الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنصرية الدم و عنصرية الأرض !

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2024 / 5 / 2
القضية الفلسطينية


كلما تفاقمت مسألة المهاجرين من البلدان المنكوبة في إفريقيا و في شرق المتوسط ، إلى البلدان الأوروبية خاصة ، و هي غالبا أصل نكبتهم ، عاودت في هذه الأخيرة حمى العنصرية و احتدم النقاش بين الذين يقولون بحق المرء بهوية الأرض التي يولد عليها وبين الذين لا يعترفون إلا بالهوية الموروثة من الوالدين أو هوية الدم .
من المؤكد أن هذه صورة سطحية ، مختصرة ، عن العناصر التي تعتمل في الأجواء الموبوءة بالعنصرية التي تنعكس في بعض الأوساط الأوروبية سفاهة دون احتشام ، و لكننا لسنا هنا في معرض الكلام عن تجليات ذلك و مقاصده و السلوك المتبع إليه ، لنسلط الضوء على بعض أشكاله و استخداماته كما تتراءى لنا بمنظار المراقب العادي في الأجواء المشار إليها تلميحا ، التي تنبئ في أغلب الظن عن أزمة اجتماعية ذاتية و أزمة نظام سياسي، إضافة إلى مناورات ترمي إلى تأجيل استحقاق الحلول اللازمة عن طريق إخفاء الحقائق في قضايا "دولية "أو تهجيرها نحو المهاجرين الأجانب إلى البلاد إلى جانب ضرورة الاستعداد و العمل لدرء الاخطار الآتية من الشرق ، مع الإصرار على طي صفحة الماضي ، الاستعماري الدموي و أحيانا الاستيطاني و اقصاء الشعوب الأصلية عن مواطنها .
من البديهي أن هذا الموضع لا يتسع لجميع التفاصيل المتضمنة للعناصر المذكورة في التوطئة أعلاه ، لذا سنحاول تناولها بالتدريج ضمن حدود إحاطتنا بها و بحسب لزومها لفهم الصورة التي تكونت لدينا في الظروف الراهنة ، عن أوجه العنصرية واستخداماتها .
من الطبيعي أن نقارب بادئ ذي بدء القضية الفلسطينية التي أعادتها في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023 إلى الواجهة الحرب المعلنة على سكان قطاع . فنقول في هذا الصدد أنه لا بد من التمييز تاريخيا بين أتباع الديانة اليهودية ، في بلدان العرب عامة و في شبة جزيرة العرب على وجه الخصوص من جهة و أتباع هذه الديانة نفسها في أوروبا الشرقية ثم في ألمانيا و فرنسا من جهة ثانية . فلا جدال في اننا حيال تجربتين مختلفتين في أوجه عدة ، منها أن شبة الجزيرة العربية ، خصوصا اليمن ، تعتبر مهدا لهذه الديانة ، و أن من أتباعها الذين انتقلوا إلى الديانة المسيحية و فيما بعد إلى الإسلام ( دولة الحميريين في اليمن ، على سبيل المثال كانت يهودية ثم تحولت إلى المسيحية، ثم عادت إلى اليهودية ، قبل أن تتخذ الإسلام ) ، و هي كما يفيدنا العارفون ديانات توالدت من بعضها في المنطقة نفسها . تحسن الإشارة تحديدا إلى أن اليهود في البلدان العربية لم يتعرضوا للاضطهاد و النفي و التصفية التي تعرض لهم على مدى أكثر من نصف قرن أبناء ديانتهم في أوروبا .
هنا لا بد أن نستحضر لمحة أخرى من هذا التاريخ تتمثل في إقدام الحكومة الفرنسية في سنة 1870 على إصدار مرسوم تمنح بموجبه الجنسية الفرنسية لليهود الجزائريين ، باستثناء غير اليهود ، ذلك في مرحلة كانت تحاول بسط سيطرتها الاستعمارية الكاملة على الجزائر و التي بدأت في سنة 1830 ، حيث تخللها كما هو معلوم حملات إجرامية ضد مقاومات السكان الأصليين المتكررة و صولا إلى حرب التحرير و الاستقلال عام 1962.
نتوقف هنا لإبداء ملاحظة نحن نأخذ بها مفادها أننا نرى فرقا جذريا بين العنصرية التي تظهرها الفئة الغازية المستعمرة الطاغية من جهة و العنصرية التي يعبر عنها ضحايا الطغيان و الاحتلال من جهة ثانية . تعكس عنصرية الطغاة المحتلين ، اعتقادا بالفوقية كما أنها تبطن خطر أبادة من يعتبرونهم تراتبيا دونهم ، بينما تعبر عنصرية الشعوب المسحوقة ، عن كرهم للظالمين و عن توقهم للخلاص ، بكل الوسائل التي تتوفر لهم ، و من ضمنها البغض و الحقد .
الملاحظة الثانية ، الجديرة بالذكر من و جهة نظرنا ، نلخصها بالقول أن الصراع و المنافسة بين الشعوب التي تعيش في أوطان مجاورة ، هما بالتأكيد ،من نوع مختلف عن " الحروب " التي نسمع بها بين الدول الغربية ، المنضوية في الحلف الأطلسي ، و بين أفغانستان على سبيل المثال ! فما يجري بين شعوب متجاورة ، لا يعدو أن يكون مرحلة عادية ،إذا جاز التعبير ، من سيرورة مصيرها أن تكتمل إما بانتصار فريق على آخر ، اما بالقوة و إما بذوبان أحدها في الآخر ، ينجم عنه في الحالتين الاختلاط و الاندماج فيما بينهما ، و ليس تصفية نهائية لأحدهما . هنا ينهض السؤال عن الأسباب التي جعلت الإسرائيليين ألذي أقاموا دولة لهم في فلسطين ، لا يتصالحون مع الفلسطينيين الأصليين ( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط