الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن تحضيرات إسرائيل المتواصلة لاجتياح رفح

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 4 / 27
الارهاب, الحرب والسلام


تقديم: تؤشر التصريحات الرسمية الإسرائيلية، السياسية منها والعسكرية، إلى أن معركة رفح قادمة لا محالة، بصرف النظر عن التحذيرات الأميركية والأوروبية، ولا عن مواقف دول الإقليم وبخاصة مصر، التي تبدي مخاوف استثنائية تطال أمنها القومي، إذا ما أدت العملية إلى تهجير مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين المتكدسين في هذه المدينة الواقعة عند أقصى حدودها الشمالية الشرقية. وتظهر الدعاية الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومقربيه معركة رفح وكأنها أم المعارك الإسرائيلية، وهي الفصل الأكثر أهمية في الحرب على غزة التي تسميها إسرائيل معركة السيوف الحديدية، إلى الدرجة التي يدعي فيها نتنياهو أن عدم استكمال عملية رفح تعني الهزيمة وتبديد كل ما أنجزته الحرب على غزة، وأن إسرائيل ماضية في تنفيذ عملية رفح سواء وافق الأميركيون أم لم يوافقوا.
تحليل: قطعت إسرائيل خطوات إضافية لتنفيذ وعيدها باجتياح رفح، وأبرزها تهيئة مخيمات مؤقتة شمال خانيونس لاستيعاب النازحين، ثم زيارة رئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس الشاباك رونين بار السرية لمصر فيما بدا أنه محاولة لتطمين مصر بعدم التسبب بنزوح الفلسطينيين من رفح إلى سيناء، وقبل ذلك عقد سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين لإظهار التجاوب الإسرائيلي مع المطالب الأميركية، حتى لو اقتصر هذا التجاوب على الجوانب الظاهرية والشكلية.
تردد الدعاية الرسمية الإسرائيلية أن حركة حماس، ما زالت تمتلك أربع كتائب في هذه المدينة التي باتت تأوي نحو مليون ونصف المليون بعد أن كان عدد سكانها لا يتجاوز الربع مليون، وبدأت موجة التهديد باجتياح رفح تتصاعد منذ أوائل شباط/ فبراير الماضي، بعد اسابيع قليلة من اجتياح خانيونس ومحيطها. وفور التلويح باجتياح رفح تصاعدت التحذيرات والمخاوف على امتداد العالم، خشية أن تتسبب عملية واسعة كهذه في ارتكاب مجازر واسعة ضد السكان المدنيين، في غياب أي ملاذ آمن لهؤلاء، وفي ظل رفض السلطات الإسرائيلية عودة النازحين إلى أماكن سكناهم الأصلية شمال القطاع، واستمرار القتال الضاري في خانيونس والمحافظة الوسطى.
تضخيم إسرائيل لأي هدف مرحلي وتصويره على أنه الهدف الأهم في الحرب، سبق استخدامه تجاه "مجمع الشفا" في مدينة غزة الذي صوّرته الدعاية الإسرائيلية وكأنه معقل حماس ومقر قيادتها ومكان احتجاز الأسرى، ثم جرى لاحقا استخدام نفس الحجج تجاه خانيونس وأنفاقها مع الزعم بأن قائد حماس يحيى السنوار يتحصن في أحدها وهو محاط بالأسرى، وها هو يتكرر مجددا مع رفح وكأن اجتياحها يمثل ضمانة للنصر الساحق، بينما التراجع عن هذه الخطة يعني الهزيمة ومنح حماس فرصة لإعادة بناء قوتها.
الاعتراضات الأميركية العلنية على الاجتياح الواسع لم تطل جوهر العملية وأهدافها في القضاء على حماس، بل تحصر اعتراضاتها في التوقيت والأسلوب، وطالبت بخطة واضحة وقابلة للتحقيق لحماية المدنيين، ولذلك طرحت عدة بدائل من بينها العمل على الجانب المصري من الحدود لتأمينها ومنع التهريب وهو ما يتطلب تفاهما كاملا مع الحكومة المصرية، أو تأجيل العملية إلى حين توفير ملاذات آمنة للنازحين، أو تغيير طابع العملية والاكتفاء بضربات نوعية منتقاة لأهداف محددة.
من المؤكد، وبحسب وقائع مادية يومية، وشهادات الدوائر العسكرية الإسرائيلية عينها، أن المقاومة المسلحة لا تقتصر على الكتائب الباقية في رفح، بل هي موجودة ومنتشرة في مختلف أرجاء القطاع بما في ذلك في أقصى الشمال وفي مدينة غزة، كما أن تشكيلات المقاومة أعادت ترتيب صفوفها لكي تعمل على شكل وحدات صغيرة العدد قادرة على اتخاذ قرارها بنفسها دونما حاجة لتوجيهات مركزية.
الحديث عن ملاذات آمنية، يتطلب أيضا الحديث عن الممرات الآمنة، وهنا تبرز خشية السكان الفلسطينيين من أن تتحول الممرات إلى مصائد لاعتقال الناس وربما لإعدامهم الميداني أو إخفائهم القسري كما جرى مع الممرات التي أوجدتها إسرائيل شمال القطاع وتحولت ممرات للموت والإذلال حين كان يجري تعبئة العشرات من الناس في شاحنات بعد تكبيلهم وتعريتهم وأخذهم إلى مصائر مجهولة، علاوة عن فصل الرجال عن الناس وعن الأطفال.
التلويح الإسرائيلي باجتياح رفح الوشيك على امتداد الفترة الماضية مثّل جزءا من الضغط على قيادة المقاومة لدفعها إلى تقديم تنازلات خلال المفاوضات للوصول إلى صفقة تبادل وهدنة جديدة، لكن هذا السبب تكتيكي ومؤقت. وثمة هدف آخر يبدو أكثر إلحاحا في تفكير نتنياهو، وهو أن عملية رفح سوف تطيل أمد الحرب شهورا إضافية، واللافت أن ثمة إجماعا لدى القيادة العسكرية على هذا الهدف، وموافقة الوزيرين غانتس وايزنكوت ما يعني إطالة عمر حكومة الحرب، وهكذا فإن بضعة شهور أخرى تعني الاقتراب أكثر من موعد الانتخابات الأميركية والتحرر كليا من ضغوط إدارة بايدن، التي قامت بتبييض صفحة إسرائيل وحكومتها بالمصادقة على المساعدات غير المسبوقة بقيمة 26.4 مليار دولار، واقتصار عقوباتها على خطوات شكلية ومحدودة ضد بضعة مستوطنين وكتيبة وحيدة من الجيش ربما يجري التراجع عن العقوبات المفروضة عليها.
ومع أن الحكومة الإسرائيلية وبقرار رئيسها بنيامين نتنياهو تمتنع عن مناقشة الموضوع الأكثر دقة وحساسية وهو مستقبل غزة بعد الحرب، حتى لا يتسبب ذلك بحصول انقسامات من جهة، وللحفاظ على كل الخيارات بما فيها التهجير الفعلي واحتلال جزء من قطاع غزة، فمن المؤكد أن اجتياح رفح يخدم التصور الذي عرضه بنيامين نتنياهو في خطته الشخصية (لم تعرض على الحكومة) لضمان السيطرة على قطاع غزة لعشر سنوات مقبلة، منها عامان للقضاء على البنى التحتية للمقاومة والأنفاق والسلاح، وثمانية أعوام إضافية لهندسة مستقبل قطاع غزة بما يشمل تنصيب هيئة مدنية تابعة لإسرائيل، والتأكد من شطب وكالة الغوث (الأونروا) وصولا للتحكم في طبيعة المناهج التعليمية التي سيتلقاها التلاميذ في غزة. لكل ذلك فإن عملية رفح تضمن إحكام الخناق على قطاع غزة ومحاصرته من الجهات الأربع وعزله عن العالم، والتحكم في مستقبله ومستقبل سكانه.
الخلاصة: عملية اجتياح رفح تبدو وشيكة وليست مجرد تهديدات ووعيد، وقد اكتملت تحضيراتها اللوجستية من مخيمات وممرات آمنة، والسياسية عبر مزيد من التنسيق مع الولايات المتحدة ومحاولات طمأنة مصر، ولكن من المؤكد أن نتائج مثل هذه العملية ليست مضمونة، فإسرائيل ليست وحدها في الميدان، وربما تؤدي عملية رفح إلى مزيد من التورط في أوحال غزة، مع مواصلة الامتناع عن نقاش مستقبل غزة بعد الحرب.
*مركز تقدم للسياسات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة وزراء إيطاليا في ليبيا لبحث التعاون المشترك بين البلدي


.. العراق.. زفاف بلوغر بالقصر العباسي التراثي يثير استفزاز البع




.. المخاوف تتزايد في رفح من عملية برية إسرائيلية مع نزوح جديد ل


.. الجيش الإسرائيلي يعلن أنه شن غارات على أهداف لحزب الله في 6




.. إنشاء خمسة أرصفة بحرية في العراق لاستقبال السفن التجارية الخ