الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذٰلِكَ ٱلْغَبَاْءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَاْرِيُّ: طُغَاْةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاْةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (7-9)

غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)

2024 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(7)

كَمَا سُوجِلَ في خِتَامِ القسمِ السَّادسِ من هٰذا المقالِ، ثَمَّةَ فلاسفةٌ كَثِيرُونَ يَرْتَأُونَ أَنَّ نشأةَ مَا يُعَرَّبُ نَقْحَرَةً بـ«الهيرمينوطيقا» Hermeneutics، قدِ اقترنتْ منذُ البَدْءِ بالخِطَابِ الدِّينِيِّ، مَعَ أَنَّ هٰذا الاِصْطِلاحَ مُقْتَرِنٌ رَسْمِيًّا قبلَ كُلِّ شيءٍ بالخِطَابِ الأُسْطُورِيِّ ومُشْتَقٌّ اِسْمِيًّا من أُسْطُورَةِ الإِلٰهِ اليُونَانِيِّ «هيرميز» Hermes، حَالًّا بِمُهَمَّتِهِ الأولى كـ«رَسُولٍ خَاصٍّ لِلآلِهَةِ» اليُونَانِ بينَ أَهْلِ السَّمَاءِ وبينَ أَهْلِ الأَرْضِ، ودَالًّا بذاكَ عَلى الاِشْتِقَاقِ المَعْنِيِّ «المَآلِيَّاتُ»، كأقربِ اِشْتِقَاقٍ مقابلٍ في اللغةِ العربيَّةِ، لكي يَعْنِيَ، أَوَّلَ مَا يَعْنِيهِ هٰهُنَا، أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ جَامِدٍ أو حَيٍّ في هٰذا الكَوْنِ بلا استثناءٍ «رَسِيلًا» كَامِنًا لَهُ تَبَدِّيَاتُهُ المَادِّيَّةُ (والجِسْمِيَّةُ) ولَهُ كذاكَ تَجَلِّيَاتُهُ الرُّوحِيَّةُ (والنَّفْسِيَّةُ). وقدْ سُوجِلَ إِذَّاكَ من بابِ تِيكَ التَّجَلِّيَاتِ، في سِيَاقِ هٰكذا نَصٍّ نفسيٍّ سِيَاسِيٍّ مَفْتُوحٍ عَلى مِصْرَاعَيْهِ كَمَا تَرَيَانِ جَلِيًّا هُنَا، وذاكَ مِنْ أَجْلِ تِبْيَانِ شيءٍ مِنْ دَوَاعِي مَا يَتَخَلَّلُهُ بينَ الحِينِ والآخَرِ من «تَكْرَارٍ قَهْرِيٍّ» بأُسْلُوبٍ مُمَاثِلٍ أو مُغَايِرٍ، حَسْبَمَا يقتضِيهِ ضَرُورَةً بِالرَّصْدِ الرَّاصِدِ مُقْتَضَى الحَالِ من حيثُ الشَّكْلُ أَوِ المَضْمُونُ أو حتى كِلَاهُمَا – وتَعْبِيرُ المَعْنَى من هٰذا «ٱلْتَّكْرَارِ ٱلْقَهْرِيِّ» المُسَمَّى هٰكذا اسْتِئْنَاسًا بِتَعْبِيرِ العُنْوَانِ بالعَيْنِ إِنَّمَا هو مَعْنِيٌّ عَنْ عَمْدٍ وعَنْ قَصْدٍ كذٰلك، مَا دَامَ ثَمَّةَ أَرْهَاطٌ مَنَاكِيدُ من نُقَطَاءَ عَتُوفِينَ أو من عُسَفَاءَ نَتُوفِينَ (أو حتى من «عَبِيدٍ مَنْزِلِيِّينَ» House Slaves، باصْطِلاحِ الثَّائِرِ الأفرو-أمريكيِّ الفَذِّ، مالكولم X)، مَا دَامُوا منْتَشِرِينَ هُنَا وهُنَاكَ مِثْلَمَا تَنتَشِرُ العَذَوَاتُ من النَّبَاتِ الضَّارِّ التي ليسَ لَهَا إلاَّ التَّطَفُّلُ «الدَّنِيءُ» والدَّنِيُّ» على أَيِّمَا طَيِّبٍ أَوْ صَالِحٍ من أَجْنَاسِ الأَزَاهِيرِ أَوِ الأَعْشَابِ أوِ الأَشْجَارِ مَدْلُولاً عَامًّا (وحتى بالمَدْلُولِ العِلْميِّ الأَحْيَائيِّ، أوِ «البيولوجيِّ»، لكلٍّ من هٰتَيْنِ المُفْرَدَتَيْنِ الرَّدِيفَتَيْنِ). ذٰلك لِأَنَّ هٰؤلاءِ النُّقَطَاءَ العَتُوفِينَ أو العُسَفَاءَ النَّتُوفِينَ إِنَّمَا يُعَانُونَ أَشَدَّ المُعَانَاةِ من إِشْكَالِ الفَهْمِ السَّرِيرِيِّ للنُّصُوصِ أَيَّةً كَانَتْ سُهُولَتُهَا في وَاقِعِ الشَّأْنِ، مِمَّا يُثِيرُ نَوْعًا إِنْسَانِيًّا، لا بَلْ أَخْلاِقيًّا، من الرِّثَاءِ الخَاصِّ لحَالِهِمْ «بالتَّجَرُّدِ عَنِ أَيِّمَا نَاصِبٍ أو جَازِمٍ، إِنْ جَازَ المَجَازُ»، لولا انْتِفَاخُ أَوْدَاجِهِمْ بالجُلِّ، إِنْ لَمْ يَكُنْ بالكُلِّ، من سُمُومِ الحَسَدِ والغَدْرِ واللُّؤْمِ واللَّكَعِ واللَّكَاعَةِ، إلى آخِرِهِ، بإزاءِ كُلِّ مَنْ يَفُوقُهُمْ إدْرَاكًا واسْتِيعَابًا لِذَوَاتِ النُّصُوصِ مَهْمَا كَانَتْ صُعُوبَتُهَا ومَهْمَا كَانَ عِيَاصُهَا في حقيقةِ الأمرِ (كَافِيكُمَا من احْتِيَازِ الحِكْمَةِ والحَصَافَةِ، قبلَ كُلِّ شيءٍ). فَتَرَيَانِ الوَاحِدَ من هٰؤلاءِ المُنْتَفِخِي الأَوْدَاجِ سُمًّا كهٰذا إِنْ قَرَأَ النَّصَّ فِعْلاً فإِنَّهُ لا يَفْهَمُ منهُ أَيَّ شَيْءٍ، وتَرَيَانِهِ إِنْ «فَهِمَ» منهُ شَيْئًا حَقًّا فإِنَّهُ لا يَفْهَمُ منهُ إِلاَّ العَكْسَ أوِ الضِّدَّ من مَعْنَاهُ الحَقِيقِيِّ، ورَغْمَ كُلِّ هٰذا العَجْزِ الذِّهْنِيِّ الكَارِثيِّ يَأْتِيكُمَا هٰذا الدُّرْقَاعُ النَّقِيطُ العَتُوفُ أو الجَعْجَاعُ العَسِيفُ النَّتُوفُ كَاشِفًا عن كُلِّ جَهْلِهِ وغَبَائِهِ بالقَوْلِ المُثِيرِ لكُلِّ أَشْكَالِ الهُزْءِ والتَّهَكُّمِ بِأَنَّ النَّصَّ المَعْنِيَّ الذي قَرَأَهُ ولَمْ يفْهَمْ منهُ شيئًا إِنَّمَا «يَسِيحُ بدُونِ خَارِطَةٍ للطَّرِيقِ» دُونَ أَنْ يَعِيَ مَا يَقُولُ حتى لو كانَ في كَامِلِ وَعْيِهِ حَقِيقَةً. وهٰكذا، وبِالرُّجُوعِ إلى فَحْوَاءِ الكَلامِ الرَّئِيسِيِّ في هٰذِهِ القَرِينَةِ، لَمْ يَفْتَأْ فَلُّ الطُّغَاةِ الفَاشِيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ من أولٰئك العَرَبِ «الأَقْحَاحِ» والمُسْتَعْرِبِينَ ذَوَاتِهِمْ، على اختلافِ أشكالِهِمْ وأَخْتَالِهِمْ وعلى ائْتِلافِ مَضَامِينِهِمْ و«مَيَامِينِهِمْ» في البلدانِ المعنيَّةِ من هٰذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» بينَ أواسِطِ «الأرضِ مَا بعدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land (توخِّيًا لِلَفْظِ «الخَرَابِ» هُنَا، لا «اليَبَابِ»، كَمَا يَتَفَيْهَقُ بعضُ المُتَرْجِمِينَ البَقَّاقِينَ تَفَيْهُقًا)، لَمْ يَفْتَأُوا يَتَفَنَّنُونَ بِلا رحمةٍ وبِلا هَوَادَةٍ بِمَا يتيسَّرُ لِأَرِبَّائِهِمْ وكذاكَ لأذنابِهِمْ من فنونِ التنكيلِ والتعذيبِ والتزهيقِ من مَحَلِّيِّهَا ومُسْتَوْرَدِهَا، سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَلى حَافَّةِ «الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ»، ولَمْ يَفْتَأُوا يُسَوِّمُونِ بناتِ وأبناءَ سَائرِ تلكَ الشُّعُوبِ العربيَّةِ الأبيَّةِ، أيْنَمَا حَلَّتْ سَائرَةً بِثَوْرَتِهَا على الطُّغْيَانِ والاِسْتِبْدَادِ، سُوءَ هٰذِهِ الفُنُونِ كَافَّتِهَا أيَّمَا تَسْوِيمٍ. فَهَا هو الطاغيةُ الفَاشِيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ، عبد الفتاح السيسي، يتولَّهُ في الفُسْطَاطِ بتجميلِ أحكامِ الإعدامِ التعسُّفيَّةِ القَبِيحَةِ وَفْقًا لِكَوْنِهَا في الاعتقادِ المزيَّفِ «حَقًّا إلٰهِيًّا حَقِيقًا» مُنْزَلاً ومُنَزَّلاً من السَّمَاءِ على «العِقَاقِ» منهنَّ شَابَّاتٍ وعلى «العُقَّقِ» منهُمْ شُبَّانًا (وقدْ تَمَّ التَّنفيذُ المُريعُ لهٰكذا أحكامِ إعدامٍ تعسُّفيَّةٍ قَبِيحَةٍ، في النهايةِ بالفعلِ، في آخِرِ تِسْعَةٍ من أولئك الشُّبَّانِ «العُقَّقِ» بالذواتِ في ذٰلك الحِينِ القَمِينِ، وتلكَ كانتْ بدايةُ الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ إيذانًا بأنْكَرَ منها حَسْبَ ذاك الاعتقادِ المزيَّفِ في حدِّ ذاتِهِ، وبِتَغْطِيَةٍ مملكاتيَّةٍ وإماراتيَّةٍ وَ/أَوْ بِتَوْصِيَةٍ أمريكيَّةٍ وبريطانيَّةٍ). وهَا هو كذاك الطاغيةُ الفَاشِيُّ العَتِيُّ الأكثرُ اصطناعًا، بشار الأسد، يتولَّعُ في الفَيْحَاءِ بتحطيمِ الأرقامِ القياسيَّةِ المَدْمِيَّةِ والدَّمَوِيَّةِ كلِّهَا في ارتكابِ أَفْظَعِ وأَشْنَعِ مَا تَوَصَّلَ إليهِ «العقلُ» الإجراميُّ البهيميُّ، لَا بَلْ مَا دُونَ-البهيميُّ، من جَرائمَ فظيعةٍ وشَنْعَاءَ ضدَّ الإنسانيةِ في المطلقِ (وقد قتلَتْ وشرَّدَتْ عِصَاباتُهُ الذَّلُولُ مَأْمُورَةً والدَّخُولُ مَأْجُورَةً منهنَّ إناثًا ومنهُمْ ذكورًا من كافَّةِ الأعمارِ من الشَّعبِ السُّوريِّ اليتيمِ في غُضُونِ حتى أقلَّ من سَبْعٍ من السَّنواتِ العِجَافِ أضعافًا مضاعفةً مِمَّا قد قتلتْهُ وشرَّدَتْهُ عِصَاباتُ الكيانِ الصُّهيونيِّ منهنَّ ومنهُمْ كذاك من الشَّعبِ الفلسطينيِّ اللَّطِيمِ على مَدى أكثرَ من سبعينَ سَنَةً أشدَّ عُجُوفًا فَوْقَ ذٰلك). ومَا بَيْنَ هٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفَاشِيَّيْنِ العَتِيَّيْنِ عُتُوًّا مُبَاحًا ومُحَلَّلاً بِتِيكَ الوِصَايَةِ الأمريكيَّةِ والبريطانيَّةِ، علاوةً على ذٰلك، ثَمَّةَ طاغيتَانِ فَاشِيَّانِ عَتِيَّانِ آخَرَانِ كانا يتخبَّطانِ تخبُّطًا متوتِّرًا متواترًا، أوْ يكادُ بازدواجيَّةٍ رَعْنَاءَ لافتةٍ للعِيَانِ، قدَّامَ مشهدَيْنِ شعبيَّيْنِ ملتهبَيْنِ كلَّ الاِلتهَابِ بعدَمَا طفحَ الكَيْلُ بِهِمَا من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، مشهدَيْنِ شعبيَّيْنِ تارةً يبشِّرانِ تورُّدًا بأنباءٍ ثوريَّةٍ «سَارَّةٍ» وطَوْرًا ينذرانِ تَشَوُّكًا بأخبارٍ لاثوريَّةٍ ضَارَّةٍ، في ذاتِ الآنِ والأوانِ، وفي ذاتِ ذاك الجَانبِ الإفريقيِّ من هٰذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ والرَّائِهِ رَيْهًا جَمُوحًا كعادتِهِ في الخَوَالِي من تلك الثَّمَانِي سَنَوَاتٍ أو يزيدُ، لا بَلْ رَيْهًا حتَّى أشَدَّ جُمُوحًا مِمَّا كانَ عليهِ في ذاتِ هٰذا الجَانبِ الإفريقيِّ منذُ إرْهَاصَاتِهِ الأولى، وقدْ بانتْ بالفعلِ أولى هٰذِهِ الإرْهَاصَاتِ قبلَ نهايةِ العامِ الشَّاهِدِ والشَّهيدِ 2018 بأسابيعَ معدوداتٍ.

ثَمَّةَ، من طرفٍ أوَّلَ، طاغيةٌ فَاشِيٌّ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ كانَ يمتازُ بالتَّبَجُّحِ استقواءً في «عُقْرِ دَارِهِ»، ليسَ إلاَّ، وكانَ يُحَاوِلُ من ثَمَّ إثْبَاتَ فُحُولَتِهِ العسكريَّةِ قبلَ مَا يُقَابِلُهَا من نظيرَةٍ سياسيَّةٍ بنَحْوٍ أو بآخَرَ، كمثلِ طاغيةِ السُّودَانِ المخلوعِ عمر حسن البشير، هٰذا الطاغيةِ الفَاشِيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الذي لَمْ يكفَّ حينذاك عن التلميحِ كَامِخًا بهٰذِهِ الفحولةِ العسكريَّةِ على أكثرَ من صَعِيدٍ، وبالأخصِّ عندمَا كانَ على الدَّوَامِ يلوِّحُ شامخًا بِمَدَى سِحْرِيَّةِ تلك «العَصَا الجَوْقَلِيةِ» Airborne Baton، أو مَا يُسَمَّى بالاِصْطِلَاحِ الإنكليزيِّ والاِصْطِنَاعِ الاِسْتِعْمَارِيِّ المنشأِ والوَصِيدِ – كُلُّ ذاك قدْ مَرَّ، وقدِ استمَرَّ قائمًا وسَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ إلى أجَلٍ مُسَمًّى حِينَها، على الرَّغمِ من كَوْنِ هٰذا الـ«البشيرِ» فِيمَا يتبدَّى لِلْعِيَانِ والأذهَانِ في داخلِ البلادِ وفي خارجِهَا كذٰلك، على الرَّغمِ من كَوْنِهِ عَيْنَ الطاغيةِ الفَاشِيِّ «العربيِّ» أوِ «المُسْتَعْرِبِ» الأوْحَدِ من حيثُ اِنْصِيَاعُهُ العتيدُ لِأَمْرٍ روسيٍّ مُبَاشِرٍ وَ/أَوْ لِأَمْرٍ إيرانيٍّ لَامُبَاشِرٍ، قبلَ خَلْعِهِ المَحْتُومِ بِمِيدَاءٍ زَمَانِيٍّ ليسَ مديدًا، بتنفيذِهِ المِلْحَاحِ لزيارةٍ مدروسةٍ بعنايةٍ فائقةٍ لطاغيةِ سوريا الفَاشِيِّ العَتِيِّ الأكثرِ اصْطِنَاعًا، بشار الأسد، وتذكيرِهِ (أي تذكيرِ نظيرِهِ ذاك الـ«البشيرِ» ذاتِهِ)، فضلاً عن ذلك كُلِّهِ، بأَفْرَاحِ مَاضٍ دبلوماسيٍّ «تَقَارُبِيٍّ» و«تَحَابُبِيٍّ» بينَ السُّودَانِ وإيرانَ (أيَّامَ هاشمي رفسنجاني، في عقدِ التسعينيَّاتِ من القرنِ الفائِتِ)، وعلى الأخَصِّ حينمَا كانتْ أمريكا دُونَ غيرِهَا تمارسُ، وَهْيَ مَشْغُوفَةٌ شَغَفًا سَلِيقِيًّا جَاهِزًا بغَلْوَاءِ ذلك «القِصَاصِ الازدواجيِّ» الشَّهِيرِ في حَدِّ ذَاتِهِ، حينمَا كانتْ تمارسُ عَادَتَهَا أَوْ عَادَاتِهَا بِأشْتَاتِ الضَّغْطِ السياسيِّ والاقتصاديِّ «التَّبَاعُدِيِّ» وكذاك «التَّحَاقُدِيِّ» على الدولتَيْنِ المَقْصُودَتَيْنِ في آنٍ واحدٍ، وبحُجَّةِ أنَّهُمَا رَاعِيَتَانِ جِدُّ سَاعِيَتَيْنِ لكُلِّ أشكالِ الإرهابِ وأنَّهُمَا مُنْتَهِكَتَانِ جِدُّ حَيَّاكَتَيْنِ لجُلِّ حُقُوقَ الإنسانِ فوقَ ذٰلك – وكُلُّ ذاك قدْ مَرَّ، وقدِ استمَرَّ قائمًا وسَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى كذٰلك، على الرَّغمِ من قيامِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ ذاكَ الوَاغِرِ صَدْرًا والحَانِقِ نَحْرًا بتحطيمِ سَائرِ جدرانِ الخوفِ المُزْمِنِ قُدَّامَ ذٰلك التغوُّلِ الطغيانيِّ السَّادِيِّ الذُّهَانِيِّ، على اغتراقِ دَرَجَاتِهِ وعلى افتراقِ دَرَكَاتِهِ، وبالرَّغْمِ من هَبِيبِ أطيافٍ ملحوظةٍ من هٰذا الشَّعْبِ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ مِنْ ثَمَّ، في طُولِ البلادِ وفي عَرْضِهَا، وهي تَهْتِفُ إِذَّاكَ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ أوْ لَحَظَاتِ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، كما هَتفَتْ كُلًّا شُعُوبُ «الربيعِ العربيِّ» بادئةً بالمَطْلَبِ اللاهِبِ باتِّقَادِهِ الوَقِيدِ، من قبلُ، هٰكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!» – إذْ كانَ ذَانِكَ التَّقْيَامُ والتَّسْيَارُ على القَدَمِ والسَّاقِ إلى ذٰلك الأَجَلِ المُسَمَّى قبلَ أنْ تتبدَّى إِرْهَاصَاتُ ذَيْنِكَ الاستسلامِ والاستخذاءِ السَّافِرَيْنِ والصَّارِخَيْنِ اللذين أبداهُمَا قادةُ ذٰلك التحالفِ المدنيِّ والثوريِّ السودانيِّ المَدْعُوِّ بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، قبلَ مَا يُنِيفُ على حَوْلٍ من الزَّمَانِ كذٰلك، أبداهُمَا أولٰئك القادةُ المدنيُّونَ إبداءً جَلِيًّا للعِيَانِ المَحَلِّيِّ والدُّوَلِيِّ أمَامَ قادةِ ذٰلك التحالفِ العسكريِّ والثوريِّ المُضَادِّ المَدْعُوِّ كذاكَ بـ«المجلس العسكري الانتقالي (أو الانقلابي)»، من جَرَّاءِ مُحَاوَلَةِ انتهائِهِم إلى توقيع ذاتِ الاتفاقِ المشؤومِ على تسليمِ السلطةِ كَامِلَةً، أوْ بالكادِ، إلى هٰذا «المجلس العسكري» ذاتِهِ وبكلِّ مَا يملكُهُ من أنوَاعِ السِّلاحِ الخفيفِ والثقيلِ عِلاوَةً عليهَا، ومن جَرَّاءِ مُحَاوَلَةِ ابتدائِهِمْ بالتالي بوأدِ الثورةِ الشعبيةِ السودانيةِ حتى قبلَ أن تنضجَ وقبلَ أن تكتملَ في نفوسِ الأُنَاسِ الذينَ ثارُوا آنَئذٍ على الطغيَانِ والاستبدادِ بكافَّةِ أطيافِهِمْ، كَمَا نوَّهَتْ يَرَاعَةُ النَّاقِدَةِ الصِّحَافِيَّةِ والإِعْلامِيَّةِ، آصال أبسال، بشيءٍ من التفصيلِ (اُنْظُرَا، مَثَلًا، مقالَهَا النقديَّ اللافتَ: «الصحافة العربية: مَآلُ التحليلِ المُرَصَّنِ أم انتحالُ أسلوبِهِ المُقَرْصَنِ!»، الإعلام الحقيقي، 23 تشرين الثاني 2021). وثَمَّةَ أيضًا، من طرفٍ ثانٍ، طاغيةٌ فاشيٌّ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ آخَرُ كانَ يمتازُ بالتَّرَنُّحِ استعلاءً من وَرَاءِ «حَدِّ دَارِهِ»، ليسَ سِوًى، وكانَ يُحاولُ من ثمَّ إِنْكَارَ عُنَّتِهِ السياسيَّةِ حتَّى قبلَ مَا يُقَابِلُهَا من مَثِيلَةٍ عسكريَّةٍ بهيئةٍ أو بأخرى، كمثلِ طاغيةِ الجزائرِ العِنِّينِ القَعِيدِ عبد العزيز بوتفليقة، هٰذا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الآخَرَيِّ الذي كانَ يتشدَّقُ بالمِرَارِ بِلِسْنِ مَنْ كانوا يَشْدِقُونَ نِيَابَةً عنهُ بـ«النَّزَاهَةِ المُثْلى» تغاضِيًا متعمَّدًا عنْ آثامِ مَاضِي سِجِلِّهِ الاختلاسيِّ المُؤَوَّجِ حتَّى بعشراتِ الملياراتِ من «السنتيماتِ» عندمَا كانتْ فُرَادَى تيك «السنتيماتِ» تتكلَّمُ آنَذَاك فعليًّا منذُ أكثرَ من أربعينَ عَامًا (ومَا بينَ سنتَيْ 1965-1978، على وجهِ الضَبْطِ)، وهٰذا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الآخَرَيِّ الذي كانَ يتمنطقُ بالمِرَارِ أيضًا بِلَغْوِ مَنْ كانوا يَنْطِقُونَ وَكَالَةً عنهُ بـ«العَدَالَةِ الحُسْنَى» تعامِيًا متعمَّدًا كذاكَ عن شُرُورِ مَاضِي مِلَفِّهِ التَّعَسُّفيِّ المُتَوَّجِ، بدورهِ هو الآخَرُ، حتَّى بمَكِيدَةِ اغتيالٍ مدبَّرَةٍ كَادَتْ أنْ تُودِيَ بحياتِهِ كلِّهَا قبلَ مَا يَنَاهِزُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً خَلتْ (وفي اليومِ السَّادسِ من شهرِ أيلولَ سَنَةَ 2007، على وجهِ التحديدِ)، حتَّى قبلَ أنْ يشتدَّ بِهِ ذلك الدَّاءُ العُضَالُ مقترنًا بنوعٍ من أنواعِ التَّجَلُّطِ الدِّمَاغِيِّ الذي، صَيَّرَهُ، في آخِرِ المَصِيرِ، طاغيةَ الجزائرِ العِنِّينَ القَعيدَ بكُرْسِيِّهِ المتحرِّكِ الفرنسيِّ بـ«إسْبَاغِهِ الجديدِ». وقد كانَ إبَّانَئِذٍ يتحرَّكُ قاعدًا بكُرْسِيِّهِ المتحرِّكِ هٰذا وَسْطَ هتافاتِ الشعبِ الجزائريِّ الثائِرِ عن بَكْرَةِ أبيهِ كذلك، ذلك الشَّعْبِ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ الذي كانَ، ولمَّا يزلْ هُنَا وهُنَاكَ، يَهْتِفُ واقدًا متَّقدًا ومُسَالِمًا بمطالبَ حتَّى أوْقَدَ لهيبًا في منطوقِ لهجةٍ، أو أكثرَ، من لهجاتِ العاميَّةِ الجزائريةِ بِمَا تعنيهِ في جُلِّهَا (وباختلافٍ معجميٍّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ الآنِفِ الذِّكْرِ، لٰكِنَّهُ اختلافٌ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هٰذا السياقِ)، يَهْتِفُ واقدًا أَيَّمَا اتِّقَادٍ هٰكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!» – إذْ صَارَ الأغلبُ السَّاحقُ من هٰذا الشَّعبِ الجزائريِّ، بِكَادِرِهِ الشَّبَابيِّ خَاصَّةً، على يقينٍ مُطْلَقٍ، أو شِبْهِهِ، بأنَّ مجرَّدَ تنظيمِ الانتخاباتِ الرئاسيَّةِ أيَّانَ كانَ إِزْمَاعُ إِجْرَائِهَا إنَّمَا يُهَدِّدُ كلًّا من الثَّوَرَانِ والحَرَاكِ الشَّعْبِيَّيْنِ مَا دَامَ النظامُ الطُّغْيَانِيُّ الفَاشِيُّ مُتَعَنِّتًا باحتفاظِهِ بالأزلامِ القديمةِ، وبأنَّ أخطرَ مَا يُهَدِّدُ هٰذينِ الثَّوَرَانَ والحَرَاكَ الشَّعْبِيَّيْنِ بالآتِي لَهُوَ الاِستمرارُ العَنُودُ في كلٍّ من سَابِقِ الأحزابِ السِّيَاسِيَّةِ أَوِ العَقَدِيَّةِ والمنظمَاتِ الاِجتمَاعيَّةِ أوِ الدينيَّةِ وحتى المؤسَّسَاتِ الاِقتصَاديَّةِ أَوِ المَاليَّةِ، وكأنَّ الشَّعْبَ الجزائريَّ المغلوبَ على أمرِهِ، هٰهُنَا، لَمْ يفعلْ شيئًا ذَا جَدْوَى في ثَوَرَانِهِ أوْ في حَرَاكِهِ بَتَّةً وبَتًّا، مِمَّا يؤدِّي في الأخيرِ إلى الإِجْهَاضِ الكُلِّيِّ لِهٰكذا ثَوَرَانٍ وإلى المَوَاتِ الفعليِّ لهٰكذا حَرَاكٍ مُقْتَرِنَيْنِ بالإيَابِ عَوْدًا على بَدْءٍ، ولا ريبَ في هٰذا بَتَاتًا.

وهٰكذا، وهٰذا الرَّحِيلُ المِلْحَافُ الذي كَانَ الشَّعْبُ الجزائريُّ الأَبِيُّ، لٰكِنِ السَّبِيُّ، يَبْتَغِيهِ ابْتِغَاءً، ومَا زَالَ يَبْتَغِيهِ كذاكَ، هَابًّا من هَبِيبِهِ أسبوعًا بعدَ أسبوعٍ دُونَمَا انْقِطَاعٍ أَوْ كَفٍّ أَوْ حتى أَفٍّ (وابتداءً مِنَ اليومِ الثاني والعشرينَ من شهرِ شباطَ في العامِ «مَا قَبْلَ الكُورُنِيِّ»، عامِ 2019 بالذاتِ)، هابًّاِ من هَبِيبِهِ التاريخيِّ العَارمِ إِذَّاكَ بِالرَّغْمِ مِمَّا يَعْتَرِيهِ من حُؤُولَاتٍ وحَيْلُولَاتٍ كَؤُودٍ على كلٍّ من المُسْتَوَى الفَرْدِيِّ والمُسْتَوَى الجَمْعِيِّ وحتى المُسْتَوَى البِيئِيِّ بالعَيْنِ، إِنَّمَا هو رَحِيلٌ مِلْحَاحٌ مُبْتَغَاهُ الأُسُّ والأَسَاسُ والأَسَاسِيُّ رَحِيلُ نِظَامِ حُكْمٍ طُغْيَانِيٍّ فَاشِيٍّ مَافْيَوِيٍّ قَدِيمٍ عَجُوزٍ مُسِنٍّ مُهْتَرِئٍ مُتَهَرِّئٍ مُهَرِّبٍ للأَمْوَالِ (مِنِ اِهْتِرَائِهِ ومِنْ تَهَرُّئِهِ) آسِنٍ آجِمٍ آجِنٍ حتَّى القِحْفِ مِنَ الرَّأسِ في مستنقعَاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا الذَّمِيمَةِ والأَذَمِّ في المَقَامِ الأوَّلِ، وإِنَّمَا هو رَحِيلٌ مِلْحَاحٌ مُبْتَغَاهُ الرَّأْسُ والرَّئِيسُ والرَّئِيسِيُّ كذاك من ذاتِ الدُّسْتُورِ الجزائريِّ، على أقلِّ تقديرٍ جَذْرِيٍّ لَا لَبْسَ ولَا اِلْتِبَاسَ فيهِ قَطُّ هٰهُنَا، تفعيلُ كُلٍّ من المادةِ (7) التي تنصُّ على أنَّ «الشَّعْبَ لَهُوَ مَصْدَرُ كلِّ سُلْطَةٍ»، في المَقَامِ الأَوَّلِ ذاكَ، والمادةِ (8) التي تنصُّ كذاكَ على أنَّ «السُّلْطَةَ التَّأْسِيسِيَّةَ لَهِيَ مُلْكٌ للشَّعْبِ»، في المَقَامِ الثاني – فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ»، مِنْ هُنَا، أنْ يُعْمَدَ عَمْدًا إلى اِجْتِرَارِ مقارنةٍ وَقَائِعِيَّةٍ إلى حَدِّ التشابُهِ الآليِّ أيَّامَئِذٍ بينَ ذينك المشهدَيْنِ الجزائريِّ والمصريِّ، كَمَا يفعلُ البَاحِثُ الجَامعيُّ «المَاركسيُّ» جلبير الأشقر جَادًّا كُلَّ الجِدِّ في تقرِيرٍ صَحَفِيٍّ «رَسْمِيٍّ» صَّادِرٍ في ذٰلك الحِينِ، نظرًا للفارقِ البنيويِّ والعَقَدِيِّ الكبيرِ بينَ تركيبَتَيِ المؤسَّسَتَيْنِ العسكريَّتَيْنِ المَعْنِيَّتَيْنِ في الدَّاخِلِ، وعلى الأَخَصِّ فيمَا لهُ رِبَاطٌ بتَسْيَارِ العَمَالةِ والتبعيَّةِ الأمنيَّتَينِ والاقتصادِيَّتَيْنِ، على حِسَابِ الإِرَادَةِ الشَّعْبِيَّةِ، بالمَسَارِ الأَدْنَوِيِّ الذي يُرْضِي رَغَبَاتِ الآمِرِ الأجنبيِّ في الخارج (فرنسا بوَصْفِهَا «سَيِّدةً» استعمارِيَّةً لِذَاتِهَا في مقابلِ إسرائيلَ بوَصْفِهَا «رَبِيبَةً» استيطانيَّةً لآخَرِهَا، على الترتيبِ، في هٰذِهِ القرينةِ، مَثَلًا لَا حَصْرًا): فالمشهدَانِ المُتَحَدَّثُ عنهُمَا، هٰهُنَا، لا يمكنُ لَهُمَا قَطْعِيًّا أنْ يُوَازَيَا ببعضِهِمَا البعضِ بتلك البساطةِ «البنيويةِ» التي تَمَّ اعتمادُهَا في هٰذا التقرِيرِ الصَّحَفِيِّ، سَوَاءً استمرَّ الطاغيةُ الفاشِيُّ العَتِيُّ العِنِّينُ القَعيدُ «مُفْلِحًا» في التجديدِ بإشعارٍ للولايةِ الخَامِسَةِ أَمِ استمرَّ «مُخْفِقًا» في التمديدِ دُونَمَا أيِّ إشعارٍ للولايةِ الرابعةِ أمِ استمرَّ حتى «أذْرَعَ إخْفَاقًا» في الاحتفاظِ بمقعدٍ دفاعيٍّ في حكومةٍ مَافْيَوِيَّةٍ «جديدةٍ» أمْ حتَّى لَمْ يستمرَّ مُعْلِنًا أَخِيرًا عن تَنَحِّيهِ النِّهَائِيِّ (وقد أعلنَ، بالفعلِ إِذَّاكَ، عن تَنَحِّيهِ النِّهَائِيِّ بعدَ ذاكَ الهَبِيبِ الشعبيِّ التَّاريخيِّ في ذٰلك اليومِ الثاني من شهرِ نيسانَ من ذاتِ العامِ «مَا قَبْلَ الكُورُنِيِّ»، عامِ 2019 بالذاتِ)، وعن إخْلائِهِ السَّبيلَ الأشدَّ نِهَائِيَّةً من ثمَّ لرئيسِ مجلسِ الأمَّةِ وَفْقًا لنصِّ المادةِ (102) وَ/أَوْ لنصِّ المادةِ (104) من الدُّسْتُورِ الجزائريِّ ذاتِهِ، في نهايةِ المَطافِ (اُنْظُرَا تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ المَعْنِيَّ: «الجزائر إلى أين؟»، القدس العربي، 12 آذار 2019) – ومنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ»، من هُنَا أيضًا، أنْ يُعْمَدَ عَمْدًا كذاك إلى إجْرَاءِ مقايَسَةٍ شِعَارَاتِيَّةٍ إلى حَدِّ التطابُقِ الإلكترونيِّ أيَّامَئِذٍ بينَ ذينك المشهدَيْنِ الجزائريِّ والسُّوريِّ هٰذِهِ المَرَّةَ، وذلك استئناسًا بالشِّعَارِ الأسديِّ «التَّشْبِيحِيِّ» الغنيِّ عن التعريفِ «الأسد أو نحرق البلد!»، كما يفعلُ البَاحِثُ الجَامعيُّ «المَاركسيُّ» جلبير الأشقر ذاتُهُ كذاك بذاتِ الجِدِّ في تقرِيرٍ صَحَفِيٍّ «رَسْمِيٍّ» صَّادِرٍ في ذٰلك الحِينِ على غِرَارٍ مُمَاثِلٍ، نظرًا، والحَالُ هٰذِهِ، للفارقِ النفسيِّ والاجتماعيِّ الملحُوظِ للعَيْنِ البَصَرِيَّةِ (حتَّى قبلَ العَيْنِ العَقْلِيَّةِ) بينَ ما تَتَمَخَّضُ عنهُ كلٌّ من صِيَاغتَيِ الشِّعَارَيْنِ «الإحْرَاقِيَّيْنِ» المَعْنِيَّيْنِ على الصَّعيدِ الجَمَاهِيريِّ دونَ أيِّمَا صَعيدٍ آخَرَ، وخُصُوصًا فيمَا لَهُ مِسَاسٌ بمدى وتَمَادِي الانْحِسَارِ والأُفُولِ الفرديَّيْنِ وَ/أوِ الجَمْعِيَّيْنِ لتأثيرِ ذلك الشِّعَارِ البدائيِّ الأوَّلِيِّ بصِيَاغَتِهِ الأسديَّةِ «التَّشْبِيحِيَّةِ» الوَعِيدِيَّةِ والتَّخْوِيفيَّةِ في أذْهَانِ الشَّعْبِ الجزائريِّ الواعيةِ ومَا قبلَ الواعيةِ، على حدٍّ سَوَاءٍ، تمَامًا كما كانتِ الهَيْئَةُ الاستجابيَّةُ التلقائيَّةُ، ومَا زالتْ حينَئِذٍ، في أذْهَانِ الشَّعْبِ السُّودانيِّ، من طرفِهِ هو الآخَرُ (اُنْظُرَا تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ المَعْنِيَّ أيضًا: «بوتفليقة أو نحرق البلد!»، القدس العربي، 5 آذار 2019). ذٰلك الغِرَارُ المُمَاثِلُ، إذن، لَهُوَ الغِرَارُ المنهجيُّ الأكاديميُّ «المقارَنُ» الذي يتِّبعُهُ البَاحِثُ الجَامعيُّ «المَاركسيُّ» المعنيُّ اتِّبَاعًا آلِيًّا بالمِرَارِ والتَّكْرَارِ، والذي ليسَ لَهُ في هٰذا السِّيَاقِ إِلَّا أن يُذَكِّرَ بتحليلِهِ السِّيَاسِيِّ التلفيقيِّ (أو حتى «الترقيعيٌّ»، بِعِبَارَةٍ ليستْ ألطفَ تعبيرًا)، لتلكَ الأَحْدَاثِ المَرِيرَةِ في تِيكَ السَّنَوَاتِ الخَوَالِي، مِثْلَمَا قَدْ جَاءَ جملةً وتفصيلًا في نَصِّهِ المَعْنِيِّ عنوةً، أَوْ هٰكذا يتبدَّى كيفمَا اتَّفَقَ – ويُخَصُّ هُنَا بالذِّكْرِ، من قبيلِ الاسْتيمَانِ ليسَ إلَّا، «تحليلُهُ السِّيَاسِيُّ» المُنْفَصِلُ اِنْفِصَالاً كُلِّيًّا (أو يكادُ) عن أَيِّمَا وَاقِعٍ قَاطِعٍ، أو حتى غَيْرِ قَاطِعٍ، من جَرَّاءِ اِنْهِمَاكِهِ الإجْرَائيِّ العَقِيمِ في اِسْتِقْرَاءِ، أو حتى في «تَحَرِّي»، أَوْجُهِ ذٰلك التَّشَابُهِ المُتَصَوَّرِ، لَا بَلِ المُتَخَيَّلِ، بَيْنَ كُلٍّ من المشهدَيْنِ الليبيِّ والسُّودَانيِّ على حِدَةٍ وبينَ المشهدِ الرُّوسِيِّ مُفْرَدًا (فيمَا يَخُصُّ ذٰلكَ «التَّمَرُّدَ» العَتِيدَ مِنْ لَدُنْ قائدِ وحداتِ «ڤاغنر»، يڤغيني بريغوجين، عَلى عددٍ من قادةٍ رُوسٍ من وزارةِ الدفاعِ بالذَّوَاتِ)، كما وَرَدَ ذِكْرُهُ بشيءٍ من الشَّرْحِ آنِفًا في متنِ القسمِ السَّادِسِ من هٰذا المقال. وهٰكذا، على سبيلِ التمثيلِ في آخِرِ الشَّوْطِ هٰهُنَا، يتجلَّى نوعُ المهزلةِ النَّحْوِيَّةِ الكَشْفيَّةِ بالتنويهِ الرَّهِيفِ إلى ما تقدَّمَ (ومَا يَسْتَتْبِعُ من دَوَاعِيهَا دَلالَةً بالحَرْفِ ذاتًا – ناهيكُمَا عنِ اسْتِتْبَاعِ المَجَازِ)، من هٰذا المنظورِ عَيْنِهِ، تلك المهزلةِ النَّحْوِيَّةِ التي خَفِيَتْ على الكثيرِ من المحلِّلينَ والمعلِّقينَ السياسيِّينَ العربِ وغيرِ العربِ، في حقيقةِ الأمرِ، يتجلَّى في مدلولِ مَا يُسَمَّى، في علمِ المنطقِ، بـ«العَمَلِ الإِخْيَارِيِّ أَوِ التَّخْيِيريِّ» Disjunctive Action، وبالأخصِّ حِينمَا يدلُّ عليهَا مَحَلُّ الأداةِ العَاطِفَةِ المُتَوَخَّاةِ «أَوْ» عَيْنِ عَيْنِهَا، هٰذِهِ الوظيفةِ التي تَقْتَضِي اقتضاءً فَحْوَاءَ تَخْيِيرِهَا التَّنَافَوِيِّ (التَّبَادُلِيِّ) بينَ طَرَفَيِ المُعَادَلَةِ الإِخْيَارِيَّةِ أَوِ التَّخْيِيريَّةِ، «الأسد» و«نحرق البلد»، لِكيْمَا تقولَ قَوْلَتَهَا بوَاحِدٍ، ووَاحِدٍ حَسْبُ، من هٰذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ، لَا لِكَيْ تقولَهَا بكِلَيْهِمَا مَعًا: فإمَّا «بَقَاءُ الأسدِ» (وليسَ غيرَ) وإمَّا «إحْرَاقُ البلدِ» (وليسَ غيرَ، كذلك).

بَيْدَ أنَّ المهزلةَ النَّحْوِيَّةَ الكَشْفيَّةَ المُتَكّلَّمَ عنها بالتنويهِ الرَّهِيفِ ذاتِهِ، هُنَا من منظورٍ منطقيٍّ مقابلٍ، قدْ بلغَتْ ذُرْوَتَها الدَّلاليَّةَ أَوِ الفَحْوَائِيَّةَ لَدَى القَوْلِ اللاإِخْيَارِيِّ أَوِ اللاتَخْيِيريِّ النقيضِ (أو، بالحَرِيِّ، حتى لَدَى مَا يُدْعَى كذاكَ بـ«القَوْلِ الإِعْطَافِيِّ أَوِ التَّعْطِيفِيِّ» Conjunctive Assertion، في المُقَابِلِ)، أَيِ القولُ التَّوْكِيدِيُّ بالطَرَفَيْنِ كلَيْهِمَا مَعًا، في واقعِ الأمرِ، هٰذا القَوْلُ الذي يَسِيرُ بنحوٍ أو بآخَرَ، بما معناهُ، هٰكذا: لقدْ تَمَّ «إحْرَاقُ البلدِ» بالقوَّةِ وبالفعلِ في آناءِ الليلِ وفي أطرَافِ النَّهَارِ، من كُلِّ الجِهَاتِ، ولٰكِنَّ شَخْصَ «الأسدِ» مَا زالَ «بَاقِيًا»، بشكلٍ من أشكالِ «البَقَاءِ» ولا شَكَّ، مَا زالَ «بَاقِيًا» ليسَ لَهُ سِوَى أنْ يحكمَ بأمرِ اللَّاتِ مَا «تَبَقَّى» من رَمَادٍ لِكَيْ يَذُرَّ مَا يستطيعُ أنْ يغرفَ مِنْ هٰذا الرَّمَادِ في عُيُونِ مَنْ يسْعَونَ جَاهدينَ بكلِّ مَا أُوتُوا بِهِ مِنْ جَهْدٍ مَادِّيِّ ومَعْنَوِيٍّ إلى إثباتِ، ومِنْ ثَمَّ إلى ترسِيخِ، تلك المَسْألَةِ التي نُوقِشتْ بالمَحَلِّ والمَظِنَّةِ قبلًا، مَسْألَةِ «تعدُّديةِ الشَّخْصِيَّةِ الواحدةِ» التي أُشِيرَ إلى حُزْمَةٍ من تمثيلاتِهَا في أكثرَ من موضعٍ في أقسامِ هٰذا المَقَالِ – الشَّخْصِيَّةِ الواحدةِ التي تتعدَّد أكثرَ فأكثرَ، دُونَمَا قَيْدٍ أو شَرْطٍ، عندمَا يدافعُ كُلُّ أولٰئك السُّفَهَاءِ والمُرَائِينَ والمُتَمَلِّقِينَ والمُتَزَلِّفِينَ كُلِّهِمْ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ وعلى ائتلافِ مَآرِبِهِمْ، عندمَا يدافعونَ عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ، كمثلِ هٰذا «الأسدِ» بالذاتِ وكمثلِ شَخْصِهِ «الباقي» كذاك حاكمًا بأمرِ تيك اللَّاتِ مَا «تَبَقَّى» من ذاكَ الرَّمَادِ، تشويهًا وتشنيعًا لِوَجْهِ الحَقِيقَةِ مَنْظُورًا إِلَيْهَا بِالعَيْنِ الحَرِيَّةِ – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

(8)

قُلْتُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلُ، وخَاصَّةً في مُتُونِ الأقسَامِ الأولى مِنْ هٰذا المقالِ (وفيمَا سَبَقَهُ كذٰلِكَ مِنْ مقالاتٍ لا تَلْتَقِي وإيَّاهُ ضَرُورَةً في جُلِّ أفكارِ الموضوعِ النفسيِّ وَ/أَوِ السِّيَاسِيِّ المَعْنِيِّ حتَّى)، قُلْتُ إِنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّما هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يَسْتَحْوِذُ اسْتِحْوَاذًا فِطْرَانِيًّا وخِبْرَانِيًّا (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ) على ذِهْنِيَّاتِ أولٰئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ كَافَّتِهِمْ وأمثالِهِمْ، أينمَا ثُقِفُوا في أَصْقَاعِ هٰذا العَالَمِ العربيِّ المَطْمُومِ هَمًّا فائضًا والمَرْدُومِ غَمًّا أَشَدَّ فَيْضًا (وذاك من جَرَّاءِ مَا كَانُوا، ومَا زَالُوا، يرتكبُونهُ من جَرائرِ سِلْمٍ ومن جرائمِ حَرْبٍ، ومِمَّا بَيْنَهُمَا كذاك، في حَقِّ شُعُوبِ هٰذا العَالَمِ العربيِّ بأمْرٍ وتَكْلِيفٍ ذَاتِيَّيْنِ أو حتى آخَرِيَّيْنِ، منذُ أَنْ أُثْقِلَ كَاهِلُهُ بـ«حُكْمِهِمْ» و«مُلْكِهِمْ» عَضُوضَيْنِ قبلَ عَشَرَاتٍ من السِّنِينِ العِجَافِ حَقًّا): ولا يُسْتَثْنَى، بطَبِيعَةِ الحَالِ، أَيٌّ من أولٰئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ النُّظَرَاءِ في أَصْقَاعِ مَا يُمَاثِلُهُ من بقايَا ذاك العَالَمِ اللَّاعربيِّ المُسَمَّى تَسْمِيَةً تَسْيِيسِيَّةً تَمَاثُلِيَّةً بـ«العَالَمِ الثَّالِثِ». صَحِيحٌ هُنَا كُلَّ الصَّحَاحِ أنَّ هٰؤلاءِ الطُّغَاةَ الفاشيِّينَ العُتَاةَ المُصْطَنَعِينَ يلتقونَ ويتلاقُونَ كُلِّيًّا بكَافَّتِهِمْ بِنَحْوٍ أو بِآخَرَ، نظرًا، في مَدَى كُلٍّ من الفاشيَّةِ والطُّغْيَانِ والعُتُوِّ والاصْطِنَاعِ بِالقُوَّةِ، مثلمَا يدلُّ نَعْتُهُمْ بهٰذِهِ النُّعُوتِ دلالةً جَلِيَّةً بكلِّ مَا تحتويهِ في سَيْرُورَةِ ذٰلِكَ المَنْظِمِ الذي يُسَمَّى لِسَانِيًّا بـ«المَنْضُودِ الكَلِمِيِّ» Verbal Collocation من مَعَانٍ جِدِّ ظاهريَّةٍ تصريحيَّةٍ أو حتَّى فَحَاوٍ جِدِّ باطنيَّةٍ تضمينيَّةٍ. إِلَّا أَنَّهُمْ يفترقُونَ أيَّمَا افتراقٍ، مُمَارَسَةً، في «جَدَا» كلٍّ من هٰذِهِ الفاشيَّةِ وهٰذا الطُّغْيَانِ وهٰذا العُتُوِّ وهٰذا الاصْطِنَاعِ بِالفِعْلِ – وذٰلِكَ افتراقٌ كلُّهُ رَهْنٌ باختلافِ ذاتِ الكَيْفِ الذي يَسْعَى بِهِ كُلٌّ من هٰؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ ذَوَاتِهِمْ إلى اسْتِتْبَابِ تَسَلُّطِهِ العسكريِّ الفرديِّ المُطْلَقِ اسْتِتْبَابًا «توريثيًّا» قائمًا، جيلاً بعدَ جيلٍ، في القَابِلِ على صِلَاتِ الدَّمِ البيولوجيِّ، أو هٰكذا يتبدَّى (كمَا هي الحَالُ في سوريا، ومَا شَابَهَ)، أو حتى في المُقَابِلِ على صِلَاتِ الدَّمِ الإيديولوجيِّ، أو هٰكذا يتجلَّى كذٰلكَ (كمَا هي الحَالُ في مصرَ، ومَا أشبَهَ أيضًا)، ولَاهِثًا من ثمَّ إلى إرْضَاءِ سيِّدِهِ الأجنبيِّ (أو فَلِّ أسيادِهِ الأجَانِبِ) في آخِرِ المَطَافِ، من أوربا وَ/أوْ من أمريكا وَ/أوْ حتى من آسيا، بغيةَ الحفاظِ المُسْتَدِيمِ إلى أَجَلٍ، أو حتى أَبَدٍ، غيرِ مُسَمًّى على هٰكذا كَيْفٍ بمثابةٍ أو بأُخرى – وذٰلِكَ اختلافٌ بالكَيْفِ (أي كَيْفُ الاسْتِتْبَابِ «التوريثيِّ» القائمِ) كلُّهُ ذاتًا، بدورِهِ هو الآخَرُ، إنَّمَا هو رَهْنٌ كذٰلِكَ بارْتِسَامِ عَيْنِ النَّهْجِ الذي يَسُوسُ بهِ ذاك السيِّدُ الأجنبيُّ (أو أيٌّ من فَلِّ أولٰئك الأسيادِ الأجَانبِ) نوعَ سياستِهِ الخارجيةِ في أيٍّ من البلدانِ العربيَّةِ المعنيَّةِ من هٰذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» المُكَابَرِ بينَ أواسِطِ مَا سُمِّيَ من قبلُ بـ«الأرضِ مَا بَعْدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land، لكي يُذْكَرَ هٰهُنَا مَرَّةً أُخْرَى ذٰلكَ المَجَازُ الإلْيُوتِيُّ (نسبةً إلى الشاعرِ الأمريكيِّ-البريطانيِّ توماس سْتيرْنْز إليوت)، وذاك توخِّيًا لِلَفْظِ «الخَرَابِ»، لا لِلَفْظِ «اليَبَابِ»، حَسْبَمَا يَتَنَطَّعُ بِهِ رَهْطٌ من المُتَرْجِمِينَ المَهَاذِيرِ تَنَطُّعًا أَجْدَبَ عَاقِرًا. فَهَا هو طاغيةُ سوريا الفاشيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ بشار الأسد، من جَانبٍ أوَّلَ، يتشدَّقُ أَيَّمَا تَشَدُّقٍ بالإِيعَازِ الرُّوسيِّ جَهْرًا (وبالإِيعَازِ الإيرانيِّ سِرًّا) بالنَّأْيِ بنفسِهِ عن فَرْضِ أيٍّ من تِيكَ القيودِ وتِيكَ الشُّروطِ على مَا تبقَّى مِمَّا يُسَمَّى بـ«المعارضةِ السُّوريةِ» اِسْمًا (وثمَّةَ، لِلْتَّذْكِيرِ في هٰذِهِ القرينةِ، الكثيرُ مِمَّنْ يُصِرُّونَ على إزالةِ النقطةِ مِنْ عَلى حَرْفِ الضَّادِ بالذاتِ!)، وعَلى الأخصِّ هُنَا فيمَا يَخُصُّ تشكيلَ «لجنةِ إصلاحاتٍ دستوريةٍ» من شَأنِهَا أنْ تُحدِّدَ، افتراضًا لَيْسَ إِلَّا، تَسْيَارَ الحُكْمِ المستقبليِّ في سُوريا وكذاك تنظيمَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ والتشريعيةِ، ومَا إلى ذٰلِكَ حتى، وذٰلِكَ بعد مَسَاخِرِ «الانتصَارِ الذَّخِيرِ» الذي أَحْرَزَهُ الطَّاغيةُ الفاشيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَقصُودُ إِحْرَازًا في إِثْرِ قَصْفٍ مُكَثَّفٍ من كلِّ أنوَاعِ الغارَاتِ الجَوِّيَّةِ الرُّوسِيَّةِ (أو «الرُّوسُورِيَّةِ»، بالأحرى) في قَلْبِ الشمالِ الغربيِّ من سُوريا، منذُ بدايَاتِ الشُّهُورِ الثمَانيةِ الخَوالِي بأدنى تقديرٍ، على الرَّغمِ من إدَانةٍ صَريحَةٍ لوَيْلَاتِ هٰذا القَصْفِ المُكَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ آنِفًا كذاك إبَّانَئِذٍ) حتى من لَدُنْ رجلٍ دينيٍّ عراقيٍّ «حَمِيمٍ» بحُكْمِ الانتمَاءِ الطَّائفيِّ، كمثلِ مقتدى الصَّدر، وعلى الرَّغمِ من دعوتِهِ «المُثْلَى» إلى تنحِّي هٰذا الطَّاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ المَقصُودِ بالعَيْنِ، وإلى الاِنْسِحَابِ العَاجِلِ من أرضِ سُوريا بِسَائِرِ قوَّاتِ مَا يُسَمَّى بـ«الحَشْدِ الشَّعبيِّ»، وإلى «تركِ زِمَامِ الأمورِ [من ثّمَّةَ] كُلِّهَا لِشَعبِهَا الأبِيِّ – هٰذا الشَّعْبِ الذي قَدْ فَاجَأَ الآنَامَ كُلَّهَا مُؤَخَّرًا بِانْفِجَارِ حَرَاكِهِ العَرِيمِ احْتِجَاجًا في كُلٍّ من جبلِ العربِ وشريطِ السَّاحلِ وحلبِ الشَّهْبَاءِ ورُبُوعِ الفُرَاتِ عَلى أَدْنَى تَخْمِينٍ». وهَا هو طاغيةُ مِصْرَ الفاشيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ عبد الفتاح السيسي، من جَانبٍ آخَرَ، يتمنطقُ بالإيحَاءِ الأمريكيِّ جَلاءً (وبالإيحَاءِ الإسرائيليِّ خَفَاءً) بالأخْذِ على نفسِهِ إِذَّاك تجديدَ قانُونِ القِصَاصِ الطَّارئيِّ ذَاتًا (أي قانُونُ حَالاتِ الطوارئِ وحَالاتِ الاتِّهَامِ الميدانيِّ المُبَادِئِ بشكلٍ أو أكثرَ من أشكالِ «الإرهابِ» من أجلِ كَتْمِ أصْوَاتِ أيَّةٍ من تلك «المُعَارَضَاتِ المِصْريَّةِ» الجَسُورَةِ، في ذاك الأَوَانِ وفي هٰذا الآنِ، ومن أجلِ كَبْحِ هٰذِهِ الأَصْوَاتِ كَبْحًا كُلِّيًّا كالمُعْتَادِ، كذٰلِكَ بالمَثَابَةِ ذَاتِهَا)، وذٰلِكَ أيضًا بعدَ مَهَازِلِ «الانتصَارِ الكبيرِ» الذي حقَّقهُ الطاغيةُ الفاشيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ تحقيقًا بذاكَ في أعقابِ عَصْفٍ مُؤَثَّفٍ من كلِّ أَصْنَافِ الاِسْتِفْتَاءِ والتَّصْوِيتِ العَسْفِيَّيْنِ المزيَّفَيْنِ على تَعْدِيلِ، لَا بَلْ على إِعَادَةِ تَفْصِيلِ، الدُّسْتُورِ المِصْرِيِّ على المَقَاسِ المطلوبِ كَيْمَا يظلَّ هٰذا الطاغيةُ الفاشيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ في الحُكْمِ «المرغُوبِ»، كَيْمَا يظلَّ حاكمًا بأمْرِ ذَاتِهِ بالذاتِ (لا بأمْرِ ذاتِ اللهِ) في المَدِّ، من أربعٍ إلى سِتٍّ بالأَقَلِّ من سَنَواتِ المُجُونِ، وفي العَدِّ حتى إشْعَارٍ مَاثِلٍ آخَرَ سَنَةَ «ألفَيْنِ وثلاثينَ» سَنَةَ السِّنِينِ، وما بعدهَا كذٰلِكَ من ذٰلِكَ الحِينِ المُحَانِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، على الرَّغمِ من إدانةٍ أشدَّ صَرَاحَةً لآفَاتِ هٰذا العَصْفِ المُؤَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ فَائتًا أَيَّامَئِذٍ أيضًا) من طرفِ أَيٍّ من لِجَانِ «حقوقِ الإنسانِ» على مستوَى العَالَمِ العربيِّ، مستوًى داخليًّا، ومن طرفِ أَيٍّ من تلك النَّظائرِ أو تلك الشَّقَائقِ على مستوَى الاتِّحَادِ الأُورُبِّيِّ، مستوًى خارجيًّا، كذٰلِكَ.

وهٰكذا، فَفِي حَيِّزِ الإمْكَانِ أَنْ يُدْرَكَ الآنَ إلى حَدٍّ مَا فَحْوَاءُ المَرَامِ مِمَّا سُوجِلَ في اخْتِتَامِ القسمِ السَّادسِ وافْتِتَاحِ القسمِ السَّابعِ من هٰذا المقالِ، إِذْ كانَ في ظَنِّ الفيلسُوفِ المعنيِّ مُفْرَدًا، أو جَمْعًا، أَنَّ نشأةَ مَا سَعَيْتُ إلى اِشْتِقَاقِهِ اصْطِلَاحًا عربيًّا مُقَارِبًا أو بالكادِ بـ«المَآلِيَّاتُ» Hermeneutics، قدِ اقترنتْ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ بالخِطَابِ الدِّينِيِّ، أيًّا كَانَ، مَعَ أَنَّ هٰذا الاِشْتِقَاقَ الاِصْطِلاحِيَّ بالعَيْنِ لَمُقْتَرِنٌ رَسْمِيًّا قبلَ كُلِّ شيءٍ بالخِطَابِ الأُسْطُورِيِّ، أيًّا كَان أيضًا، ومُشْتَقٌّ اِسْمِيًّا كذاك من أُسْطُورَةِ الإِلٰهِ الإغريقيِّ «هيرميز» Hermes، حَالًّا إِذَّاك بِمُهَمَّتِهِ الأولى كـ«رَسُولٍ خَاصٍّ لِلآلِهَةِ» الإغريقِ بينَ البَاقِينَ من أَهْلِ السَّمَاءِ وبينَ الفَانِينَ من أَهْلِ الأَرْضِ، ودَالًّا بذاكَ عَلى ذاتِ الاِشْتِقَاقِ الاِصْطِلَاحِيِّ المَعْنِيِّ لكي يَعْنِيَ، أَوَّلَ مَا يَعْنِيهِ هٰهُنَا، أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَيٍّ أو حتى جَامِدٍ في هٰذا الكَوْنِ بِلَا استثناءٍ «رَسِيلًا» كَامِنًا لَهُ تَبَدِّيَاتُهُ المَادِّيَّةُ والجِسْمِيَّةُ ولَهُ كذاكَ تَجَلِّيَاتُهُ الرُّوحِيَّةُ والنَّفْسِيَّةُ (وسَوَاءً كَانَ هٰذا أو ذاكَ الطاغيةُ الفاشيُّ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المُعَيَّنُ مَأْخُوذًا بالإِدْرَاكِ عَيْنًا كَشَيءٍ حَيٍّ أَمْ حتى كَشَيءٍ جَامِدٍ أَمْ حتى كَشَيءٍ مَا بَيْنَ بَيْنَ)، «رَسِيلًا» كَامِنًا قابلًا للاِسْتِكْنَاهِ القَصِيِّ بالتَّأْثِيلِ، وقابلًا مِنْ ثَمَّ للاِسْتِشْفَافِ الوَصِيِّ بِالتَّمْثِيلِ، حَسْبَمَا يَقَتَضِيهِ السِّيَاقُ المُحَدَّدُ أو يَبْتَنِيهِ المَسَاقُ المُمَهَّدُ – ناهيكُمَا، أيَّتُهَا القارئةُ النَّبِيهَةُ وأيُّهَا القارئُ النَّبِيهُ، بطَبِيعَةِ الحَالِ، عمَّا يقومُ بِهِ بينَ الحِينِ والحِينِ على مَدَى نِصْفِ عَقْدٍ من الزَّمَانِ بالأَدْنَى تقديرًا، ومنذُ بدايَاتِ الشُّهُورِ الثمَانيةِ الخَوالِي ذاتِهَا كَمَا ذُكِرَ آنفًا، عمَّا يقومُ بِهِ طاغيةُ ليبيا الفاشيُّ العَتِيُّ الأكثرُ اصْطِنَاعًا بدورِهِ هو الآخَرُ (أو، بالقمينِ، «طاغيةُ شرقيِّ ليبيا» وحَسْبُ)، ذٰلِكَ الـ«خليفة بلقاسم حفتر» مَدْعُوًّا بالذاتِ هٰكذا، ذٰلِكَ الطَّاغيةُ المُرَمَّمُ تَرْمِيمًا آخَرِيًّا بعدَ المَوَاتِ الوَكِيدِ أو شِبْهِ الوَكِيدِ، فيمَا يَتَبَدَّى، والمَوْسُومُ والمَوْصُومُ هُزْءًا وهُزُوءًا ومَهْزَأةً بـ«أميرِ الحَرْبِ»، لَا بَلْ حَرِيًّا بـ«سَيِّد الحَرْبِ» Warlord، حتَّى تكتملَ مَهْزَأةُ المَهَازِئِ هٰهُنا بالذواتِ – ناهيكُمَا عمَّا كَانَ هٰذا الطاغيةُ الفاشيُّ العَتِيُّ الأكثرُ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ، ولا ريبَ في هٰذا بَتًّا، يقومُ بهِ في البَدْءِ تحديدًا من اقترافِ كلِّ أشْتاتِ الشُّرورِ والآثامِ والفظائعِ والشَّنَائعِ بحقِّ البريئاتِ والأبرياءِ (وهُنَّ وهُمْ بعَشَرَاتِ الآلافِ) من غربيِّ هٰذِهِ الـ«ليبيا» البلدِ التَّلِيدِ، وبالإلْهَامِ الفرنسيِّ والإيطاليِّ والأمريكيِّ، إلى آخرهِ، على رَافَّةِ الملأِ «الأعلى»، بذٰلِكَ (وبالإلْحَامِ السُّعُوديِّ والإمَارَاتيِّ والمصريِّ، إلى آخرهِ، على حَافَّةِ الملأ «الأدنى»، كذٰلِكَ)، وخُصُوصًا كُلَّ الخُصُوصِ هُنا أنَّ عَيْنَ هٰذا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ الأكثرِ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ لمْ يتخلَّصْ بعدُ مِمَّا اسْتَعْصَى من تلك الاضطراباتِ النفسيَّةِ والاختلالاتِ العقليةِ بعدَ أن تَخَوْزَقَ أيَّمَا تَخَوْزُقٍ بشَتَّى أطوالِ وشَتَّى أعْرَاضِ الخَوَازِيقِ الإفريقيةِ أو حتى اللاإفريقيةِ أيَّامَ أسْرِهِ المَدِيدِ في جمهوريةِ تشادَ في حدِّ ذاتِهَاِ [حتَّى أَنَّ هناكَ تقريرًا قَرِيرًا مفصَّلاً قامَ بنشرِهِ الموقعُ الإخباريُّ الإنكليزيُّ العَتِيدُ Middle East Eye (في اليومِ السَّابِعَ عَشَرَ من شَهْرِ آبَ عَامَ 2020)، تقريرًا قَرِيرًا مُفَصَّلاً أعدَّهُ الكاتبُ الصِّحَافيُّ إيان كوبين عن علاقةِ «طاغيةِ شرقيِّ ليبيا» هٰذا معَ شركةِ العلاقاتِ العامَّةِ المشكوكِ في أمرِهَا Consulum (وخاصَّةً في ارتباطِها الخَاصِّ بالسُّعوديةِ وهونغ كونغ، وغيرِهِمَا)، من جهةٍ أُولى، ومعَ دبلوماسيٍّ بريطانيٍّ سَابقٍ «لامُسَمًّى» كانَ قدْ خطَّطَ عن سَبيلِ هٰذِهِ الشركةِ دُونَ سِوَاهَا، سَعْيَا وَرَاءَ تحسينِ صورةِ هٰذا الطَّاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ الأكثرِ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ بالذاتِ بعدَ اتِّهَامِهِ بارتكابِ أشكالٍ شَتَّى من جَرَائمِ الحَرْبِ، وسَعْيَا وَرَاءَ تهييئِهِ بالتَّالي كـ«رئيسٍ ذي مِصْدَاقيَّةٍ» لليبيا بأكملِهَا، من جهةٍ أُخرى]. كُلُّ ذاكَ الإلْهَامِ الدُّوَلِيِّ السَّيْدُودِيِّ وكُلُّ ذٰلِكَ الإلْحَامِ «المَحَلِّيِّ» العُبُودِيِّ، في واقعِ الأمرِ، إنَّمَا مبتغاهُمَا الأسَاسِيُّ بِالحَقِّ لَمُبْتَغًى ثُنَائيٌّ مُزْدَوَجٌ مُتَكَامِلٌ تكامُلاً يتجلَّى في ذاتِ التَّكَالُبِ الأجنبيِّ العُصَابِيِّ الهُجَاسِيِّ، تكالُبِ «المُسْتَذْئِبِينَ» أوِ «المَذْؤُوبِينَ» Lycanthropes، على الاِغترَافِ المُغْدَقِ من جُلِّ الاحتياطِيِّ الليبيِّ من النفطِ والغازِ الطبيعيَّيْنِ الشهيرَيْنِ بجودتِهِمَا العَالميَّةِ فعليًّا، في الحَيِّزِ الأوَّلِ، ويتبدِّى كذٰلِكَ في ذاتِ التَّناوُشِ «العَرَبِيِّ» و«العُرْبَانِيِّ» و«المُسْتَعْرِبِيِّ» الذُّهَانِيِّ الهُرَاعِيِّ، تَنَاوشِ «المُتَوَحِّشِينَ» أوِ «الوَحْشِيِّينَ» Ruffian Savages، على الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ لتفعيلِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ بأيَّتِمَا وسيلةٍ، أو حتَّى بأيَّتِمَا رذيلةٍ، كانتْ إِبَّانَئِذٍ، في الحَيِّزِ الثَّاني. وقدْ كانتْ ذُرْوَةُ هٰذا الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ ارْتِعَابًا وارْتِيَاعًا سَرِيرِيَّيْنِ يعتريانِ كِيَانَ كلٍّ من رَهْطِ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي، وقدْ كانتْ تزامنتْ، بهيئةٍ أو بأُخرى، معَ اندلاعِ الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ بالذاتِ (منذُ اليومِ التَّاسِعَ عَشَرَ من شهرِ كانونَ الأولِ من العَامِ 2018)، ومعَ نُشُوبِ الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ الجزائريِّ بالعَيْنِ كذاكَ (منذُ اليومِ الثاني والعشرينَ من شهرِ شباطَ من العامِ التالي 2019). فتلك، من طرفٍ أوَّلَ، جماهيرُ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ مَا بَرِحَتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، بعدمَا حطَّمتْ سَائرَ جُدْرَانِ الخَوْفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ قُدَّامَ التغوُّلِ الطغيانيِّ العسكريِّ والأمنيِّ، مَا بَرِحَتْ تهتِفُ (حتى قبلَ الاجتياحِ «الكورُونيِّ») كمَا هَتفَتْ شُعُوبُ ذاتِ «الربيعِ العربيِّ»، تهتِفُ، هٰكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!». وتلك إِذَّاكَ، من طرفٍ آخَرَ، جماهيرُ الشَّعْبِ الجزائريِّ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ مَا انفكَّتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ ذاتِهِ، وقدْ قَوَّضتْ سَائرَ جُدْرَانِ الخَوْفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ ذاتِهَا (وأكثرَ منهَا بكثيرٍ حتَّى)، مَا انفكَّتْ تهتِفُ (قبلَ ذاكَ الاجتياحِ «الكورُونيِّ» ذاتِهِ) باختلافٍ معجميٍّ جِدِّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ الآنِفِ الذِّكْرِ، لٰكِنَّهُ اختلافٌ معجميٌّ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هٰذا السياقِ بالذاتِ، تهتِفُ، هٰكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!». فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ»، مرَّةً أُخرى في هٰذِهِ القرينةِ، أنْ يُعْمَدَ هُنَا إلى النظرِ التمييزيِّ، أو حتَّى التفضيليِّ، إلى «إنجازاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتى ذٰلِكَ الحينِ منهَا، دونَ النظرِ حتَّى إلى مَا يقابلُ هٰذِهِ الـ«إنجازاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ تحديدًا (أو حتى أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيَّةٍ أُخرى، بِقَدْرِ مَا يتعلَّقُ الأمرُ بهَا كذٰلِكَ)، كمَا فعلَ الباحثُ الجامعيُّ «المَاركسيُّ» جلبير الأشقر أيضًا بكلِّ جِدِّيَّةٍ قَوْلِيَّةٍ في تقرِيرِهِ التَّعَاطُفِيِّ مُفْتَعَلًا بالقَوْلِ افْتِعَالًا وحَسْبُ، في هٰكذا قرينةٍ (اُنْظُرَا تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ المَعْنِيَّ: «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!»، القدس العربي، 23 نيسان 2019).

لَا خِلَافَ بَتًّا، هٰهُنَا، على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا نسبيًّا بينَ هٰذينِ النظامَيْنِ الاستبدَاديَّيْنِ الجَائرَيْنِ السُّودَانيِّ والجزائريِّ بالأخصِّ من حيثُ الوُصُولُ الانقلابيُّ العَسْكَرِيُّ وَ/أَوِ السِّيَاسِيُّ إلى عُرُوشِ السُّلْطَةِ رَغْمًا رَغِيمًا عن إِرَادَةِ الشَّعْبِ المَعْنِيِّ (إِذْ كانَ وُصُولُ النظامِ الأوَّلِ قدْ حَدَثَ بالعُنُوِّ الشَّدِيدِ قبلَ أكثرَ من ثلاثينَ عَامًا، وكانَ وُصُولُ النظامِ الثاني قدْ حَصَلَ بالعُنُوِّ الأشَدِّ حتى قبلَ أكثرَ من خمسةٍ وخمسينَ عَامًا). ولَا خِلَافَ كذاكَ على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا مُطْلَقًا، والمَآلُ النقيضُ، بين هٰذَيْنِ النظامَيْنِ الاستبدَاديَّيْنِ الجَائرَيْنِ ذاتًا من حيثُ ذاك الاِلْتِصَاقُ الشَّغَفِيُّ الهَوَسِيُّ، اِلْتِصَاقُ الطاغيتَيْنِ الفاشيَّيْنِ العَتِيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ بهٰذِهِ العُرُوشِ اِلْتِصَاقًا في هٰكذا مَآلٍ، تَمَامًا كَمَا يَلْتَصِقُ القُرَادُ المَاصُّ بأَرْدَافِ الخُيُولِ والحَمِيرِ والبِغَالِ ومَا شَابَهَ – وهٰذا الالتصَاقُ القُرَادِيُّ الأبديُّ أو حتى شِبْهُ الأبديِّ، ولا شكَّ فيهِ بَتَاتًا، إِنْ هُوَ إلَّا ذٰلِكَ النَّعْتُ الرَّئِيسُ المَسِيسُ الخَسِيسُ الذي يلتقي فيهِ فَلُّ أولئكَ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ في هٰذا العَالَمِ العربيِّ الكئيبِ اغْتِمَامًا، من مُحِيطِهِ إلى خَلِيجِهِ، قاطبةً وبلا استثناءٍ. غيرَ أنَّ الإِتْبَاعَ القَوْلِيَّ «التَّفْضِيلِيَّ»، لَا بَلِ «التَّمْيِيزِيَّ» عَيْنًا، بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ في السُّودَانِ إِنَّمَا تشكِّلُ إِذَّاكَ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً»، وإِنَّمَا تشكِّلُ في ذاتِ الإِتْبَاعِ القَوْلِيِّ كذاكَ «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً» حتى، وذٰلِكَ لِمُجَرَّدِ أنَّ هٰذِهِ الثورةَ الشعبيةَ تَبْدُو في نَظَرِ القائِلِ المَعْنِيِّ «مُفَضَّلَةً» أو حتى «مُمَيَّزَةً» بِوُجُودِ قِيَادَةٍ ثوريَّةٍ مُنْضَوِيَةٍ تحتَ رَايَةِ ذٰلِكَ الائتلافِ المَدَنِيِّ الذي تَسَمَّى إِبَّانَئِذٍ تِلْقَاءً بـ«تحالف قوى الحرية والتغيير»، إِنَّمَا هُوَ إِتْبَاعٌ قَوْلِيٌّ فيهِ إِجْحَافٌ وتَسْفِيهٌ شَائِرَانِ لٰكِنْ لَامباشِرَانِ، في وَاقَعِ الحَالِ، بِحَقِّ الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، خاصَّةً (وكذاكَ بِحُقُوقِ الثورَاتِ الشعبيةِ العربيَّةِ الأُخرى، عَامَّةً). فإذا كانتْ حُجَّةُ الباحثِ الجَامعيِّ «المَاركسيِّ» المَعْنِيِّ أنَّ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ بالذاتِ لمْ تَزَلْ وَقْتَهَا في طورِ التظاهُرِ الأسبوعيِّ «السَّلبِيِّ» نَظَرًا لافتقارِهَا، فيمَا يتبدَّى، إلى أيِّ شَكْلٍ ناجِزٍ من أَشْكَالِ القِيَادَةِ الثوريةِ الاعتصَامِيَّةِ، على تَمَامِ النقيضِ من الحَالِ في الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ بالعَيْنِ، تِيكَ الثورةِ «المُفَضَّلَةِ» أو حتى «المُمَيَّزَةِ» في إبَّانِ مَعْمَعَانِهَا وحَمَّائِهَا بالنَّعْتِ المَرُومِ (إِذْ لمْ يَقُلِ الباحثُ الجامعيُّ «المَاركسيُّ» المَعْنِيُّ ذٰلِكَ النَّعْتَ الأخيرَ مَا بينَ المُزْدَوَجَيْنِ قَوْلًا تَصْرِيحِيًّا في المَظْهَرِ، بَلْ قَالَهُ على العَكْسِ قَوْلًا تَضْمِينِيًّا في الجَوْهَرِ)، فإن هٰذِهِ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ ذَاتَهَا قَدْ أَطَاحَتْ أيَّمَا إِطَاحَةٍ بعَرْشِ هٰكذا طاغيةٍ فاشيٍّ عَتِيٍّ مُصْطَنَعٍ (أي عبد العزيز بوتفليقة) خِلَالَ مِيدَاءٍ زَمَنِيٍّ أَقْصَرَ بكثيرٍ، والحَالُ هٰذِهِ، من المِيدَاءِ الزَّمَنِيِّ الذي أَطَاحَتْ خِلَالَهُ الثورةُ الشعبيةُ السُّودَانِيَّةُ عَيْنُهَا بعَرْشِ ذٰلِكَ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ النظيرِ (أي عمر حسن البشير) – ففي حينِ أنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ الأوَّلَ، بوتفليقة ذاكَ الذي قَدْ أفرزَهُ نظامٌ اِسْتِبْدَادِيٌّ جَائِرٌ عمرُهُ إِذَّاكَ خمسةٌ وخمسونَ عامًا أو يزيدُ، كَانَ قَدْ أُطِيحَ بِهِ في اليومِ الثاني من شهرِ نيسانَ من العَامِ 2019 في ثورةٍ شعبيةٍ أَبِيَّةِ بدأتْ في اليومِ الثاني والعشرينَ من شهرِ شباطَ من ذاتِ العَامِ 2019 (أي أنَّ الإطاحَةَ قَدْ تَمَّتْ في غُضُونِ أَقَلَّ من سِتَّةِ أَسَابِيعَ)، فإنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ الثاني، البشيرَ ذاكَ الذي أنتجَهُ نظامٌ اِسْتِبْدَادِيٌّ جَائِرٌ مُشَابِهٌ نسبيًّا عمرُهُ كذاكَ ثلاثونَ عامًا أو يزيدُ، كَانَ قَدْ أُطِيحَ بِهِ في اليومِ الحَادِيَ عشرَ من شهرِ نيسانَ من ذاتِ العَامِ 2019 في ثورةٍ شعبيةٍ بَهِيَّةٍ ومن ثَمَّ حَميَّةٍ بدأتْ في اليومِ التَّاسِعَ عشرَ من شهرِ كانونَ الأوَّلِ من العَامِ السابقِ لَهُ 2018 (أي أنَّ الإطاحَةَ قَدْ تَمَّتْ على مَدَى مَا يَقْرُبُ من أربعةٍ من الشُّهُورِ). وإذا كانتْ كذٰلِكَ حُجَّةُ الباحثِ الجَامعيِّ «المَاركسيِّ» المَعْنِيِّ أنَّ القِيَادَةَ العَسْكَرِيَّةَ السُّودَانِيَّةَ قَدْ صِيرَ إلى رَدْعِهَا النَّجِيعِ نِسْبِيَّا، بَدْأَةَ ذِي بَدَاءٍ، عن اللُّجُوءِ الإِجْبَارِيِّ والجَبْريِّ إلى استخدامِ قُوَّةِ الحَدِيدِ والنَّارِ ضدَّ الثائراتِ والثائرينَ بِسَبَبٍ من مُرَاهَنَةِ القيادةِ المدنيةِ السُّودَانِيةِ للحَرَاكِ الثوريِّ على مَدَى جَيَشَانِ ذٰلِكَ «التعاطُفِ الملحُوظِ» الذي أَبْدَاهُ إبْدَاءً في المُسْتَهَلِّ من ذاك الحَرَاكِ الثوريِّ عناصرُ قادةٌ «شُمٌّ أُبَاةٌ» من هٰذِهِ القِيَادَةِ العَسْكَرِيَّةِ بالذاتِ، فَيَبْدُو بُدُوًّا جَلِيًّا أَنَّ هٰكذا بَاحثًا جَامعيًّا «مَاركسيًّا» قَدْ خفيَ عليهِ عَامِلانِ أَسَاسِيَّانِ على أَقَلِّ تَقْدِيرٍ كَانَا قَدْ أدَّيَا، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، إلى الحَسْمِ النِّهَائِيِّ (أو، على الأقلِّ، شِبْهِ النِّهَائِيِّ) في شَأْنِ هٰكذا «رَدْعٍ نَجِيعٍ نِسْبِيَّا، لٰكِنْ رَدْعٌ إِنْسَانِيٌّ نِسْبِيَّا كذاكَ» بعدَ اسْتِمْرَارِ تلكَ الحَرْبِ الأهليةِ الحَمِيَّةِ في السُّودانِ زمانًا طويلاً، عَامِلانِ أَسَاسِيَّانِ لَا بَلْ جِدُّ أَسَاسِيَّيْنِ، أَلا وهُمَا، بِاخْتِصَارٍ شَدِيدٍ هٰهُنَا: عَامِلُ «التَّدَهْوُرِ الاِقْتِصَادِيِّ»، في المَقَامِ الأَوَّلِ، وهو العَامِلُ الملحُوظُ جدًّا في أَحْوَالِ البلادِ ومَا تَقْتَضِيهِ آثَارُ أو تَبِعَاتُ هٰذا التَّدَهْوُرِ مِنِ انتشارِ نَوْعِ الفَسَادِ الكَرِيهِ حتى بينَ أُولٰئك الذينَ يُعْرَفُونَ عِرْفَانًا بِـ«رجَالِ الإنقاذِ» وأَمْثَالِهِمْ وأَشْبَاهِهِمْ؛ وعَامِلُ «الصِّرَاعِ الاِجْتِمَاعِيِّ»، في المَقَامِ الثاني، وهو العَامِلُ الملحُوظُ جدًّا كذاكَ في «داخلِ» المُؤَسَّسَةِ العَسْكَرِيَّةِ ذَاتِهَا ومَا تبتنيهِ أَسْرَارُ أو حتى تَرِكَاتُ هٰذا الصِّرَاعِ من امْتِدَادٍ «خارجيٍّ» مُتَعَاوِرٍ بينَ عَنَاصِرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ يقفونَ إلى جانبِ الثورةِ الشَّعْبِيَّةِ وبينَ عَنَاصِرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ آخرينَ يقفونَ على الضِّدِّ من هٰذِهِ الثورةِ الشَّعْبِيَّةِ ذَاتِهَا – ومنْ هٰذا الخُصُوصِ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ هُنَا، كَانَ على الباحثِ الجَامعيِّ «المَاركسيِّ» المَعْنِيِّ بِإِزَاءِ شَيْءٍ من التَّفَكُّرِ أَوِ التَّأَمُّلِ في كُلٍّ من فَحْوَائَيِ هٰذَيْنِ العَامِلَيْنِ الأَسَاسِيَّيْنِ، وعلى الأخصِّ أَنَّهُ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ بالمِرَارِ وبالتَّكْرَارِ كباحثٍ جَامعيٍّ مُتَّجِهٍ اِتِّجَاهًا يَسَارِيًّا اشتراكيًّا (أو حتى أُمَمِيًّا)، كانَ عليهِ في أَدْنَى تَخْمِينٍ، إِذَنْ، أنْ ينظرَ في تأثِيرِ جَانبٍ أَوَّلَ مِمَّا يَحْتَوِيهِ قانونُ يَرَاعِ الاِقْتِصَادِ، وأنْ ينظرَ كذاكَ في تأثِيرِ جَانبٍ آخَرَ مِمَّا يَنْتَوِيهِ قانونُ صِرَاعِ الأَضْدَادِ. هٰذا على الرَّغْمِ مِنْ أنَّ ثَمَّةَ فَارِقًا مَبْدَئِيًّا بَيْنَ الاِهْتِمَامِ التَّفْصِيلِيِّ بِمَا يَتَحَكَّمُ تَحَكُّمًا نَفْعِيًّا جَمْعِيًّا في سَيْرُورَةِ النَّشَاطِ الاِقْتِصَادِيِّ العَامِّ سَعْيًا حَثِيثًا وَرَاءَ تَحْقِيقِ شَيْءٍ مِنَ «الإِدَارَةِ الحَكِيمَةِ» وبَيْنَ الاِهْتِمَامِ التَّوْصِيلِيِّ بِمَا يَتَهَكَّمُ تَهَكُّمًا شَفْعِيًّا دَفْعِيًّا في صَيْرُورَةِ الاتِّحَادِ القَصِيدِيِّ الخَاصِّ مِنَ الشَّيْءِ ومِنْ نَقِيضِهِ رَوْمًا سَديدًا لِتَنْسِيقِ فَيْءٍ مِنَ «الإِشَارَةِ القَوِيمَة».

مَا سَبَقَ النَّظَرُ المَاثِلُ فيهِ من أَشْكَالِ تَطَوُّرٍ أو حتى تَعَقُّدٍ نفسيٍّ سياسيٍّ مَاضٍ أو سَالفٍ عندَ هٰكذا حَدٍّ، في كِفَّةٍ أُولَى، وَمَا كَانَ، ولَمَّا يَزَلْ، يَلْحَقُ النَّظَرُ المُمَاثِلُ فيهِ من أَشْتَاتِ تَطَوُّرٍ أو حتى تَعَقُّدٍ نفسيٍّ سياسيٍّ سَارٍ أو حَاضِرٍ بأَدْنَى تَقْدِيرٍ عندَ هٰكذا حَدِّ كذاكَ، في كِفَّةٍ أُخْرَى. هُنَاكَ فيمَا هُوَ هَائِمٌ بَيْنَ الكِفَّتَيْنِ، بِذَاتِ التَّبَدِّي، مَا يُنْذِرُ إِنْذَارًا سَخِيمًا بِـ«إِنْغَاصَاتِ الشَّرِّ» التي ليسَ لَهَا إلَّا أَنْ تُكَدِّرَ عَيْشَ الأَنَامِ من هٰذِهِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ اللَّهِيفَةِ أَنَّى تَوَاجَدَتْ، من ظَواهِرِ الإِخْفَاءِ القَسْرِيِّ المُخِيفِ في مِصْرِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ عبد الفتاح السيسي حيثُ تَفَشِّي العَدِيدِ من الأَمْرَاضِ النفسيَّةِ العُضَالِ بينَ ذَوِي المُختَفِيَاتِ والمُختَفِينَ بالذَّوَاتِ يَزْدَادُ آنًا بَعْدَ آنٍ، إلى جَرَائِرِ الاِنْبِطَاحِ الحَصْرِيِّ السَّفِيفِ في ليبيا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ خليفة بلقاسم حفتر حيثُ يَخْضَعُ النَّاسُ بَعْدَ مَرَاحِلِ سَفْكِ الدِّمَاءِ للمَديدِ من الاِخْتِبَارَاتِ «الپاڤلوڤيَّةِ» الذُّكُورِيَّةِ عَمْدًا بِسَبَبٍ كذاكَ مِنِ اسْتِخْذَاءِ «المَسْؤُولِينَ» المَعْنِيِّينَ لِأَزلَامِ الكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ انْخِرَاطًا ذَلِيلًا في «التَّطْبِيعِ» قُنْبُلَةِ الزَّمَانِ، إلى جَرَائِمِ الاِقْتِتَالِ العَسْكَرِيِّ العَنِيفِ في سُودَانِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ عبد الفتاح البرهان أو حتى سُودَانِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ الآخَرِ محمد حمدان دقلو حيثُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ شَارَكَ في الحُكْمِ العَسْكَرِيِّ وفي الاِنْقِلَابِ على الحُكْمِ المَدَنِيِّ وحيثُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ دَالَسَ الآخَرَ بالسِّلَاحِ الثَّقِيلِ والأُنَاسُ كَافَّتُهُمْ لَا يَحْظَوْنَ حتى بِمَوْطِئٍ يَتِيمٍ مِنْ بَرِّ الأَمَانِ، وهٰكذا دَوَالَيْكُمَا، وهَلُمَّ جَرًّا. ولٰكِنْ، هُنَاكَ، على الخِلَافِ، فيمَا هُوَ سَاهِمٌ بَيْنَ الكِفَّتَيْنِ، بِعَيْنِ التَّجَلِّي، مَا يُبَشِّرُ تَبْشِيرًا رَخِيمًا بِـ«إِرْهَاصَاتِ الخَيْرِ» التي ليسَ لَهَا سِوَى أَنْ تَزْرَعَ الآمَالَ في النُّفُوسِ من هٰذِهِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ اللَّهِيفَةِ ذَاتِهَا، والتي ليسَ لَهَا مِنْ ثَمَّ سِوَى أَنْ تَحُثَّهَا على الثَّوَرَانِ العَرِيمِ في وَجْهِ أَيٍّ من أُولٰئكِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ مِنْ جَدِيدٍ، مِثْلَمَا يَحْصُلُ الآنَ في بِلَادِ الشَّآمِ وهي زَاحِفَةٌ رَغْمَ أُنُوفِهِمْ دَأَبًا في الطَّرِيقِ نَحْوَ تَحْقِيقِ المَنْشُودِ الحَقِيقِ من العَدَالَةِ والحُرِّيَّةِ – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

(9)

كَمَا أُورِدَ في خِتَامِ القسمِ الآنِفِ والثامنِ من هٰذا المقالِ، مَا سَبَقَ النَّظَرُ المَاثِلُ فيهِ من أَشْكَالِ تَطَوُّرٍ أو حتى تَعَقُّدٍ نفسيٍّ سياسيٍّ مَاضٍ أو سَالفٍ عندَ هٰكذا حَدٍّ يَتَجَلَّى مُذَّاكَ لِلْأَذْهَانِ، في كِفَّةٍ أُولَى، وَمَا كَانَ، ولَمَّا يَزَلْ، يَلْحَقُ النَّظَرُ المُمَاثِلُ فيهِ من أَشْتَاتِ تَطَوُّرٍ أو حتى تَعَقُّدٍ نفسيٍّ سياسيٍّ سَارٍ أو حَاضِرٍ بأَدْنَى تَقْدِيرٍ عندَ هٰكذا حَدِّ يَتَبَدَّى كذاكَ لِلْعِيَان، في كِفَّةٍ أُخْرَى. هُنَاكَ إِذَنْ، مِنَ كَلِمِ السُّلَافِ، فِيمَا هُوَ سَاهِمٌ بَيْنَ الكِفَّتَيْنِ، بِعَيْنِ التَّجَلِّي، هُنَاكَ مَا يُبَشِّرُ تَبْشِيرًا رَخِيمًا بِـ«إِرْهَاصَاتِ الخَيْرِ» التي ليسَ لَهَا سِوَى أَنْ تَزْرَعَ الآمَالَ في طَوَايَا النُّفُوسِ وفي أَشْغِفَةِ القُلوبِ من هٰذِهِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ اللَّهِيفَةِ أَنَّى تَوَاجَدَتْ، والتي ليسَ لَهَا مِنْ ثَمَّ سِوَى أَنْ تَحُثَّهَا حَثًّا على عَيْنِ الثَّوَرَانِ العَرِيمِ في وَجْهِ أَيٍّ من أُولٰئكِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ مِنْ جَدِيدٍ، مِثْلَمَا يَفْعَلُ الآنَ شَعْبُ الشَّآمِ الأَبِيُّ وهو زَاحِفٌ رَغْمَ أُنُوفِهِمْ دَأَبًا في الطَّرِيقِ نَحْوَ تَحْقِيقِ ذَاتِ المَنْشُودِ الحَقِيقِ من كُلٍّ من الحُرِّيَّةِ الحَرِيَّةِ والعَدَالَةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ – هٰذا الشَّعْبُ الشَّآمِيُّ الكَمِيُّ الذي قَدْ فَاجَأَ الآنَامَ كُلَّهَا مُؤَخَّرًا بِانْفِجَارِ حَرَاكِهِ الشَّمُولِ احْتِجَاجًا وغَضَبًا في بِقَاعٍ شَتَّى من جبلِ العربِ وشريطِ السَّاحلِ وحلبِ الشَّهْبَاءِ ورُبُوعِ الفُرَاتِ عَلى أَدْنَى تَخْمِينٍ! بَيْدَ أَنَّ هُنَاكَ، عَلى ثَلِمِ الخِلَافِ، فِيمَا هُوَ هَائِمٌ بَيْنَ الكِفَّتَيْنِ، بِذَاتِ التَّبَدِّي، هُنَاكَ مَا يُنْذِرُ إِنْذَارًا سَخِيمًا بِـ«إِنْغَاصَاتِ الشَّرِّ» التي ليسَ لَهَا إلَّا أَنْ تُكَدِّرَ عَيْشَ الأَنَامِ من هٰذِهِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ اللَّهِيفَةِ ذَاتِهَا، وذاكَ ابتداءً في حَيِّزِ الفَسَادِ وهُزْءِ الاِنْتِخَابِ من ظَواهِرِ الإِخْفَاءِ القَسْرِيِّ المُخِيفِ في مِصْرِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ عبد الفتاح السيسي حيثُ تَفَشِّي العَدِيدِ من الأَدْوَاءِ النفسيَّةِ العُضَالِ بينَ ذَوِي المُختَفِيَاتِ والمُختَفِينَ بالذَّوَاتِ يَزْدَادُ آنًا بَعْدَ آنٍ، وذاكَ مُرُورًا بِجَرَائِرِ الاِنْبِطَاحِ الحَصْرِيِّ السَّفِيفِ في ليبيا الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ خليفة بلقاسم حفتر حيثُ يَخْضَعُ النَّاسُ بَعْدَ مَرَاحِلِ سَفْكِ الدِّمَاءِ للمَديدِ من الاِخْتِبَارَاتِ «الپاڤلوڤيَّةِ» الذُّكُورِيَّةِ عَمْدًا بِسَبَبٍ هَزَلِيٍّ مِنِ اسْتِخْذَاءِ «المَسْؤُولِينَ» المَعْنِيِّينَ لِأَزلَامِ الكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ انْخِرَاطًا ذَلِيلًا في «التَّطْبِيعِ الإبراهيميِّ» صَفْقَةِ الزَّمَانِ، وذاكَ اِنْتِهَاءً (ولٰكِنْ لَيْسَ البَتَّةَ اِنْتِهَاءً نِهَائِيًّا) بِجَرَائِمِ الاِقْتِتَالِ العَسْكَرِيِّ الحَمِيِّ العَنِيفِ، لَا بَلِ الأَشَدِّ عُنْفًا، في سُودَانِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ عبد الفتاح البرهان أو حتى في سُودَانِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ الآخَرِ محمد حمدان دقلو حيثُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ قَدْ شَارَكَ في الحُكْمِ العَسْكَرِيِّ وكذاكَ في الاِنْقِلَابِ على الحُكْمِ المَدَنِيِّ وحيثُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ قَدْ دَالَسَ الآخَرَ بالسِّلَاحِ الثَّقِيلِ وحتى الأَثْقَلِ والأُنَاسُ كَافَّتُهُمْ لَا يَحْظَوْنَ حتى بِمَوْطِئٍ يَتِيمٍ مِنْ بَرِّ الأَمَانِ، وهٰكذا دَوَالَيْكُمَا، وهَلُمَّ جَرًّا – نَاهِيكُمَا، والمَآلُ هُنَا، عن كَوْنِ ذَاتِ «الشَّرِّ»، سَوَاءً كَانَ شَرًّا بَشَرِيًّا أمْ كَانَ شَرًّا بِيئِيًّا، إِشْكَالًا مُبْهِتًا ومُحَيِّرًا في حَدِّ ذَاتِهِ، نَظَرًا لِمَا تُسَلِّمُ بِهِ الأَدْيَانُ السَّمَاوِيَّةُ كُلُّهَا تَسْلِيمًا بِأَنَّ اللهَ «رَحْمَانٌ رَحِيمٌ» وبِأَنَّهُ كذاكَ «عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» في الآنِ ذَاتِهِ، كَمَا سَاجَلَ بِجِدٍّ الفيلسُوفُ التَّجْرِيبَوِيُّ الأسكتلنديُّ، ديڤيد هيوم (1711-1776)، في إطَارِ فلسفتِهِ الشُّكوكيَّةِ (اُنْظُرَا، مَثَلًا، كِتَابَهُ الأَخِيرَ: «مُحَاوَرَاتٌ في الدِّينِ الطَّبِيعِيِّ» Dialogues Concering Natural Religion). قلتُ كذٰلكَ أكثرَ من مرَّةٍ من قبلُ، وعَلَى الرَّغْمِ من أنَّ سَيْرُورَةَ ذٰلكَ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ العربيِّ، في أطوَارِهِ الأولى، لمْ تَدْأَبْ ذٰلكَ الدُّؤُوبَ المَأمُولَ نحوَ حُرِّيَّةٍ حَرِيَّةٍ وعَدَالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ، ومَا بَرِحَتْ ومَا فَتِئَتْ، شُعُوبُ هٰذِهِ البلدانِ المقهُورةُ آنَاءَ اللَّيْلِ وأَطْرَافَ النَّهَارِ تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ كبادِئٍ أَمْثَلَ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ مُثْلَى لمستقبلٍ مَجيدٍ، قلتُ إِذَّاكَ وكُلِّي تفاؤُلٌ وافْتِآلٌ إنَّ مَا شهدْناهُ قُبَيْلَ هٰذا الزَّمَانِ «الكورُونيِّ» وإثْرَهُ كذاكَ من طَوْرٍ هَجِينِيٍّ، أو مِمَّا يبدُو عَلى السَّطْحِ النَّقِيضِ أَنَّهُ «طَوْرٌ لاهَجِينِيٌّ»، لِثَوَرَانٍ مُضَادٍّ تحملُ شتَّى «مشاعِلِهِ» سِفْلَةٌ، أو حتى حُثَالةٌ، من أَرْجَاسِ الظَّلامِ والقَتَامِ، على اختلافِ مَشَارِبِهَا وعلى ائتلافِ مَآرِبِهَا في المستوى المَحَلِّيِّ (أفرادًا وجماعاتٍ، على حَدٍّ سَوَاءٍ) وفي المستوى الدُّوَلِيِّ (دُوَلًا تابعةً ودُوَلًا متبوعةً، على حَدٍّ سَوَاءٍ كذٰلكَ)، لا يعدُو أنْ يكونَ، في إبَّانِ تَسْيَارِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا مَحْتُومًا زَمَانيًّا ومَحْسُومًا مَكَانيًّا مَهْمَا امتدَّ زَمَانُهُ ومَهْمَا اتَّسَعَ مَكَانُهُ، طورًا مَحْمُومًا ومَسْمُومًا لا بُدَّ لَهُ من أَنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينمَا تندلعُ أَلْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الكَنِينِ من جديدٍ عَالِيًا عَالِيًا، وحينمَا تُعْلِنُ هٰذِهِ الأَلْسِنَةُ بالسَّعِيرِ الأَكَنِّ عن عَلَائِمِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أَرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو حتى تلك الحُثَالَةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلَاءَ لهُمْ من لَفِيفِ أَسْيَادِهَا الطُّغَاةِ الفاشِيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، أَمْ أَبَتْ. وكمَا هي الحَالُ في أَيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيَّةٍ، أو حتى في أَيَّةِ ثورةٍ لاعربيَّةٍ نظيرةٍ من «عَالَمٍ ثالِثِيٍّ»، تثُورُ على الطُّغْيَانِ وعلى حَيْفِ الزَّمَانِ، ينجَلي في ذٰلكَ الطَّوْرِ الهَجِينِيِّ لِلثَّوَرَانِ المُضَادِّ الآنِفِ الذِّكْرِ انْجِلَاءً، بأَوْهَى الاِحْتِمَالِ حتى، ينجَلي عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مُكَمِّلَانِ لبعضِهِمَا البعضِ، فيما يتبدَّى، أَوَّلُهُمَا داخليٌّ مباشرٌ (يُسَيِّرُهُ أزلامُ الحُكْمِ المُتَشَبِّثُونَ بالبقاءِ)، وثانيهُمَا خارجيٌّ لامباشرٌ (يُصَيِّرُهُ أسيادُ أزلامِ هٰذا الحُكْمِ المُتَرَبِّثُونَ بالشَّقَاءِ)، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» يعمَلانِ بجِدٍّ وكَدٍّ عَلى إِدَامَةِ هٰذا الطورِ الهَجِينِيِّ، وعَلى دَيْمُومَةِ مُجْتَبَاهُ إلى حَدِّ اجتباءِ ذاتِ «الطَّوْرِ اللَّاهَجِينِيِّ» على السَّطْحِ النَّقِيضِ، بأَيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هٰذِهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هٰذِهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ – والمشهدانِ الثوريَّانِ الشَّعْبِيَّانِ في السُّودَانِ وفي الجَزَائِرِ، حتى ذٰلكَ الحينِ من الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ الجَمَاهِيرِيَّيْنِ منهُمَا ومَا وَلِيَهُ (ومَا يليهِ) من أَحيَانٍ قمينةٍ، لا يُشَكِّلانِ بَتًّا استثناءً مُسْتَثْنًى بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ في هٰذِهِ القرينةِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، ومعَ كُلِّ أشكالِ هٰذا التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ وكُلِّ أشكالِ هٰذا اللااستثناءِ «الضَّلِيلِ»، وبالرَّغمِ من كلِّ مَا ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عليهِ من حَالَاتِ الاسْتِعْصَاءِ المُسْتَطِيلِ، فإنَّ كُلًّا من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ لَمَّا يَزَلْ سَائرًا، حتى ذاكَ الآنِ من ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ، لَمَّا يَزَلْ سَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بِكُلِّ مَا يقتضيهِ السَّيْرُ من عَزْمٍ ومن حَزْمٍ لَا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ، رَغْمَ تيكَ التقطُّعَاتِ «الكورُونيَّةِ» بالذاتِ، أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ.

ففِيمَا لَهُ رِبَاطٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانِيِّ، من ناحيةٍ أولى، وبعدَ الإطاحةِ بعَرْشِ طاغيةِ البلادِ المَعنيِّ آنَئِذٍ، عمر حسن البشير (ذٰلكَ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الذي أفرزَهُ نظامٌ أوتوقراطيٌّ عسكريٌّ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا مديدًا، مَدى أكثرَ من ثلاثينَ عَامًا)، فقد كَانَ كُلُّ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ السُّودَانيِّينَ يوَاصِلُونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ تارةً أُولَى في الاحتجَاجِ المِقْدَامِ بسِلْمِيَّةٍ هٰهُنَا، وتارةً أُخرى في الاعتصَامِ المِصْدَامِ بأكثرَ منهُ سِلْمِيَّةً هٰهُنَاكَ من قُدَّامِ مَقَرِّ القيادةِ العامَّةِ للجَيْشِ «الوطنيِّ» بالذاتِ (وفي العاصمةِ الخرطومِ ذَاتِهَا، في المَقامِ الأَوَّلِ)، فقد كَانُوا إِذَّاك يوَاصِلُونَ سَعْيَهُمْ الحَثيثَ مطالبينَ بكلِّ إِصْرَارٍ، على أقلِّ تقديرٍ وأدنى تأطيرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ الوطنيِّ جِدِّ مَحْدُودٍ كذاكَ لأسبابٍ بَدَهِيَّةٍ بَيِّنَةٍ بذاتِهَا، مَهْمَا حَاولتْ عناصرُ مَدْفُوعَةٌ مِمَّا كَانَ يُسَمَّى آنَذاكَ تَسْمِيَةً بـ«المجلس العسكري الانتقالي»، عناصرُ مَدْفُوعَةٌ دَفْعًا آفِكًا أَفَّاكًا في تَسْوِيفِ التفاوُضِ «الجَادِّ» – أو هٰكذا قد تَبَدَّى للبَصَرِ مِثْلًا بالوَصِيدِ، معَ قادةِ ذٰلكَ الائتلافِ المدنيِّ المُنْضَوي، بدورِهِ هو الآخَرُ، تحتَ لواءِ مَا قد تَسَمَّى بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، وذاكَ تشبُّثًا مرئيًّا بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ برئاسةِ المدعوِّ عبد الفتاح البرهان (ذي التَّواصُلِ «الحَمِيِّ» و«الحَمِيمِيِّ» مُنْذُئِذٍ معَ طاغيةِ مصرَ الفاشيِّ العَتِيِّ، عبد الفتاح الآخَرِ!)، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ مَرْفُوعَةٌ مِمَّا يُدْعَى دُعَاءً تَهُكُّمِيًّا بـ«قوات الدعم السريع» – أو هٰكذا قد تَحَوَّلَ عَمَّا دُعِيَ قبلًا بـ«الجَنْجَوِيدِ»، عناصرُ مَرْفُوعَةٌ رَفْعًا فَاتِكًا فَتَّاكًا بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ عَيْنِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ في الضَّرَّاءِ لَا في السَّرَّاءِ، وذاكَ تشبُّثًا مرئيًّا أكثرَ حتَّى بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ المُوَازِي أيضًا، ولٰكِنْ بنيابةِ رئاسةِ المدعوِّ محمد حمدان دقلو، والمُلَقَّبِ عَامِّيًّا باللَّقَبِ الشَّهيرِ «حْمِيدْتِي» (وذي التَّواصُلِ حتى «الأكثرِ حَمِيَّةً» وحتى «الأكثرِ حميميَّةً» آنَئِذٍ كذاكَ معَ طاغيتَيِ السُّعُودِيَّةِ والإمَارَاتِ الفاشيَّيْنِ العَتِيَّيْنِ، المُحَمَّدَيْنِ الآخَرَيْنِ!)، حتَّى تكتملَ، والمَآلُ هُنَا، مَهْزَلَةُ المَهَازِلِ في هٰذا التَّطَابُقِ اللَّفْظِيِّ الغريبِ والعَجيبِ مَا بَيْنَ الأَسْمَاءِ الأَوَائِلِ بالحَذَافِيرِ [وللتذكيرِ الاِسْتِطْرَادِيِّ العَابرِ هٰهُنَا، فإنَّ هٰذِهِ القواتِ الأخيرةَ، «قواتِ الدعمِ السريعِ» ذَاتَهَا، إنَّمَا هي بالتَّنْعِيتِ البَخِيتِ حتى قواتٌ «بَلْطَجِيَّةٌ» بِامْتِيَازٍ لا تختلفُ، من حيثُ المَبْدَأُ والمَنْهَى، عن قُطْعَانِ «شَبِّيحَةِ» ذَاكَ النظامِ المَافْيَويِّ الطائفيِّ الهَمَجِيِّ المتوحِّشِ المُخْتصِّ بشتَّى صُنُوفِ الإِجْرَامِ مَا دُونَ-البَهِيمِيِّ مَرْتَبَةً في بلادِ الشآمِ بالذاتِ، ذٰلكَ الإِجْرَامِ الذي لَجَأَتْ إلى شيْءٍ عَيِّنِيٍّ منهُ حتى قواتُ «الجَنْجَوِيدِ» عَيْنُهَا قبلَ ذينكَ الاستسلامِ والاستخذاءِ الجَلِيَّيْنِ اللذينِ أَبْدَاهُمَا قادةُ الائتلافِ المدنيِّ، «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ» بالعَيْنِ، أبْدَوْهُمَا إِبْدَاءً لَافِتًا، لَا بَلْ سَافِرًا وصَارِخًا، للعِيَانِ المَحَلِّيِّ والدُّوَلِيِّ أَمَامَ قادةِ التَّحَالُفِ العسكريِّ، تَحَالُفِ «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ» عَيْنِهِ، من جَرَّاءِ انْجِرَارِهِمِ الزَّرِيِّ إلى توقيعِ ذٰلكَ الاتفاقِ الشُّؤْمِ المَشْؤُومِ عَلى تسليمِ السُّلْطَةِ الفعليَّةِ كُلِّهَا، أَوَّلًا، إلى هٰذا «المجلسِ العسكريِّ» بكلِّ مَا يقتنيهِ من السِّلَاحِ الخَفِيفِ والثقيلِ ومَا بَيْنَهُمَا كذٰلِكَ، ومن جَرَّاءِ انْحِدَارِهِمِ الأَزْرَى من ثَمَّ إلى وَأْدِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودانيَّةِ وَأْدًا كُلِّيًّا، أو بالكَادِ، حتَّى قبلَ أن تنضجَ وأن تكتملَ في نفوسِ أولٰئكَ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ السُّودَانيِّينَ بكَافَّةِ أَطْيَافِهِمْ – كَافِيكُمَا الآنَ عَمَّا يُقَدِّمُهُ، مَثَلًا لَا حَصْرًا، يَرَاعُ الباحثِ الجامعيِّ «المَاركسيِّ»، جلبير الأشقر، من «تحليلٍ سياسيٍّ» لَا يَمُتُّ للواقعِ الفعليِّ بِأَيَّتِمَا صِلَةٍ فِعْلِيَّةٍ أو قَوْلِيَّةٍ في هٰذا المَسْرَحِ الاِقْتِتَالِيِّ الدَّامِي بينَ قواتِ كُلٍّ من الطاغيتَيْنِ الفاشيَّيْنِ العَتِيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنَ، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، إِذْ لَمْ يَفْتَأْ هٰكذا باحثٌ جامعيٌّ «مَاركسيٌّ» يناقضُ نفسَهُ بنفسِهِ بالبَيَانِ الأكاديميِّ النموذجيِّ في هٰكذا شَأْنٍ، ليسَ مَاثِلًا بهٰذا من نَصٍّ إلى آخَرَ وحَسْبُ، بَلْ كذاكَ آثِلًا بِهِ من فِقْرَةٍ إلى أُخْرَى من النَّصِّ ذَاتِهِ، وبالأَخَصِّ بَعْدَمَا اسْتَنْفَدَ بالمِرَارِ من قَوْلٍ حَمَاسِيٍّ تَقريظيٍّ اِفْتِعَالِيٍّ جِدِّ مَدِيدٍ بِإِزَاءِ تَسْيَارِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودانيَّةِ ذَاتًا دُونَ سِوَاهَا: ففي حينِ أَنَّهُ يُنْحِي بِاللَّائِمَةِ كُلِّهَا عَلى أمريكا مُتَمَثِّلَةً بالمُمَثِّلِ الأُمَمِيِّ المُسْتَقِيلِ مُؤَخَّرًا، فولكر بيرتس، في مَآلٍ كَارِثِيٍّ آلَتْ إليهِ بلادُ السُّودَانِ الآنَ، تَرَيَانِهِ (أي تَرَيَانِ الباحثَ الجَامعيَّ «المَاركسيَّ» المَعْنِيَّ) يَدْعُو كَدَاعِيَةٍ مُطَبِّلٍ مُزَمِّرٍ من دُعَاةِ الإعلامِ الغربيِّ إلى تَدَخُّلِ قواتٍ عسكريَّةٍ أُمَمِيَّةٍ لإيقافِ الاِقتتالِ الاِعتباطيِّ المُدَمِّرِ واستئنافِ الاِنتقالِ الديمقراطيِّ المُعَمِّرِ (اُنْظُرَا تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ الأَخِيرَ: «مأساةُ السودانِ العظيمةُ والمخرجُ منها»، القدس العربي، 26 أيلول 2023)]. وفيمَا لَهُ مِسَاسٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ، من نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وبَعْدَ الإِطَاحَةِ أَيْضًا بعَرْشِ طَاغِيَةِ البلادِ، عبد العزيز بوتفليقة، من طَرَفِهِ هو الآخَرُ (ذٰلكَ الطَّاغِيَةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الذي أَنْتَجَهُ نظامٌ بيروقراطيٌّ عسكريٌّ كَانَ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا أَمَدَّ بكثيرٍ حتى من استبدادِ قَرِينِهِ السُّودَانيِّ، مَدَى أكثرَ من خمسةٍ وخمسينَ عامًا)، فَقَدْ كَانَ، ومَا زَالَ، كُلُّ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ الجَزَائِرِيِّينَ يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ في الاحتجَاجِ والاعتصَامِ السِّلْميَّيْنِ الكَمِيَّيْنِ بِكَافَّةِ أَطْيَافِهِمْ أَيْضًا، وقَدْ تَأَوَّجَتْ هٰذِهِ الأَطْيَافُ، قُبَيْلَ الزَّمَانِ «الكورُونيِّ» إِذَّاكَ، بِازْدِيَادِهَا الجَمَاهِيرِيِّ المَلْحُوظِ في جُمُوعِ طَالِبَاتِ وطُلَّابِ الجَامِعَاتِ أَمَامَ مَقَرِّ قِيَادَةِ أَرْكَانِ الجيشِ الوطنيِّ، أو حتى «اللاوطنيِّ» بالأَحْرَى (في العَاصِمَةِ الجَزَائِرِ أَيْضًا، في الأَغْلَبِ والأَعَمِّ)، فَقَدْ كَانُوا، ومَا زَالُوا، يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ مطالبينَ بكلِّ إلحَاحٍ، في الحَدِّ الأَدْنَى من الدُّسْتُورِ الجَزَائِرِيِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كُلٍّ من المَادَّةِ (7) التي تنصُّ على أنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كُلِّ سُلْطَةٍ» والمَادَّةِ (8) التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التَّأْسِيسِيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أَشْلَاءِ» النظامِ الهَمَجِي المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأْسِ في مُسْتَنْقَعَاتِ الفَسَادِ والرَّذِيلَةِ والمُحَابَاةِ والمَحْسُوبِيَّاتِ بِكُلِّ أَشْكَالِهَا، وعلى رأسِهِمْ، آنَئِذٍ، رئيسُهُ المُؤَقَّتُ (عبد القادر بن صالح) ورئيسُ وزرائِهِ الأكثرُ توقيتًا (نور الدين بدوي) وقائدُ أركانِ جيشِهِ الأقلُّ توقيتًا (أحمد قايد صالح)، حتى لَوْ تَوَغَّنَ هٰؤلاءِ بقايَا «الأَشْلَاءِ» عَلى إِجْرَاءِ مَا يُسَمُّونَهُ بـ«الاِنْتِخَابِ الرِّئَاسِيِّ» مُخْتَلَقًا مُفْتَعَلًا ومُزْمَعًا مَوْعِدُهُ في اليومِ الرَّابعِ من شهرِ تمُّوزَ من العَامِ «مَا قبلَ الكورُونيِّ» 2019 – وهو لِلْخَطْبِ ذاتُ «الاِنْتِخَابِ الرِّئَاسِيِّ» المَرْفُوضِ من أَسَاسِهِ الاِخْتِلَاقِيِّ الاِفْتِعَالِيِّ بالاِسْمِ رَفْضًا قَاطِعًا من لَدُنْ أولٰئكَ الثَّائِرَاتِ والثَّائِرِينَ المُسْتَمِرِّينَ في الثَّوَرَانِ السِّلْمِيِّ الأُسْطُورِيِّ، لَا مَحَالَ، لَوْلَا تلكَ التقطُّعَاتُ «الكورُونيَّةُ» التي حَالَتْ دُونَهُ إلى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى. وحتى في ظِلِّ مَا يَدْعُونَهُ الآنَ بـ«التَنْظِيمِ الجَدِيدِ لمَصَالِحِ الرِّئَاسَةِ»، يَبْقَى عَيْنُ «الاِنْتِخَابِ الرِّئَاسِيِّ» المَعْنِيِّ مُخْتَلَقًا مُفْتَعَلًا كَآنِفِهِ، ويَبْقى الحَاكِمُ الفعلِيُّ كذاكَ مُؤْتَلِقًا مُتَمَثِّلًا في ذاكَ الجَيْشِ «العَتِيدِ» لا في هٰذا الرَّئِيسِ التَّبُّونِيِّ الرِّعْدِيدِ!

وهٰكذا، وبالنظرِ الوَكِيدِ إلى كُلٍّ من هٰذَيْنِ المَشْهَدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ المُنْتَهَكَيْنِ بعينَيْنِ عقلانيَّتَيْنِ لابَخْسِيَّتَيْنِ، وعَلى الأَخَصِّ أَنَّهُمَا مَشْهَدَانِ ثوريَّانِ شَعْبِيَّانِ يتبدَّيَانِ بوَصْفِهِمَا استمرارًا «رَبِيعِيًّا» في الجَانِبِ الإفريقيِّ من هٰذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ تَيْهًا جَمُوحًا والرَّائِهِ رَيْهًا رَمُوحًا كَمِثْلِ عَادَتِهِ في الخَوَالِي من تلك السَّنَوَاتِ مُنْذُ البَدْءِ بِذَاتِ الحَرَاكِ «الرَّبِيعِيِّ» عَامَ 2011 عَلى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ، فَإِنَّ أَيَّ جِنْسٍ من أَجْنَاسِ ذٰلكَ «التحليلِ السياسيِّ» المُتَمَرِّسِ قَابِلًا بِحُكْمِ المِهْنَةِ، أو حتَّى المُتَمَرِّسِ مُقَابِلًا بحُكْمِ غيرِ المِهْنَةِ، يَلْجَأُ مَحْثُوثًا بذٰلكَ «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إِفْرَاطًا إلى حَدِّ الاِفْتِرَاءِ السَّرِيرِيِّ (أو، بِالحَرِيِّ، بِذٰلكَ «الحَمَاسِ فَوْقَ-الثَّورِيِّ» Hyper-Revolutionary Fervour، إنْ جَازَتْ هٰذِهِ الاستعارةُ، هٰهُنَا، من مُصْطَلَحَاتِ عِلْمِ النَّفْسِ الحَدِيثِ، لٰكِنْ بالفَحْوَاءِ «الثَّورِيِّ المُسَالِمِ»)، يَلْجَأُ مَحْثُوثًا إلى استخدامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ «اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ»، ومَا تَنْطَوِي عليهِ هٰذِهِ البَلَاغِيَّاتُ، بدَوْرِهَا هي الأُخْرَى، من دَلَالَاتٍ تمييزيةٍ، أو من دَلَالَاتٍ تفضيليَّةٍ – لَا بَلْ جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الكلامِ الاِنْفِعَالِيِّ المَدِيدِ عن «إِنْجَازَاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتَّى هٰذا الحِينِ أو حتَّى ذاكَ الحِينِ منهَا، ودونَمَا الأَخْذِ بالحُسْبَانِ بَتَّةً مَا يُحَاذِي هٰذِهِ الـ«إِنْجَازَاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ بالتَّحْدِيدِ الشَّدِيدِ (أو حتى بأيَّةِ ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ أُخْرَى، بقَدْرِ مَا يَتَعَلَّقُ الأمْرُ بِهَا كذاكَ بالتَّحْدِيدِ الأَشَدِّ)، إنَّمَا هو جِنْسٌ «مِيدَائيٌّ دَائِيٌّ» من أجناسِ ذٰلكَ «التحليلِ السياسيِّ» الاِنْتِقَائِيِّ الاِصْطِفَائِيِّ الحَائِدِ حَيْدًا عن جَادَّةِ الصَّوَابِ والسَّدَادِ إلى حَدٍّ كَبِيرٍ، ولَا رَيْبَ في هٰذا بَتًّا، وبالأَخَصِّ هُنَا كذاكَ حينمَا يصْدُرُ هٰذا الجِنْسُ «المِيدَائيُّ الدَّائِيُّ» في حَدِّ ذاتِهِ عن عَيْنِ المَصْدَرِ المَرْبُوصِ عَلى عَيْنِ «اليَسَارِ العربيِّ» تنظيرًا وَ/أَوْ تطبيقًا، وسَوَاءً كانَ هٰذا اليَسَارُ العربيُّ مَاركسِيًّا أَمْ لامَاركسِيًّا أَمْ حتى في مَرْهَصَةٍ بَيْنَ المَرْهَصَتَيْنِ. وقَدْ أُشِيرَ في القسمِ الآنِفِ والثامنِ من هٰذا المقالِ إلى شَيْءٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ تلكَ مُسْنَدًا بشَيْءٍ من التمثيلِ بالدَّلِيلِ التَّسْيِيرِي، فَقَدْ أُشِيرَ إِشَارَةً إلى مَا قَامَ بِهِ الباحثُ الجَامعيُّ «المَاركسِيُّ»، جلبير الأشقر، بكلِّ جِدٍّ وجِدِّيَّةٍ قَوْلِيَّيْنِ في تقريرِهِ الصَّحَفِيِّ التَّعَاطُفِيِّ المُفْتَعَلِ بالقَوْلِ ذاك وحَسْبُ، عَلى سَبيلِ المِثَالِ، وذاك تَلْمِيحًا بالتوازي إلى قَوْلِهِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ تلكَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ كذاك «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، لمجرَّدِ أنَّ هٰذِهِ الثورةَ ذَاتًا تَمْتَازُ بِوُجُودِ قِيَادةٍ ثوريَّةٍ يقودُهَا قادةُ ائْتِلَافٍ مدنيٍّ مُسَمًّى بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، كَمَا تَمَّ ذِكْرُهُ قبلَ قليلٍ (اُنْظُرَا، أَيْضًا، تقرِيرَهُ الصَّحَفِيَّ المَعْنِيَّ: «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!»، القدس العربي، 23 نيسان 2019). وقَدْ قِيلَ هُنَاكَ لِلْتَّبْيِينِ حَدًّا إنَّ في هٰذا القَوْلِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» إِجْحَافًا وتَسْفِيهًا لَامباشِرَيْنِ – وقَدْ صَارَا جِدَّ مباشرَيْنِ مُذَّاكَ، في حقيقةِ الأمرِ، بحقِّ الثورةِ الشعبيَّةِ الجزائريَّةِ خَاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى عَامَّةً)، لِمَاذَا؟ – لأَنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ من طَرَفِهَا، ومَعَ اتِّصَافِهَا الحَرِيِّ بصِفَةِ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ المُتَكَلَّمِ عَلَيْهِ هُنَا وهُنَاكَ مِرَارًا وتَكْرَارًا، لَمْ يميِّزْهَا هٰكذا اتِّصَافٌ حَريٌّ حتَّى تلك اللحظةِ من نشوبِهَا أَيَّ تمييزٍ موضوعيٍّ، أو حتَّى أَيَّ تمييزٍ ذاتيٍّ، من ذٰلكَ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عن شَقِيقَتِهَا الثورةِ الشعبيَّةِ الجزائريَّةِ، ومعَ اتِّسَامِهَا «اللَّاحَرِيِّ» بسِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ، عَلى النَّقِيضِ. حتَّى أَنَّ هٰذِهِ الثورةَ الشعبيَّةَ الجزائريَّةَ (الشَّقِيقَةَ)، من طَرَفِهَا هي الأُخْرَى، قَدْ أَثْبَتَتْ للعَالَمِ كُلِّهِ إِثْبَاتًا، من جَرَّاءِ سِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّسِمُ بِهَا ذَاكَ الاِتِّسَامَ «اللَّاحَرِيَّ»، قَدْ أَثْبَتَتْ أَنَّهُ مَا مِنْ قُوَّةٍ فيزيائِيَّةٍ، ومَا مِنْ قُوَّةٍ مِيتَا-فيزيائِيَّةٍ حتَّى، يُمْكِنُ لَهَا أَنْ تَعْلُوَ بالمَرَاتِبِ بَتَّةً عَلى قُوَّةِ مَا يُعَرَّفُ نَفْسِيًّا وَ/أَوِ اجْتِمَاعِيًّا بـ«المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وبِخَاصَّةٍ هُنَا أَيْضًا حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ المَعْنِيُّ مُدَجَّجًا، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، بِقُوَّةِ مَا يُعَرَّفُ من ذَاتِ المَنْظُورِ المُحَاذِي بـ«الإِرَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ» Collective Human Will: حَتَّى أَفْرَاخُ الطَّيْرِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ تَحْلِيقًا أَعْلَى مِمَّا تَسْتَطِيعُ مَاثِلَةً (عَلى الأَرْضِ) بِقُوَّةِ هٰذِهِ الإِرَادَةِ في حَدِّ ذَاتِهَا، لَا بِقُوَّةِ ذَيْنِكَ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يَقُولُونَ قَوْلًا جَلِيلًا وقَدْ كَانُوا عَلى يَقِينٍ مُطْلَقٍ (أَوْ حتى شِبْهِ مُطْلَقٍ، بالأَدْنَى) من هٰذا القَوْلِ الجَلِيلِ، وأَوَّلُهُمْ ذٰلِكَ الفَيْلَسُوفُ الصِّينِيُّ الكَبِيرُ، كُونْفُوشْيُوس (551-479 ق.م.). وهٰكذا، وهٰذا يَعْنِي بِجَلَاءٍ، عَلى الغِرَارِ ذَاتِهِ، أَنَّ صِفَةَ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّصِفُ بِهَا تِيكَ الثورةُ الشعبيَّةُ السُّودَانِيَّةُ (الشَّقِيقَةُ الأُولَى)، وعَلى الرَّغْمِ من «إيجابيَّاتِ» هٰذا الحُضُورِ السَّاطِعِ جِدًّا للعِيَانِ عَلى أَكْثَرَ من صَعِيدٍ (قَبْلَ الاِنْحِدَارِ الزَّرِيِّ إلى وَأْدِهِ الكُلِّيِّ، أَوْ بالكَادِ، حَتَّى حِينٍ)، إِنْ هي إِلَّا صِفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا من الإِعْرَابِ في التَّألُّقِ الأَشَدِّ سُطُوعًا لِقُوَّةِ المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ، وبِالأَخَصِّ حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ المَعْنِيُّ مُدَجَّجًا بِقُوَّةِ الإِرَادَةِ الإنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ (لِكَيْ يُعَادَ التَّعْبِيرُ ذَاتُهُ، مَرَّةً ثَانِيَةً، للتَّوْكِيدِ الشَّدِيدِ – مِنْ بُدِّهِ). هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بالصِّرَاعِ بَيْنَ طبقةِ الطَّاغِيَةِ الفاشِيِّ العَتِيِّ وبَيْنَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أَيًّا كَانَ وأَيْنَمَا كَانَ في تَارِيخِ مَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالنِّضَالِ وقَدْ تَمَخَّضَ عن مَدَى القَمْعِ والقَسْرِ والقَهْرِ والوَحْرِ ومَا تَمَخَّضَ عَنْ هٰكذا مَدًى من بُؤْسٍ فَرْدِيٍّ جَمْعِيٍّ مَدِيدٍ زَائِدٍ عَنْ حَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالمَنَالِ إِذْ حَطَّ كُلًّا من أَنْظِمَةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ بِالمَآلِ إِذْ حَطَّهُ حَطًّا حِطَاطًا في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشْتِدَادِ ذاكَ الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ الخِنْذِيذِ أَوِ الجَزَائِرِيِّ الصِّنْدِيدِ أَوِ اللِّيبِيِّ الوَلِيدِ أوِ المِصْرِيِّ التَّلِيدِ أوِ اليَمَانِيِّ النَّجِيدِ أوِ العِرَاقِيِّ الوَقِيدِ أوِ الأُرْدُنِّيِّ المَهِيدِ أوِ الفِلَسْطِينِيِّ الهَدِيدِ أوِ اللُّبْنَانِيِّ السَّدِيدِ أوِ الشَّآمِيِّ الشَّدِيدِ أوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ العَنُودِ الشَّدُودِ في شَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ الذي سوفَ يُسَجِّلُهُ التّارِيخُ الإِنْسَانِيُّ وَعْيًا مُتَزَايِدًا دُونَمَا انْقِطَاعٍ في السِّجِلاَّتِ من «النَّشَاطِ التاريخيِّ المُسْتَقِلِّ» بالذَّاتِ – وقدْ تَطَرَّقَ إلى أشكالِ هٰذا النَّشَاطِ التاريخيِّ بالذاتِ لينينُ عَيْنُهُ بِالمِرَارِ والتَّكْرَارِ في أكثرَ من سِيَاقٍ ثوريٍّ مَاثِلٍ مُمَاثِلٍ، وخُصُوصًا بالاِسْتِنَادِ السَّنِيدِ إلى مَا عَنَاهُ ماركسُ عَيْنُ عَيْنِهِ من مَرْحَلَةِ التَّنَاقُضِ الحَتْمِيِّ بَيْنَ قِوَى الاِنْتَاجِ وبَيْنَ عِلَاقَاتِ الاِنْتَاجِ قَبْلَ أن يَسْتَحِيلَ هٰكذا تَنَاقُضٌ حَتْمِيٌّ إلى قوَّةٍ تدميريَّةٍ شَامِلَةٍ لكَيْمَا يَسْتَهِلَّ اسْتِهْلَالًا مَرْحَلَةَ الثَّوَرَانِ الاِجْتِمَاعِيِّ الشَّامِلِ.

وفَوْقَ ذٰلكَ كُلِّهِ هٰهُنَا وهٰذا الآنَ، لَمْ نَفْتَأْ نَرَى مثقَّفينَ لامِعِينَ مِمَّنْ هُمْ (وهُنَّ) في عِدادِ المُنْتَمِينَ إلى «اليَسَارِ العربيِّ» المَاركسيِّ أَوِ اللامَاركسيِّ أَوِ الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، لَمْ نَفْتَأْ نَرَاهُمْ يَلْجَأُونَ مَحْثُوثِينَ بذاتِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» إلى اسْتِخْدَامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ ذَاتِهِ، مَثَلُهُمْ في هٰذا كَمَثَلِ الصَّبِيِّ «العبقريِّ» حِينَمَا يُشَاهِدُ، مُخْرِجًا بجِهَازِ التَّحَكُّمِ عَنْ بُعْدٍ، مَشَاهِدَ لُعْبَةٍ إلكترُونِيَّةٍ من تلك الأَلْعَابِ المُسَمَّاةِ جَمْعًا بـ«حُرُوبِ النُّجُومِ» Star Wars، فيختارُ مَا يَشَاءُ من هٰذِهِ الحُرُوبِ «مِثَالًا مَلْحَمِيًّا» يَحْتَذِيهِ احْتِذَاءً في تَجْوَالِهِ الاِفْتِرَاضيِّ المَائِرِ، ويُكْسِيهِ من ثَمَّ «فُسْتَانًا أُسْطُورِيًّا» بكُلِّ مَا يَبْتَنِيهِ من خَيَالَاتِ الاِسْتِيهَامِ الحَمَاسِيِّ الفَائِرِ، وبغضِّ الطَّرْفِ كُلًّا، في مَعْمَعَانِ هٰذِهِ «الحَرْبِ الضَّرُوسِ»، عن أيِّمَا «مِثَالٍ مَلْحَمِيٍّ» آخَرَ. فَهَا هو مِثَالُ الكَاتِبِ الرِّوَائِيِّ اللبنانيِّ إلياس خوري يَتَحَدَّثُ عن الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودَانِيَّةِ بوَصْفِهَا «مِرْآةً نَاصِعَةَ» تَسْمَحُ، والحَالُ هٰذِهِ، بإعَادَةِ النَّظَرِ في كَافَّةِ الثوراتِ الشعبيَّةِ العربيَّةِ الأُخْرَى (بِمَا فيهَا تلكَ الثورةُ الشعبيَّةُ الجزائريَّةُ التي تُزَامِنُهَا حتى)، دُونَ أَنْ يَتَجَشَّمَ أَيًّا من عَنَاءِ القَوْلِ بالنَّحْوِ العَكْسِيِّ تَمَامًا بِأَنَّ هٰذِهِ المِرْآةَ النَّاصِعَةَ ذَاتَهَا، ولَا شكَّ فِيهَا بَتَّةً، إِنَّمَا اسْتَمَدَّتْ نُصُوعَهَا، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، من هٰذِهِ الثوراتِ ذَاتِهَا في الحَيِّزِ الأَوَّلِ، رَغْمَ كُلِّ مَا اعْتَرَاهَا ومَا يَعْتَرِيهَا من إِخْفَاقٍ ومن إِحْبَاطٍ عَلى مَدَى تلكَ السَّنَوَاتِ العِجَافِ على الأقلِّ. وقدْ أَشَارَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ مُنَاقِضًا نفسَهُ بنفسِهِ إلى بَعْضٍ من أَسْبَابِ هٰذا الإِخْفَاقِ وهٰذا الإِحْبَاطِ، إِشَارَةً إلى أَتْرَاحِ المَشْهَدِ السُّورِيِّ الرَّثِيمِ، وبعدَ الإِسْهَابِ القَصِّيِّ في بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الرَّنِيمِ، تلك الأَسْبَابِ التي تَأَزَّمَتْ أَخِيرًا في وُقُوعِ السُّورِيَّاتِ والسُّورِيِّينَ، أَيَّامَ غُلِبُوا عَلى أَمْرِهِمْ وأَيَّامَ غُرِّرَ أَيَّمَا تَغْرِيرٍ بِهِمْ، في وُقُوعِهِمْ بَيْنَ فَكَّيْ نظامَيْنِ طُغْيَانِيَّيْنِ تَكَتُّلِيَّيْنِ يتقاتَلانِ تقاتُلاً هَمَجيًّا على السِّيَادةِ والنُّفُوذِ في أَرْضِ الشَّآمِ، من جِهَةٍ أولى، ويَتَبَارَيَانِ تَبَارِيًا لَا يَقِلُّ هَمَجيَّةً عَلى إِخْمَادِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّوريَّةِ باسْتنفَارِ شتَّى أَوْلَادِ الحَرَامِ، من جِهَةٍ أُخرى (اُنْظُرَا تَقْرِيرَهُ المَعْنِيَّ، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019). وهٰذانِ النِّظامَانِ الطُّغْيَانِيَّانِ التَّكَتُّلِيَّانِ هُمَا: نظامُ السُّحْتِ الأسديُّ الإجْرَامِيُّ العَمِيلُ بِقَرْنَيْهِ الرُّوسيِّ والإيرانيِّ الجَلِيَّيْنِ (إضافةً إلى قُرُونِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بِمَا فِيهَا إسرائيلُ)، أَوَّلًا، ونظامُ الزِّفْتِ السُّعُوديُّ النَّهْيَانيُّ الاِجْتِرَامِيُّ الأَجَلُّ عَمَالَةً بِمَخَالبِهِ الجَلِيَّةِ من أَشْتَاتِ المُتَوَحِّشِينَ التكفيريِّينَ والظلاميِّينَ (فَضْلًا عنْ مَخَالِبِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بِمَا فِيهَا إسرائيلُ كذاكَ)، ثانيًا – فـ«شَجَاعَةُ» السُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ في تحطيمِ جُدْرَانِ الخَوْفِ، ولا ريبَ فِيهَا بَتَّةً أَيْضًا، ليستْ مُنْعَدِمَةً عَلى الإِطْلَاقِ في أَذْهَانِ الجزائريَّاتِ والجزائريِّينَ (ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ أَيٍّ من الشُّعُوبِ التي ثَارَتْ والتي لَمْ تَثُرْ بَعْدُ)، حتَّى يَفْتَتِحَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ بلاغيَّاتِهِ التَّخْيِيريَّةَ بتلكَ «الشَّجَاعَةِ» المُثْلَى متفرِّدًا بالسُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ، دُونَ غَيْرِهِنَّ ودُونَ غَيْرِهِمْ، ودُونَ أَنْ يَخْتَتِمَ البلاغيَّاتِ ذَاتَهَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هٰذِهِ «الشَّجَاعَةَ» المُتَحَدَّثَ عنهَا بالذاتِ إِنَّمَا اسْتَقَتْ بَريقَهَا، بِنَحْوِهَا هي الأُخْرَى، مِنْ «شَجَاعَاتِ» مَنْ قَوَّضْنَ ومَنْ قَوَّضُوا جُدْرَانَ الخَوْفِ ذَوَاتِهَا قبلَ تِيكَ «السَّنَوَاتِ العِجَافِ»، ومِنْ قُدَّامِ أَنْظِمَةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أَكْثَرَ وَحْشِيَّةً وأَكْثَرَ بَرْبَرِيَّةً وحُوشِيَّةً – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

*** *** ***

دبلن – لندن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز