الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية ثقافة التمدن والاختلاف الفكري والسياسي في المجتمعات العربية

عواد احمد صالح

2006 / 12 / 9
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن


في البدء لابد من توجيه اسمى درجات الأطراء والتقدير والعرفان الى " الحوار المتمدن " بمناسبة حلول الذكرى الخامسة لانطلاقتها الميمونة . ان الدور الحداثي والتنويري الكبير والخلاق الذي تقوم به الجريدة بدأب وثبات وباشراف نخبة مثقفة هي افضل ما برز خلال المرحلة الراهنة – في حقل الثقافة العربية واليسار والتمدن والعلمانية ، ذلك الدور الذي برز من خلال الدفاع عن القيم الأنسانية السامية وقيم اليسار التي تجنى عليها من تجنى خلال العقود السابقة هو دور لا يضاهيه أي دور . ولقد اكتسبت الحوار المتمدن مكانة رفيعة وسامية في اذهان وقلوب النخب المثقفة وجماهير القراء خصوصا في اطار مدها لجسور التواصل التي كانت مقطوعة بين تيارات متعددة من اليساريين والليبراليين ومن الأسلاميين المستنيرين دعاة الإصلاح والتحديث وبذلك فتحت ابواب الحوار والنقاش التي كانت مغلقة بين هذه التيارات بهدف ارساء تقاليد راسخة من ثقافة الاختلاف والحوار ..ومن اجل التأسيس لحياة جديدة مبنية على ارفع القيم والأفكار النبيلة العصرية والحضارية وفي مقدمتها احترام حقوق الأنسان وحرية المعتقد والرأي والفكر . لقد فتحت الحوار المتمدن صدرها الرحب لجميع الأقلام غير المرغوب فيها في ساحة الثقافة العربية الرسمية ثقافة الأنظمة القمعية والديكتاتورية وتركت لها الحرية المطلقة في التعبير وكشفت الأغطية عن ما يسمى المسكوت عنه ورفعت التابو المفروض على المحرمات في مجال الفكر والتقاليد والمقدسات ووضعتها في اطار السؤال والنقاش والنقد ولم تضع اية حدود او حواجز على النصوص التي يكتبها كتاب من ذوي الأتجاهات المختلفة واحيانا المتناقضة ايمانا منها بحرية الفكر والتعبير والاختلاف ليكون الفكر الموضوعي الرصين المعيار الوحيد لمن يكتب ولمدى مايريد التعبير عنه ..
ولابد من الأشارة الى ان الحوار المتمدن بوصفها منبر يساري ماركسي اولا اثبتت ان دعاة وحملة هذا الفكر يقفون في مقدمة صفوف من يدعو الى احترام حقوق البشر وكرامتهم ومساواتهم غير المشروطة واحترام افكارهم ومعتقداتهم وحقهم في العيش بأمن وسلام وفي مقدمة من يتبنى ويدافع عن اسمى القيم الأنسانية ومنها رفض الأستغلال والتمايز الطبقي والاضطهاد بكافة اشكالة .. تحية وتقدير خالصة الى هيئة تحرير الحوار المتمدن في ذكرى انطلاقتها الخامسة .

********
المجتمعات العربية التي دخلت القرن الحادي والعشرين هي مجتمعات متخلفة بكل المقاييس عن معطيات عصرنا ، تفصلها ملايين السنين الضوئية عن ثقافة العصر الذي تعيش فيه ، ليس هناك أي تناسب مابين البنى الثقافية السائدة – الثقافة هنا بمعناها الواسع مجموعة القيم والسلوك والتصرف والتفكير والانتاج – أي انتاج القيم المادية والروحية ومابين القيم المادية هنا طريقة العيش واستخدام منجزات الحضارة والتعاطي مع الآخر المختلف ، هناك شرخ واسع مابين المعطى الحضاري الغربي المنشأ ومابين السلوك المستخدم لهذا المعطى ، مازلنا نتعامل مع القيم المادية الحضارية بنهم بدوي وسلوك متعجرف وعدواني في غالب الاحيان .. الذات العربية تعيش عقدة الماضي ، رهينة لمعطياته ولمنجزه الفكري والسلوكي ، وهي ذات عدائية تقصي حتى الجانب المتسامح في الدين والتقاليد لصالح الجانب العدائي ، تصرفها ينبع من تصوران كل علاقة فكرية او ثقافية او مادية هي علاقة غالب ومغلوب.
كيف السبيل الى التمدن – التمدن هنا مفهوم يتعلق بالأيمان بقيم المساواة والتكافؤ وتغليب ماهو عقلاني وديمقراطي وانساني - على نسق القيم الخرافي المبني على ركائز اثبت العلم والبحث التجريبي بطلانها وقصورها ، كيف السبيل اذا كان نسق القيم الموروث هو السائد وان مساحة المقدس من هذا النسق هي العامة الشاملة الطاغية بل ان التقليد الأبوي العشائري البطريركي الأقطاعي اختلط مع مساحة المقدس واندمج بها واصبح جزء لا يتجزأ منها . لم يعد الخروج على السائد والمألوف في اذهان الغالبية سوى خروج على المقدس او الأستهانة به على اقل تقدير . قد تكون ثقافة التقليد والتبليد عاملا حاسما في الخوف من المساس بالبنى الثقافية القائمة ، ولكن ايضا يبقى تأثير العوامل الجغرافية والبيئية حاسما في تشكيل وعي اجتماعي محدد يرتهن الى الركود والسكون والتقليد ويرفض التطور والتجديد ، تحت ذرائع مختلفة منها التهويل القائم حول الخوف من فقدان "الهوية " و"الخصوصية " وكأن هنالك من يريد ان يرسخ في الاذهان بأننا نتمتع بخصوصية بشرية مختلفة عن سائر البشر لا يجوز ان نسحب عليها كل جديد او كل تطور وبذلك عد كثير من "مثقفي وفقهاء " السلاطين الأبتداع بانه بدعة وفضلوا علية الأتباع أي بعث وترويج كل ما سكة الأقدمون في مضمار الفكر والثقافة والنهج السياسي .
لقد عد كثير من المفكرين الأنماط الانتاجية التي سادت في الشرق سببا في التحجر والركود الذي اصاب المجتمعات وبرز في حقل البحت التاريخي الأجتماعي ما سمي بـ "الركود الشرقي ".. ربما كانت الانماط الأنتاجية ومنها ما دعي بنمط "الأنتاج الآسيوي " ... سببا الذي تولد هو الأخر من طبيعة العوامل البيئية والجغرافية لكن تبقى مساحة "التقليد الثقافي " والأيدولوجيا الدينية سببا اساسيا في سكونية المجتمعات وخضوعها للتقليد والموروث .
ان تطورالحضارة الرأسمالية وماخلفته الصناعة والتكنولوجيا الغربية من قيم مادية وفكرية وافرغته في جعب الأنظمة والطبقات السائدة العربية مكرهة اوقعها في اشكال مزدوج ازاء شعوبها التي ترفض في الغالب قيم الأختلاف الفكري والسياسي فهي أي الأنظمة مضطرة لأدخال تحسينات على نظم الحياة وذلك لخلق نوع من التوازن في التعامل مع الأخر ومع الذات بهدف التكيف .. وقد كانت مستويات الأستجابة لهذه " التحسينات " متناقضة اشد التناقض هناك من يقبل وهناك من يرفض ، وقد اقترن القبول من شرائح واقسام كبيرة من المجتمع نقصد الطبقات المحافظة اقترن بالسعي لتسخير المعطى الحضاري للعودة الى مرامي واهداف نكوصية وكان رد فعل القطاعات المشبعة بثوابت المقدس وتجلياته بالرفض وعدم التكيف وغالبا بمحاربة كل ماهو مدني وعصري لأنة يتناقض مع " الثوابت " التي ارساها الأرث المقدس .
نريد ان نقول بوضوح اكثر ان الذات العربية بحكم تركيبتها البنيوية الطبقية والثقافية ترفض ثقافة الاختلاف وترفض الحوار مع الأخر وحتى داخل حقلها المجتمعي لدواعي كثيرة لعل ابرزها الشعور بأمتلاك الحقيقة المطلقة من جهة ومن جهة ثانية الشعور بالقصور ازاء ما ينتجهه الأخر وبالتالي فأن رفض ذلك المنتج وادعاء امتلاك الحقيقة يؤدي الى خلق نوع من التفوق بهدف سد النقص والعجز الكامن في اللاوعي الجمعي ، وايضا لأعادة التوازن المفقود وتحقيق الرضا عن النفس . ولأن الذات العربية ذات مفعمة بتراكمات الخيال الروحاني ذلك الذي يسهم في جعلها لا تعبأ ببريق الابداع المادي . ان البنى السياسية الحديثة ، الديمقراطية وما تتضمنه من قيم ثقافية ، القبول بالأخر واحترام الرأي والحوار والاختلاف تلك القيم تشكل نوعا من التحدي للتقليد والنمط الذي اعتادت عليه المجتمعات العربية .
نحن اذن ازاء تناقض اشكالي عميق في تلك المجتمعات التي تخشى ثقافة الأختلاف والحوار داخل محيطها ذلك التناقض لاسبيل الى حله في المدى المنظور .. مالم تحدث هزات عنيفة في البنى الأجتماعية والثقافية تصنعها الثورات او الحروب الداخلية او الخارجية . ان النزوع الجمعي بعدم التكيف مع قيم التمدن والأختلاف وقبول الآخر سوف يعمق حدة هذا الأشكال والتناقض .. وعلى مدى عقود قادمة وفي سياق "الأنفتاح " والهزات العنيفة التي خلقتها العولمة والحرب الأمريكية في العراق وافغانستان نحن امام امتحان عسير ، اعني هنا البنى الثقافية والأجتماعية بما فيها القطاع الديني المهيمن التي ستواجه مزيد من التناقضات والهزات الأجتماعية والفكرية .. نحن امام امتحان الحداثة والتجديد ولا سبيل امامنا سوى استيعاب المعطيات والقيم الأنسانية الجديدة الديمقراطية وثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر والتطور واستيعاب القيم الجديدة او ان ننتهي الى التحجر والتقوقع ... واذا اصرت القوى المحافظة العربية على الهروب والنكوص فأنها ستدخل ولا مناص من ذلك في مهاوي المجهول والأفول .

4- 12 – 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا