الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناظر شيوعي!!

مجدي مهني أمين

2024 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يُعلن رئيس الوزراء القرارين الخاصين بيومي "الأحد 5 مايو والإثنين 6 مايو إجازة رسمية بمناسبة عيدي العُمال وشم النسيم"، متناسيا عيد القيامة كآنه لم يكن، متناسيا التهنئة، عملا بمبدأ أن "الأشياء بالأشياء تُذْكر"، ويظل محتفظا في إعلانه، وعقب إعلانه، بذات الوجه الجامد- غير المبتسم وغير المكفهر، لا أعلم لماذا ذكرتني حالة هذا المسئول الكبير بقصة "الناظر شيوعي..!!"

تعود القصة للاستفتاء الرئاسي حيث أقيم لتولي جمال عبد الناصر منصب رئيس الجمهورية لفترة رئاسية ثانية يوم 15 مارس 1965، وقصتنا تعود تحديدا للفترة التي سبقت الاستفتاء، كنت وقتها في الصف الأول الإعدادي، عائدون لتونا من إجازة نصف السنة، وما أن بدأت الدراسة حتى امتلأت الشوارع بالطلبة، خاصة طلبة المرحلة الثانوية، هجموا على باب مدرستنا كي يخرجونا لنجوب الشوارع؛ نهتف معهم لعبد الناصر.

حاولنا أن نُطِل من فصولنا على فناء المدرسة، فوجدنا باب المدرسة مفتوحا على مصراعيه، واختفى الأستاذ "جورج نخلة" من الفناء؛ ومعه كافة مدرسي التربية الرياضية. وانطلقنا نملأ فناء المدرسة ومنه إلى الشارع، وصار موعدا ثابتا بيننا وبين طلبة المرحلة الثانوية، فقُرابة الحصة الثانية من كل يوم، يحضرون، يطلقون صيحتهم، تنفتح الأبواب، ونهرول معهم كي نهتف لعبد الناصر.. شجعني زميلي "مجدي ميلاد" كي نذهب في مساء يوم الاستفتاء إلى قصر ثقافة مدينتنا، المنيا، كي نستمع في التليفزيون هناك لخطاب عبد الناصر.

ذهبنا، تلفزيون ضخم، عدد الحاضرين كان قليلا جدا، قام أحد الموظفين بضبط الهوائي، وجاء الخطاب هادئا وفلسفيا، لم يكن في الحقيقة بمستوى حماسنا في الشارع، هكذا شعرت وقتها، ولا بمستوى انهيار هيبة ناظرنا الذي كان ينزوي يوميا خلف مكتبه متحاشيا صيحات تلاميذ المرحلة الثانوية.

الحقيقة لا أعرف العلاقة بين قصة ناظر مدرستنا وناظر الدولة الحالي،
- هل هو هذا السكون المفتعل الذي يتسم به صاحبه كي يتجنب تهنئة مواطنيه بعيدهم، بل ومحو ذكره لعيدهم وذلك في بيان رسمي؟
- هل هي حالة بحث عن كلمة أو نداء يحرّك هذا السكون المفتعل كي يكشف لصاحبه حقيقة ما فعل؟
- هل نقول: الناظر متعصب؟ الناظر متشدد؟

نعم، ناظر الدولة يتجنب التهنئة، ويحتمي في سكينته الظاهرة كأنه لم يفعل شيئا، لعل سيادته يكون قد وُلِد بعد أن انقضى عصر التسامح بين الناس، لعل ناظرنا قد خرج من هذه الفترة، امتلأ بمعطياتها،

وُلِد بعد عصر الطيبة والتدين الفطري؛ وُلِد بعد ان طرحت التيارات المتطرفة مفردات تشددها، بل وبعد ان حملت تلك التيارات مفرداتها كي تجعل منها سندا في الوصول للحُكم؛ وممارسة المزيد من التحكُّمات، والمزيد من الأذى لأبناء طائفتهم وكل الطوائف،
- فهل الناس سعيدة في إيران تحت حُكم الملالي؟
- هل هم سعداء في غزة تحت حُكم حماس؟

الناس هناك في قبضة حُكم متشدد لا يرحم، كلهم تعساء يسيرون بجوار الحائط، ناهيك آن يكونوا مبدعين، أو منتجين، رعايا مش مواطنين،

في هذه التيارات، هناك من استوعب منهم الدرس وصاروا دواعش يكرهون الأخر، وهناك من اكتفى بأن يتجاهل الأخر، يتجاهل وجوده، هذا طبعا وارد ان يحدث من مواطن عادي، لكن من ناظر دولة تبقى كتيرة،
- إزاي يقدر يتجاهل وجود ناس هو مسئول عنهم؟ إزاي؟
- طيب افرض انه كان ناظر دولة زي الهند، أو الصين- ولديهم أعياد لا نؤمن بها- هيعمل كده برضو؟ إزاي؟

التفكير الذي يمنعنا من أن نكون في علاقة سَلِسَة مع الآخر لا يؤهلنا أن نكون في وضع المسئولية عن الناس، إنه تفكير يجعلنا ننزوي بعيدا عنهم، أو أن نأتي إليهم يوما كي نحكمهم بالقوة؛ ونضعهم في بوتقة "أناس تعساء"، تتوارد الأسئلة،
- فهل ما حدث هو قصور من شخص؟ أم موقف دولة؟
- وما نتيجة قصور كهذا، عندما يتجاهل مسئول قطاع من شعبه؟

الدولة هي الغطاء الواقي الذي اختاره الشعب لحماية حقوق كافة مواطنيه، فلو تجاهل المسئول قطاعا منهم، فهنا يكون قد رفع الغطاء عن هذا القطاع، أصبحوا "ّهُمَ والطَلْ"، فتطالهم بلا مساءلة أيدي المعتدين في قرية الكرم أو الفواخر وغيرها، عندما يُرفع غطاء الحماية، يتقلص حجم المواطن، يتراجع الإنتاج الحقيقي، وتتناقص موارد الدول، وتستدين.

التجاهل الذي أبداه الوزير لا يؤدي إلى فتنة، لأن الناس متحابة وتملأ بطيبها الفراغ، ما اقترفه الوزير يُضْعِف الدولة، فالدولة قوتها في مواطنيها، وضعفها في إلقائهم، أو إلقاء البعض منهم، في سلة "رعايا".. هذه الدولة القوية المنشودة كانت تتطلب عملا جادا في إصلاح الديمقراطية- من ساعة هذا الاستفتاء الذي روينا قصته. تراجعنا منذ ثورة يوليو عن إجراء إصلاحات جذرية في حياتنا الديمقراطية كانت سببا وقاسما مشتركا في كل ما تعرضنا له من نكبات.
- هل يدرك معالي الوزير كل هذا؟
- نحن لا نعلم، ولكننا نعلم ان تجاهله لقطاع من شعبه هو عمل يتنافي مع الديمقراطية، ويُضْعِف أوصال الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمر الطائي من انطوائية وخجولة إلى واثقة بنفسها ??????


.. قصص مؤلمة في كل ركن.. شاهد ما رصدته CNN داخل مستشفى في قطر ي




.. بين طلبات -حماس- ورفض نتنياهو.. كيف يبدو مشهد مفاوضات وقف إط


.. ماذا يحدث على حدود مصر فى رفح..




.. اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور