الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة الفلسطينيّة ما بين ثقل المسؤوليّة وسموّ الرّسالة

رولا خالد غانم

2024 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


الزّمن ليس مجرد وقت نعبر من خلاله ضمن حركاتنا، وإنّما هو بمثابة سجلّ يترقّم عليه كلّ إيقاع يرنّ في وجودنا، ويكتب هذا الإيقاع بأسلوب ليس مسبوقا ..أشياءنا وحياتنا وأدوارنا، سواء من خلال أصوات أو مواقف أو أقلام نحن نختار ألوانها ومن ضمنها اختيارنا لطبيعة تفكيرنا وفهمنا للعالم وطريقتنا في المضيّ داخله باعتباره السّيل الذي لا يتوقف ولا يترك أحدا يتجاوزه سوى الأحرار والمبدعون والثائرون.
وتعدّ مشاركة المرأة مقياسا لتقدّم الشّعوب ورفعتها، فهي مكوّن أساسي من مكوّنات المجتمع بل هي أساس المجتمع، لأنّها مربيّة الأجيال وصانعة الرّجال، فهي الأمّ التي تبني وتربّي، ومتى صلُحت الأمّ صلُح المجتمع، وإذا كانت دو بونغ سون المرأة الكوريّة الناشطة السياسيّة والكاتبة الثوريّة الأكثر شهرة في النصف الأول من القرن العشرين رمزا للقوّة والصّمود ومضرب مثل في المثابرة والنجاح، وإذا كانت جميلة بوحيرد المقاومة الجزائريّة ضد الاستعمار الفرنسي في أواخر القرن العشرين رمزا للنضال والتحدّي، فإنّ هناك نساء فلسطينيات صانعات للمجد والتّاريخ، من خلال المواقع والأدوار التي شغلنها.
فالمرأة الفلسطينيّة تشكّل نحو نصف المجتمع، وتحتلّ مكانة عظيمة بين النساء العربيات لما قامت وتقوم به من أدوار سواء على الصّعيد السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإبداعي، فهي تتمتّع بصفات تجعلها تتميز عن أي امرأة عربية منها: الصمود في وجه التحدّيات والمصاعب، والقدرة على تحمّل المسؤوليات بقوة العزيمة والإرادة والثقة بالنفس والشخصيّة القويّة، هي مدرسة تبني وتؤسّس أجيالا ناجحة وأبطالا لا يهابون شيئا، هي صانعة للمستقبل لما تمتلكه من رؤى بنّاءة من أجل نهضة مجتمعها، هي صانعة للأحلام التي ترعاها وهي تربّي أبناءها على التفوّق والتميّز في كافة الميادين، هي أمّ الشهيد الصابرة المحتسبة، وأمّ الأسير المرابطة، وهي الثّائرة والمبدعة منذ عشرات السنين.
وقد كانت أوّل مشاركة للمرأة الفلسطينيّة في ثورة للشّعب الفلسطيني ضدّ الانتداب البريطاني في27فبراير شباط 1920حيث تظاهرت في قلب مدينة القدس، وكانت من ضمن الوفد الذي التقى بالمندوب السّامي من أجل إلغاء وعد بلفور، فهي شريكة للرّجل حتّى في النّضال السياسي والعسكري، لقد لعبت المرأة الفلسطينية دورا محوريا وعظيما في مسيرة النّضال، ومن أبرز القياديّات الفلسطينيّات وما قمن به: السيدة زليخة الشّهابي، أحد أهم نساء العمل النّسائي الوطني قبل إعلان كيان الاحتلال الصهيوني بعقدين من الزمن، وهي مؤسسة أول اتحاد نسائي فلسطيني، ومشارِكة في تأسيس منظمة التّحرير الفلسطينيّة، وقد سطرت بصمودها وعنفوانها أسمى آيات النضال، ومهّدت لمرحلة جديدة فتحت المجال لمساهمة المرأة الفلسطينيّة بجديّة بعد أن كانت محيّدة؛ بسبب معتقدات ومفاهيم وعادات تأصّلت في المجتمع الفلسطيني المحافظ، ومن الجدير بالذّكر أن الشّهابي أُبعدت عن القدس عام1968.
ومن النّساء الفلسطينيّات اللواتي رسخ اسمهن في عقول الفلسطينيين، المناضلة دلال المغربي التي ولدت في مخيم اللاجئين صبرا الذي لجأت إليه في أعقاب النّكبة هي وأسرتها، لتعيش المعاناة وتحمل فكرا ثوريا أدى بها إلى القيام بعمل فدائي يعجز الرجال عنه بإقدام وشجاعة لم يسبق لها مثيل، فقد قادت عمليّة خطف جنود عام 1978؛ ممّا أدّى إلى مقتل أكثر من ثلاثين إسرائيليا لتستشهد برفقة مقاومين شاركوا معها هذا العمل البطولي النّوعي.
ومن النّساء الفلسطينيّات المناضلات، ليلى خالد وهي عضو في الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين وقد قامت بخطف طائرة زلزلت الكيان وأثارت الرعب في قلبه.
ومن النّساء اللواتي سطرن أروع الملاحم البطولية أيضا، شادية أبو غزالة..أوّل شهيدة بعد النّكسة، أمّا فيما يتعلّق بالحركة الأسيرة، فقد كان للنّساء الفلسطينيّات نصيب في الأسر، حيث تمّ أسرهنّ إلى جانب الرّجال، حتّى أنهنّ قمن بتنظيم إضراب جماعي عن الطّعام عام 1970 وفي شهر نيسان؛ للمطالبة بوقف التّهجم عليهن وامتهان كرامتهنّ، والكفّ عن عزلهنّ الانفرادي.
وما زالت المرأة الفلسطينيّة تُعتقل لغاية الآن، كالأسيرة المحرّرة خالدة جرار الناشطة النسوية اليساريّة وعضو المكتب السّياسي للجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، والنّاشطة السّياسيّة أمان نافع زوجة الأسير نائل البرغوثي التي تعرّضت للضّرب والتّنكيل، وغيرها من النّساء سواء من غزّة أو القدس أو الضّفة الغربيّة أو الدّاخل المحتلّ.
وقد بلغت حصيلة حملات الاعتقال في صفوف النّساء بعد السّابع من أكتوبر نحو(258) تشمل هذه الإحصائية النّساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وغزّة والضّفة.
وفي هذه الآونة أي خلال معركة طوفان الأقصى قامت المرأة الفلسطينيّة بمهام عدّة منها: إسعاف المصابين والجرحى، وتعزيز صمود المقاومين، ورصد الأحداث وتوثيقها ونقل صورة ما يجري إلى العالم، وإغاثة الشّعب الفلسطيني من خلال إطلاق المبادرات الإنسانية، وتشييع أبنائها من الشّهداء برباطة جأش ورضا بالقدر، والتّعبير عن مشاعرها ومشاعر شعبها من خلال أعمالها الإبداعيّة. فلدينا مبدعات عصيّة الذّاكرة على نسيانهنّ منهن: الشّاعرة فدوى طوقان التي جسّدت بشعرها معاناة الشّعب الفلسطيني واستقطبت حلفاء لقضيتنا، ولدينا روائيّات مثل سحر خليفة، ديمة السّمان، د. رولا خالد غانم. كلّ واحدة من هؤلاء ساهمت في الدّفاع عن الشّعب الفلسطيني في سبيل حرّيته، ونهضته وتنميتة ورفعتة حسب مجال تخصّصها.
وعلينا أن لا ننسى أنّ لدينا مثقفات وفنّانات في مجال المسرح والسّينما من أمثال ريم التلحمي، وفنّانات تشكيليات مثل تمام شمّوط، ومغنّيات صدح صوتهنّ باسم فلسطين مثل ابنة الناصرة الرّاحلة ريم بنا التي حملت هم القضيّة الفلسطينية تاركة بصمة وإرثا للأجيال، وعبير صنصور، ابنة مدينة بيت لحم التي عزفت على العود وغنّت للأرض والحريّة والجمال.
النّماذج كثيرة لا تكفيها مقالة واحدة، ومسيرة عطاء وإبداع ونضال المرأة الفلسطينيّة مستمرّة فلم ينل العدوّ من عزيمتها، هي تستحقّ تسليط الضوء عليها ومنحها مساحة أكبر في جميع المؤسّسات والمراكز منها مراكز القيادة؛ لأنّها إن تبوّأت منصبا أبدعت وأخلصت، وإن توفّرت لديها الأدوات أذهلت وأنتجت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي