الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان جماعة تتآكل ذاتيا

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2024 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


خلال أعوام 2012 و 2013 كنت اكتب سلسلة خواطر ضد جماعة الإخوان وأنشرها في عشرات المواقع، ومما كتبته هذه الفترة ملاحظة في غاية الأهمية تفسر لك لماذا الجيل الحالي للإخوان والإسلام السياسي (ساقط عقليا وأخلاقيا) أو بعبارة أخرى (مفيش)..

في هذه الفترة كان الإخوان والإسلاميين يشعرون بالقوة والجبروت وقُرب تحقيق أحلامهم في دولة الخلافة والشريعة، فكل من يختلف معهم شخص أو ينصحهم عاقل (يعملوله بلوك أو إينفريند) سواء في الواقع أو على الإنترنت، على ما يبدو إنهم كانوا شايفين الناصحين والمعارضين (طمعانين) في الغنيمة التي حصلوا عليها بعد يناير، أصل مش معقول تكون حضرتك مَلك الملوك وتحت إيدك (سلطة وثروة لا حصر لها) وبعدين تُبص لأحد العبيد بنظرة طبيعية..ولو اختلف أو عاملك فيها بنصح تظن فورا إن هذا العبد طمعان في مكتسباتك، فيكون القرار فورا هو قطع العلاقة والطرد..وأحيانا لا يكتفون بذلك بل يشنوا حملات هجوم وكراهية متزامنة ضد أصدقاء الأمس بدعوى الانقلاب على الدين..

والنتيجة فقدان العنصر الإخواني والسلفي لشريحة هائلة جدا من المجتمع عقلانية وهادئة وعندها مبادئ، أو على الأقل عندها الحد الأدنى من حب العلم والتخطيط ومتمسكين بالحد الأدنى من أخلاقيات التعامل..

لاحظ إن الإخوان والسلفيين قبل يناير كانوا مكتسحين المجتمع حرفيا واخترقوا كل شئ في الدولة، وهذا بفضل علاقاتهم الاجتماعية والحزبية بالأساس وعناصرهم اللي نجحوا في كسب ثقة المخالفين وتوحيد الرؤى ناحية هدف معين وهو (دولة الشريعة الغائبة) اللي محدش وقتها كان يجرؤ على معارضتها وإلا هيحصّل نصر ابو زيد وفرج فودة..

الآن بعد فقدانهم تلك الشريحة الهائلة من العقلانيين وأصحاب العلم والتخطيط ودعاة المبادئ والأخلاق (فقدوا القدرة حرفيا على إقناع المجتمع بيهم مرة تانية) لأن كل رموزهم وقياداتهم وعناصرهم التي اخترقت المجتمع سابقا إما (هارب ومسجون وخائف ومُتحوّل) والفئة الرابعة من المتحولين هي الغالبة الآن على تيار الإسلام السياسي بشكل عام، والمعنى تحولوا من القدرة على (الإقناع والتخطيط) لمجرد (ردود أفعال كراهية وعنف لفظي فقط لا غير)..وهذا هو السر في أزمات ذلك التيار المتلاحقة من انشقاقات داخلية ومراجعات من بعض كبار السلفيين اللي تخلوا جزئيا عن خطاب الأيدلوجيا الوهابي..وسأكتب مستقبلا عن بعض رموز الوهابية اللي شرعوا في المراجعة..

الحكمة من ذلك أن شخصية الإنسان تتشكل من محيطه الاجتماعي، فعندها تهجر محيط عقلاني وأخلاقي لمجتمع آخر كل همه سياسة وحروب وصراعات تتشكل شخصيتك بنفس مقومات وعلامات هذا المجتمع، فالمحيط الذي ينشغل بالحروب والفتن مختلف تماما عن المحيط المنشغل بالعلم والنقد الذاتي، وهذا سر فقدان تيار الإسلاميين حاستيّ العلم والنقد هذه الأيام، فكل ما يُشغل الفرد الإخواني بهذه الفترة ( مذابج بورما والإيجور– الشيشان - كشمير– جرائم روسيا والأسد – الانقلاب على مرسي – جرائم حفتر وفلول القذافي – جرائم الجيش المصري ودولة الفلول – مقاطعة فرنسا والصين والهند – أمير المؤمنين أردوجان وتركيا الدولة العظمى...إلخ) دي القضايا التي تُشكل 99% تقريبا من ذهنية الإخواني والسلفي بشكل عام، ومستحيل يغادر هذه العقلية لسنوات وربما لعقود بسبب فقدانهم (المحيط الاجتماعي السابق) اللي بناء على علاقاتهم معاه اخترقوا الدولة..

وهذا يعني أن الجيل الحالي للإخوان والجماعات (مُدمّر) نفسيا وعقليا وأخلاقيا، ولا يملك من صفات سوى الصوت العالي والشتائم والفُجر بالخصومة، ولا يتوانى عن إظهار حقده وكراهيته ونواياه بالانتقام بأي وسيلة بعض النظر عن نزاهتها..

كثير من العلاقات الاجتماعية تُقطَع هذه الأيام والسر في أن شريحة الإخوان والمتشددين التي نجحت في البقاء بعد "فض اعتصام رابعة" سنة 2013 اختارت السكوت والصمت وعدم خسارة محيطهم الاجتماعي المتبقي ، لكن منذ 3 سنوات وبعد صعود نجم دعاة السلفية الجُدد والتشدد مرة أخرى كعبدالله الشريف وعبدالله رشدي عاد لهم الأمل مرة أخرى بالعودة، لكنه وكلما يفشل أي تحرك جماهيري يُصابون باليأس..وسلوك اليائس خطير وعنيف جدا ضد أقرب الناس إليه، فكلما ارتفع منسوب الأمل كلما تكون حجم الصدمة أكبر، والإنسان المصدوم سريع جدا في الغضب وفقدان الثقة والتحكم ..

وسبق أن قلت لأحد قياداتهم منذ 10 سنوات وهو "وصفي أبو زيد" أن الإخوان محتاجة البُعد عن السياسة لتبقى، لا أن تحكم..فلو حَكَمت وأرادت السيطرة ستنتهي بطريقة أبشع من التي انتهوا بها في عصر عبدالناصر، وحكمة البُعد عن السياسة هي إعادة تقويم الفرد الإخواني مرة أخرى وتنشئته أخلاقيا وعقليا لإزالة وعلاج آثار ما بعد يناير الكارثية، إنما في ظل صراعات وحروب السياسة لا يجد الإخواني فرصته في الأخلاق والعقل..وسيظل أسيرا لتلك الصراعات لا يجد الرغبة والدافع للعلم والتهذيب..

باختصار: تيار الإسلام السياسي يتآكل ذاتيا والسر كما قلته منذ سنوات طويلة وبشرت به في كتبي عنهم وهو (رفض المراجعة الفكرية) والمكابَرة والانغلاق، ومظاهر العنف اللفظي التي نراها على التواصل الاجتماعي هي المتنفس الوحيد الذي يعبر عن أزمتهم الداخلية، حتى أن كثيرا من شيوخهم وقياداتهم تحولوا لوجدي غنيم آخر، مجرد شتائم وتكفير واتهامات مرسلة بألفاظ خارجة..ولم يسألوا كيف بهذه الشتائم والتكفيرات والألفاظ الخارجة يريدون حكم مصر والشرق الأوسط؟؟!..فطُلّاب السلطة يحرصون – في الغالب - على كسب المجتمع لا الصدام معه، وتقديم أنفسهم في أحسن صورة ونفي كل الصور الأخرى التي تظهرهم حمقى وبلهاء وأغبياء ودعاة عنف..

حتى أنهم لم يتوانوا عن اختلاق القصص في إطار ما يريدونه، واللامبالاه التامة في صمتهم عن شيوع العدوانية والعنصرية بين أنصارهم، وسيظلوا هكذا..مجرد ردود أفعال تتنفس عنفا لفظيا لا أكثر، وفي كل مرة يظهرون فيها بهذا الشكل يفقدون ثقة المجتمع ويصبح الدفاع عنهم وعن آراهم صعب جدا بل يصل لحد الاستحالة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية


.. فاغنر تتكاثر في ليبيا وتربط بين مناطق انتشارها من السودان إل




.. الاستئناف يؤكد سَجن الغنوشي 3 سنوات • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تتقدم في خاركيف وتكشف عن خطة لإنشاء -منطقة عازلة- |#غر




.. تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وإسرائيل...أسلحة جديدة تدخل الم