الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماكينة صرف-الآباء-

نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)

2024 / 4 / 28
الادب والفن


فى كل بقاع الأرض؛ الطعام..الكساء..العلم ..حتى الزواج..والجنس بمقابل مادى!!
أما أن يحرم أحدهم من والده، ثم يستطيع ببساطة دفع بضع جنيهات لاقتناء "أب"!!
يعاقب..يحاسب..يحنو..يسيطر..أو يسد أحيانا احتياجا اجتماعيا ضروريا؛ هذا ما جسده تحديدا مسلسل (بابا جه)،
فمن خلال (السوشيال ميديا) يقوم (هشام) العاطل عن العمل_والذى يقوم بدوره الفنان (أكرم حسنى)_ بالتسويق والدعاية لخدمة جديدة من نوعها؛ خدمة أطلق عليها اسم (بابا جه)
وهى ببساطة؛ أن يقوم بدور "أب" لعدد ساعات متفق عليها مسبقا بمقابل مادى!
وبالفعل يجد إقبالا كبيرا على الخدمة المعروضة، وينجح فى مهمته الجديدة ويتميز فيها.
فهو "أب احتياطى" ؛ أب صورى، مزيف، استطاع أن يقوم بهذا الدور لمئات الأطفال عدا "ابنته الوحيدة"..والتى بانشغاله الدائم عنها، أصبحت تتوسل إليه أن يقضى معها ولو بضع دقائق، أو أن يتشاركا معا فى أحد النشاطات، فيرفض،ويتحجج دائما "بعمله وكثرة انشغاله"!
وفى مشهد عبقرى فى الحلقة الأخيرة ؛ يستدعيه أحد الزبائن عبر التطبيق؛ فيصطدم حينما يذهب للمكان المتفق عليه، ليجد ابنته الوحيدة هى "الزبونة الجديدة" ..
ابنته هى التى دفعت ثمن"أبوته"!!
ثمن أن يقضى معها بعض من وقته، وأن يغنيها ولو لبضع ساعات بحنانه واحتواءه كما يغنى الآخرين، بعد أن فشلت كل محاولاتها فى إقناعه باحتياجها!!
تخيل معى لو أنك "أب" تتوسل إليه ابنته لقضاء بعض الوقت معها، ثم تحاول المسكينة؛ أن تشترى منك "أبوتك" ببضع جنيهات!!
"واجب" كان لابد وأن يقوم به هذا الأب، ولكنه فضل كما يفضل أغلب المجتمع، وكما اعتاد ونشأ وشاب على أن يسد الاحتياج" المادى" فقط لأسرته ..دون الأخذ فى الاعتبار باحتياج الأبناء المعنوى والأساسى لتربية نفسية سوية!!
وللأسف ينشأ أغلبنا على الإيمان"الأعمى" والتصديق "الأبله" لهذا المثل الشعبى القائل: "الراجل مايعيبوش إلا جيبه!!
فيصبح الأب والزوج بذلك؛ مجرد تعريف فقط لماكينة صرف آلى!! أو حساب بنكى!! لا فائدة من وراءه سوى ذلك، وإن تراجع يوما لظروف خارجة عن إرادته، فلم يغنى أسرته ماديا!! اعتبروه بلا أى فائدة!!
منتهى العبث..
مفارقة عجيبة إذن أن يتم "تأجير أب" بمقابل مادى.. وهو ما حاول صناع العمل لفت الانتباه إليه، أى أن الاحتياج الحقيقى للأب ليس فقط لجنى الأموال؛ ولكن لدعم من نوع آخر؛ دعم نفسى..معنوى ..روحى.
أب يمثل القدوة والحماية والقوة..وكما يطلقون عليه باللغة الدارجة:
" ضهر وسند".
هذا المسلسل قدم قيمة تربوية عظيمة فى شكل فنى مؤثر وإنسانى جدا، رغم إطاره الكوميدى، خاصة من خلال مشهدين اعتبرهم (الماستر سين) لمسلسل(بابا جه)
أولهم هو ما ذكرته فى سطورى آنفا وثانيهم؛
حينما أعلنت الابنة فى بداية حلقات المسلسل من خلال حفل مدرسى عن رغبتها فى الاستغناء عن شئ بمنزلها "ليس له قيمة "، فصعق أغلب الحاضرين حين قالت أن هذا الذى بلا قيمة هو:
"بابا"
ولتبين الأحداث والظروف التى تحيط بالطفلة بعد ذلك، بأن ما تحتاجه حقا من أبيها ليس المال إطلاقا، ولكن أن يقضى معها بضع ساعات فقط!! أن يهتم لأمرها ..أن يحكى لها قصة!! حتى لو كانت ضعيفة الحبكة أو غير مثيرة..مجرد الإنصات له ..ومجرد أن يعطيها انتباهه للحظات، لهو جل ما تحتاجه هذه الطفلة!
ولا ينكر صناع المسلسل ضرورة الإنفاق المادى، وتحمل المسؤولية من قبل الأب، ولكن يشيرون بأصابع الاتهام للمجتمع الذى يضع الأب وأهميته الوحيدة، بل ومسؤوليته العظمى فى الانفاق "المادى" فقط، دون الإلتفات لما قد يحتاجه الأبناء حقا؛ من رعاية، واهتمام، وانصات، واحتواء حقيقى، ومشاركة وتفاعل، ولحظات دعم وفرح تبقى فى ذاكرتهم للأبد!
يشرح الدكتور (أحمد أبو الوفا) فى كتابه (دليل النجاة الفردية) حالة الاحتياج العاطفى فى الطفولة مفصلا :
"الطفل فى بداياته يشك كثيرا فى طلباته:"
هل هى حقى فعلا؟ ! هل هذا الشعور حقيقى؟! ومن ثم هل رغبتى فى تعامل هادئ مع أهلى، واهتمام حقيقى منهم، هى حقى؟! أم أننى أطالب بما يعد مبالغة ورفاهية، ليس لمثلى أن يطلبها؟!
نتطور فى العمر ونتطور فى قدرتنا على إحساس المشاعر، والتعامل معها، لكن نظن أن احتياجاتنا العاطفية ليست من حقنا، وبالتعود والتكرار نحاول أن نتوقف عن طلبها، وبالتدريج نحاول أن ننفى احتياجنا إليها أصلا!
فالاحتياج "غير الملبى" مؤلم، فالأفضل أن أحاول "كطفل" فى بيئة _غير داعمة _أن أنكر هذا الاحتياج لتهدئة هذا الألم
ولكن للأسف؛ قد يهدأ الألم لسنوات إلا أنه يترك فراغا داخليا نشعر به ونتجاهله، إلى أن يزيد بالتدريج ليصبح هذا الفراغ "ثقبا أسود "يلتهم كل ما نشعر به من خيرات".

وهذه الابنة وغيرها من الأطفال، يتم إهمال احتياجهم المعنوى والنفسى للأب، طوال حياتهم؛ فحينما يطالب أحدهم بقضاء وقت أطول مع والده..يستقبل طلبه بالرفض، بحجة أنه كثير الانشغال فى عمله، وهذه مهمته الأصيلة والوحيدة "كرب أسرة"!! وينشأ أغلبنا وبداخله دوما، "احتياج غير مسدد" من قبل الأب..أقصد؛ الاحتياج المعنوى ..لا المادى!!
فيصبح أغلب الآباء منشغلين عن أبناءهم بشكل مستمر، ويصبح هذا سلوكا مجتمعيا _مستساغا_لدى الأكثرية؛ فهو دليل على أن هذا الأب يقوم بدوره الأساسى _المادى_ حتى لتجد الكثير من الأزواج والآباء يسافرون للخارج تاركين مهمة الرعاية النفسية والمعنوية فقط للأم!!
ويستبدل الأبناء حينذاك؛ أحضان الآباء بحفنة من الأموال؛ لم ولن تغنيهم أبدا عن احتياجهم الأساسى والجوهرى له!!
فيظل أغلبهم فى صراع بين ما يحتاجوه حقا، وبين ما يتم تقديمه لهم!!
بين ما يطلبوه كاحتياج طبيعى، وبين ما يتم رفضه بشكل متكرر من البيئة المجتمعية والأسرة والظروف الطاحنة..
فللأسف؛ بالنسبة للمجتمع سد فجوة الاحتياج المادى هى الأساسية؛ أما عدا ذلك مجرد "رفاهية"، وجب وأدها فى الحال!!
فالخوف كل الخوف من أن تجد يوما جيوب الأبناء عامرة بالنقود، وهم متزاحمين على ماكينة صرف الآباء!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??