الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة السادسة والأخيرة من موضوع الحصانة الدبلوماسية بعنوان: ما هي الحصانة الدبلوماسية؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تعريف الحصانة:
1 - التعريف اللغوي: من الناحية اللغوية فإن مصطلح الحصانة يرجع في أصلهِ إلى فعل حصّن أي منع، والحُصن هو كل موضع حصين لا يُوصَل إلى ما في جوفه، وتحصّن، يعني دخل الحصن واحتمى به، وفي هذا يقول تعالى في مُحكَم تنزيله في سورة الأنبياء في قصة داود عليه السلام:
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم من بأسكُمْ فهل أنتُم شاكِرون)
أي علّم الله داوود صُناعة الدروع لتكون وقاية في الحرب ولدى اشتداد البأس.
ويقول الله تعالى في معنى حصّن، أي منَعَ، وذلك للدلالة على أن من يتمتع بالحصانة يجعله منيعا من أن تطاله يد الآخرين أو سواها. يقول تعالى في الآية 14 من سورة الحشر(لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أو من وراء جدار) . والمقصود يهود بني النُضَير الذين كانوا يقاتلون المسلمين من خلف الحيطان متحصنين بالبيوت والجدران.
ومن هنا كانت الحصانة الدبلوماسية، بمعنى جَعْلِ المتمتع بها في حالةٍ تمنعُ التعرض إليه، أو مقاضاته لأسباب ينظمها القانون الدولي في مجال العلاقات الدولية، بالنسبة للمبعوث الدبلوماسي ومن في حكمه.
**
2 - التعريف الاصطلاحي:
عَرَّف (مُعجم المصطلحات الاجتماعية) الحصانة بشكل عام بأنها: (إعفاء الأفراد من التزامٍ ما أو مسؤولية ما، كإعفائهم من تطبيق القواعد العامة في المسائل القضائية أو المالية).
أما الحصانة الدبلوماسية فعرّفها بأنها (إعفاء بعض الأشخاص أو الهيئات من ولاية القضاء في الدولة التي يُعتمدون فيها، وذلك في حالة الإدعاء عليهم، وهؤلاء يشملون ممثلي الدول الأجنبية والهيئات الدولية المعترف بها).
**
3 - التعريف القانوني:
عَرّف (مُعجم المصطلحات القانونية) الحصانة الدبلوماسية بأنها: (مبدأ يقضى بعدم خضوع المبعوث الدبلوماسي للقضاء المحلي للدولة التي يُمثل دولته فيها، وتَمَتُّعَ دارهِ ودار البعثة الدبلوماسية بالحماية والحُرمة، بحيث لا يجوز لموظفي الحكومة الدخول إليها إلا بموافقة منه أو من رئيس الحكومة) .
**
وعرفتها مجموعة الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية بقولها:
(يُقصَد بالحصانة امتياز الإعفاء من السلطات القضائية أو تعليقها أو عدم امتناعها عن ممارسة الاختصاص القضائي من قبل السلطات المختصة في دولة إقليمية) .
**
أما إدارة المراسم بوزارة الخارجية المصرية فقد عرّفت الحصانة بأنها (تلك الإعفاءات من بعض الأعباء المالية والنُظُم الإجرائية التي يخضع لها المواطن، ويُقررها التشريع الوطني لتلك الفئة الأجنبية احتراما لمبدأ المعاملة بالمثل المعمول به دوليا، وتجاوبا مع أحكام القانون والعُرف الدوليين تسهيلا لقيام هذه البعثات وأعضائها بمهام وظائفها).
**
وجاء في ويكيبيديا الموسوعة الحرة، أن الحصانة الدبلوماسية هي نوع من الحصانة القانونية وسياسة مُتّبعة بين الحكومات تضمن عدم ملاحقة ومحاكمة الدبلوماسيين تحت طائلة قوانين الدولة المُضيفة. وقد تم الاتفاق على الحصانة الدبلوماسية كقانون دولي في مؤتمر فيينا للعلاقات الدبلوماسية الذي عقد في 1961 .
**
الحَصانة الدبلوماسية هي مصطلح قانوني للامتياز الذي يمُنح إلى بعض الناس الذين يعيشون في البلاد الأجنبية. وهو يسمح لهم أن يظلوا خاضعين لسلطة القوانين في بلادهم. فالسفراء أو الوزراء والوكلاء الدبلوماسيون الآخرون يُمْنَحون هذا الامتياز. ومثل هؤلاء الوكلاء لا يمكن القبض عليهم لمخالفة قوانين البلاد التي يُرسَلون إليها. ولكن إذا خالفوا القوانين المحلية فإن حكوماتهم قد تُطالَب باستدعائهم، وهناك اتفاقات دولية تنظم معاملة الوكلاء الدبلوماسيين والمكان الطبيعي الذي تشغله السفارات وأماكن المندوبين الرسميين، والقنصليات في البلاد الأجنبية.
الحصانة الدبلوماسية واحدة من الأوراق السياسية والقانونية الرابحة للأشخاص الدبلوماسيين الذين يواجهون الضغوطات والتهديدات المُمَارسة من قبل الأنظمة التي تطالب بمحاكمتهم أو تصفيتهم في بعض الأحيان وتُعتبر الوسيلة المُثلى لكف هذه الضغوطات.
**
وقد ورد في دراسة أعدّها مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الإنسان أنّ:
الحصانات والامتيازات الدبلوماسية تُشكِّل أهم الركائز الأساسية للعلاقات الدولية حيث تهدف إلى تأمين الأداء الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية وتيسير مهامها الحساسة، إضافة إلى تأمين أهدافها القائمة على إدارة الشؤون الخارجية للأطراف الدولية وتعزيز علاقاتها القائمة على أسس ومبادئ المساواة وحفظ السلم والأمن الدوليين.
**
لقد استقر الوضع منذ بدء تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدول على أن تتمتع البعثات الدبلوماسية بحصانة تامة، ضمانا لاستقلال المبعوثين من ناحية، واحتراما لسيادة الدول التي يمثلها كل منهم من ناحية أخرى.
وقد حرصت الأمم القديمة على احترام وتقديس الممثل الدبلوماسي في إطار المهمة الموكولة
إليه .
وورد في مجموعة القوانين الرومانية ما يلي : " إن من يعتدي على سفير دولة أجنبية، يخرق أحكام القانون الدولي ويجب تسليمه إلى حكومة السفير وأبناء شعبه للاقتصاص منه على هذه الإهانة " .
**
وأصدرت حكومة هولندا في عام 1651م. قانونا ينص على ما يلي:
" إن القانون الدولي العام، وحتى قوانين البرابرة، تقضي باحترام وتكريم السفراء والممثلين الدبلوماسيين الموفدين من قبل الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات. ولذلك يحظر على كل إنسان إهانتهم أو التعرض لهم، أو إلحاق الأذى بهم تحت طائلة الحكم عليه بجرم خرق مبادئ القانون الدولي والإخلال بالأمن العام" .
وفي عام 1728م. حُكِم في السويد على أحد الأشخاص بالإعدام لإقدامه على شتم سفير الملك لويس الرابع عشر علنا.
**
هذه أمثلة قليلة تثبت أن للممثل الدبلوماسي الحرية والحصانة، وأن التعدي عليها يحرك المسؤولية الدولية للدولة المضيفة، إذا لم تتحرك لإزالة ما تعرض له المبعوث الدبلوماسي من إساءة .
وإذا ما تحدثنا عن السند القانوني للامتيازات و الحصانات الدبلوماسية فقد ظهرت تاريخيا، ثلاث نظريات تُبرِز منحِ أو إقرار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية:
نظرية الامتداد الإقليمي
تعني عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي ومباني البعثة الدبلوماسية للاختصاص الإقليمي للدولة المُضيفَة لأنها تفترض على أن المبعوث لم يغادر بلده، وأن دار البعثة تُعتبر جزءاً من أملاك الدولة الموفِدة وتخضع لسيادتها. وهذه النظرية تعرّضت لانتقادات كثيرة.
نظرية الصفة التمثيلية
تعني أن المبعوث الدبلوماسي يمثل دولته ورئيسها معاً، وأنه يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية وأن الإعفاء من الاختصاص القضائي للدولة المُضيفَة هو إعفاء لدولته ورئيسها.
وقد فقدت هذه النظرية أهميتها في الوقت الحالي لأنها تُعتبَر غير كافية لتفسير الحصانات المختلفة.
نظرية المقتضيات الوظيفية
هذه هي النظرية الحديثة وهي تتطلب منح المبعوث الدبلوماسي الحصانات والمزايا من أجل قيامه بواجباته الوظيفية على أحسن وجه. وهذه النظرية هي أسلم النظريات التي يمكن إسناد الحصانات إليها. ومن عيوبها أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية فقط في الدولة المستقبِلة(أي المُضيفة) ولا يتمتع بها في دولة أخرى حتى لو كان في طريقه إلى مقر عمله.
وفي رأي اغلب الفقهاء المعاصرين ، أن هذه النظرية قد تكون أصلح النظريات التي يمكن أن تُتخذ أساسا لإسناد الحصانات و الامتيازات الدبلوماسية من ناحية، ولتحديد مداها من ناحية أخرى.
**
طبعا بعد كل تطور العمل الدبلوماسي عبر التاريخ لاسيما في عصر النهضة في أوروبا، وخلال القرن السادس عشر، أصبحت هناك حماية خاصة وحصانة من الولاية القضائية الجنائية حتى بالنسبة للسفراء المشتبه بهم. وعلى مدى القرن السابع عشر ظهرت قواعد مفصلة فيما يتعلق بحصانة السفراء والأُسر المصاحِبة لهم والموظفين المدنيين فضلا عن الإجراءات الجنائية، وحرمة مباني السفارات والإعفاء من الرسوم الجمركية ومن الضرائب.
**
إذا كان لا بُدّ أخيرا من اتفاقية دولية حديثة تُشكِّل المرجعية الأساس في مسألة العلاقات الدبلوماسية بين الدول والحصانات المُترتبة على ذلك، فكانت اتفاقية فيينا التي تمّ التوقيع عليها عام 1961 ودخلتْ حيِّز التنفيذ في نيسان 1964. والتي شكّلت إطارا دبلوماسيا عصريا للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وحدّدتْ امتيازات البعثة الدبلوماسية والحقوق والواجبات الخاصّة بأفرادها والتي تُمكِّن الدبلوماسيين من أداء وظيفتهم دون خوفٍ من الإكراه أو المضايقات من قِبل البلد المُضيف، وتشكل الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية وتُعتبر مواد هذه الاتفاقية حجر الزاوية في العلاقات الدولية الحديثة. كما تحدّثت عن مفاهيم الحصانة الدبلوماسية وقطع العلاقات.
**
وبهذه الحلقة سأكتفي بِما تمّ نشرهُ من الدراسة التي أعدّتها إبنتي قبل سنوات خلال دراستها الأكاديمية كما أشرتُ في أول حلقة، بإشراف أستاذ مختص، إذ أن الدراسة طويلة، وفي آخرها هناك قائمة بكافة المصادر التي تمت الاستعانة بها، وهي 37 مصدرا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار