الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤتمر 16 للاتحاد العام التونسي للشغل

محمد علي الماوي

2024 / 5 / 1
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


1- مقدمة (أنشر هذا النص بمناسبة اليوم العالمي للعمال لتبيان حقيقة البيروقراطية النقابية وارتباطها العضوي مع النظام)
انعقد المؤتمر ال 16 للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 15 ديسمبر وتواصلت اشغاله الى يوم 21 ديسمبر 1984 وقبيل انتهاء الاشغال فرضت البيروقراطية النقابية قرارات لا صلة لها بمصالح الشغالين كما انها كانت متناقضة تماما مع ما طالب به اغلب المؤتمرين وفور انتهاء المؤتمر هرولت البيروقراطية الى الحكومة لطمأنتها وأعلنت "انه لا وجود لأي. اختلاف مع الاختيارات الأساسية"
لقد كشفت التجارب السابقة طبيعة البيروقراطية وعلاقتها العضوية مع النظام رغم بعض التناقضات التي تحتد تارة وتخفت تارة أخرى حسب مد وجزر الحركة الشعبية وهي تناقضات لا تخرج عن إطار التكالب على السلطة.
وتسعى الأنظمة الحاكمة في اشباه المستعمرات وفي البلدان الرأسمالية الى تنصيب قيادات موالية تهدف الى ترويض نضالات الحركة الشعبية خاصة في ظل غياب حركة ثورية وازنة ويحاول جميعهم حصر مطالب الجماهير في إطار بعض الإصلاحات وقد تستعمل الطبقات الحاكمة أبشع الطرق لترهيب الجماهير مثل الطرد من العمل والاعتقال والمحاكمات الكيدية.
ويشهد واقع الحركة النقابية في الوطن العربي مثلا على مدى حقد الطبقات الحاكمة على الحركة النقابية المناضلة فقد وقع تنصيب قيادة على رأس اتحاد العمال الجزائريين كما وقع ضرب القيادة الشرعية في اليمن وحل النقابات في السودان وتنصيب قيادة موالية لنظام أيلول الأسود منذ1970 في الأردن وانقلاب زمرة عرفات في اتحاد العمال الفلسطينيين اما في مصر فان رئيس اتحاد النقابات المصرية هو نفسه وزير القوى العاملة هذا فضلا عن حرمان الشغيلة العربية من الحق النقابي ف ي بعض الأقطار كعمان والعربية السعودية وجل بلدان الخليج.
2- الظروف العامة لانعقاد المؤتمر
يتسم الوضع في تونس بتدهور القدرة الشرائية للكادحين من جراء الاختيارات اللاوطنية المملاة من قبل المؤسسات الامبريالية. فقد واصل النظام بعد انتفاضة الخبز (ديسمبر 1983-1984) تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي القاضية بتحرير الأسعار وتجميد الأجور والتفويت في القطاعات العمومية الخ...وإن تتمكن حكومة مزالي من تمريرها كليا نظرا للرفض الشعبي فهي بصدد تطبيقها على مراحل تحسبا للانتفاضات الشعبية التي يمكن ان تنفجر في كل لحظة.
ولم تعارض البيروقراطية ال نقابية هذه الاختيارات بل اكتفت بمطالبة "تعويض التعويض" (أي الغاء الدعم على صندوق التعويض وتعويض شكلي للفئات الضعيفة) كما اكتفت المعارضة الإصلاحية هي الأخرى ببعض النقد غير ان الشارع انتفض من جديد واجبر النظام على التراجع.
والان وبعد مرور سنة كاملة على انتفاضة الخبز فقد ظلت حالة الجماهير على حالها وأصبحت تلمس الفرق الشاسع بين اجرها المجمد والضعيف والتهاب الأسعار وبين قصور المنزه والاحياء الشعبية والاكواخ الريفية وبين المصحات الخاصة وواقع المستشفيات العمومية الخ...ان الشعب يدرك من المسؤول على تردي أوضاعه لان النظام لم يكتف بتجويع الجماهير بل اعتمد كذلك سياسة الترهيب لمنع الشعب من الاحتجاج فكثف عمليات التمشيط (الرافل) وتعددت الفرق البوليسية المختصة وميلشيات الحزب. لقد انكشفت حقيقة "سياسة التفتح"
واتجه النظام الى المزيد من التصلب والغطرسة فواصل قمع الحريات وإيقاف الصحف وحرق مقرات "المعارضة" وضرب الحق النقابي وحتى الا ضراب بتسخير العمال وإيقاف الطلبة والتلامذة ودوس حرمة المعاهد والجامعة ومحاكمة النقابيين...
وإزاء هذا الوضع الذي لا يختلف جوهريا عن وضع الجماهير في مصر او السودان او حتى فلسطين المحتلة فقد دخل العمال في العديد من الإضرابات وتنظمت المسيرات والمظاهرات في الريف وتحركت المعاهد والجامعات وأصبحت هذه التحركات أكثر تجذرا لكن غياب البديل الوطني الديمقراطي جعل هذه النضالات ضحية عفوية الجماهير يقع استغلالها من قبل المعارض ومن قبل الكتل الرجعية المتصارعة على خلافة بورقيبة.
3- علاقة البيروقراطية النقابية بالسلطة.
(من 26 جانفي 1978 الى انتفاضة الخبز1984 )
لقد كان مؤتمر 14 المنعقد سنة 1977 اول مؤتمر يبرز فيه الطرح الوطني الديمقراطي بكل وضوح وساهم هذا الطرح ولو جزئيا في دفع النضال الذي توج بالإضراب العام في جانفي 1978 فتفجرت تناقضات الكتل في السلطة فسارعت كتلة نويرة -عبد الله فرحات - الصياح -الكتلة الأكثر تصلبا-بتصفية عناصر كتلة وسيلة- بلخوجة –عاشور-وأعلنت حالة الطوارئ للسيطرة على الوضع وأطلقت النار على الأبرياء العزل وزجت بالمئات في السجون ونصبت قيادة بوليسية على رأس اتحاد الشغل (التيجاني عبيد).
لكن القواعد فرضت تكتيك مقاطعة النقابة البوليسية مقاطعة نشيطة ولعبت العناصر الشيوعية والوطنية الديمقراطية دورا هاما في تجنيد القواعد وعزل القيادة المنصبة على عكس العناصر الإصلاحية التي قبلت بالمنصبين باسم تكتيك الافتكاك. ثم حصلت عملية قفصة المجيدة سنة 1980 وبينت العملية الانقلابية بالمكشوف ان القمع لا يرهب الوطنيين فتفجرت تناقضات الكتل الرجعية من جديد وانهار الوزير الأول: الهادي نويرة وأجبر النظام على التراجع وإطلاق سراح جل النقابيين (لكنه استغل الظرف ليعدم 15 مناضلا من الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس)
وانتصبت حكومة مزالي التي تخلت عن بعض الوجوه المتصلبة وتمكنت بفضل العديد من التنازلات الى جلب البيروقراطية الى جانبها وتوحيد صفوف النظام وتوصلت الى بعث ما سمي "باللجنة الوطنية " التي اعدت مؤتمر قفصة (افريل 1981) هذا المؤتمر الذي قاطعه أنصار الحبيب عاشور اذ أبقي النظام عاشور تحت الاستثناء لا سباب عدة وقبلت القيادة المنبثقة عن مؤتمر قفصة خوض الانتخابات التشريعية في نوفمبر 1981 الى جانب الحزب الحاكم في إطار ما سمي "بالجبهة الوطنية" وذلك رغم معارضة القواعد.
وقد عجزت هذه القيادة نظرا لافتضاح مواقفها ووقوفها دوما الى جانب حكومة
مزالي ونظرا لتدهور أوضاع الشغيلة وكذلك لتناقضاتها مع كتلة عاشور (التي قاطعت المؤتمر) لقد عجزت هذه القيادة على التصدي الى نضالات الجماهير والى موجة الإضرابات المتصاعدة فالتجأ النظام مرة أخرى الى عاشور ورفع عنه الاستثناء في نوفمبر 1981 ونصبه على رأس الاتحاد آملا من وراء ذلك الحد من الإضرابات. وفور عودة عاشور وحصول الوفاق الكتلوي صلب السلطة وقّعت البيروقراطية النقابية اتفاقية سلم اجتماعية في 18 فيفري 1982هذه الاتفاقية التي لم تعمر طويلا اذ أعلن رجال التعليم بعد أيام فقط عن الاضراب العام في القطاع وضربوا بذلك هذه السلم الاجتماعية المفروضة وتوالت الإضرابات بعد ذلك فأجبرت البيروقراطية النقابية على تبني البعض والتملص من البعض الاخر وحاولت في نفس الوقت تصفية حساباتها مع ممثلي كتلة الوزير الأول -مزالي- ودعم عناصر كتلة وسيلة بورقيبة-عاشور في السلطة خاصة وان حكومة مزالي حاولت منذ انتصابها سنة 1980 التخلص التدريجي من خصومها فتخلت عن بلخوجة ولصرم ومعلّى واخيرا قيقة وبلحاج عمر.
ثم جاءت انتفاضة الخبز ديسمبر 83-جانفي84- لتغيّر حسابات النظام وتسقط كل مخططاته فتفجرت صفوفه من جديد واحتد الصراع بين الكتل الرجعية فمقابل ضغط كتلة وسيلة بورقيبة- عاشور- على مزالي التجأ هذا الأخير الى الانشقاق النقابي فأعلنت "الجبهة الوطنية" عن تكوين ما سمي "بالاتحاد الوطني" الذي كانت حكومة مزالي تهدف من خلاله: 1-ضرب الوحدة النقابية وضرب الاتحاد كمنظمة جماهيرية.2- اضعاف كتلة عاشور وسلب الكتلة ورقة الضغط.3-دعم نفوذها في الاتحاد بالاعتماد على رموز أخرى (مثل بكوش-بن قدور) وخارج الاتحاد بالاعتماد على "الاتحاد الوطني".
وبعد تكوين هذا الاتحاد المنصب توترت العلاقة بين حكومة مزالي والبيروقراطية النقابية فبينما أصبحت كتلة مزالي تهدد بالحوار مع "الاتحاد الوطني" وقد دخلت في التفاوض معه فعلا حاولت البيروقراطية النقابية رد الفعل فدخلت في موجة تصعيد أرادت توظيفها ضد الانشقاق النقابي لا غير.
لكن القواعد العريضة فضحت سلوك البيروقراطية النقابية التي ارادت الاستفادة من نضالات الشغالين دون تلبية مطالبهم فأدركت البيروقراطية انها أصبحت عاجزة على توظيف الإضرابات لصالحها وشنها او الغائها حسب رغباتها فثارت ثائرتها فشنت حملة ضد ما اسمتهم "بالمتطرفين" فشرعت في تجميد المناضلين الوطنيين الديمقراطيين وكتبت تقارير ملفقة حول نشاط هذه العناصر الوطنية وقدمت قائمات اسمية الى البوليس بهدف ايقافهم. وتوجت البيروقراطية موجة التهريج والوعيد بإلغاء كل الإضرابات المقررة وبعقد اتفاقية "سلم اجتماعية" أخرى في افريل 1984 مقابل وعود "التفاوض الجدي" ومقابل الاعتراف بالاتحاد العام التونسي للشغل كمفاوض أساسي. ومرة أخرى يفتضح أمر هذه الاتفاقية الممضاة على كاهل الشغيلة اذ بادرت الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي بفضح هذه "السلم الاجتماعية" التي لم تقدم ولو مكسبا واحدا للشغالين.
فلجأت البيروقراطية الى حلّ المكتب الوطني لنقابة التعليم الثانوي وجرّدت أغلب أعضاء الهيئة الإدارية وقدمت نضالات غرة ماي ضد اتفاق أفريل علة انها تشويش وفوضى واختفت وراء هذه التعلة لمزيد من التجريد من الصفة النقابية للعديد من النقابيين. واستغل الأعراف والحكومة هذه الاتفاقية لطرد النقابيين الوطنيين ولفرض سياسة تجميد الأجور وتحرير الأسعار. غير ان القواعد اسقطت هذه الاتفاقية بشنها عدة إضرابات ولم توافق عليها البيروقراطية النقابية في البداية لكنها أجبرت فيما بعد على تبني البعض منها وبعد ان افتضح أمر الاتفاقية ورفضها من قبل جل الهياكل التجأت البيروقراطية الى حملة تهريج كانت تهدف من ورائها تحضير المؤتمر ال 16 الذي كان على الأبواب ولم يحقق
هذا " التصعيد" شيئا.
يتضح حسب هذا الموجز ان العلاقة بين البيروقراطية النقابية والسلطة علاقة عضوية كما يتضح ان هذه القيادة البيروقراطية لم تقدم استقالتها من الحزب الحاكم سوى شكليا وهي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من النظام الحاكم وقد صرّ الحبيب عاشور نفسه العديد من المرات - وآخرها في 5 ديسمبر 1984 ذكرى اغتيال فرحات حشاد- صرّح انه "دستوري حر" أي انه رغم اضطراره الى الاستقالة تحت الضغط القاعدي لازال يفكر كحزب الدستور ولازال يؤمن بمبادئ الحزب واختياراته اللاوطنية.
وتبرهن الهجمة الأخيرة على العناصر الوطنية الديمقراطية مدى اتفاق البيروقراطية النقابية وحكومة مزالي وحتى مع كتلة الصياح-بورقيبة الابن على تصفية ما سمي "باليسار النقابي" فالحكومة تطرد النقابيين من العمل والبيروقراطية تجرّد من الصفة النقابية او عاشور يجرّد العناصر الوطنية والحكومة تطرد نفس العناصر من العمل.
تهدف هذه الهجمة الشرسة باتفاق الكتل الرجعية المتواجدة في المكتب التنفيذي للاتحاد عبر عناصرها (الكنزاري مع كتلة الصياح-عاشور مع وسيلة بورقيبة وبقايا الجبهة مع مزالي) تهدف الى تصفية العناصر الوطنية وتوريط الكتلة المنافسة- كتلة عاشور-المورطة في تجريد النقابيين وهكذا تتمكن الكتلة المتصلبة من اضعاف كتلة عاشور –وسيلة- وشق صفوف الاتحاد اما خطة البيروقراطية النقابية تتمثل في الانفراد بالمنظمة عبر تجريد اكثر من 200 نقابي واستعمالها كورقة ضغط وفي هذا الاطار حاولت كتلة عاشور تحويل الاتحاد الى حزب عمالي عاشوري لتدخل به في معركة خلافة بورقيبة خاصة وانها خسرت بعض المواقع في حكومة مزالي.
4- المؤتمر ال 16 مؤتمر التجاوزات
يأتي المؤتمر بعد جولة من المؤتمرات الاستثنائية قطاعية وجهوية (نسيج-تعليم بريد- صفاقس-قصرين-سوسة- باجة الخ...) حاولت من خلالها كتلة عاشور تحويل موازين القوى لفائدتها فنصبت القيادات وجردت العناصر الوطنية باتفاق كلي مع باقي الكتل في النظام اذ استهدفت هذه التصفية كل العناصر التي فضحت "العوبة التفتح" ورفضت تطبيق ما يخططه النظام.
وفضلا عن التجريد والتنصيب فقد سعت البيروقراطية الى الحفاظ على مواقع بيادقها البالية وقامت الكتل مجتمعة بتجاوزات سافرة للقانون الأساسي والنظام الداخلي في المؤتمر ويمكن ذكر التجاوزات التالية: 1- التضييق عل تمثيلية المؤتمر وتحديد عدد النواب مسبقا ب 450بقاعة المؤتمر خلال التصويت سوى نائب أي 1 على 630 منخرط مما جعل المؤتمر اقل تمثيلية من المجلس الوطني. 2-التزيف السافر للنيابات لمنع العناصر الوطنية من الحضور من جهة واسناد النيابات الى العناصر الموالية
للبيروقراطية من جهة أخرى. 3- إضافة أعضاء الهيئة الإدارية كأعضاء كاملي الحقوق بالرغم من ان النظام الداخلي لا يخول لهم سوى الحضور كملاحظين.
4- تنصيب لجان اللوائح قبل المؤتمر وبقرار من الهيئة الإدارية هذه اللجان التي من المفروض ان تنبثق من المؤتمر.
5- رئاسة المؤتمر من قبل أحد المترشحين وهو عاشور-الأمين العام- وذلك يتناقض وقانون المنظمة.
6- التصويت على اللوائح والقانون الأساسي بدون توفير النصاب اذ لم يكن في قاعة المؤتمر خلال التصويت سوى 150 نائبا من جملة 528 أي اقل من الثلثين. 7- مشاركة أعضاء لجنة النظام وعمال النزل وأعضاء الهيئة الإدارية في التصويت (خاصة التصويت لفائدة عاشور)
8- عدم عرض الاعتراضات القانونية التي وردت على المؤتمر مثل برقيات المجردين.
9-حرمان 50 نائب من أخذ الكلمة بحجة الإسراع في انهاء الاشغال.
10- انتخاب المكتب التنفيذي قبل انتهاء الاشغال.
11- انتخاب عاشور مباشرة من القاعة.
وعلاوة على هذه التجاوزات القانونية لابد من الإشارة الى "الجو الإرهابي" التي حاولت البيروقراطية فرضه داخل نزل أملكار(على ملك الاتحاد) وتمثلت هذه الممارسات في: - انتشار "لجنة النظام" أي الميليشيا والمرتزقة داخل النزل وخارجه. - الحراسة البوليسية المكثفة ومنع النقابيين المجردين من الاقتراب من النزل. – الاستفزاز للعناصر النزيهة وتهديدها بصفة مستمرة. – تعنيف بعض النواب وخاصة كل من رفض التصويت لعاشور. – سرقة مفاتيح البيوت وتفتيشها واقتحامها ليلا. - اختطاف محافظ الوطنيين وسرقة الأوراق الشخصية.
وبالرغم من التجاوزات والإجراءات التعسفية فقد فوجئ عاشور من الوجهة التي اتخذها المؤتمر خاصة في اليومين الاولين اذ تفاعل جل المؤتمرين مع تدخلات العناصر الوطنية وتشبث اغلب النواب بضرورة الالتزام بالممارسة الديمقراطية الى حد ان أحد ممثلي كتلة بن قدور-كتلة منافسة لعاشور-عارض انتخاب عاشور مباشرة من القاعة فاحتار عاشور في امره ولم يعد يتحكم في سير اشغال المؤتمر وكان على وشك الانهيار ولتدارك امره أسرع الى عقد مكتب تنفيذي موسع طرح فيه التصدي بكل حزم الى "زحف اليسار" والى المزيد من التضييقات من جهة وحمّل الكتل الأخرى وخاصة كتلة بن قدور مسؤوليتها من جهة أخرى. ثم رجعت البيروقراطية النقابية بقوة بعد أن حصل الوفاق الكتلوي
وفرض انتخاب عاشور فاستاءت القواعد لمثل هذه الممارسات وازداد غضبها عند فرض قرارات مخالفة تماما لرغبات القواعد الواسعة.
وتهدف كل هذه التجاوزات الى تزكية سياسة النظام القاضية بعدم الزيادة في الأجور اذ اتفقت البيروقراطية مع الحكومة على جعل سنة 1984 و1985 سنة
"بيضاء" لذلك تصدت لكل قرار من شأنه ان يلزمها إزاء القواعد وتجنبت توتير العلاقة مع الحكومة وقدمت شهادات الولاء الى النظام فطمست مطالب الشغيلة ولم تتعرض لها ولو شكليا وتسترت وراء ضرورة "الحوار والتعقل" لإنجاح المفاوضات فجمّدت كل الإضرابات وفرضت "السلم الاجتماعية" على ارض الواقع دون القدرة على الانخراط فيها علنا نظرا للرفض القاعدي المدوي كما نصّت على إمكانية المشاركة في الانتخابات البلدية وزكت نهج عرفات الاستسلامي وأعادت العلاقة مع السيزل.
خاتمة
يظل الاتحاد العام التونسي للشغل - رغم غطرسة البيروقراطية ورغم الحصار وتجريد الوطنيين من الصفة النقابية – يظل منظمة جماهيرية لابد من التواجد
فيها ومواصلة نشر الطرح الوطني الديمقراطي صلب القواعد العريضة والاستفادة من هذا التواجد لنسج العلاقات مع الشغالين في المعامل والاحياء.
كما انه من الضروري الاعتناء بالمعارضة النقابية وبلورة أرضية تجمع كل العناصر المناهضة للبيروقراطية ولسياسة النظام وتحديدا المخطط السادس الذي لا علاقة له بمصالح الشغالين. وفي هذا الإطار من واجب الوطنيين اولا الدفاع عن مطالب الجماهير وربط المطالب الاقتصادية والاجتماعية بالنضال من اجل التحرر وثانيا العمل من اجل وحدة الصف ضد البيروقراطية ودفع كل الأطراف الى العمل المشترك من أجل تقليص هامش المناورة امام البيروقراطية وثالثا مواصلة النضال من اجل فرض الممارسات الديمقراطية صلب الاتحاد والتصدي للقرارات الفوقية وتحويل عملية التجريد من الصفة النقابية الهادفة الى عزل المناضلين الى عملية انصهار والتحام بأوسع القواعد والبروز كبديل نقابي مناضل قادر على هزم الوجوه البالية والمدافعة عن سياسة العملاء. رابعا دعم التثقيف والتكوين العمالي وترويج التجارب النقابية المناضلة على أوسع نطاق.
خامسا التقدم في فرز العناصر المخلصة للطبقة العاملة والالتزام بدورية النشرة النقابية التي تلعب دور الداعية والمحرض والمنظم.
ديسمبر 1984(صدر هذا النص في "دليل الممارسة")








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال