الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحترف الحضاري ...اسئلة في صراع الحضارات ام السياسات

علي حسن الفواز

2006 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو ان العالم الغربي بدأ يدرك خطورة مظاهر ازمة حوار الحضارات وحوار الثقافات ، وما يمكن ان تتركه من تداعيات خطيرة ومعقدة على السلم الاجتماعي العالمي والمصالح الدولية ،وافاق التنمية البشرية التي كثيرا ما تطرح مؤسسات هذا العالم اعلاناتها ومفاهيمها وخطاباتها حولها كجزء من الحديث عن قيم الثقافة الليبرالية الجديدة !! والدعوة الى تبني برامجها ومفاهيمها على اساس انها ثقافة الانقاذ !! وانها الشكل الجامع المانع لفلسفات الحرية والجمال والاشباع والساعية باتجاه صناعة ثقافة الانسان الكوني وتخليصه من ازمات العطالة الحضارية و انواع الحروب الكبيرة و الصغيرة ..
ان هذه الثقافوية !!! لم تكن بريئة بالكامل !! ولم تكن ثقافة في الوقاية الحضارية !! اذ بدأت تفرض اشكالها القهرية والرهابية !! على شكل ثقافات ضاغطة وانماط تفكير استعلائية و(تهويلات ) صراعية تكرس الشكوك بقيم و حضارات الاخرين التاريخية والتقليل من شأن هوياتهم ومرجعياتهم ،فضلا عن وضعهم امام مشاكل اقتصادية متعددة وعلاقات موتورة وتشوهات تنموية ،واحتلالات تخرّب المكان والمزاج وتهدد الوجود بالمحو...
ان انعكاسات معطى مظاهر ازمة صراع الحضارات والثقافات !!! تحوّل الى مجال لانتاج مشاكل حقيقية بدأت تؤرق المؤسسات السياسية الغربية ،وتؤثر على مشروعها العولمي والتسويقي في اطار تطبيق تصوراتها عن العالم الحداثوي وما بعد الحداثوي !! ومنها ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد ، والعمل على فرض سياسة اللامركزية في صناعة القرار السياسي والاقتصادي العربي.
.لقد اسهمت هذه الازمة بالمقابل في التعجيل ببروز مظاهر اكثر تعقيدا ارتبطت باثارة حساسيات واشكالات تمسّ جوهر الهويات الوطنية والدينية والثقافات والقيم الروحية داخل المجتمعات العربية والاسلامية !! ،بدءا من الطروحات والممارسات التي تتعاطى مع الخطاب السياسي على اساس انه خطاب ازمة دائما !! وان شكل الدولة القديم بحاجة الى (ثورة) في الاصلاح الليبرالي ، وانتهاء بتفجير كل مخزونات (المياه الجوفية) للعقل العربي واثارتها على شكل معارضات سياسية او ثقافات نقية !!او ثورات شعبية يقودها الجياع والمحرومون والصوفيون والسلفيون !!! والتي بدأ البعض من رجالات السياسة والدين والثقافة وبعض المؤسسات الاكاديمية في الدولة العربية الجديدة والمكونات الحزبية والاجتماعية الخوف منها ومن تمظهراتها وتداعياتها ،،و التعاطي معها على شكل ثقافات ونصوص وتشريعات ارتبطت اصلا بمواجهة استباقية لما يمكن ان يطرحه العقل الغربي من افكار وتصورات وحتى ادلجات ديوغماجية ،..
ان اثارة هذا الجدل وصناعة الازمة في هذه المرحلة لم يكن تحصيلا من فراغ !!! وان الهجوم والتشكيك بالثقافات الوطنية والدينية والرمزية لم يكن هو الاخر بعيدا عن (نظرية المؤامرة ) اذ تحولّت الثقافات الشعبية والاثنية الى جزء من تاريخ الممنوعات والقوامع !! وبدأت الكثير من المؤسسات خاصة الاعلامية والدينية الغربية بافتعال مشكلات تستفز جوهر هذه الثقافات ومنها ثقافة الاندماج داخل المجتمع الغربي وكذلك مشكلة الحجاب رغم وجودها اصلا في المجتمع الغربي!ومرورا بقضية الرسوم الكاريكتورية التي مست شخصية النبي الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم وانتهاء بطروحات البابا بنديكتوس السادس عشر( الذي عمل مسؤولا لما يسمى بالتفتيش البابوي/ العقائدي لاكثر من عشرين سنة في الفاتيكان) والذي استعار في خطبته الالمانية افكارا ومقولات من لحظة تاريخية مأزومة وتحمل فهما استعلائيا وغير دقيق حول الاسلام والمسلمين، وطبيعة الثقافة المسيحية وتأثراتها الثقافية والتي نفى فيها البابا كل المرجعيات الشرقية ودور الترجمات العربية والاسلامية في نقل المعارف والفلسفات ....
ان هذه الطروحات تعكس وجود ازمة حقيقية في فهم اليات الحوار المفترض !! مثلما تعكس ايضا ان أصل الخطاب السياسي والثقافي والايديولوجي الغربي ، يسعى وفي اطار تسويق تبريرات غير واقعية وغير موضوعية الى التلويح بخطورة تصاعد ظواهر قوى عصابية ورهابية ترتبط بالاسلام السياسي وخطابه في العنف وكراهية الغرب ،اذ بدأت المؤسسات الغربية ذاتها بما فيها المؤسسات الاكاديمية والثقافية باصطناع اشكال واطر وسياقات فاضحة لهذه الازمة !! وكأنها تؤكد ما كان يطرحه (ارنست رينان) في كراهيته للاسلام والمسلمين والشرق العربي او مايسوقه بعض المستشرقين عن اطارية الشخصية الشرقية والعربية في نمطية السحر والانتماء للتاريخ /المتحف اكثر من انتمائها للحاضر ، وهذا ما يؤكد ان للكنيسة دورا سياسيا مهما في اجندة الصراع بين القوى والافكار،،،، وان تسنم المسؤولية فيها ليس بريئا بالكامل ،والكل يعرف ارتباط البابا السابق يوحنا بولص الثاني بالصراع الاشكالوي القديم بين امريكا والاتحاد السوفيتي ودوره في دعم حركة التضامن العمالية وزعيمها ليغ فالسيا المناهضة للنظام الشيوعي في بولندا سابقا ..
وفي ضوء تداعيات هذه المشاكل دعت الدولة الفرنسية وبشخصية الرئيس جاك شيراك في اول ايام شهر سبتمبر ايلول الماضي 2006 الى عقد تجمع عالمي اسمته ( المحترف الثقافي بين دول ضفتي المتوسط والمغرب العربي والخليج واوربا والخليج) كنوع من الدعوة الى حراك ثقافي يسهم في الحد من تفاقم هذه الازمة !! والسعي الى خلق فضاءات ايجابية للحوار باتجاه تنمية الافكار والتوجهات لدعم جهود ما يسمى بحوار الحضارات والثقافات وتفعيل الانماط الثقافية والبرامجية المشتركة في المجالات المتعددة ومنها تحريك افاق الجهد الثقافي والجهد الاكاديمي واعطاء فرص للسياسات الحكومية في ان تعيد حساباتها ومواقفها فضلا عن دعم جهود المجتمع المدني ، باعتبار ان هذه المجتمع غير الحكومي هو وليد جديد وطري في بيئاتنا الثقافية العربية التي تعودت على المركزيات والسلالات والانماط القهرية من المجتمعات الحكومية/السلطوية المدنية منها والعسكرية !!! والذي بدأت الاعلاميات الغربية !! ومراكز البحوث المجتمعية وحتى مؤسسات الامم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالترويج لانماطه ودعم برامجه !!!
ولاشك ان استقبال الرئيس الفرنسي لاكثر من مئتي مثقف من قطاعات مختلفة اكاديمية ومهنية وسياسية واجتماعية وبحثية شاركت في هذا المحترف ،والقائه خطابا طويلا تضمن الكثير من الافكار والرؤى والامال ،والتأكيد على دور اكثر فاعلية للمثقفين والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني في مسار التحولات الحضارية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعقدة التي يواجهها عالمنا المعاصر ،، يعكس خطورة المنحى الذي بدأت تتجه اليه مسار هذه التحولات ،وتمترس الكثير من الظواهر الثقافية والسياسية خلف انماط من (الهويات) الحضارية والدينية والتي يعكس تمترسها !خللا بنيويا عميقا في طبيعة حوار الثقافات والاديان والحضارات وتمثلها لاشكال صراعية سياسية معقدة في التاريخ من الصعب السيطرة على تداعياتها في قابل الايام ...
ان أول ما أشرّته كلمة الرئيس شيراك هو الخوف من نشوء عالم تنفلت فيه الصراعات عن السيطرة! باتجاه خلق علاقات مأزومة بين الدول والحضارات والتحريض على وجود بيئات سانحة وصالحة للارهارب الفكري والعنف السياسي وألتسلح العسكري وربما فرض اشكال اخرى من التسلح العقائدي الضيق الافق !!والذي يهدد بقطيعة كارثية بين الحضارات والمجتمعات ويجعل الجميع امام ثنائيات مأزومة ( الغرب ازاء الاسلام،،الشمال ازاء الجنوب، الكنيسة ازاء الجامع، العلماني ازاء الديني ) وغيرها من الثنائيات التي تدخل في اطار مولدات الازمة .. ولاشك ان ما أثارته استعارات البابا الكنائسي بنديكتس السادس عشر في حديثه عن حوار الاديان من ردود فعل شديدة التحسس بسبب سياقها الذي يؤشر ايضا ان ثمة شكوك حقيقية مازالت قائمة من استحقاقات هذا الحوار على مستوى احترام عقائد وخيارات الاخرين ،والتعاطي مع اللحظة الحاضرة في ضوء ازمات تاريخية واستعارات ليس لها سند ثقافي او اخلاقي ...
ان اجتراح سياقات جديدة تؤكد اهمية احترام ثقافات الشعوب وخياراتهم وهوياتهم ، وحتى احترام تقاليد المواطنين الذين يعيشون في اوربا وامريكا واستراليا ومنحهم حقوق (المواطنة) التي تشرعن الخيارات الخاصة ، يمثل سعيا جادا الى تبديد كل ما من شأنه ان يهدد هذه السياقات ،مقابل العمل على خلق فرص حية ومتكافئة لتبادل المنافع الثقافية بين الشعوب والحضارات ودعم كل المشاريع والخطط والتوجهات التي تشرعن حيوية دور المثقفين من كل الاتجاهات في تحسين اداء المؤسسات الثقافية وتنمية العلاقات العالمية والاقليمية والبينية باتجاه احتواء مناطق التوتر ومنع تأجيج الخلافات والصراعات واثارة النعرات التي تهيج الانفعالات والمواقف...
ولاشك ان المحاور التي اعتمدها المحترف الثقافي تؤكد اهمية المنطلقات التي ينبغي ان تضع المتحاورين امام خطورة المشهد (الصراعي) وما يمكن ان يكرسه من معطيات وتداعيات تنعكس على مستقبل العلاقات الحضارية بين الشعوب ووضع مصدات وشكوك امام تنفيذ برامج الحداثات العلمية والثقافية وتطبيقاتها في المجالات المتعددة فضلا عن تكريس قيم غائمة تكرس سوء النوايا ونظرية المؤامرة و تفرض شروطها واوهامها في اجندة كل انماط التفكير والحوار والجدل ...
وازاء هذا كانت المحاور الستة التي تبناها المحترف والتي قال عنها البعض من المشاركين بانها (عملياتية) واجرائية ،تنطلق من فكرة ايهامية ، تشرعن فتح افاق اولية لحوارات قادمة وقوى في طور التشكل ولتوجهات يمكن تنميتها بالشراكة الجادة والفاعلة وحسن التدبير من خلال التعاطي مع تاريخ الازمات القديمة والجديدة بين الغرب والشرق او بين المسيحية والاسلام،،، بين العرب وذاكرة الاستعمار، بنوع من الاجتهاد الثقافي الذي يسعى الى ان يرمم انكسارات عقد الماضي على اساس اعادة انتاج الكثير من سياقات هذه العلاقات وشروطها مقابل التأكيد على اهمية احترام خيارات الشعوب وانماط ثقافاتها وتقاليدها واديانها ونبذ كل اشكال التشويه والاستهانة بها وبعيدا عما يردده البعض من تعارضها مع الحريات الشخصية والمهنية .. وكذلك العمل على تعزيز دور الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع والاعلام الالكتروني المعولم !! والداخل في اطر المؤسسات المدنية والدينية ،من منطلق ان هذا الاعلام اصبح نظاما شاملا له فاعليته في ادامة الحراك الثقافي و تفعيل الحوار بين الشعوب والثقافات والديانات التوحيدية وابراز مامن شأنه ان يعزز هذه الحوارات دون التقليل من شأن التاريخ والثقافة والتقاليد الخاصة لهذه الشعوب..
كما ان محور الاصلاحات وتنمية دور المجتمع المدني واهمية تسيير الموارد الوطنية في اطار الدولة الحضارية التي تحترم مواطنيها وتحكم علاقاتها بهم، يمثل هو الاخر محورا واسعا وضروريا ليس في اطار خلق منظومات اقتصادية واجتماعية فاعلة بقدر ما يتعلق في تأسيس علاقات نامية بين المواطن والدولة في ضوء شرط المواطنة وقيم الحقوق والواجبات..فضلا عن التأكيد على اهمية دور التربية والتعليم خاصة في الجامعات ،اذ يسهم هذا الدور في توسيع مديات العمل على تشكيل فضاءات للحوار الحر وخلق مجالات للتعاون بين الجامعات في هذه الدول مع وجود مناهج تربوية وتعليمية تؤكد اهمية القيم الانسانية والدينية السمحاء ..واعتقد ان هذه المحور يرتبط ايضا بتعزيز ودعم كل القواسم المشتركة مابين الشعوب والثقافات من اجل نبذ الخلافات وروح الكراهية وتطوير كل الاتجاهات والفرص التي تدخل في مجال التعاون والشراكة والتبادل المسؤول في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد ..
ان هذه الطروحات قد تبدو للبعض اشبه بالفنطازيا ازاء ذاكرة ما زالت تحمل الكثير من شواهد الرعب والاستعمار والحروب ، وممارسات يشهدها الحاضر عبر العديد من السياسات الظالمة التي تمارسها امريكا والغرب في غمط حقوق الكثير من الشعوب في المنطقة في فلسطين من خلال اسناد اسرائيل في سياساتها العدوانية وغيرها وكذلك احتلال العراق وتحت ادعاءات واهية ومن ثم سوء ادارة الازمات في العراق الذي بدا وكأنه يواجه ازمة وصراع هويات وثقافات واثنيات ،ومثله ما يحدث ايضا في السودان ولبنان وغيرها من مناطق التوتر !!!
لكن هذا لايجعلنا نقطع الجسور مع العالم في حضاراته وازماته !!! فيما لو وضعنا اسس صحيحة لعالم جديد يسوده الاحترام والتقدير لكل خيارات الناس والتعاطي معهم على اساس هذه الخيارات وتنمية الحوارات في اطار البحث عن افاق لدعم هذه الجهة اوتلك او فتح قنوات هنا وهناك دون اية فروض او ممارسات قهرية ،لاتخدم سوى تأجيج التوتر والعنف وخلق ثقافات معادية ،مقابل خلق اقتصادات وتنميات اجتماعية وبشرية مشوهة !! لان ظواهر الحروب والازمات الصراعية تنعكس بالضرورة على حرف الكثير التوجهات الحضارية عن مسارها الانساني الى نوع من الممارسات الوقائية المضادة ...
ومن هنا نجد ان هذا المحترف هو خطوة استباقية باتجاه البحث عن دور اكثر عقلانية وغير مثير للشبهات للنزعة الثقافوية الجديدة في تجريد الصراع بين الغرب والشرق من هواجسه السياسية ، وطرحه في اطار سوء الفهم الحضاري او(زلات اللسان) لكي نخفف من غلواء المشكلة والنزوع الى آفاق اوسع واكثر مرونة وشفافية وعقلانية ،وبما يسهم في بناء جسور وتوازنات لاتصيب العلاقات الدولية والاقتصاد الدولي بهزة عالمية !!وتزيد من خلق بؤر توتر جديدة واجيال جديدة تتبنى العنف!! اذ اكد احدث تقرير للمخابرات الامريكية نشر مؤخرا ان الموقف الامريكي المساند لاسرائيل واحتلال العراق قد ساهما في نشوء هذه الاجيال والثقافات التي تروج للعنف المسلح وتكرس قيم الكراهية للغرب ، واعتقد ان السبب هو الاساس الجوهري في ان تدعو الحكومة الفرنسية لعقد هذا المحترف الباريسي للبدء بحوار حضاري يسهم فيه المثقفون بافكار وتصورات ربما تضعنا امام خطورة ما سوف تأخذنا اليه الحروب والصراعات من مشاكل وعوالم مجهولة تنعكس على مستقبل العالم اجمع .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب