الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية

راتب شعبو

2024 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الاستباحة العسكرية التي تمارسها إسرائيل على غزة منذ ما يقارب سبعة اشهر، والتي غايتها المعلنة هي تحرير الأسرى الإسرائيليين وتفكيك حماس واستئصالها، تحولت أكثر فأكثر، بفعل طول أمد العملية العسكرية وعدم تحقيق أهدافها المعلنة رغم جرائم الحرب المرتكبة، إلى ضغط سياسي ثقيل على حكومات الدول الديموقراطية المؤثرة في العالم والتي عرضت موقفاً في مساندة إسرائيل لا نظير له، وصل في بعض هذه الدول إلى تعقب الآراء المخالفة وممارسة ما اعتبره كثيرون مكارثية جديدة تستبدل الشيوعية بمعاداة السامية.
لا غرابة في أن الإنكار الفعلي الذي تبديه الحكومات الديموقراطية الرئيسية تجاه حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ودعمها غير المحدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي ترفض منذ عقود طويلة تنفيذ القرارات الدولية التي كان آخرها قرار مجلس الأمن في 25 مارس/آذار الماضي، بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، يضع الحكومات الغربية تحت ضغط سياسي داخلي، الأمر الذي يجعلها تلجأ، من أجل حماية موقفها غير العادل، إلى تقييد الحريات بشتى السبل المتاحة لها.
الحكومات الغربية ذات موقع مؤثر في إدارة العالم، وهي محكومة لقواعد ومبادئ وقيم ديموقراطية تسمح وتضمن تعدد المواقف السياسية والتعبير السلمي عنها، من الطبيعي، والحال كذلك، أن يمارس المتضامنون مع الفلسطينيين في محنتهم، أشكال الضغط الشعبي الممكنة على هذه الحكومات من أجل دفعها نحو سياسات ومواقف أكثر عدلاً فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة اليوم. على هذا فإن آليات الحكم الديموقراطية في البلدان الرئيسية في العالم، تخدم في توفير قنوات لانتقال الصراعات التي تنشأ في محيط العالم المنفعل، إلى مركز العالم الفاعل والمؤثر. يساعد في ذلك ما توفره التقنيات الحديثة من وسائل التواصل الفوري ونقل المعلومات بما يخفف إلى حد لا بأس به من قدرة الحكومات وجماعات المصالح على التحكم بالإعلام.
يذهب في الاتجاه نفسه ما يشهده العالم من حركات هجرة واسعة تحت ضغوط طبيعية واجتماعية، يتجه معظمها إلى البلدان الديموقراطية. بحسب تقرير الهجرة في العالم للعام 2022، شكل المهاجرون في العام 2020 حوالي 3.6% من عدد سكان العالم، أي حوالي 281 مليون مهاجر. وأن نسبة كبيرة من مهاجري العالم تصل إلى 40%، تعيش في بلدان أوروبا وأميركا الشمالية. هذا يعني أن الهجرة تصنع داخل هذه الدول الرئيسية جمهوراً تعود أصوله إلى مناطق الصراع في الأطراف، ويحمل الثقافات والحساسيات السياسية لشعوب هذه المناطق التي تعاني من الصراعات، ويمكن لأفراد من هذا الجمهور الوصول إلى مناصب في الدولة. إلى هذا الجمهور يضاف جمهور آخر من أبناء البلد نفسه ومن غيرهم، من المتضامنين وأصحاب الرؤية السياسية الأقرب إلى مبادئ الإنسانية والعدالة الدولية. والحقيقة أنه فيما يخص القضية الفلسطينية، يوجد جمهور غربي كبير ومطلع، نظراً إلى وضوح القضية وطول أمدها وما تحمله من بعد أخلاقي مؤثر.
للتغلب على الضغط السياسي الناجم عن مساندتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، لجأت الحكومات الغربية إلى التضييق على الجمهور المتضامن مع فلسطين من خلال تقييد الحريات بطرق مختلفة، مثل الانحياز الإعلامي والامتناع عن منح تراخيص لمظاهرات التضامن مع الفلسطينيين، واستخدام أجهزة القوة لتفريق مظاهرات لم تُمنح الترخيص، أو استخدام جهاز القضاء لمحاكمة سياسيين خارجين عن الخط المنحاز، كما يجري اليوم في فرنسا مع حزب فرنسا الأبية الذي جعل الحرب على غزة الموضوع المركزي في حملته الانتخابية للبرلمان الأوروبي. فقد ألغي مؤتمر تضامني مع فلسطين للحزب في إحدى جامعات شمال فرنسا، واستدعيت إحدى مرشحات الحزب للبرلمان الأوروبي إلى القضاء بتهمة تبرير الإرهاب (apologie)، كما استدعيت إلى القضاء رئيسة الكتلة النيابية للحزب للسبب نفسه، في خطوة وصفها المعلقون بأنها قَضْيَنة (juridicisation) للسياسة.
أشار التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية الصادر في 24 نيسان/أبريل من هذا العام، إلى هذه الممارسات بالقول "إن السلطات الفرنسية قد فرضت قيوداً شديدة وغير مشروعة على الحق في التظاهر"، وعن موضوع الحرب على غزة يقول التقرير "إنه في تشرين الأول/أكتوبر، عمم وزير الداخلية الفرنسي على قادة الشرطة في المحافظات طلب منع أي مظاهرة تنظم تضامناً مع فلسطين، وهو ما يشكل انتهاكاً غير متناسب وتمييزياً للحق في التظاهر السلمي".
الحال في ألمانيا وفي المملكة المتحدة وبقية الدول الغربية ليس أفضل منه في فرنسا، وإن كان موقف بعض الحكومات الأوروبية مثل بلجيكا واسبانيا أكثر اعتدالاً. يتحدث التقرير فيما يخص أوروبا الغربية، عن "ازدواجية المعايير في خطاب وسياسات الكثير من الدول تجاه إسرائيل في مقابل القيود المتزامنة المفروضة على التضامن مع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين".
ما يستوقف في هذه البلدان، وجود قدرة لافتة على تهيئة أو حتى تجييش الرأي العام إلى حد يصبح الرأي المخالف بمثابة وصمة، ويمكن لصاحب الرأي المغاير أن يخشى من تبعات التعبير عن رأيه، حتى يصبح للرأي السائد قوة مستقلة عن الأفراد بحيث يتبناه ويدافع عنه في المجال العام أفراد لا يؤمنون به في الحقيقة، كما في مسرحية البقرة لناظم حكمت. كان هذا ملحوظاً على سبيل المثال في الرأي حيال الغزو الروسي لأوكرانيا، وتراه اليوم في الرأي حيال موضوع الترويج للمثلية الجنسية، والشيء نفسه كان واضحاً حيال الحرب الإسرائيلية على غزة، وشكل ستاراً لممارسة إعلامية شديدة التحيز. في جميع هذه الحالات "يُفرض" موقف موحد مدعوم بتغطية إعلامية كثيفة، ويتسم بالهجومية والقطعية والنفور من أي تلكؤ أو استدراك. واللافت هو قدرة هذه الظاهرة على الثبات في وجه توفر وسائل الاتصال والنشر الالكترونية ووجود قنوات إعلام فردية تتفوق أحياناً على محطات تلفزيونية في عدد المشاهدين.
هكذا يبدو أن الحرب الإسرائيلية على غزة في انتهاكها المعايير الإنسانية والقانونية، تتحول في الغرب إلى حرب على الديموقراطية تشنها حكومات غير عادلة في تعاملها مع الموضوع الفلسطيني، لتخفيف الضغط عنها من خلال تقييد حركة التضامن مع فلسطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة ثقة بين دول المنطقة وإسرائيل بسبب ممارسات حكومة نتنياهو


.. -يكفي.. بدنا وقف إطلاق نار-.. فلسطينية بغزة تنهار بالبكاء وت




.. ضابط إسرائيلي سابق: الحرب في غزة أصبحت أكثر صعوبة وحان الوقت


.. مظاهرة في العاصمة الهولندية أمستردام تنديدا بحرب إسرائيل على




.. ضبط إسرائيليين حاولا تهريب 73 سبيكة ذهبية إلى إسطنبول