الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديني والاجتماعي والسياسي في كتاب -الحريم السياسي- فاطمة المرنيسي، ترجمة عبد الهادي عباس

رائد الحواري

2024 / 4 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الديني والاجتماعي والسياسي في كتاب
"الحريم السياسي"
فاطمة المرنيسي، ترجمة عبد الهادي عباس
أجزم أن أي قراءة مفيدة وتحرر القارئ من الجمود، كتاب "الحريم السياسي" يتناول أحداث/التاريخ الإسلامي في عصر النبي محمد (ص) وما بعده، بطريقة علمية مادية، فالباحثة تحرر نفسها من الإيمان الديني وتتخذ من النهج العلمي وسيلة للوصول إلى استنتاجات خارج نطاق ما هو معروف ومسلم به.
من هنا نجدها (تشكك) وتحلل العديد من الأحداث وتعيد بنائها من جديد، ضمن الظرف الذي جاءت به، من هنا نجدها تصيب مرة، وتقنع المتلقي بطرحها، ومرة تتوغل كثيرا في تفكيك الحدث ماديا، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن هناك قوة روحية/سماوية مدت النبي محمد (ص) مما جعل الإسلام يظهر ويسيطر ـ جغرافيا وسكانياـ بزمن قصيرا جدا، رغم أن المنطقة ـ المدينة ومكة ـ التي اطلق منها الإسلام ضعيفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
التحليل المنطقي
من طرق تفكيك الحدث بطريق مقنعة حديث الرسول (ص): لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، الباحثة تأخذ الحديث إلى الظرف الذي جاء به، لتبين انه متعلق بحالة خاصة، وتحديدا بالفرس عندما ولوا أمرهم بنت كسرى بعد موته: "كان قد نطق بهذا الحديث عندما علم أن الفرس قد اختاروا امرأة تحكمهم" ص66، مثل هذا التحليل/التفكيك يفتح الباب أمام المتلقي ليستعيد توازنه العقلي تجاه العديد من الأحاديث والمقولات المسلم بها، فهي متعلقة بظرف/بحالة خاصة ولا يمكن أن تعمم.
الباحثة لا تعترف بنبوية النبي محمد (ص) ومع هذا عندما تتناول شخصيته وكيف استطاع أن يثبت أقدامه ويظهر بصورة متميزة، وينشر الإسلام في الجزيرة العربية، المتناقضة والمتباينة والمتناحرة بوقت قياسي، تصفه: "هو قبل كل شيء رجل يسيطر على فن الإيقاع" ص176، فحسب رأيها/تحليلها وجدت في النبي مجرد قائد، وليس نبي يمده الله بوسائل النصر والقوة.
وعن ترتيب السور في القرآن الكريم ولماذا بدأت بالسور الطوال، السور المدينة وليس المكية، تحلل هذا الأمر مستعينة بما جاء في كتاب "أسرار تصنيف القرآن" للسيوطي: "بأنه استجابة لحالة تربوية، والسور المكية كما يقول السيوطي في كتابة أسرار تصنيف القرآن، أوحى بها في سياق وجود الشرك، في حين أن السور المدنية أوحى بها في مجتمع إسلامي طرح مسائل واستعلم عن تفاصيل عملية للحياة، وذلك ما يفسر بنظره، أن كثيرا من السور المدنية تأتي في المقدمة في تصنيف القرآن لأن الكتاب يخاطب مسلما وليس مشركا" ص209، نلاحظ أن المنطق حاضر في إيصال فكرة أسباب ترتيب السور في القرآن الكريم، فرغم أننا كمسلمين لا نبحث/نفكر نتساءل عن هذا الترتيب، إلا أن الإجابة بهذا المنطق فيها معرفة تخدم الفكر، وأيضا تحقق المتعة/الثقة بأن طريقة تريب السور تؤكد أن هناك ـ الله ـ من هو أوعى وأدرى بحال الناس، من هنا جاء ترتيب السور القرآن خدمة لهم، وتسهيل لفهم كتاب الله المنزل إليهم.
وتحلل معاداة اليهود للنبي (ص) وللإسلام كدين بقولها: "لقد كان اليهود يعتبرون النبي (ص) ماكرا استولى على أنبيائهم و"جيرهم" لمصلحته الخاصة، وكانت لهم مصلحة بتجميد الرسول لسبيين: ليس فقط لأنه قوض اعتبارهم كمرجع في الوصول إلى القدس، إلى السماء، إلى النص الموحي به، إلى الأنبياء، بل لأنه كان يستعمل أنبياهم الخاصين، وأساطيرهم الخاصة ومعرفتهم الخاصة لكي يتكون كقوة تسود العالم، كان الرسول على درجة من صفاء القلب ليعتقد أن الجماعية اليهودية لن ترى فيه غير حليف" ص90، نجد أن الباحثة تحلل/تفسر معاداة اليهود للرسول (ص) بمنظور واقعي عقلاني، فاليهود لا يفكرون إلا بمصلحتهم الخاصة، وعندما وجودوا النبي (ص) يسلبهم قوتهم الدينية/الثقافية الخاصة بهم ـ فهم شعب الله المختار ـ وجاء الإسلام وجعل ثقافة/معرفة بالأنبياء مشاع لكل الأمم، فقدوا خصوصيتهم بأنهم (أصحاب/مالكي) هؤلاء الأنبياء، من هنا جاءت معاداتهم للإسلام ولنبي (ص).
حقائق
الباحثة تتناول مجموعة حقائق متعلقة بالمجتمع العربي، إن كان من خلال نظرته كمجتمع ذكوري للمرأة، أم من خلال علاقته مع الغرب وكيف ينظر إليه، أم نظرة العربي/المسلم للماضي على أنه مقدس لا يجوز المس به، أو تناوله بغير ما هو سائد ومتعارف عليه، أم من خلال الحركة المتقدمة للأمام للغرب ولبقية الأمم والشعوب، وبقاء العربي/المسلم أسيرا للماضي وما فيه من (إنجازات) مضى عليها الدهر، ولم يبق منها إلا أطلال لا تسمن ولا تغني من جوع .
تحدثنا عن الواقع العربي البائس وعن أسباب تقدم الغرب: "إن ما يميز الغرب الحديث هو نجاحه في وضع قناع من سحر المستقبل على وجه افتنانه بالموت محررا بذلك طاقته الخلاقة، أما المسلمون العصريون فإنهم يفضلون الموت على الحياة حتى ولو لبضعة عقود مأخوذي بسحر ألم القبر، نحن مختلفون عن الغربيين بالطريقة التي نستهلك بها الموت، بطريقة استهلاك الماضي، هم يصنعون منه طبق حلوى لنهاية والوجبة، ونحن نحاول أن نجعله صحنها الرئيسي، هم يستهلكون الماضي كنوع من التسلية، من إمضاء الوقت للاستراحة من ضغط الحاضر ووطأته، نحن نستشري في أن نجعل منه مهنة، في أن يكون نزعة وأفقا، ومن فرط تمسكنا بالأسلاف في كل لحظة، نعيش الحاضر فاصلا وترفيها لا يشدنا كثيرا وينتهي إلى حديث محزن يقف عائقا في وجه ما نترقبه.
يوضح لنا الجابري ببراعة واعتدال أن مرض البحث عن الماضي يمنعنا من قراءته، وهو يرى أننا غير قادرين على قراءة هذا الماضي" ص31،
أجزم أن طريقة تعاملنا مع الماضي وكيف ننظر إليه، جعلته صنم يعبد، لا يجوز لنا عباده إله سواه، من هنا تجدنا في أحاديثنا العادية نستحضر الماضي المجيد/المقدس حتى أصبح أفيوننا الذي نخدر به أنفسنا، لنشعر بشيء من التوازن مع الواقع، واقع أننا أمه متخلفة/مهزومة/جاهلة كان لها ماضي عريق، نستعين به لنشعر بأننا حققنا شيء للأمم/للشعوب/للعالم.
تقول عن المجتمع العربي وكيف أنه كان من آخر الأمم/الشعوب التي وافقت على إلغاء العبودية، علما بأن هناك العديد من الآيات القرآنية تحث على هذا الأمر: "وإن الاتفاقية الدولية المبرمة في جنيف 25/ أيلول/ 1926 عرضت على كافة الدول وقعت عليها جميع الدول تقريبا، الجميع تقريبا لأنه بين تلك الدول التي رفضت التوقيع، كنت العربية السعودية واليمن والعراق.
لا يحظ إذن، أن المسلمين، الذين كان ب"إمكانهم منذ القرن السابع تعميم إصدار تشريع يحقق الحلم النبوي بمجتمع متساو، قد تراجعوا إلى القرن العشرين مع كثير من العناء وتحت ضغط "غير المؤمنين" واللاأخلاقيين وبعبارة أخرى المستعمرين، لإلغاء الرق" ص194، هذه الحقيقة تأخذنا إلى أن هناك موروث فكري/عقائدي/أخلاقي عظيم ومهم ليس للعرب أو للمسلمين فحسب، بل لكل البشر، ومع هذا تم التنازل/التخلي عنه لصالح العقل المتحجر غير القادر على التقدم إلى الأمام بمنظور العقل والمنطق، فكان أسيرا متقوقعا على ذاته، مما أفقده مكانته بين الأمم والشعوب.
وتقول عن أمريكيا وكيف أنها تهيمن على العرب والمسلمين: "أمريكيا ليست بحاجة إلى احتلال أرضنا لكي نركع لها" ص29، وهو حقيقة موضوعية، فالأنظمة العربية والإسلامية تخضع لأمريكيا ليس لأن الجيش الأمريكي يحتل دول عربية/إسلامية بل لوجود أساب أخرى متعلقة بالاقتصاد، بالسياسة، بمصالح أنظمة الحكم، بالخضوع للقوي الذي يضع مندوبين له، يقوموا ما يملى عليهم من تعليمات، ولأسباب ثقافية وإعلامية وغيرها من الأسباب الأخرى.
وتقول عن نشر الكتب الدينية وكيف أنها تطبع بآلاف النسخ ومئات الطبعات وتباع بأسعار زهيدة، كي يبقى المواطن العربي المسلم أسيرا لها ولما فيها من أفكار ماضية: "إن العديد من إعادة طبعات الكتب المتعلقة بالمرأة والإسلام والحجاب هي "مشروعات لسلطات دينية معنية بمستقبل الإسلام، وهي توضح في مقدماتها أن هدفها هو "إنقاذ المجتمع الإسلامي من الخطر الذي يمثله التغيير.
وفي هذه الفترة من الزمن التي يعيش فيها الكتاب العربي أزمته العنيفة التي تعود في قسم كبير منها إلى الحرب اللبنانية (تقليديا، لبنان هو المركز الكبير لصناعة الكتاب) وحيث تتصاعد الأسعار بشكل يدعو إلى الدوار، من شهر إلى آخر، فإنه لما يثير الدهشة أن نرى هذه الإعادة للطبعات وهي على درجة كبيرة من الإتقان وبتجليد مذهب، وكيف يجري تداولها بأسعار متدنية بشكل يدعو للعجب" ص124، سأعطي حقيقة على هذا الأمر، كتاب "صفوة التفاسير" للصابوني مكون من ثلاثة مجلدات وبحجم كبير، ويباع بعشر دولارات فقط، بينما كتاب المفصل في تاريخ العرب لجواد علي يباع بما يزيد عن المائة دولار، وكتاب مخطوطات "تل قمران" وهو غير مجلد يباع بثمانين دولار، وكتاب "فلسطين المتخيلة" لفاضل الربيعي، كتاب غير مجلد، يباع بأكثر من عشرة دولارات، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من الكتب الدينية، فثمن تفسير القرطبي "عشرين مجلدا" أقل من ثمن خماسية عبد الرحمن منيف "مدن الملح" وهذا يؤكد أن الجهة الخفية التي تتحكم في المجتمع والأنظمة العربية، تريد لهذا المجتمع أن يبقى يجتر الماضي الديني فقط، ودون النظر لأي أمر أخر، حتى لو كان لواقع الذي يعشيه، أو المستقبل الذي يريده.
وعن الأحداث والأحاديث النبوية وكيف تم (صناعتها) وصياغتها في العصر الأموي لتكون عونا فكريا ودينيا للخلفاء الأمويين، تعطينا هذه الحادثة: "يذكر لنا الأصفهاني مساومة بين رجل وبين أحد الشعراء، وكيف أن الرجل النافذ طلب إلى الشاعر أن يصنع له مقابل 4000 درهم قصيد شعرية مخصصة لترفع من صورة الأمويين، العشيرة المعادية لعشيرة النبي على أن يذكر أنها أنشدت أمام النبي.
الأموي: "... بعد أن تصنع أبيات قل أنك سمعت حسان بن ثابت (شاعر النبي) ينشدها لدى النبي.
الشاعر: "أني أخشى الله كثيرا في ابتياع أكاذيب تتعلق بالنبي، غير أنيي إن ترد استطيع القول أني سمعت عائشة تنشدها" ص61، هذه صورة من صور عديدة تتعلق بكيفية صياغة الأحداث، و كيف أن هناك من عمل على إدخال أحداث وأقول وأفعال وهمية لخدمت الحكام.
وعن الأحاديث النبوية التي رواها "أبو هريرة" تعطينا حديث صوم الجنب وكيف تم التلاعب فيه: "من أصبح جنبا فلا صوم له" وبسماع الصحابة لهذا القانون الذي أعلنه "أبو هريرة سارعوا إلى زوجات النبي (ص) للتحقق من صحته وطرحوا السؤال على أم المؤمنين أم سلمة وعائشة (...) وقد أجابتا: "إن رسول اله كان يدركه الفجر وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم... ورجع الصحابة إلى أبي هريرة في حالة من الحيرة ... وأجابهم:
ـ آه أقلن هذا؟.. ورد الصحابة وهم في حالة قلق أكثر لأن صوم رمضان هو احد الأركان الخمسة للإسلام:
نعم قلن هذا
وعندئذ اعترف أبو هريرة مكرها، أنه لم يسمع الحديث مباشرة من النبي (ص) ولكن من احد الناس، إذا قال: إنهن أعلم مني وأنا لم اسمعه من النبي وإنما من الفضل بن العباس" ص96، هذه حدث من مجموعة أحداث تؤكد أن هناك من لم يوف الأحداث والأحاديث النبوية حقها، ويكفي أن نستشهد برضاعة الكبير الموثق في صحيح البخاري لنتأكد أن هناك حشو ودس وتفاهات نسبت للنبي (ص) وهو بريء منها.
أعتقد أن هذا الكتب مهم لنا في المنطقة العربية لأنه يحرك العقل فينا أكثر مما يحرك العاطفة، ويجعلنا نعيد النظر في الكثير من أوضاعنا، فهل يعقل أن نكون (خيرة أمة أخرجت لناس) ونحن لا نستطيع أن نصن دراجة هوائية؟ مع العلم أن هناك دول نائية وضعيفة تقدمت إلى مصاف الدول المهمة في العالم، ونحن ما زلنا نتحدث ونبحث عن طريقة الوضوء ومفسدات الصوم وكيف تكون الصلاة صحيحة!!.
الكتاب من منشورات دار الحصاد، سورية، دمشق، الطبعة الثانية 1993.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: الانتهاء من بناء الميناء العائم الذي سيتم نقله قر


.. مصدر مصري: استكمال المفاوضات بين كافة الأطراف في القاهرة الي




.. شهيدة وعدد من المصابين بقصف شرقي خان يونس


.. الإعلام الإسرائيلي يركز نقاشه على رد حماس على مقترح الوسيطين




.. صحيفة فايننشال تايمز: الأملُ يتحول إلى ذعر في رفح معَ بدايةِ