الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذِكرى وفاتِكَ . في البال دائما أنتَ يا أَبي

محمد علي بن عامر الطوزي

2024 / 4 / 24
سيرة ذاتية


في الثالث عشر من شهر كانون الاول من سنة 2011 ، غادَرْتَنا إلى الأَبد يا أَبَتي ، غادرتنا ولم يَبْقَ لنا منكَ في مُخَيلتنا وفي قلوبنا إلّا ذكراك الطيِّبة والصُّورُ الجميلةُ عن كل مراحل العمر التي رافقتنا فيها إلى لحظة رحيلك، نتوقف عندها كلما عنَّ لنا أن نستعرض بعضًا من مآثرك وما أكثرها التي يُقِرُّ بها كلُّ الذين عرَفوك وعايشوك وأحبُّوك ،البعيدين منهم قبل المُقَرًّبين.
لقد كنتَ طيَّب القلب والمعشر، كتوما ، قليل الكلام، وإذا تكلمت فبالكأد صوتُك يُسمَع؛ كنتَ كثيرا ما تلازم الصمت والصمت يلازمك في حركاتك وسكناتك ومشاعرك. كنت تحب بصمت وتغضب وتثور فِي صَمْتٍ حتى وإن كان هذا الصمت يستفزُّ المحيطين بك ويثير أعصابهم.
كنتَ قنوعا وكنتَ تُؤْثِرُ على نفسِك حتى وان كان بِكَ خَصَاصَةٌ وكنتَ كريما رغم ضِيقِ ذات اليد لا تتوانى عن تقديم الدعم المالي والمعيشي لكُلِّ من قصدك وانت الذي دخلت معترك الحياة مبكَّرا وأصبحتَ العائل الوحيدَ لأخيك وأختَيْك بعد ان فقدت والديك.
ورغم ثِقَلِ المسؤولية التي تحمَّلتها بقلب كبير حافظت على كبريائك وعزة نفسك وأنَفَتِكَ فاشتغلْتَ في مِهن كثيرة في مسقط رأسك بمدينة المنستير لمواجهة ظروف الحياة الصعبة قبل شدِّ الرحال الى تونس العاصمة حيث أقمت في ضاحيتها الجنوبية، بن عروس، مع عائلتك وانتقلت من مسكَنٍ إلى مسكن على وجه الكراء قبل ان تمتلك في الستينات من القرن الماضي منزلا اشتريتَه بمبلغ 650 دينارا وفتحتَه لكل من جاء من أهاليك الى العاصمة لقضاء شأن من الشؤون فآويتَهم وأكرمْتَ وفادتَهم لفترات ،قصيرة كانت أو طويلة.
وفي تونس حيث اشتغلتَ كسائق في بعض الدَّواوين العمومية كنتَ عاملا مثاليا و أينما مرَرْتَ لم تَتْرك وراءكَ إلا الأثر الطيب لحسن سلوككَ وتفانيكَ في العمل ومحافظتكَ على الملك العام.
وما زلتُ أتذكَّرُ فيما أتذكر تلك السيارة الإدارية الزرقاء ذات الخيول الثلاث التي كنتَ تَعود بها مساء الى البيت وكانت أمي ،بعفويتها ،تلتمس منكَ أن تستغلَّها لتعليم أبنائِك السياقة فتأْبى وتُصِرُّ بشدة على رفضك غيْرَ مُبَالٍ بما تَتْرُكُهُ في نفوسنا من حَسْرَةٍ وإحْبَاطٍ,.
عُدتَ إلى مَسْقَط رأسك بعد إحالتك على شرف المهنة ، وبعد وفاة أمِّي التي سبِقتكَ الى العالم الآخر ، بَقِيتَ تعيشُ بمفردك تعاني آلام الوحدة رغم سعينا إلى التخفيف منها بزياراتنا المتكررة لك بمناسبة أو غير مناسبة للإطمئنان عليك وقضاءِ بعض شؤونك . وكَم كان يحز كثيرا في نفوسنا أن نتركك لِوحدَتِكَ وِلكن ما حيلتنا وكنتَ رفضتَ بكبريائك المعهود الإقامة مع أحد من أبنائِك.
ومِن بينِ ما أتذكَّرُ، كَذلِك ، باقةَ الوَرْدِ التي أَرْسَلْتُها إليكَ عن طريق البريد السريع بمناسبة عيدِ ميلادِكَ ،وقد كانت مفاجأة سارة لكَ وفَرحتَ بِهَا مثلما عبَّرْتَ لي عن ذلك فيما بعد قائِلاَ إِنَّهُ لم يسبَق أن تلقيتَ مثلها.
هذا غيض من فيض الذكريات التي بقيت عالقة في ذهني استحضرتها في ذكرى وفاتك علَّني أُوَفِّي روحَكَ التكريمَ والتَّبْجِيلَ و إبراز بعض الخصال التي كنتَ تتحلى بها حتَّى لا يطويها النسيان فالزمن لا يمحو ذِكرَ مَنْ نُحِبُّ وَإن غيَّبهُ الموتُ ، والمرءُ حديثٌ بعدَه .
وانت يا أبي ، لقد بلغني خبَرُ وفاتك ، الذي نزل علي كالصاعقة، وأنا خارج حدود الوطن ، في مدينة بوردو الفرنسية التي انتقلت إليها لحضور مناقشة أطروحة دكتوراه حفيدِك وائل. لم أحضر المناقشة ولكني كنت حاضرا لتَوديعكَ الوداع الأخير لحظات قبل خُروج موكِبِ دفنك.
نَمْ قَرِيرَ العين يا أبي،،،
ولروحِكَ السَّلامُ والسَّكِينَةُ والطُّمَأنِينَةُ فَأَنْتَ دَائمًا في البال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طيب الذكر لا يموت
سمير أل طوق البحراني ( 2024 / 4 / 24 - 02:55 )
رحمه الله برحمته الواسعة . انها سنة الحياة ايها الاخ الكريم . له طيب الذكر ولكم الاجر والطمانينية . كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام.

اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين