الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع کوردستان، تلاحم المأساة والهبات الثورية

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2024 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تزامنت تغيرات جو الربيع في كوردستان، مع تغيرات سياسية واجتماعية تاريخية مهمة، خاصة على مدى العقود الأربعة الماضية. ففي الربيع تجتمع أفراح عيد الـ(نوروز) مع الذكريات المؤلمة، كمجزرة حلبجة وعملية الأنفال (١٩٨٦)، والهجوم العسكري الشرس الذي أدى إلى هروب جماعي للملايين إلى دول الجوار وذلك مباشرة بعد الإنتفاضة الجماهيرية ضد نظام البعث (آذار-١٩٩١).

ليس هذا فحسب، بل يذكرنا الربيع بانبثاق حركة المجالس داخل تلك الهبة الثورية، ومن ثم وعلی جثتها الهامدة، نشوب الحرب الأهلية (١٩٩٥١٩٩٨) بين حزبي (البارزاني) و(الطالباني)، وأخيراً وليس آخراً، شم رائحة‌ الحرية بسقوط نظام البعث ( نيسان-٢٠٠٣)، وظهور جو منفتح شبه حُر لتطورٍ فكري، سياسي وأدبي إثر إزدهار إقتصادي، وذلك بحصول الإقليم علی حصة من الميزانية العمومية للعراق.

لكن هذا الجو الربيعي في الوضع الاقتصادي المزدهر والسياسي المنفتح لم يدم طويلا تحت سلطة الأحزاب القومية والإسلامية المتحالفة معها في حكومة الإقليم، حيث لم تمض أكثر من ثلاث سنوات حتى إنطلقت مظاهرات الجماهير (٢٠٠٦) ضد نقص الخدمات والفساد وسوء الإدارة.

ومع مقتل الصحفي (سردشت عثمان - آيار ٢٠١٠)، بسبب فضحه فساد السلطة، ظهرت حركة جماهيرية ضد محاولة الأحزاب الحاكمة فرض الاستبداد السياسي والخنق الفكري في الإقليم. استمرت هذه الحركة لعدة أشهر، وأصبحت أحدى روافد تشكيل (حركة ١٧ شباط ٢٠١١)، التي دامت شهرين وقُتل فيها أكثر من (١٠) متظاهرين، بالإضافة إلی المئات من المعتقلين. هذە الإنتفاضة المتزامنة مع ثورات دول شمال أفريقيا (تونس ومصر)، کانت أول حركة جماهيرية واسعة شكلت ضد سلطة الإقليم وطالبت بتغييرها واستبدالها.

رغم الدور النشط لفعالي الحركة اليسارية والشيوعية ومنظماتهم في حركتي (سردشت عثمان) و(١٧ شباط)، إلا إن الأفق الفكري والسياسي السائد رُسم من قبل المثقفين الليبراليين القوميين، ومن قبل حزب المعارضة القومية (حركة التغيير) والأحزاب الإسلامية المتحالفة معها، وقد جعلوا من هذه الحركة ورقة ضغط للتفاوض من أجل الحصول على الامتيازات من خلال دخولهم (حكومة الإقليم) مع حزبي (البارزاني) و(الطالباني) (٢٠١٤)، هكذا وقعت الحركة ضحية لأفقها.

مع نهاية هذه الحركة، انتهت حقبة تاريخية من الحراك الاجتماعي في كوردستان العراق، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ الحركات الاحتجاجية، والتي كانت تتناسب مع التغيرات الهائلة التي حدثت في الوضع الاجتماعي والاقتصادي خاصة بعد فرض السياسات النيوليبرالية الاقتصادية بشكل مبرمج وبسرعة فائقة في الإقليم وبدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعد (٢٠١٤).

وهذا يعني أن الأساس الاجتماعي الذي شكل هيكل الحركات الاجتماعية بين عامي (٢٠٠٦٢٠١٤) قد تغير الآن بسبب تطور هذا المجتمع الرأسمالي وتراكم رأس المال في الإقليم، أي أن الأرضية التي تشكلت على أساسها هذه الحركات قد اختفت، وتكونت أرضية جديدة لظهور حركات اجتماعية احتجاجية أخرى.

بمعنى آخر، حدث تغير في بنية الطبقات الاجتماعية في فترة زمنية وجيزة، والذي ادی إلی تضييق حجم البرجوازية المتوسطة والصغيرة وسقوط أعداد كبيرة منهم في صفوف الطبقة العاملة، وبذلك توسعت قاعدة هذە الطبقة لدرجة أن الغالبية المطلقة لسكان هذا المجتمع أصبحوا من المحرومين من وسائل الإنتاج (التي هي النقطة المركزية في تعريف الطبقة العاملة)، ومستعدين للعمل لصالح الرأسمال ليوفر لهم فرص عمل حتى يتمكنوا من العيش حياة عادية.

ومع ذلك، حتى لو لم تكن الأزمة المالية والاقتصادية موجودة، فحسب القوانين الداخلية للرأسمالية، يعجز هذا النظام الإقتصادي والسلطة البرجوازية القومية الكوردية عن توفير العمل وضمان حياة بسيطة وعادية لهذە الجموع الغفيرة من الطبقة العاملة. انتشرت البطالة، خاصة بين الشبيبة بشكل غير مسبوق إلى جانب تراكم الثروة في أيدي الأقلية. هكذا أصبحت الرأسمالية في كوردستان وسلطة البرجوازية القومية الكردية مستقطبة تماما ضد الجماهير ومنافية لحقهم في الحياة.

من هنا يعبر الاعتراض الاجتماعي وبشكل متزايد عن احتجاج اجتماعي بروليتاري بحت، من قبل فئات وشرائح مختلفة من الكادحين والشغيلة وقطاعات واسعة من المهمشين والمحرومين والعاطلين عن العمل من تلك الطبقة، وهذا هو سر عدم تمكن المثقفين الليبراليين وأحزاب المعارضة ركوب أمواج الإحتجاجات وتوجيه الحركات الإعتراضية المختلفة نحو أهدافهم وأجنداتهم السياسية بسهولة، كما كان الحال في الماضي.

لكن كل هذه التغييرات المادية والموضوعية الإيجابية لا تؤدي تلقائيًا إلى وحدة صفوف هذه الحركات في حركة طبقية واحدة، ولا تؤدي تلقائيًا إلى وعي يجعل من هذە الشرائح الاجتماعية المختلفة والمعترضة مدركة بأنها جزء من طبقة اجتماعية وليس فئة وشريحة إجتماعية في حد ذاتها. إن كسب هذا الوعي يعتمد علی دور النشطاء والقادة العماليين من الإشتراكيين داخل الحركة العمالية. أي يعتمد على النشاط الشيوعي بشكل هادف لتجسيد الأفق الإشتراكي داخل هذه الحركات، لأن الهدف الأول للشيوعيين (كما ورد في البيان الشيوعي) هو تشكّل البروليتاريا في طبقة.

منذ عقود من الزمن وبإستمرار تتشكل الحركات الاحتجاجية لمختلف الفئات والشرائح الكادحة والمحرومة حول مطالب اقتصادية واجتماعية معينة، وتواجه حكومةً وسلطةً في الإقليم لن ترضخ لمطالباتهم، لذا توجد إمكانية تطور وتنامي هذه الحركات الإحتجاجية إلى مستوى أعلى من الصراع مع السلطة وضد النظام بأكمله ككيان سياسي، إقتصادي وإجتماعي، لكن ما تنقص هذە الحركات لحد الآن هو عدم إرتقائها إلی حركة طبقية موحدة وعزلتها أيضا عن حركة العمال والكادحين علی صعيد العراق.

إنها معضلة الصراع الطبقي في كوردستان العراق، ولن تفك هذە المعضلة إن لم نتمكن من بناء حركة شيوعية قوية وجماهيرية داخل الطبقة العاملة وعلی صعيد المجتمع.

فهل سنتمكن في ربيع إحدى السنوات المقبلة من الجمع بين أفراح (نوروز) وبهائج الأول من أيار؟
نيسان ٢٠٢٤








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر ترفض اقتراحا إسرائيليا جديدا لإعادة فتح معبر رفح


.. الانتخابات التمهيدية في ميريلاند وويست فيرجينا تدفع الجمهوري




.. حرب غزة.. تصورات اليوم التالي | #غرفة_الأخبار


.. حزب الله يعلن تنفيذ 13 هجوما ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. الباحث السياسي سعيد زياد: توسيع نطاق الحرب خارج فلسطين لا يخ