الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدي والغزاة: واقعة في ليلة الاحتلال البريطاني 1917

مظهر محمد صالح

2024 / 4 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كان ليلاً ثقيلاً بظلمائه لف عاصمة الدنيا ( بغداد) بازقتها التي ضاقت هلعاً باهلها بعد ان ادركهم الخوف على مصيرهم المجهول .انه يوم عاصف في الحادي عشر من اذار/مارس 1917 ، يوم دخلت خيول وعربات الجيش البريطاني قلب المدينة، لتؤدي قوات الهند البريطانية دورا مهما في ذلك الاحتلال لتستعرض نفوذها العسكري تاركة خلفها اتربة اختلطت لدى الناظر ما بين صهيل الخيل وزعيق العربات المدججة بالسلاح ، حينها ازدحمت في مسامع الكل لكنة الجنود الهنود ( الگرگه) الممتزجة بصيحات القادة الميدانيين البريطانيين بلغتهم (الانكليزية) الآمرة و الناهية .
انها قوة الاحتلال تتحرك في قلب بغداد لتزيح من امامها جميع مسميات وتقاليد وشعارات الامة العثمانية المنكسرة التي امست مقوماتها ثاوية على اطراف امبراطوريتها المتهالكة .
كان جدي يومها موظفاً حكومياً في واحدة من المحاكم العثمانية ببغداد ، هو رجل اداري بيروقراطي النزعة والوجدان ، فقد اختلط لديه ذهول الكيف بوجوم الفكر الذي لفه يومها غشاء من الخوف والخشية، ولاسيما بعد ان اقتحمت اذنيه ضجة الاحتلال ، وهو يتقلب بين الصمت واليأس ، وكأنه يغادر مقبرة الاحلام التي غدت مغطاة برماد المحتل الغاشم.
هنا همست جدتي في اذنيه وقد لف الوجل وجهه وانفاسه وهو يتقلب بمعادلة بات عدد المجهول فيها يفوق عدد المعلوم منها ، وجدتي مازالت تلامس غده في كفن امسه قائلةً له :ويحك يارجل لماذا يطاردك ذئب الذكريات لعصر طوى صفحته وضياء القمر الهارب يلاحق سحابة الماضي وهي سحابة تتخفى في دهاليز بيتنا ؟فاجابها من فوره وهو في حوار الخوف..انه القرار الذي لابد من ان اتزعزع فيه عن حافة الهاوية واحتمي بدهاليز الماضي واختفي عن المجهول القادم ؟ وأجابته جدتي بالقول وماذا انت فاعل ؟ قال سأحتمي ببيتي بلا شك فان جيراننا في زقاق محلتنا ( قنبر علي ) في قلب مدينتنا ، لم يعد اهلها بتلك القوة المعهودة في هذه الضرورة وهذه الضوضاء ، ثم واصل وهو يرتجف : انهم قوم لم يظهروا الود لبعضهم في هذا المركب البشري المضطرب المملوء بالهم والكدر.
هنا انكمش جدي (والد والدتي )من فوره بخشية وخوف على عائلته من المحتل نفسه وتقوقع بداره .
اذ يروى انه انعزل لمدة اسبوعين في مسكنه في قنبر علي ، ذلك بعد ان قام بوضع كل ما في البيت من اثاث خشبي خلف الباب لكي يصعب على المحتل المجهول من اقتحام داره، واهماً انه سيكون من بين احد كبار المطلوبين لقوات الاحتلال .
انتبه الجيران لفقدان جدي الرجل المسالم وعائلته ، واخذ الجار ينادون من السطوح ومن امام الباب : بالقول ( لطيف ، يا لطيف ….ماذا حل بك يا رجل …. الانكليز قد ولوا ولا يوجد احد منهم وان (قنبر علي) بعيدة عن صهيل خيولهم …. !!) وهنا فك جدي الحصار عن نفسه وعائلته …واخذ يبحث رويدا رويدا عن منفذ للعيش الآمن .
واخيرا ، افتتحت المحاكم البغدادية ابوابها ، فوجد جدي ظالته واحال نفسه على التقاعد وترك الوظيفة العامة من فوره لشدة تعلقة في الصفحات البيروقراطية الماضية لنظم الادارة العثمانية التي لم يستطع ترك ارثها والتكيف للادارة الاستعمارية الجديدة بطابعها الهندي البريطاني كبديل للطابع العثماني.انه جدي …ذلك الرجل الصارم من العهد القديم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون