الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قصة بعنوان -الفتاة التي لا أعرف أسمها-
فرح تركي
كاتبة
(Farah Turki)
2024 / 4 / 29
الادب والفن
عندما عُدت للبيت مساء وجدت ورقة معلقة على الباب الخارجي بأخلاء البيت الذي أشغله من المحكمة، هو بمطلق الأحوال لا يصلح ان نطلقه عليه بيت، إنه جدران عبثية متهالكة مع سقف منتهي الصلاحية، لا أعرف سبب صمودهما للأن، حتى لتنتابني الدهشة كيف لم يسقطا بعد كل زلزال يحدث!
عندما دخلت رميت ما كنت قد جلبته معي للعشاء على طاولة خشبية تقبع في وسط غرفة المعيشة ووقفت بطولي الفارع أطالع هذه الأغراض والممتلكات البسيطة التي ورثتها من جدي، ولكن حيرتي الكبرى في الكتب التي تتجاوز الآلاف قضينا سنوات في مراجعتها وتصنيفها وقمت وحدي بحزمها في صناديق بعيداً عن الماء والأتربة كي لا تتعرض للتلف ، لذلك تركت القراءة بعد خزنها، أين سأرحل بهذا الكم من الكتب؟ و لم هذا الكون الكبير لا يستوعب شاباً نحيلاً وحيداً في ضفة جدران وسقف ليكون مأوى من بين لسعات البرد شتاءً وجمر الشمس صيفاً .
فتحت باب الغرفة الكبيرة التي تركتها للكتب والمصادر، كانت إحدى أهم وصايا جدي ان أحافظ على ثروته، تلك الكتب وان اضعها في مكانها الصحيح وهو الانتفاع منها، ولكن هذه العبارة الأخيرة كانت عصية عليّ من ناحية الفهم والتطبيق لذلك بقيت حبيسة، هناك دمعة ساخنة تترقرق من بين أهدابي محاولة السقوط وأنا أشعر بالتعثر في هذا العالم الذي يضج من حولي واكتفي بالانزواء بضآلتي وفقري هنا.. تموت الصباحات والمساءات وانا لا ظل يحميني الا هذا الجدار، ولا صوت يسليني الا صوت الحياة عن بعد ياردات من جيراني الذين أغبط وجودهم قربي، فلولاهم لظننت أني مجنون تائه في أبعاد الفراغ ، وكم يفرحني طرق ابنهم (أمير) الباب كل فترة وهو ينقل لي تحيات أسرته ودعاءهم ترحماً على جدي ويحمل بين يديه الصغيرتين أصنافاً من الأطعمة ترمم ما اضناه الجوع وأربكه العوز..
طرقة الباب تلك كانت تشعرني بالبهجة، لا أعلم كيف ولماذا، ولكن وحدتي وغربتي وسط بلدي وكوني بلا أهل او أقارب جعلت ذلك الإحساس في داخلي متفرداً وغريباً.
وأنا في خضم تفكيري وسهوتي تلك، خيل الي ان الباب يطرق، لا أملك ساعة جدارية لاستعلم منها الوقت، بل كل ما اعرفه إني خرجت من المعمل الذي اعمل فيه ما بعد الثامنة ولابد بعد وصولي أصبحت الان التاسعة او التاسعة والنصف..
نعم الباب يطرق، لذلك توسلت بجسدي المنهك الذي كنت قد اسندته كقطعة قماش على كرسي خشبي واستسلمت للبكاء على اطلال ارثي الكبير، وتوجهت لفتح الباب.
واذا بها أمامي، شابة جميلة جداً، أنيقة لدرجة لا أتوقع وجودها في الحي الذي اقطنه، فكيف بباب بيتي؟
_ أبحث عن جدي، كان يعيش في هذا الدار؟
_ ما اسمه ؟
_ مجدي واثق.
_هذا ليس بيته، وقد توفي منذ سنوات، كان صديقاً لجدي، الذي لحقه بعد عامين ونصف.
_ أرجوك أحتاج كتبه.. ودلفت إلى البيت دون استئذان...
تبعتها وقلبي بين الحريص على عدم مساعدتها لأنني بين وبينكم لا أود اعطاء كتاب مما تركه جدانا.
وبين استغلال كل دقيقة لجعلها تمضي وقتاً أطول، سحرني ذلك العطر المنبعث منها، ملامح وجهها وهي حائرة وكأنها تبحث عن كنز ما، وكم تبدو جميلة ببراءة النوايا ولهفة البحث.
_ تعالي في وقت آخر وأكون حينها قد تواصلت مع اصدقائهما لأجد لك تلك الكتب.
_ لا.. أرجوك ، يمكنني البقاء والبحث معك.
أربكتني بطلبها ذلك، تجولت ببصري حول مكاني الرث، ارسلت نظرة ملؤها الارتباك نحو غرفة الكتب، او غرفة الكنوز، لكني اخفيتها عنها خشية ان تعرف ما وراء ذلك الباب،
تعللت بأن الوقت مساء واني شاب أعيش وحيداً وعليه لابد ان تغادر وتأتي في وقت مناسب.
كانت ردة فعلها في غاية الغرابة، وكأنها لم تسمع حرفاً مما قلت، تقدمت نحو تلك المائدة الصغيرة وبدأت بفتح الأكياس لتخرج ما احضرته من طعام وحملته وكانت تدور بنظرها تبحث عن شيء، اتضح لي فيما بعد انه المطبخ، لتعود بعد نصف ساعة او أقل وهي تصف الطعام عليها بكل هدوء.. وبدأت تأكل..
أشارت لي لمشاركتها في الأكل .. لبيت دون كلام وأنا اطالع جمالها المتفرد وثقتها بنفسها..
لم أعرف لذة في مأكل قبل تلك الوجبة، كأنها وضعت من خمر يديها في مكوناته، نهضت لأغسل يديّ، وبعد دقيقتين فاحت رائحة الشاي في الارجاء، أدركت أني سأعامل كملك حتى تجد تلك الكتب..
رشفة وأخرى.
_أين كنتِ كل تلك السنوات؟
_ كنت مسافرة مع أمي، وكانت قد انفصلت من أبي وانا صغيرة، ولكن أبي قبل وفاته ترك لي رسالة تخص كتب جدي
_ إذن والدك قد توفي؟
_ قبل جدي.
_هل أنتِ حفيدة مجدي من ابنه الوحيد؟
_نعم
_ما الذي ستنفعك كتب بالية وممزقة؟
_لو اعطيتني إياها.. سأهبك بيتاً جديداً بدل هذا البيت المتهالك؟
_تكذبين!!!
_بل أنا جادة.
_ أرى ما في وسعي وبعدها نتفق.
_ أرني الكتب، وسأعطيك البيت في ذات الصباح
_ ماذا ستفعلين بها؟
_ اقراها.. أنها ارثي الوحيد
_ من أين تعطيني بيتاً مقابلاً لها؟
_ ورثت من أمي الثروة ومن أبي العلم..
هنا اطبقت لساني، وتركتها لأذهب وأنام في طمأنينة غريبة.
عندما فتحت عيني في الصباح، خيل الي إني أغفو على وسادة ناعمة وكذلك الاغطية، تختلف عن التي نمت فيها، بدأت اتلمس خامتها لأجد ان ذلك شيء حقيقي، او شيء أقرب للخيال...
فززت من مكاني، الجدران القديمة ، اختفت أيضاً ولكن أين أنا؟
نهضت من سريري، انتقلت إلى النافذة التي أكدت لي اني اعيش في حلم، وهذا المكان أشبه بشيء من الجنة.
اتجهت نحو باب الغرفة، كان لونه جميلاً ومتناسقا مع اثاث الجميل والذي آثار استغرابي..
اجزمت بأنَّ ما أمر به كله حلم وسينتهي في غضون لحظات وان زادت ستكون دقائق، لكن الباب الجميل لا يفتح، فطرقت عليه عدة مرات ولم تصلني إجابة..
عدت لأجلس على السرير وأنا في حيرة كبيرة، تذكرت الفتاة التي لا أعرف أسمها، أصبحت اطرق الباب من الداخل حيث انا محبوس وانا انت يا فتاة افتحي الباب، إلى ان عيل صبري
ذلك الباب هو جميل وقوي ولم يسعفني جسدي النحيل في كسره أو زعزعته، على ذكر جسمي انتبهت الآن انني ارتدي أبهى حلة وان وجهي نظيف وكذلك شعري وتنبعث مني رائحة عطرة لا أستطيع تمييزها أهي رائحة مسك ام رائحة الفراولة، لأن الأسئلة خنقتني، بدأت أبحث في الإدراج الموجودة قربي..
على يميني وجدت في الدرج الأول أوراقي الثبوتية ومحفظتي والغريب أنها عامرة بالمال من فئات كبيرة ودفتر ملاحظاتي الذي كنت ادون فيه كل ما يمر عليّ.
في الشمال وجدت، مخطوطة صفراء، لكنها ذا أوراق متماسكة وحيدة في الدرج.. تمسكت بها وبدأت اقرأ، أول صفحة تفقدتها عرفت أنها المخطوطة التي طلبتها مني بشدة تلك الفتاة التي لا أعرف أسمها، ولكن ما الذي حدث؟
عند الساعة الثانية عشر ظهراً وعشر دقائق، فُتح الباب
ودلفت هي، كدت اصرخ بها ولكن توقفت بعدما دخلت امرأة تبدو أكبر منها وتحمل صينية طعام.
_من انتما؟؟؟
_ نظرتا الي بغرابة، ولكن الجميلة التي لا أعرف أسمها سألتني
_لا تعرفني؟
_لا ...اجبت من فوري
_ نحن متزوجان منذ ثلاث أعوام ولكنك عملت حادث قبل شهر
_ حادثة
_نعم في سيارتك، عند انعطافه جبل وبعدها بقيت في غيبوبة..
_ هل انا زوجك؟
_ نعم .
وهذه مدبرة المنزل
_ خرجت من الغرفة، لأتفحص المكان وجدته قصراً، يطل على شاطئ
وهو منعزل..
ولكن الفخامة افحمتني، سألتها :
من أين هذا القصر؟
_ ستكون بخير وتتذكر كل شيء.
_ آخر ما اتذكره المخطوطة والكتب
_ نعم لقد اعطيتني إياها ، ونجحنا في فك رموزها و ربحنا مالاً كثيراً..
_ تركتني واتجهت لإحدى الأبواب، وهي تنظر الي ان اتبعني..
تبعتها ، وجدت صورة لنا ونحن نحمل كأساً او شيئاً كهذا .
_ الصورة عام ٢٠١٩ ؟ سألت
_قبل ان نتزوج بأشهر
تركتنا المرأة تلك، وبقيت تلك الجميلة التي تقول أنها زوجتي بقربي . وضعت الطعام أمامي
وبدأت تطعمني، وأنا كالطفل بين يديها
ضحكت..
- ماذا بك يا.. ؟
_هل تصدقين اني لا أعرف اسمكِ؟
_ اتصدق أشعر اني التقي بك لأول مرة، انت تبدو طيباً، تختلف عن الإنسان الجشع والمؤذي الذي تزوجته .
_ مؤذٍ؟
_نعم..
_ لماذا تعتنين بي إذن، لماذا لم تركتني اموت؟
_ لأني أحبك.
_ وأنا أيضاً
تضحك، تنظر اليّ بجدية، أنت لم تحب سوى نفسك، كل ليلة كنت انام ودمعتي على خدي.
انهض من امامها ،اتجه نحو الغرفة التي وجدت نفسي فيها..
أعود لسريري ذاته..
استلقي لأنام، وانا أحاول الهرب من هذا الواقع لأدخل في حلم ينقذني.. تتبعني ، تقف في الباب، تطل كما نخلة باسقة.
- ألا تريد أن تعرف اسمي ؟.
أجيب بحسرة، لو كنت استحقك، لتذكرت ،
تتركني، أحاول ان انام، متوهماً ان ما اعيشه حلم ، وعندما افيق اجد نفسي في ذلك البيت المتهالك، افتح عينيّ أجد الفخامة ذاتها تحيط بي، انهض عليّ ان اجد نفسي التي خسرتها قبل سنوات، لابد وان هذه الفتاة محتالة او كاذبة..
أخرج ، لا احد يوقفني، في الخارج أجد سيارة رياضية رمادية اللون، أنه اللون الذي أحب والنوع الذي كنت أحلم به، ألف نفسي حولها يتبين لي حجم الأضرار، ويظهر ان الحادث حقيقي، من بعيد المح رجلاً يهرب مع مقص كبير للأشجار .. أركض وراءه..
اسبقه، يناديني باسمي، مازن أرجوك اتركني وكف عن ضربي واهانتي، انا عدت بسبب زوجتك الطيبة.. افلته يفر بعيداً نحوي.
أعود لأجلس في الأرض حيث السيارة تلك...
أجد طبشوراً في الأرض.. أرسم به قلباً ..
انتزعه وارفعه إلى قفصي الصدري، لأكون الإنسان الذي يستحق هذه النعم..
أضع الطبشور في جيبي وادخل بابتسامة لقصري الجميل.. باحثا عن تلك الجميلة التي لا أعرف للأن... أسمها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المخرج رشيد مشهراوي من مهرجان وهران بالجزائر: ما يحدث في غزة
.. هاني خليفة من مهرجان وهران : سعيد باستقبال أهل الجزائر لفيلم
.. مهرجان وهران يحتفى بمرور عام يوما على طوفان الأقصى ويعرض أفل
.. زغاريد فلسطينية وهتافات قبل عرض أفلام -من المسافة صفر- في مه
.. فيلم -البقاء على قيد الحياة في 7 أكتوبر: سنرقص مرة أخرى-