الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقر وحقوق الانسان

محسن أبو رمضان

2006 / 12 / 7
حقوق الانسان


أحسنت الأمم المتحدة صنعاً حينما أعلنت أن يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف 10/ 12 من كل عام سيكون في نفس الوقت يوم مكافحة الفقر ، تحت شعار مكافحة الفقر واجب وليس عمل خيري .
وكما قال القائد الأممي نيلسون مانديلا أن الفقر هو الشكل الحديث للعبودية،وعليه فكما جرم العالم العبودية والإملاق واعتبرها شكلاً فظاً للحط من كرامة الإنسان، فإنه بالضرورة يجب أن يجرم الفقر لذات الأسباب ، ولكن ومن أجل وصول البشرية لهذه القناعة فنحن بحاجة إلى جهود متراكمة ومتسمرة ومتواصلة تؤكد ضرورة اجتثاث أسباب الفقر والعمل على تحقيق التضامن الإنساني من أجل إنهاء حالة العوز والفاقة ، خاصة في ظل توفر الموارد المادية بالعالم التي تستطيع توفير فرص العمل لملايين العاطلين عن العمل كما تستطيع توفير الموارد بالمجالات الصحية والتعليمية والخدمية والسكنية .
فمن المعروف أن 20% من البشر وهم بلدان الشمال الرأسمالي( أمريكا ، أوروبا، اليابان ) يستحوذوا على ما يقارب 84.4 % من الدخل العالمي ، بينما أن أفقر 20% وهم في بلدان الجنوب ( المحيط ) لا يحصلوا على أكثر من 1.4% من الدخل العالمي ، الأمر الذي يؤكد أن الخلل يكمن في السيطرة والاستحواذ على الموارد والاستقطاب الهائل الرأسمالي لصالح بلدان الشمال والتي تقوم به الأدوات المالية للعولمة بالإضافة إلى الشركات العابرة للقوميات،ويذكر أنه ما زال ما يقارب من 1.5 مليار إنسان يعيشوا بأقل من دولار واحد باليوم كما أن هناك حوالي 800 مليون إنسان يعتبرون في عداد الجوعى .
من هنا فإن الخلل يكمن في آليات إنتاج الفقر التي تعمق الهوة بين الأغنياء والفقراء وتعمق التمايز الاجتماعي والطبقي من خلال حرمان قطاعات بشرية واسعة من فرص الحصول على الموارد بصورة متساوية من خلال استغلال الثروات والمواد الخام في بلدان الجنوب وإبقائها أي بلدان الجنوب ملحقة و مشوهة البنية وتابعة لبلدان المركز الرأسمالي ، التي تعزز تحقيق عملية فائق القيمة بصورة عالمية من خلال الطبقات الاجتماعية المسيطرة وخاصة الكمبرادور الذي يدير شؤون بلدان الجنوب والتي تصبح مصلحته مرتبطة بآليات استيراد البضائع وتسويقها في السوق المحلي وليس من خلال تطوير ديناميات الإنتاج الرامي إلى تحقيق نسبة من الاعتماد على الذات في ترابطات إقليمية محددة ربما تساعد على فك عرى التبعية مع حركة الرأسمال العالمي .
لقد تطور مفهوم الفقر ليتجاوز الأمور ذات العلاقة بالدخل رغم أهمية هذا المحور ، بمعنى عدم القدرة على توفير المقومات الأساسية للحياة من مأكل وملبس ومسكن ومواصلات ...إلخ، ليعنى ضرورة توفير العيش الكريم للإنسان بوصف ذلك العيش شكل من أشكال الكرامة الإنسانية والحق بصونها والحفاظ عليها وتطويرها، كما تطورت آليات مكافحة الفقر من العمل الاحساني أو الخيري إلى الحق الذي يجب أن تكفله الدولة لصالح القطاعات الاجتماعية كما بالضرورة أن يكفله المجتمع الدولي للبلدان والشعوب التي تأن تحت وطأة الفقر والمرض والفاقة والجوع ، فبالضرورة أن تقوم الدولة بسن التشريعات وضمان القوانين التي تحد من آليات السوق القائم على المنافسة والاستغلال الرأسمالي والذي يتم على حساب القوى العاملة والفئات الاجتماعية التي يتم تهميشها أو افقارها ليس فقط اقتصادياً ولكن سياسياً ومدنياً من خلال الاستبعاد والإقصاء والحرمان من فرص المشاركة بالحياة السياسية والنقابية والإعلامية والاجتماعية بسبب الفقر الاقتصادي والذي يصبح الأخير نتيجة أيضاً بسبب غياب الحاكمية الصالحة وطمس الحريات الديمقراطية والنقابية والمدنية والإعلامية في نفس الوقت ،فهناك ترابط بين الفقر وحقوق الإنسان والحكم الرشيد .
كما بالضرورة قيام المجتمع الدولي ببلورة الأدوات والآليات التي توفر العيش الكريم لشعوب وبلدان الجنوب، وعليه فقد قامت منظمات المجتمع المدني وبناءً على أهداف الألفية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتحديد أهم المطالب التي يمكن أن يقوم بها المجتمع الدولي لتخفيف حدة الفقر ومنها ضرورة إلغاء ديون بلدان الجنوب ، وتخصيص 0.7 % من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الشمال لصالح صندوق يخصص ريعه لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمية بالمجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية لصالح بلدان الجنوب، ومنها كذلك إجراء تعديلات على قوانين منظمة التجارة العالمية بحيث تسمح بحماية المنتجات المحلية لبلدان الجنوب في ظل الإجراءات الحمائية التي تقوم بها بلدان الشمال حفاظاً على منتجاتها الاقتصادية وسوقها المحلي .
ورغم الأنشطة الايجابية التي تقوم بها الحركات الاجتماعية الجديدة ضد منهج العولمة الاستغلالي مستغلين بعض المناسبات مثل اجتماعات منظمة التجارة العالمية ، أو مجموعة الدول الصناعية الثمانية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تهب بها تلك الحركات باتجاه المطالبة بجعل الفقر من الماضي ، أو إلغاء المديونية ، أو تنفيذ التعهدات العالمية ، إلا أن تلك التحركات التي أخذت شكلاً أممياً في مواجهة الرأسمالية المعولمة ، والتي تتصاعد ككرة الثلج ابتداءً من بورتواليجري مروراً بسياتل ودافوس ، وكيبك ،وروما و بومباي ......إلخ ، إلا أن المهتمين بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية باتوا يدركون أنه ليس هناك فقط أهمية لتنظيم تلك المنتديات وذلك عبر الفاعليات التي تقوم بها الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة على المستويات العالمية والإقليمية والقطرية ، بل من الضروري أيضاً أن يتم التفكير بآليات تساعد على تحقيق عالم أفضل وهو ممكن حسب شعارات تلك الحركات الاجتماعية والعالمية " عالم أفضل ممكن ".
وبالحقيقة فإن هناك توجهين ، لمقاومة ظاهرة الإفقار والاستغلال الرأسمالي العالمي المعروف باسم العولمة ، يعتمد التوجه الأول على المنهج الكينزي الرامي إلى إجراءات تدخلية من قبل الدولة والمجتمع الإنساني للحد من فجوات الفقر وذلك عبر تخفيفها والقيام بعملية إصلاحية تؤدي إلى تقليص التمايزات الاجتماعية و الطبقية الهائلة ، ويعتمد المنهج الثاني على ضرورة تجاوز النظام الرأسمالي بما فيها آليات السوق والمنافسة للشركات الاحتكارية ، وذلك دون الدخول في تفاصيل هذا النظام الجديد ، إلا أن أساسه يجب أن يعتمد على وحدة الإرادات السياسية في إطار ديمقراطي شعبي محلي وإقليمي يساعد على فك الارتباط والتبعية مع البنى الرأسمالية الاحتكارية العالمية .
إلا أن ما يوحد الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة هي مقاومتها لآليات الاستغلال والاستقطاب الرأسمالي العالمي الذي يتم على حساب فائض قيمة القوى العاملة في بلدان الجنوب وعلى حساب أسواقها وثرواتها وموادها الخام .
لقد أصبحت قضية مقاومة الفقر قضية كفاحية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالعالم تقودها الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة الاستغلالية بمعانيها المالية والاقتصادية ، وهي قضية حقوقية ، وقد اعتمدت الأمم المتحدة العديد من الوثائق التي تؤكد وجوب التحرر من الفقر والفاقة وضمان العيش الكريم كما تؤكد على الحق بالتنمية على المستوى الفردي والجمعي .
في بلادنا علينا الاستفادة من انجازات البشرية عبر اعتماد الوثائق الدولية المناهضة للفقر والجوع والفاقة وعلينا التعامل معها كقضية حقوقية وربطها بالتحرر الوطني والسياسي ، حيث ان الفقر وبمفهومه الواسع والقائم على الحرمان والتهميش يمارس على المجتمع الفلسطيني الذي ما زال محروماً من حقه في تقرير المصير وفي السيادة الوطنية عبر استمرارية الاحتلال والاستيطان والجدار وعبر الحصار الاقتصادي الذي يعمق من درجة الاستلاب والتهميش والإقصاء لكل شرائح المجتمع .
لقد آن الأوان لتجاوز المفهوم الخيري من أجل التصدي للفقر والتعامل معه كشكل من أشكال العبودية ، فهل تستطيع البشرية إقرار ذلك في المواثيق الدولية ؟وهل نستطيع دمج ذلك بالقانون الفلسطيني ؟
يعتمد الكثير بالإجابة على هذا التساؤل على استمرارية يقظة الحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة وقدرتها على تحقيق عالم أفضل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة


.. مقتل عدنان البرش أحد أشهر أطباء غزة نتيجة التعذيب بسجون إسرا




.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟