الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثوب وبنطال

سارة سامي
كاتبة وشاعرة عراقية

2024 / 4 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


حين كنتُ صغيرة، كنتُ سعيدة كُلَّ السعادة بكوني خلقتُ فتاة. لقد أحببتُ الفساتين ذات الكشاكش والأشرطة المُلونَّة التي كانت تضفرُ أمي بها شعري. لم يحدث يوما بأني تمنيت أن أكون ذكراً ، رغم أني كنتُ البنت الوحيدة لأبوي بعد ولدين مشاكسين،
يلعبون بالسيارات ويركبون الدراجات.

كانت لي لُعبي وأثوابي كأيّ فتاة، وكنت أقفُ أمام المرأة اتأمل ملامحي الناعمة وأفرح ، أفرح كثيراً بأنني أنثى.

في مكانٍ آخر من العالم، أو لربما ليس ببعيدٍ مني. ولدت فتاةٌ أخرى، لعائلةٍ طيبة منحتها الحب والدفء، لكنها رغم ذلك لم تكن تشعر بذات الإحساس الذي كنتُ أشعر به. فهي لم تكن تحب إرتداء الفساتين، ولا ضفر الأشرطة في شعرها.
بل كان يستهويها اللعب بالسيارات وإرتداء البناطيل.
وكبرت البنت وهي تشعر بأنَّها صبي.
صبي بجسد أنثى، ولم تفهم يوماً لماذا كانت لها هذه الميول.

يقترح العلم بأن للعامل البايولوجي دوراً لا يتجزأ عن العامل البيئي لتكوين ميول الإنسان. فقد وجد الباحثون في Karolinska Institutet في السويد أن الفص الأيمن لدى الرجال ذوي الميول الطبيعية اكبر من الفص الأيسر، وعدم التناظر بين الفصين هذا وُجد أيضاً لدى النِّساء ذوات الميول المثلية. وفي الوقت نفسه، أظهرت عمليات المسح أن كلا نصفي الدماغ لهما نفس الحجم لدى الرجال المثليين والنساء ذوات الميول الطبيعية. وهذا يعني، أن بعض مراكز الدماغ الرئيسية لدى المثليين جنسياً تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها لدى الطبيعيين من "الجنس الآخر". وهي أجزاء الدماغ التي تتحكم في الوظائف الحيوية مثل العواطف والمزاج والتوتر والعدوانية..
إلا إنَّ البحث لم يستطع الجزم بكون المسبب لتلك الميول محض وراثة ام إنه وليد الصدفة، أو لقصور أو لفرط إفراز الهرمون الجنسي لدى الأم أثناء الحمل.

من جهةٍ أخرى قام باحثون في Statens Serum Institute وجامعة ألبورغ Aalborg universitet في الدنمارك بالتحري عن العلاقة بين الضغوط في مرحلة الطفولة والمشكلات العقلية في مرحلة البلوغ بين الدنماركيين ذوي الهويات والسلوكيات الجنسية المختلفة LGTBs

لقد شارك 57000 مشاركاً في مشروع SEXUS تتراوح أعمارهم بين 18 و89 عاماً في الدراسة عام 2022 ، والتي تعتمد على استطلاعات الرأي. وقد نُشرت نتائج الدراسة في World Psychiatry، وهي المجلة العلمية الرائدة عالمياً في مجال الطب النفسي.

واحتوى الإستبيان الشامل على عدد كبير من الأسئلة حول الصحة الجسدية والنفسية للمشاركين وتجاربهم وتفضيلاتهم الجنسية. وأجاب المشاركون أيضاً على أسئلة حول تعرضهم للتوتر أثناء مرحلة الطفولة والنمو، بما في ذلك غياب الرعاية والإهتمام وتعذُّر القرب والدفء العائلي، وتجارب التعنيف النفسي، والعنف الجسدي أو الاعتداء الجنسي، وطلاق الوالدين، أو وفاتهم، أو نشأة محبطة إتَّسمت بإدمانٍ من نوعٍ ما أو الإصابة بمرضٍ عقلي لدى احد أفراد العائلة.

وجد الباحثون إختلافاتٍ كبيرة بين الدنماركيين ذوي الميول الطبيعية ومثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي. أفاد المشاركون من المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي بوجود ضغوط أكبر بكثير في مرحلة الطفولة وكان لديهم معدل انتشار أعلى بكثير لمشاكل الصحة العقلية مقارنة بالمشاركين ذوي الميول الطبيعية. على وجه الخصوص، أبلغ المشاركون مزدوجو التوجه الجنسي عن تعرضهم للاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة، والأفكار الإنتحارية ومحاولات الإنتحار بشكل ملحوظ
أكثر من الدنماركيين الطبيعيين.

من هذا حاول الباحثون الإستنتاج بأن العامل البايولوجي والعامل البيئي يتشاركان بتكوين الهوية الجنسية لدى الفرد، وأن الميول ليست دوما خيار صاحبها. بل تتجلى له وتفرض عليه هويَّته وماهيَّته.
من بعد هذه المقدمة، قد أصبح جلياً للقارئ مفادُ هذا المقال، الذي أحاول به أن أرفع السِّتار عن عوالمٍ يحاذرُ أغلبنا أن يدخلها خشية وقوع الشُبهة أو الإلتباس بزمنٍ يتتبع البعضُ خطواتك أملاً في أن تتعثر.
لكن ما جدوى أن تكون صاحب مبادئٍ وأفكار ولا تدافع عنها حين تُنتهك وتُعنَّف . مبادئٌ تجعلُ منك إنساناً لا وحشاً. إنساناً مهموماً كلَّ الهم بحقوق البشر والشَّجر وسائر المخلوقات، ممن
برأها الله لتعيش لسببٍ إقتضاه هو.

أنا لستُ مع المثلية، لكنني ضد تجريمها. ضد أن يُحرم إنسان من حقِّ الحياة، فيُرمى من شاهق أو يُحبس في سجنٍ لأعوامٍ طوال أو يُطرد من وظيفته عقوبةً لكينونته التي جُبل عليها. فيُعامل كمجرمٍ، أو مجنونٍ فاقد الأهلية والشرف فقط لأنه مختلف.

هذا ما شرَّعه البرلمان العراقي مؤخراً متناسياً هموم مواطنيه الجوهرية ومشاكلهم الحيويَّة مستعرضاً عضلاته على الحلقة الأضعف في المجتمع، منتهكاً حقوقهم وموغلاً بإضطهادهم.
أليس من الأجدر به أن يحمي الطفولة والنساء بتشريع قانون العنف الأسري؟
أليس من الأجدر به أن يوقف قتل النساء وجرائم غسل العار وانتهاكات المجتمع الأبوي التي لا تُعد ولا تحصر؟!

#لا_لتجريم_المثلية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو