الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى سقوط موسوليني : قوة المقاومة وعواقب العجز الاستبدادي

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2024 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة/ محمد ناجي

نحن نولي الكثير من الاهتمام هذه الأيام لكيفية وصول الطغاة إلى السلطة ، ولكن فهم كيفية تراجعهم ورحيلهم - دائماً تقريباً بشكل غير طوعي - وتذكّر الكوارث التي سببوها لشعوبهم والعالم أمر لا يقل أهمية في الوقت الحالي .

بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الدوتشي والفوهرر ، أقتبس هذا الأسبوع بعض المقتطفات من فصل "النهايات" من كتابي "الرجال الأقوياء" ، والذي أعيد طباعته مرة أخرى بسبب الطلب الشعبي . مقال اليوم عن بينيتو موسوليني ، ومقال الغد عن أدولف هتلر .

قُتل موسوليني على يد الثوار الإيطاليين في 28 أبريل 1945 ، بعد ثلاثة أيام من تحرير الثوار الإيطاليين والحلفاء لإيطاليا . وفي 30 أبريل 1945 ، انتحر هتلر عندما دخل الجيش الأحمر برلين . أما في إسبانيا ، فقد ظل فرانسيسكو فرانكو في منصبه ، ليأخذ الدكتاتورية اليمينية إلى حقبة الحرب الباردة ، أما في إيطاليا وألمانيا ، فقد انتهى كابوس الفاشية الطويل .

كان مصير موسوليني وهتلر متشابكاً منذ البداية . طوال عشرينيات القرن العشرين ، كان هتلر يعبد موسوليني ويتعلم منه ، وطوال ثلاثينيات القرن العشرين ، عملت كل دكتاتورية على تمكين الأخرى . ومع ذلك ، فإن بداية الحرب العالمية الثانية أعطت للفوهرر اليد العليا .

قال موسوليني ، الذي عين نفسه في عام 1939 رئيساً لوزارات الحرب والجيش والبحرية والمستعمرات والقوات الجوية : "أنا أتبع غرائزي ، وأنا لا أخطئ أبداً" . في فبراير الزم إيطاليا بالتحالف مع ألمانيا في حلف الفولاذ ، على الرغم من أن إيطاليا احتاجت إلى سنوات لتجديد مواردها المالية ومعداتها العسكرية التي استنزفتها سنوات من القتال في إثيوبيا (غزت إيطاليا إثيوبيا في عام 1935) وفي الحرب الأهلية الإسبانية .

في منتصف أغسطس 1939 ، بعد أن استنزف قواته عن طريق غزو ألبانيا ، أرسل موسوليني صهره ووزير الخارجية غالياتسو تشيانو إلى ألمانيا لإقناع وزير الخارجية النازي يواكيم فون ريبنتروب وهتلر بإلغاء الحرب . الاجتماع لم يسير على ما يرام .

وكحل أخير ، أعلن موسوليني أن إيطاليا ستكون دولة "غير محاربة" ، متجاهلاً نصيحة جنرالاته ورسائل هتلر الغاضبة بشكل متزايد ، أمضى موسوليني الأشهر التسعة التالية في حالة رفض ، حيث كان يقضي ساعات كل يوم مع كلارا بيتاتشي وعشاق آخرين .

أدى نجاح حرب هتلر الخاطفة في فرنسا إلى تغيير رأي الزعيم الإيطالي . في 10 يونيو 1940 ، أعلن موسوليني تعبئة إيطاليا . في 11 يونيو ، ضربت أولى قنابل الحلفاء المدن الإيطالية ، لتبدأ سنوات من معاناة المدنيين .

تم إجلاء أعداد هائلة من الإيطاليين إلى الريف ، وقضى أولئك الذين بقوا في المدن وقتاً في الأقبية وغيرها من الملاجئ المرتجلة من القنابل . لم يطور موسوليني الذي كان يركز على أمجاد الغزو الأجنبي ، دفاعات مضادة للطائرات لحماية شعبه .

"قد تكون قوياً ، لكنك لست خالداً . أنت أيضاً ستموت يوماً ما" ، حذرت لينا روماني من ترينت موسوليني في رسالة بعد أيام قليلة من بدء القصف .

قاتل الجيش الإيطالي ببسالة نظراً لنقص المؤن والأسلحة ، لكنهم لم يتمكنوا من التغلب على عدم قدرة إيطاليا على خوض حرب متعددة الجبهات . إن الاستراتيجية المضللة التي حولت القوات من أفريقيا إلى البلقان وروسيا جعلت من السهل على الحلفاء تحرير شرق أفريقيا . وفي مايو 1941 ، عاد الإمبراطور هيلا سيلاسي إلى عرشه الإثيوبي ، وفي 1942-1943 استولى الحلفاء أيضاً على ليبيا ، منهين بذلك الحلم الإمبراطوري للفاشية .

مع تحول إيطاليا إلى عائق ، تعامل هتلر مع موسوليني بقسوة ، حيث كان يضايقه لساعات في اجتماعاتهما . ألقى موسوليني بدوره اللوم على شعبه لكونهم "جبناء" .

كان عام 1942 نقطة تحول على الجبهة الداخلية . وتحت ضغط الغارات الجوية والجوع واليأس ، فقد المزيد من الإيطاليين خوفهم من النظام . وفي تورينو ، نظم العمال إضرابات واسعة النطاق ، وهي الأولى منذ ستة عشر عاماً . انتعشت الشبكات الشيوعية وقام الديمقراطيون المسيحيون بتنظيم المقاومة الكاثوليكية من داخل الفاتيكان .

بدأت عبادة شخصية موسوليني في التراجع الآن . شهد عام 1942 أيضاً عدداً قياسياً من الأشخاص الذين تم القبض عليهم بتهمة إهانة الدوتشي . وفي عام 1943 ، كتب عدد أقل بكثير من الإيطاليين لطلب صورته . وبحلول ذلك الوقت كان بالكاد يظهر في الأماكن العامة ، مما زاد من الشائعات بأنه مريض أو ميت . وعندما كان يتحدث في الراديو ولم يكن الناس متأكدين من أنه هو . لقد فقدت صورته ، التي كانت ذات يوم لا تمحى ، تأثيرها .

بمجرد نزول الحلفاء في صقلية ، تفاقمت الأزمة وفي 25 يوليو 1943 ، قام المجلس الفاشي الأكبر بإقالة موسوليني بحجة عدم كفاءته . ولم يتمكن موسوليني من استيعاب هذا العصيان ، فعاد إلى العمل في اليوم التالي وكأن شيئاً لم يحدث . قام الملك فيتوريو إيمانويل الثالث ، الذي عين موسوليني في السلطة عام 1922 ، ويحكم الآن مع المارشال بيترو بادوليو ، باعتقاله ونقله إلى مستعمرة للعقوبات الجزائية على جزيرة ، ثم إلى جبال غران ساسو .

تسببت الأخبار التي تفيد بأن طغيان موسوليني قد انتهى في ضجة كبيرة . تم تحطيم تماثيل موسوليني وإلقاء صوره من النوافذ . أشعل الناس النيران في زيهم العسكري الفاشي وبطاقاتهم الحزبية . طوال صيف عام 1943 ، مع تقدم الحلفاء في شبه الجزيرة ، عاشت البلاد في حالة من النسيان ، وكان جيشها لا يزال يقاتل في دول المحور على الرغم من أن الدوتشي لم يعد في السلطة .

قد يكون التخلص من الديكتاتوريين أمراً صعباً للغاية . بدأ الفعل الثاني لموسوليني باستسلام المارشال بادوليو للحلفاء في 8 سبتمبر 1943 . وبينما كان الملك وبادوليو يتجهان جنوباً لإقامة مملكة إيطاليا في الأراضي التي حررها الحلفاء ، أنقذت قوات الكوماندوز الالمانية التابعة لقوات الحماية الخاصة ، موسوليني حتى يتمكن هتلر من تنصيبه رئيساً لدولة عميلة لألمانيا ، جمهورية سالو .

وهذا يعني أن القوى العاملة والإمدادات الغذائية والجيش في إيطاليا كانت تابعة لاحتياجات آلة الحرب الألمانية . تم ترحيل اليهود الإيطاليين أو نقلهم إلى تريست ليتم إبادتهم في معسكر ريسيرا دي سان سابيا . قام العديد من الإيطاليين غير اليهود ، بما في ذلك رجال الدين ، بإيواء اليهود في المنازل والمصانع والأديرة .

ومع اندلاع الحرب الأهلية بين الفاشيين المدعومين من النازيين والأنصار المدعومين من الحلفاء ، تشكلت أكبر حركة مقاومة في أوروبا . وتدفق المقاتلين من أكثر من 50 دولة ، ليشكلوا في نهاية المطاف قوة يزيد عددها عن 250 ألف جندي .

بالنسبة للإيطاليين ، أدى الانضمام إلى المقاومة إلى إعادة تنشيط قواعد الشرف والإنسانية التي كانت الفاشية تحتقرها . ورأت النصيرة آدا غوبيتي ، التي توفي زوجها عام 1926 بعد تعرضه للضرب على يد الفاشيين ، أن حركة المقاومة تمثل استعادة رابطة التضامن ، القائمة على "علاقة إنسانية بسيطة ، والشعور بالتضامن مع الكثيرين" .

تم إحباط محاولة هروب موسوليني عندما قبض عليه أنصار شيوعيون هو وبيتاتشي في 27 أبريل وأطلقوا النار عليهما في اليوم التالي . في 29 أبريل ، تم نقل جثثهم إلى ساحة لوريتو في ميلانو ، حيث قام شخص يتمتع بروح الدعابة على حبل المشنقة بوضع صولجان في يدي موسوليني الميت .

وكتب كورزيو مالابارته عن نظرة الدوتشي التي أسرت الكثيرين : "لم ينظر أحد من قبل إلى الإيطاليين كما كان ينظر إليهم عندما كان حياً" . والآن ضرب الإيطاليون تلك الجثة حتى كاد يتعذر التعرف على وجهه الشهير . وللسماح لعدد أكبر من الناس برؤية أنه مات حقاً ، عُلقت جثة موسوليني مع جثث بيتاتشي والمسؤولين الفاشيين في محطة وقود قبل أن تُنقل إلى المشرحة .
https://substackcdn.com/image/fetch/f_auto,q_auto:good,fl_progressive:steep/https%3A%2F%2Fsubstack-post-media.s3.amazonaws.com%2Fpublic%2Fimages%2Fa882cb51-bbe3-433f-b402-24739996a0a5_1024x763.png?utm_source=substack&utm_medium=email
جثث بينيتو موسوليني وكلارا بيتاتشي والمسؤولين الفاشيين معروضة في ساحة لوريتو بميلانو في 29 أبريل 1945 . Keystone-France/Gamma-Rapho via Getty Images.

بعد فترة طويلة من وفاته ، استمر جثمان موسوليني في إثارة اهتمام بعض الإيطاليين . وفي عام 1946 فُقد جثمانه لمدة ثلاثة أسابيع بعد أن سرقه بعض الفاشيين من قبره المجهول . وبعد ذلك أبقت الدولة مكان جثته سراً حتى على عائلته . وفي عام 1957 ، تم نقل موسوليني إلى مسقط رأسه ، بريدابيو ، لإعادة دفنه .

كانت هناك لمقابلته زوجته راشيل ، التي عاشت أكثر من كل محبيه وعرفته أفضل من أي شخص آخر في العالم ، وربما لهذا السبب لم تصلّ أبداً في معبد عظمته . كان هذا هو تقييمها للدوتشي في مقابلة أجريت معها عام 1946 : "بدا زوجي وكأنه أسد ، لكنه بدلاً من ذلك كان رجلاً حزيناً وصغيراً إلى حد ما" .


روث بن غيات
29 أبريل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب