الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية 141

آرام كربيت

2024 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


عن الإبادة الأرمنية ـ نعيم أفندي
على الطاولة المفروشة بكل أنواع الطعام، كبة نية، وكباب مشوي، وكباب شقف، وكباب باذنجان.
وكأسات العرق بطة بيضاء تصدح بالماء والثلج في الفضاء الدافئ في بيت كارو ليفونيان الجار والصديق، الرجل الموهوب في الميكانيك وهيدروليك السيارات.
وعلى الطاولة ذاتها تفوح رائحة لذيذة لمخلل اللفت والشوندر والملفوف. والزيتون المغموس بالزيت والليمون والفليفلة الحمراء. وإلى جانبه طبق من الجبنة البلدي. وطبق فيه رشاد ونعناع وبصل أخضر.
صوت المطر وهو يهطل بغزارة يضفي على الغرفة المملوءة بالأطفال الصغار جو من الألفة والراحة النفسية.
قال لي:
ـ أرسين، تعال أجلس إلى جانبي.
وقفت على قدمي واتجهت إلى الكرسي المجاور له. حضنني وابتسم لي، فاحت من أنفاسه رائحة عرق عريق نما في داخله كشتلة وردة جورية منذ فترة طويلة. وبعد أن جلست بالقرب منه، قلت لنفسي:
ـ لا أعرف بالضبط هل ابو ليفون حزين أم سعيد في هذه اللحظة؟ فملامحه لا تشيء بشيء محدد.
وبينما كنت أفكر في الاحتمالات القادمة، لمحت في نظراته شيء ما يجول في الحضور.
كان ينظر إلى والدي ووالدتي وأخواتي وأبناءه.
شعر أرسين بيد خشنة تدس في فمه زيتونة كبيرة فيها مزيج من الحامض والحاد والزيت:
ـ مد يدك إلى الطعام، لا تخجل. كل من طيبات الحياة. اليوم نحن هنا وغدًا سنكون تحت التراب. أفرح بنفسك وبالحياة. ولا تمرر يومك دون أن تمتعها باللذائذ.
وفجأة التمت عيناه ببريق غريب وغامض:
ـ هل تعلم أن الجنود الأتراك قتلوا أهلنا. وكانوا يشقون بطن المرأة الحامل ويخرجون جنينها؟
حدق أرسين في وجه ابو ليفون خائفًا وعلامات الحزن ارتسمت على وجهه بينما فمه يمضغ قطعة لحم مشوي مع الخبز:
ـ لماذا شقوا بطن المرأة؟ لماذا أوردت هذا الكلام الثقيل على هذه الطاولة العامرة؟ إنه كلام مرعب يا ابو ليفون. صحيح أنني ما زلت طفلا لا يتجاوز الثانية عشرة من العمر، بيد أني سمعت أن الكثير من الأتراك والأكراد كانوا رافضين قتلنا.
ـ قلت هذا الكلام حتى لا تنسوا ما فعلوه بنا.
ـ قرأت البارحة في أحد الكتب أن حماقة الحكومات لا تعد ولا تحصى. وإنها متلونة تبعًا لمزاج ومصالح من يديرها. الناس العاديين من أمثالنا أسرى ظروفهم. ولا يتحملون تبعات قرارتهم. أعرف أن أهلنا تعرضوا للإبادة، بيد أن السؤال يطرح على الجميع:
من هو المسؤول، الحكومة أم الناس العاديين؟
ـ كلاهما يتحمل المسوؤلية.
ـ لكن الأرمن والأتراك والأكراد عاشوا معًا مئات، وربما ألف سنة أو أكثر إلى أن جاء بعض الحمقى وأخذوا قرارًا قاتلًا ومجرمًا ليس بحق الأرمن وأنما بحق الأتراك ذاتهم عندما أدخلوهم في حرب لا ناقة لهم ولا جمل.
خيم على الطاولة حزن عميق وتوقفوا عن متابعة تناول الطعام، شاهد أرسين وجه والده ووالدته كيف امتقعا بالتوجس والاضطراب. وصمت الأطفال والشباب. خافوا من رد فعل ابو ليفون لأن أغلبهم يعلم مدى نرجيسته وعصبية مزاجه. بقوا في حالة من الانتظار والتوتر لما ستأول إليه الأمور خوفًا من رد الفعل.
استمرت العيون تحدق في ملامحه لأنهم يعلمون أنه لا يسمح لأي إنسان أن يخالفه الرأي وخاصة أنها جاءت من طفل غرير.
ـ وماذا تريد أن تقول؟ أليس جميع الأتراك السبب الأول في إبادتنا؟
ـ يجب أن نحدد بدقة من هو المجرم، الحكومة أم الناس؟
ـ الدولة العثمانية هي المسؤولة والناس العاديين سكتوا عن الجريمة.
ـ وكان الأرمن عثمانيون. أليس كذلك؟ كنّا رعايا أو مواطني تلك الحكومة. ألم يقتل في جبهات الحرب أكثر من مليون شاب تركي؟ لم لم يثور الأتراك ضد الحرب ما دام أبناءهم كانوا وقودًا لهذه الحرب؟
وأضاف:
ـ هل سمعت باسم نعيم أفندي؟
ـ لا لم أسمع به، من هو هذا الرجل؟
ـ إنه رجل تركي، موظف كبير، رئيس قلم ومدير الترحيل في مدينة حلب. رجل له قلب من ذهب. تعرف هذا الرجل على محامي أرمني، كاتب ومثقف. وأثناء ترحيل الأرمن باتجاه مدينة مسكنة قرب حلب أصيب بطلق ناري، بيد أنه استطاع الهرب إلى حلب. واستطاع الهرب من خط الرحلة باتجاه مدينة دير الزور. وكان أخر خط الذبح.
بوصوله إلى حلب علم أن نعيم أفندي موجود فيها، فأخبره عبر أحد الأصدقاء القدامى من الأكراد أنه يتمنى ان يلتقي به.
أثناء اللقاء وتبادل الكلمات بينهما، قال له نعيم أفندي:
ـ حاول أن تبتعد عن الأنظار أنت وبقية الأرمن إلى حين أن تنجلي الأمور. سيتم ترحيلكم إلى دير الزور، هناك ستكون المحطة الأخير لتصفيتكم جسديًا.
وكل من يقع في أيديهم من الأرمن المرحلين من أقاصي السلطنة سواء من استانبول أو سيواس وقارص وأردهان ووان وطرابزون ووأرضروم بورصة وأزمير وديار بكر وأورفة وهاكاري وملاطية وأرزينجان سيقتل. باختصار من جميع أطراف السلطنة بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها. كل وثائق الترحيل في درجي.
ـ في درجك؟ ماذا تقول يا صديقي القديم؟
ـ لست مع القتل ولا مع الترحيل ولكن ليس باليد حيلة. إنه قرار الحكومة. وأي رجل أو موظف يتعاطف، مجرد تعاطف بسيط معكم سيتم تصفيته مباشرة شنقًا أمام بيته أو رميه بالرصاص.
ـ سأحاول أن أهرب إلى فرنسا لدي علاقات مع أغنياء هذه المدينة، وسيساعدوني على الرحيل.
ـ هل أنت متأكد أنك تستطيع الهرب؟
ـ نعم.
ـ قلت لك لست مع إبادة هذا الجنس من البشر، بيد أني لا أستطيع إيقاف الموت. ولا السير في هذا الطريق إلى النهاية، لكني أستطيع أن أعطيك الوثائق لتكون شهادة حقيقية وموثقة لمن أخذ القرار من أجل الزمن القادم والأجيال القادمة ومن أجل الحقيقة. من أجل أن يعرف الناس أن الناس العاديين ليسوا كلهم مع قرار الحكومة.
كل البرقيات التي تأتي من رئيس الوزراء مدحت باشا تستقر في مكتبي، مكتب التهجير، كلها مشفرة. بعد أن أفك الشيفرة واقرأ محتوياتها بسرية تامة أدخلها إلى مكتب الوالي ومنها إلى قسم تنفيذ التهجير.
ـ لديكم مكاتب في كل محافظة ومدينة ومنطقة ومخترة في السلطنة لتنظيم الترحيل والتصفية الجسدية. عملكم يسير بدقة شديدة. يبدو أن الحكومة سهرت طويلًا على تنفيذ هذه الجريمة.
ـ إنه عمل منظم ومخطط له منذ مدة طويلة بإشراف ودعم بعض الجهات الأجنيبة في الداخل والخارج.
سأعطيك النسخ الأصلية للقرارت الصادرة من طلعت باشا شخصيًا وشيفرتها وفكها وتأخذها معك، لكن أن توعدني أن لا تنشر أي شيء إلا في حال أكون في أمان تام. إذا علموا بهذه القضية سيعدموني دون محاكمة.
ـ ماذا يمكنني تقديمه مقابل هذه الخدمة الجليلة؟
ـ قنينة عرق.
ـ قنينة عرق؟ أطلب يا رجل.
ـ لا أريد أكثر من قنينة عرق. سأسكر هذه الليلة، إنها ليلة كشف الحقيقة، وإزاحة الهم الثقيل على قلبي وروحي. ومن أجل إراحة ضميري وضمير الشعب التركي من دم الأبرياء من القومية الأرمنية المظلومة.
ـ شكرًا لك يا نعيم أفندي. لقد عوضتني عن نفسي. ستبقى كلماتك معرشة في حياتي وبعد موتي وفوق قبري كشاهدة على طيبة قلب رجل مر من هنا، من الجلجلة إلى الحياة.
ـ لا أريد شكر أي إنسان. ما أفعله هو لإرضاء ضميري. وضمير كل إنسان كريم ومحب للبشر.
عندما وصل آرام أنطونيان إلى باريس ألف كتابًا سماه مذكرات نعيم أفندي. ووثق الكتاب ووضعه في مكتبة نوبار باشا في باريس وأرسل جزء آخر إلى استانبول لدعم نقاشات المحكمة في العام 1919، والحكم على طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا بالأعدام.
وقسم آخر من الوثائق قدمت لمحكمة برلين في العام 1921 للدفاع عن تهلريان الذي قتل طلعت باشا في الشارع في برلين.
خيم الوجوم على الطاولة وتوقفت الأفواه عن التكلم أو متابعة تناول الطعام.

الله كان صديقي
أحيانًا كثيرة أمزح مع الله، ومعكم، إنه يعرف أننا أصدقاء.
مرات كثيرة مشينا معًا، حضرنا مسرحيات كثيرة لشكسبير، وذهبنا إلى السينما، شاهدنا أفلام لهيشكوك وشارلي شابلن، وقضينا أوقات كثيرة نضحك بصحبة مجموعة من الأصدقاء، بل شربنا العرق، بطة بيضا مع بعض في جزيرة السمك المطلة على الخابور، مع سلطة أرمنية، وسمك خابوري أصلي ولذيذ، ومعه الكثير من المتبلات، والمكسرات، وضربنا الكأس في الكأس، ومعنا مجموعة صبايا، غنينا ورقصنا وعزفنا على القانون والاوكرديون.
ومرات كثيرة كنا نذهب إلى صيد الخنازير والطيور، مع الجفت، وسرنا معًا في الغابات والمياه الضحلة.
في نهاية الصيد نصنع منقلًا، نحفر فجوة في الأرض، ونضع في داخلها الكثير من الأخشاب، ويكون أحدنا قد جهز اللحم بعد أن سلخ الخنزير، ثم ننظفه ونضعه على النار.
نأكل قليلًا، ونشرب العرق، ونأكل من المازات، ونسمع أغاني عبد الوهاب أو عبد المطلب.
نمخمخ وننسبط، ثم ننام تحت قبة السماء دون خوف، لأننا ندرك أن الله بجانبا، يحمينا من تقلبات القدر وتغير الأحوال

عظمة الدولة بالقيم التي تحملها
الدولة العظيمة لا تكون عظيمة إلا عندما تبث الحياة في الحياة، عبر الفكر والأدب والفن بكل أنواعه كالموسيقا والغناء والرقص وغيره.
إن مشكلة الدول العظمى في عصرنا لا روح فيها ولا قيم، دول جماد يتسابقون على نشر الجماد والخراب والموت في أنفسهم والعالم.
بالرغم من انتشار كل وسائل التواصل الاجتماعي واليوتوب والتلفزيونات وعملهم على مدار النهار كله إلا أن الثقافة تكون في القاطرة الأخيرة، قاطرة لا يدخلها إلا القلائل جدًا.
نقول أن حضارة ما ميتة عندما تموت الاحاسيس والمشاعر في الناس، ويستعاد بدلا عنها الآلات والحرب وجنون العظمة والاستعلاء والتفاهة.
عندما العلم كان أقل انتشارًا كان الإنسان أكثر توازنًا نفسيًا، وأكثر إبداعًا، وكانت الفلسفة مزدهرة والأدب والفن، وكانت المعايير الأخلاقية أكثر التزامًا اتجاه القيم العليا للذائقة الروحية للبشر.
اعتقد أن وجود الولايات المتحدة كدولة عظمى جافة جامدة، دولة المال الحاف والبنوك والجنون هي السبب الأول للموت في الحياة.

التاريخ كان قذرًا
التاريخ لم يكن عفيفًا، ولم ينسل عنه أي شيء له علاقة بالعفة والأخلاق الحميدة.
كان التاريخ تاريخ جريمة وتصفية منظمة للمعارضة، والمفكرين والكتاب والعلماء والشعراء، والفنانين والنحاتين والجوالين.
هؤلاء الذين يدعون العفة، أو يروجون له، فيهم من القذارة والقبح يوزن بالأطنان، لهذا فإن نشر الغسيل القذر على أنه نظيف لن تنطلي إلا على الأغبياء.
التاريخ سلسلة قذارات متناسلة، وعفن متراكم، وقتل العمد، وآلام، وأصوات الضحايا والمشوهين والموجوعين.
لا تقل عن تاريخك أنه عفيف، هذا كذب وافتراء، قل الحقيقة، لأنها قادمة، استعد لها لتكون على قدر المسؤولية لتتناغم مع الواقع وتعرفه وتندمج فيه لتخرج منه بأقل الخسائر.

في المحن يتقارب الناس
في الحروب والأزمات الكبرى والمصائب الخطيرة، يتأخى الناس، وتقترب أرواحهم من بعضهم، ويتساندون، ويتعاضدون.
بينما في أجواء السلام والحرية والصفاء، يتفارقون، ينكمشون على أنفسهم، تبرز او تنبهق الأنانية والحب المرضي للذات، ويستيقظ حس التملك بشكل واضح وبشع.
إنها المأساة الحقيقية للبشر، حياتهم مقلوبة رأسًا على عقب. فبدلًا من الاستفادة من الحرية وأجواء السلام من أجل بناء حياتهم على أسس راسخة، ينتظرون المصائب ليقفوا إلى جانب بعضهم.
يصلون متأخرين بعد فوات الأوان.

الحس بالبراءة يجب أن تكون الفطرة صافية
عندما تملك الوعي أو الثقافة، تفقد البراءة والحس العفوي والبسيط للأشياء التي تدور في فلك حياتك.
ولا تشعر بلذة الحياة وبساطتها كما كان سابقًا، تنظر إلى أغلب الأشياء من الموقع الجديد الذي أنت فيه.
تنظر إلى الناس من منظار أخر، تقيس صديقك القديم بمقياس اليوم، وتقيس أبوك وأخوتك. واحيانًا تشفق عليهم، أنهم لا يعنوك كما كان سابقًا
باختصار تتحول إلى إنسان أخر، علاقتك بروحك القديمة تتغير، تتبدل بالعمق والسطح، تنفصل عن ذاتك القديمة، تلاحق عقلك الجديد، المتغير جذريًا، وترتمي في احضان المعرفة بعيدا عن العلاقات المباشرة مع الناس
هل هو دمار ذاتي أم ترفع أم خراب؟
ربما الجميع

العقلاني
العقلاني هو الإنسان المتوازن المتواضع، يتعامل مع الحياة وفق مقادير محسوبة، لا يتطرف ولا يخبص.
الوجود عميق جدًا، هذا لا شك فيه.
بالنسبة لي اعتبر أن المادة اسبق من الوعي بأشواط هائلة، جاءت أولًا والثاني لحقه.
أما عن الصياغة، فيمكننا صياغة العلاقة بين المادة والعلم بروح الإنسان المحب للوجود وقوانينه.
اعتقد لن يكون تمازج بين الوعي والمادة اطلاقا، لأن لكل واحد قوانينه، وهما خطان متوازيان لا يلتقيان.

السياسيون
السياسيون تحديدًا، أساتذة النميمة والدسائس والخبث، يحفرون لبعضهم الحفر العميقة.
الحسد هو السبب الأول، هو من أجل كسب الغنائم الوهمية والمكانة.
وعندما يصل أحدهم إلى القمة يتزلفون ويتواطئون على بعضهم من أجل كسب رضا الجالس في القمة.
هناك سادية ومأزوخية في عمق اللأشعور العام، أو العقل الباطني لهؤلاء الناس.
وإذا لا نفكر كما يفكرون يعتبروننا مذبذبين، انتهازيين. لأزم نتحول إلى جوقة واحدة في الشتائم وفي الردح وفي الطلاء وفي الزيف، وإلا فإن الذي في القمة لن يقبل بنا.
عندما تدخل في خلاف مع أحدهم يتناول تاريخك، يعريك كما يعرض الطليق طليقته أو العكس، ويبدأ كل واحد يقدم للأخرين المظلومية ليكسب وينتشي بنجاحه في تدمير المختلف معه.
الدسائس، عقدة نفسية، كامنة في بعض النفوس، يرتاح نفسيًا من يقوم بالدس، يفرغ الطاقة النفسية السلبية من داخله عندما يقدم على تحقير غيره.
وهناك مرضى كثر في عالمنا لا يرتاحون إلا إذا قتل الأخر نفسيًا وشوهه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش