الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتشرد العجوز

علوان حسين

2024 / 4 / 26
الادب والفن


الفضول وحده دفعني لمعرفة ما حدث لهذا الرجل العجوز الذي أفترش الرصيف وجعل من الشارع مأوى له . حياة ألفها وألفته بعد أن لفظه البيت وطردته العائلة من حضنها الدافىء حيث إتخذت زوجته قرارها الخطير في منعه من أن يطأ عتبة البيت أثر شجار تافه بينهما تطور فيما بعد أن أستدعت البوليس كي يفض ما بينهما من نزاع . السبب حسب إدعاء بطل قصتنا الرجل العجوز وإسمه ( علي ) أنه تحامق عليها بعد فورة مزاج نزق وصفعها على خدها . في الناصرية مسقط رأسه كانت الصفعة أمر غير ذي بال , لكنه الآن يعيش في أمريكا والقوانين هنا لا تسمح له بصفع زوجته حتى لو كان معتاداً على الصفع . تحرياتي الخاصة عنه قادتني إلى معرفة حقيقة حاول أن يخفيها عني زمناً وهي أن الزوجة عاقبت ( علياً ) بسبب إدمانه على المخدرات . كان الرجل العجوز ببساطة يتعاطى الكريستال وهو نوع خطير من المخدرات تصيب المخ بلوثة عقلية وتهلك الجسد خصوصاً والرجل كان نحيل الجسم شاحب الوجه بأسنان نخرة يميل حين يسير كشجرة صغيرة تعصف بها الريح . إعتدت السير في شارع ( مين ) كل يوم تقريباً . وفي كل يوم أصادف في طريقي متشردين يفترشون الرصيف فرادى وجماعات . صار وجهي أليفاً بالنسبة لهم , كذلك هم صاروا أليفين لرجل ٍ يتنزه في الشارع نفسه يرمي السلام هنا وهناك . يستوقفني أحدهم طالباً فكة فأعطيه دولاراً يسر به وحده ( علي ) بالرغم من عوزه كان يرفض أن يمد يده لأحد خشية ذل السؤال . حتى حين أعرض عليه المساعدة يرفضها بإباء ألحّ عليه كثيراً ليقبل عزيمتي على غداء . منظر رجل ٍ عجوز ٍ يفترش الشارع يفطر الفؤاد فما بالك لو كان هذا الرجل إبن بلد . أقول له : - يارجل حاول إصلاح ذات البين مع زوجتك . تودد لها لاطفها , عدها بأن تقلع عن عادتك السيئة في تعاطي المخدرات . يقول لي : - تعبت وأنا أحاول مراراً في أن تعفو عني وتعيد النظر بموضوع مبيتي خارج البيت لكنها ترفض بإصرار منحي فرصة ثانية . ماذا أفعل ؟ يتساءل بحرقة والدمع يتلألأ في عينيه . : - هل فكرت بالعودة للناصرية لعلك تعيش هناك بين الأهل والأقارب بما يحفظ ماء الوجه ؟ يصفن ( علي ) صفنة طويلة كمن يتأمل أفكاره ويقلّبها ثم يهمس لي كمن يبوح بسر ٍ خطسر ٍ : - العراق الذي تعرفه ليس هو البلد نفسه . تغيرت الناس والظروف ليست كما تظن . أقول له متسائلاً : - كيف تظن الظروف هناك ؟ : - أظنها ألعن من الظروف هنا في أمريكا . على الأقل الدولة هنا تمنحني راتب الرعاية الإجتماعية وهو يكفيني ويزيد كوني أعيش في الشارع . يراودني حلم أن أعود ذات يوم ٍ الى البيت وحضن الزوجة والإستحمام بالماء الدافىء . : - بلا امرأة تمنحك الحب وبلا بيت ماذا تفعل بنفسك يارجل ؟ : - أنبش الذكريات وأعيش عليها . حياتي عبث وقبض ريح . أنا رجل متداع ٍ مستقبله الموت . أشعر بأني عديم الأهمية لا أحلام لي حتى فكرة العودة إلى البيت أزلتها من رأسي . ثم وضع رأسه بين يديه وأجهش بالبكاء . رحت أرقبه برهة من الزمن حتى شعر بالهدوء ثم غشيه النعاس فإستسلم للنوم كالطفل الوديع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح