الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية ليس خيارا شعبيا في سورية

منذر خدام

2024 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


أجريت دراسات كثيرة حول ممكنات الديمقراطية في سورية توصلت من خلالها إلى استنتاجين رئيسين يبدوان للوهلة الأولى متعارضين: الاستنتاج الأول وهو أن الديمقراطية من موقع مختلف القوى الاجتماعية والسياسية السورية تتحدد سلباً. أما الاستنتاج الثاني فإنه لا بديل عن الديمقراطية لجعلها تتحدد إيجابا بالعلاقة مع هذه القوى الاجتماعية والسياسية. إنها لمفارقة كيف يمكن أن تكون "الديمقراطية" الحل لتعينها السلبي من موقع مختلف البنى المجتمعية والسياسية السورية. بكلام آخر كيف يمكن جعل الديمقراطية خياراً اجتماعيا وسياسيا لقوى مجتمعية وسياسية هي من حيث الأساس متعارضة معها بنيويا.
تجدر الإشارة، بداية، إلى حقيقة عدم وجود أحزاب سياسية ديمقراطية في سورية قبل الأزمة، وهذا ما تقر به جميع النخب السياسية والثقافية السورية. وتأكد ذلك من خلال الأزمة السورية التي طالت في أسبابها ونتائجها جميع أشكال الوجود الاجتماعي في سورية. لا يجادل أحد اليوم، إلا مكابر، بأن المشهد العام في سورية تصيغه قوى الاستبداد المختلفة، ولا مكان في هذا المشهد لقوى ديمقراطية حقيقية وفاعلة. وأكثر من ذلك فإن قضية الديمقراطية التي كانت تتحرك في الحقل الثقافي على صعيد الخطاب، وليس على صعيد السلوك، جاءت الأزمة السورية لتبرهن أن حضورها في الخطاب الثقافي لم يكن حضورا أصيلا ولا متأصلا بدليل تخلي كثير من أصحابه عنه لصالح الخطاب الاستبدادي.
لقد كشفت الأزمة السورية من بين الكثير مما كشفته، هشاشة حضور الديمقراطية في السلوك السياسي للنخب الثقافية، فهي عندما غادرت حقلها الخاص إلى حقل الممارسات السياسية، لم تختلف عن طبيعة القوى الفاعلة فيه، التي هي قوى سياسية استبدادية.
إذا صح ما ذهبنا إليه أعلاه يبقى السؤال حول كيف إذا يصح الاستنتاج الثاني الرئيس الذي توصلنا إليه وعرضناه أعلاه. للبرهنة على ذلك لا بد من التذكير أن الديمقراطية هي نمط الحياة السياسية للرأسمالية، وإن عدم حضورها في مجتمعاتنا يعود إلى ضعف تطور الرأسمالية كتشكيلة اجتماعية اقتصادية، هذا من حيث المبدأ وبصورة عامة. لكن في التحليل التاريخي لمسار الديمقراطية في سياقها الأوربي بداية، وفي سياق جميع الديمقراطيات المستقرة لاحقاً، نجد أن التعددية الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم السياسية قد أصلت في الوعي العام والخاص مبدأ الإقرار بالاختلاف، والحق فيه، والحق في الدفاع عنه. بطبيعة الحال ما كان ليحصل ذلك لولا القطيعة التي تمت مع الفضاء الثقافي الديني كفضاء مهيمن وسائد، وتجاوز البنى الاجتماعية ما قبل الوطنية. هنا صار كل وجود اجتماعي، أو سياسي، يتحدد بدلالة وجود الآخر المختلف، وبدلالة حقه بالاختلاف، وحقه في الدفاع عنه. بناء على ذلك جاءت فكرة التعددية كمبدأ رئيس من مبادئ الديمقراطية، لا تكون بدونه.
في سورية لا تزال جميع أشكال الوجود الاجتماعي والسياسي تتحدد بدلالة نفي الآخر المختلف، بسبب ضعف تطور الرأسمالية وعجزها عن دمج البنى المجتمعية على أساس وطني من جهة، وبسبب هيمنة الثقافة الدينية من جهة ثانية. لذلك فإن العلاقة بين المختلفين هي دائما علاقة صراعية في سبيل السيطرة، تأخذ في الغالب الأعم أشكالا قمعية. لننظر في تاريخنا القريب فقط، أي في مرحلة حكم الأسدين الأب والابن في سورية، سوف نكتشف بدون عناء أن النظام في عهديهما قد شيد على قمع جميع مخالفيه، لأنه ببساطة لم يكن يؤمن بمبدأ الحق في الاختلاف، والحق في الدفاع عنه، أي لم يكن يؤمن بالتعددية الديمقراطية، إلا ما كان على صورته.
من جهة أخرى فإن القوى المعارضة له لم تكن قوى نقيضة له، بل قوى استبدالية فحسب، فهي بطبيعتها لم تكن ترضى أقل من نفي مخالفيها. لقد تجلى ذلك بوضوح في سياق تمرد قسم مهم من السوريين على نظام الحكم، إذ سرعان ما سيطرت عليه الرايات السوداء التي تستند إلى ثقافة دينية حية وفاعلة. في الصراع بين نوعين من الاستبداد أحدهم مسيطر يقدم نفسه كعلماني، وأخر ديني يطمح إلى السيطرة وبناء خلافة على منهاج النبوة(كذا)، اصطفت اغلب القوى المجتمعية والسياسية حول هذين القطبين المتصارعين.
من مفارقات مسار الأزمة السورية أـن أطراف الصراع فيها سواء المحلية أم الخارجية بات من الصعب على أي طرف فيها نفي الأخر بالقوة، بل صار كل طرف ضروري للطرف الآخر، ليس من الناحية الوجودية كما في الديمقراطيات المستقرة، بل من ناحية المصلحة المباشرة، لأن ما نتج عن الصراع من دمار للبلد وتهتك للنسيج الاجتماعي بات خارج قدرة كل طرف محلي أو دولي على إعادة أعماره أو إصلاحه. من هذا المنطلق وتأسيسا عليه صارت الآليات الديمقراطية وليس الديمقراطية بالنسبة للقوى المحلية طريقة لنفي الطرف الآخر. أما بالنسبة للقوى الخارجية فقد صار مطلب الديمقراطية (الأصح الأليات الديمقراطية) وسيلة للحفاظ على مصالحها المحمولة على قوى محلية. بهذا الشكل صارت الديمقراطية (إجراء تغييرات شكلية في بنية النظام الحاكم) شرطا للمشاركة في إعادة إعمار البلد. هذا ما ورد صريحا في الوثيقة الأوربية التي قدمتها موغريني مسؤولة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوربي في حينه لبعض قادة المعارضة السورية، وهذا ما صرح به باراك أوباما والعديد من القادة الأوربيين في حينه، ولا يزال المسؤولون الغربيون يصرحون به اليوم.
من مفارقات ما يسمى الربيع العربي أن الدول الغربية التي تدخلت فيه بقوة لإسقاط الأنظمة الاستبدادية الحاكمة من خلال دعمها لقوى استبدادية أخرى، وجدت نفسها أمام واقع لا تستطيع التأثير فيه إلا من خلال التلويح برشوة إعادة الإعمار. ولذلك وعلى طاولة "المفاوضات" بين السوريين سوف تكون مخرجاتها بالضرورة انعكاسا لهذه الواقع بكل مفارقاته، إذ يستحيل تحقيق توازن مصالح الأطراف المحلية والدولية من خلال النظام السابق. بكلام آخر صارت مصلحة السوريين بإعادة توحيد بلدهم وإعمارها تشترط بالضرورة اتفاقهم على بناء نظام ديمقراطي معين، وان يشكلوا حوامله السياسية المحلية على أمل إنضاج حوامل اجتماعية له في المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزايد اهتمام المغرب وإسبانيا بتنفيذ مشروع الربط القاري بينهم


.. انقسام داخل إسرائيل بشأن العملية العسكرية البرية في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يصدر مزيدا من أوامر التهجير لسكان رفح


.. تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على وسط قطاع غزة




.. مشاهد لعاصفة شمسية -شديدة- ضربت الأرض لأول مرة منذ 21 عاماً