الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرائم إسرائيل بين الوصف والمعنى

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2024 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في الفلسفة دائما ما نحذر من (تأثير وخطورة المعنى)

يعني إيه؟

حضرتك إسرائيل لما هاجمت غزة كانت تحت دعاية لشخصنة الحرب أنها (ضد حماس الإرهابية الإخوانية النازية الداعشية..إلخ) وفقا للتوصيف الإسرائيلي

طب هذا التوصيف والحشد كان مقنعا؟

الجواب: (لا)

والسبب تأثير المعنى فلسفيا..

فما قامت به إسرائيل بالواقع هو انتقام مبالغ فيه من جماعة تقاوم احتلال أرضها، وصلت حدود ذلك الانتقام للقضاء على 40 ألف فلسطيني بين شهيد ومفقود، وأكثر من 100 ألف مصاب و2 مليون مشرد وتدمير 80% من مساكن قطاع غزة..

هذا المعنى المقصود وهو يتجاوز عقليا حد الوصف القائم على الشخصنة والميول..

فالذي صدق الوصف الإسرائيلي هو ممن يعاني من ميول مسبقة ضد الشعب الفلسطيني، وضد مقاومته، لكن الذي رفض ذلك الوصف (وهم أغلبية شعوب العالم) هم الذين ينظرون للقضية الفلسطينية بشكل مجرد، وينطلقون من نقطة صفرية يمكنهم رصد المخطئ الأول بسهولة..

كان من تأثيرات المعنى أن تحولت الحرب الإسرائيلية ضد حماس:

إلى ضربات عسكرية إيرانية ضد إسرائيل، وإلى تعرض إسرائيل لهجمات من 5 دول ومناطق (اليمن + سوريا + العراق + لبنان + الضفة الغربية)

اندلعت مظاهرات شعبية حول العالم تضمنت (مئات الملايين) ضد إسرائيل، وإلى تحوّل جامعات العالم منهم الولايات المتحدة إلى ثكنات عسكرية وانتفاضات طلابية ضد الإبادة الجماعية والمجازر الصهيونية التي حدثت..

تأزمت العلاقة الإسرائيلية مع مصر والأردن ووصولها لمنعطف خطير قد يقضي على اتفاقيات السلام بأي لحظة..وانقطعت علاقات إسرائيل بتركيا وأمريكا اللاتينية ووصولها لأدنى مستوياتها منذ اعتراف الأمم المتحدة بدولة إسرائيل في الأربعينيات..

إن حماس لم تكن في الواقع مجرد حزب إخواني كما ظنت إسرائيل، بل قضية أخلاقية وإنسانية وسياسية ودينية كبيرة متعددة الذروع والجوانب..فأصبحت دعايا إسرائيل بتكرار فزاعة حماس لتبرير مجازرهم وجرائمهم هو دوران في دائرة مغلقة، وحرب طواحين هواء واستهلاك لقوى إسرائيل الحقيقية في الفراغ..

إن تجاهل المعنى من الفعل الإسرائيلي هو الذي أدى للورطة الإسرائيلية الحالية..

بمعنى أنه كان ينبغي على قادة إسرائيل التفريق بين (الوصف والمعنى) فالأول: قدرة ذاتية على توصيف ورسم المفهوم، لكن الثاني: يحدث آليا دون أي تدخل..فهو ملك لعموم البشر لا يمكنك التحكم فيه أو تعديله، الأول: هو رأيك أنت، بينما الثاني: هو رأي الآخرين، الأول: لا تأثير له سوى على نفسك ومؤيديك، بينما الثاني: تأثيره على الأغلبية وعموم الناس والمجتمع..

كلما تمكن الفيلسوف أو القائد من تضييق الفارق بين الوصف والمعنى كلما حصل على الشعبية والقبول، وكلما حازت أفكارهم على شئ من السعة والانتشار، والعكس صحيح، أي كلما زاد الفارق بين الوصف والمعنى كلما صنع القائد أعداءا جُدد وتنوعت معاركه من لا شئ، وخاص صراعات عبثية كان يمكن تفاديها بمجرد تفكير بسيط..

إن القدرة الفلسفية هي التي تمكن مستشارين قادة إسرائيل على نصحهم بهذا الشئ، ويبدو أن نتنياهو لا يستمع للفلاسفة ولا المستشارين المتخصصين وذوي الخبرات السياسية، فالرجل متطرف دينيا ويعتمد في مشروعه السياسي منذ ظهورة منتصف التسعينات إلى (حشد اللوبي الصهيوني الدولي) بكافة عناصره سواء من المجتمع اليهودي أو الإنجيلي للصدام مع العرب والمسلمين..

يتغذى نتنياهو وفريقه على رفض العالم لمعاداة السامية، ويعتبرها سلاحا يمكن إشهاره في وجه كل من يرفض مشروعه التوسعي باستيطان كامل فلسطين وتصفية القضية نهائيا، ثم الانتقال إلى ما بعدها وفقا للحلم الصهيوني الكبير في الكتاب المقدس..

إن تعريف المعنى فلسفيا هو "الصورة المنطبعة في الذهن من أحداث وأفكار من السامع والمتكلم، أو من الفاعل والمفعول به" والمعنى الراسخ من قضية فلسطين هو (أن إسرائيل تحتل هذا الشعب منذ حوالي 80 عاما، وتقتل وتسجن كل من يرفض ويقاوم ذلك الاحتلال) هذا معنى لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، ولو كنت قائدا إسرائيليا لانتبهت لذلك المعنى قبل أي قرار.

نفس الفكرة التي دفعت داعش لإعلان دولتها الإسلامية..

إنهم تجاوزا المعنى المتأصل وراء إعلان الدولة، وقفزوا عن الخلاف حول ذلك المفهوم للدولة داخل المذهب السني نفسه، فضلا عن إشعاله حروبا شعواء ذات طابع ديني وأيديولوجي وقومي في منطقة تعج بالمتناقضات والتنوع الديني والطائفي والقومي بشدة، ولو كنت قائدا في داعش لنصحتهم أن يقيموا دولتهم في منطقة لا تتصف بهذه التناقضات، جزيرة مثلا وسط المحيط يمكنهم إقامة شريعتهم بهدوء..

إنما آفة المتطرف الديني أنه لا يحسب نتائج أفعاله ولا ينظر أبعد مما تحت قدميه..

لذلك فوجوده كان وسيظل أزمة في حد ذاته، أزمة تتجاوز قصة وتأثير المعنى ولكنه ستطال الوصف الذي اختاره لنفسه منذ البداية، ويغرس الشقاق حول ذلك الوصف وأحقية كل منهم به، ومن يتابع الخلافات والانشقاقات بين المتطرفين وصراعاتهم الداخلية يفهم تلك الجزئية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيسي أسد على ليبيا (المفككة) وأرنب أمام إسرائيل
محمد بن زكري ( 2024 / 4 / 26 - 14:59 )
ردا على فشل دعمه لحرب العدوان على طرابلس عاصمة الدولة الليبية (بقيادة حفتر) ، حشد السيسي مئات الدبابات وعشرات الطائرات الحربية وعشرات آلاف العساكر ، في قاعدة البراني القريبة من الحدود الليبية المصرية ، وخطب (يوم 20 يونيو 2020) في حشوده العسكرية ، مهددا بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا ، ورسَم (خط أحمر) وسط الأرض الليبية (من سرت إلى الجفرة) ، على بعد 1000 كيلومتر من حدود مصر الغربية ! بدعوى حق الدفاع عن النفس ، وحماية الأمن القومي المصري من خطر [الغزو الطرابلسي] (!) .
واليوم – في حرب إسرائيل على غزة – لا يجرؤ السيسي على إعلان (خط أحمر) عند محور فيلادلفيا ، على بعد بضعة امتار من حدود مصر الشرقية مع قطاع غزة ، ولا يجرؤ على حشد فرقة عسكرية كاملة التجهيز من جيشه ، شمال سينا . ولا يجرؤ على مجرد التلميح إلى تدخل مصر العسكري ، دفاعا عن الأمن القومي المصري ضد الأطماع الإسرائيلية ، وفي مواجهة الخطر الحقيقي المحدق بالأمن القومي المصري و بسيادة الدولة المصرية ، جراء الزحف المرتقب للجيش الإسرائيلي على رفح وبسط السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا .
https://www.youtube.com/watch?v=gPDrsUoAK_c

اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل