة الرئيسية، التحالف الوطني الهندي للتنمية الشاملة. وأوضح زعيم المؤتمر الوطني راهول غاندي: «إذا وصلت كتلة الهند إلى السلطة بعد الانتخابات العامة، فسوف نقدم ضمانات قانونية. «ان المؤتمر الوطني الهندي يستجيب دائما لمطالب الفلاحين، سواء تلك المتعلقة بتخفيف عبء الديون أو برنامج الدعم المتوسط، لقد قمنا دائمًا بحماية مصالح الفلاحين وسنواصل القيام بذلك في المستقبل». تجدر الإشارة إلى أن حجم أزمة القطاع الزراعي، يستحيل حلها بإجراءات سريعة. وإن إصرار الفلاحين يسلط الضوء على الوضع الذي لا يطاق والذي أجبروا، منذ عقود، على العيش فيه. وإذا لم يتغير هذا الوضع، فسيكون لديهم ما يكفي من الأسباب للتعبئة من جديد. وما هو ايجابي، أن النضال المستمر للفلاحين يعيد المشاكل المادية التي يعاني منها جميع سكان البلاد إلى جدول العمل، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن مقالة بقلم شينزاني جاين نشرت في موقع «جاكوبين في 8 نيسان 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي


.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا




.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه