الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانقلابات في ظل الملك محمد السادس

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هل حصلت انقلابات على الحكم ، وستكون انقلابات على الملك محمد السادس ، ام مجرد انقلاب على نظامه ، ام ان ما حصل مجرد مساهمة في تدبير شؤون الدولة ، وتحت السلطة الفعلية للملك محمد السادس .
1 ) الانقلاب الأول .
ان الانقلاب على الحكم ، او على الدولة ، لم يعد هو انقلاب الجيش على النظام بإسقاطه ، وبناء نظام جديد على اعقابه ، أي اسقط الملكية وبناء الجمهورية . فسنوات الستينات والسبعينات ، عرفت بكثرة الانقلابات العسكرية ، في القارة الافريقية ، وبآسيا ، وبأميركا الجنوبية اللاتينية .. فالجيش كان هو من يسقط النظام ، ويأتي على انقاضه نظام اخر .. وحين نقول بانقلاب اسقاط النظام ، لا يعني ان النظام الذي سقط هو نظام ملكي ، بل الانقلابات اسقطت أنظمة جمهورية سواء ، كانت أنظمة جمهورية دكتاتورية ، أي باسم الديمقراطية التي ستتحول الى دكتاتورية لا تختلف بشاعة في القهر والقمع ، عن تلك التي سقطت . او ان الانقلاب باسم الجمهورية ، شمل أنظمة ديمقراطية وصلت الى الحكم بالانتخابات الشعبية ، فكان سبب الانقلاب الذي كانت تقوده الجيوش ، تحطيم الأنظمة الاشتراكية ، والشيوعية ، وهي ادعاءات لتبرير الانقلاب العسكري ، كما حصل في الشيلي Le Chili الذي قتل الجيش رئيس الدولة الاشتراكي Salvador Allende .. لكن وهذا مكمن الداء ، فتحرك الجيوش لم يكن باسم الديمقراطية المغيبة في نظام العسكر الجديد، ولم تكن باسم محاربة الاشتراكية والشيوعية ، بل ان الانقلابات كانت تنفيذا لأوامر " وكالة المخابرات الامريكية " ، والبيت الأبيض .. بدعوى محاربة الأنظمة القريبة من الاتحاد السوفياتي السابق . لكن الاتحاد السوفياتي بدوره كان يتدخل عن طريق " KGB " ، في قلب أنظمة إما هشة ، او تتعاطف مع الخيار اللبرالي ، او موالية في خدمة المخبرات الامريكية ، كالصومال وأرتيريا مثلا بالقارة الافريقية ، و Le Chili بأمريكا الجنوبية .. اما بالمنطقة العربية ، فكانت الانقلابات العسكرية ، يقوم بها الجيش دون تأثير من واشنطن ، او من موسكو .. فالعسكر استهوته السلطة ، فوجد في ضعف الأنظمة الملكية الحاكمة فرصته للانقضاض على الحكم . هذا حصل في سورية ، وفي ليبيا ، وفي الجزائر ضد الرئيس بن بلة ، وحصل في موريتانيا مرات عديدة ، كما حصل في المغرب مرتين في سنة 1971 و في سنة 1972 ، وكاد ان يحصل في سنة 1982 ، وهو الانقلاب الذي اجهضه الرئيس الفرنسي François Mitèrent اثناء زيارته للمغرب ، لان احسن هدية أعطاها للحسن الثاني ، كانت رأس الجنرال احمد الدليمي ..
لكن هل حصلت انقلابات في عهد الملك محمد السادس ، لكن ليس من طرف الجيش الذي ظل وفيا للملك بسبب وضعه الاقتصادي الممتاز ، والامتيازات التي أصبحت عند الضباط الكبار، الذين لم يثوروا على شخص محمد السادس الضعيف ، بل وجدوا ملكا من صنف محمد السادس ما يغنيهم عن الإطاحة بالنظام ، طبعا لان فرنسا وإسرائيل بسبب علاقاتهما الطبيعية مع النظام العلوي ، فقد وقفا ضد اية عملية لقلب النظام ، وتعويضه بنظام جمهوري لن يكون الا نسخة من الأنظمة السياسية العربية التي جاءت الى الحكم عن طريق الانقلابات ..
اذن . قد يتصور البعض ان عهد محمد السادس ، كان عهدا عاديا ، ولم يعرف انقلابا عسكريا ، ولا عرف محاولات " بلانكية " ، أي الاستيلاء على الحكم من فوق ، ولا عرف هزة قوية كالثورة الوطنية الديمقراطية .. فهل حقا ان عهد محمد السادس الذي هاجر المغرب الى باريس ، بعد تثبيت الوضع والتحكم فيه ، كان عهدا عاديا ، بعيدا عن الانقلابات من أي جهة كانت ، كما حصل في السبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي .. سيما وان درجة الارتباط بالصحراء ، او الابتعاد عنها ، كان كما لا يزال ، يتحكم في استقرار النظام ، كما يتحكم في اضطرابه ..
ان عهد محمد السادس عرف انقلابين ، واحد ضد العناصر المنافسة المتطلعة الى الحكم ، أي انقلاب بين العناصر التي ورثها محمد السادس عن الحسن الثاني ، وتلك التي رافقته من المدرسة المولوية الى ان اصبح ملكا .. وهنا فالمقصود التنافس على الحكم ، بين المؤثرين فيه ، والصراع كان بين من اوكله الملك ، نظرا لانعدام التجربة وضعفه ، وهو الأدرى بهذا الضعف ، ( صديقه الذي اصبح مستشاره ) فؤاد الهمة ، وطبعا سيتحوّط بالهمة ويسيطر عليه ، والبسه " كخنشة " ، الذين وجدوا في الهمة ضالتهم ، لنهب الثروة ، لان في ظرف وجيز راكم ثروة لا تقدر بثمن ، وهو الذي عينه الهمة مديرا عاما على البوليس ، والمقصود به المدعو الشرقي ضريس ، الذي انتقل من مديرا للأمن ، ليصبح وزيرا منتدبا في الداخلية ، وكاد ان يصبح وزيرا للداخلية . لكن الاقدار فضحته ، وليعود الى اصله الأول عندما جاء في سنة 1977 ، فقط كمجند في اطار الخدمة المدنية فقيرا معدما ، ليصبح بفضل الهمة يتربع على ثروة كلها من أموال المديرية العامة للأمن الوطني ، واموال الجماعات الترابية ، وامول مؤسسة الحسن الثاني للرعاية الاجتماعية لرجال السلطة ، وامول وزارة الداخلية ، عندما عينه فؤاد الهمة وزيرا منتدبا في وزارة الداخلية ..
اذن الصراع مباشرة بعد تربع الملك على الدولة ، بين ( اصدقاءه ) برئاسة الهمة ، ومعه مجموعة من الحرامية التي اغتنت من أموال الدولة ، وبين اطر الأرض Le terrain ، وعلى رأسهم الجنرال حميدو لعنيگري ، والعديد من الاطر الامنية كوالي الامن إيزو الذي وجد نفسه في السجن ، سيحتد مباشرة بعد الاجتماع الامني الضيق بالمعهد الملكي للشرطة في العشرة ايام الاولى عن تفجيرات الدارالبيضاء الارهابية ، بين فؤاد الهمة الذي يتصرف باسم الملك ، ومعه اللصوص المحتالين كالشرقي ضريس .. وبين الجنرال العنيگري ، حين أطاح به فؤاد الهمة من على رأس المديرية العامة للأمن الوطني ، التي عين على رأسها المدعو الشرقي ضريس ، وتم ابعاد الجنرال حميدو لعنيگري مفتشا عامة للقوات المساعدة ، ثم ضبروا كمينا عندما اندلع نزاع بين مجموعة من جنود القوات المساعدة ، ليجدوا الامر مسيرا وسهلا ، لتكليفه كمفتش على الجنوب ، وتعيين جنرال مفتش جديد على الشمال للقوات المساعدة . وهنا سيتم ابعاد الجنرال حميدو لعنيگري الى مدينة " أگادير " ، الى ان اعلن عن تعرضه ( لحاثة سير ) افقدته القدرة على العمل ( الشلل ) ، فالنهاية التي كان لا بد منها .. وبذهاب الجنرال حميدو لعنيگري ستبتعد العديد من الأطر من القوات المساعدة ، ومن الامن الوطني . وما تعرض له الجنرال حميدو لعنيگري ، كاد ان يتعرض له الجنرال حسني بنسليمان على رأس الدرك الملكي ، الذي أراد الهمة ان يغيره لا لشيء ، ان الواقف وراء ضرب الدرك الملكي الخسيس المدعو الشرقي ضريس ، الذي عمل المستحيل في ربط الدرك بوزارة الداخلية ، مثل المفتشية العامة للقوات المساعدة .. فالعلاقة بين فؤاد الهمة والجنرال حسني بنسليمان تدهورت الى ادنى ، وليحاول الجنرال التقليل من غضب الهمة الذي يتكلم باسم الملك الضعيف ، عرض على الهمة ، إعادة تفريش منزل فؤاد الهمة بالملايين التي يعجز اللسان على ترديدها .. وكانت النتيجة ذهاب الجنرال الى منزله ، بدعوى التقاعد ، دون ان تدهسه سيارة ويصبح مشلولا .. أي اخف الضررين ..
اذن . ماهي الخطة التي نهجها الهمة للسيطرة على الدولة ، ودائما متخفي باسم الملك ، الذي وضع ثقته العمياء في شخصه ، وفضله حتى على اقرب المقربين اليه .. ؟
ا – افراغ الأحزاب السياسية التي قد تكون مزعجة ، من مضامينها ومن جوهرها ، عندما تخلت عن الحكم في يناير 1975 .. وعندما أصبحت تتهافت على المناصب الوزارية من اجل حصاد الريع .. فالأحزاب التي تشارك في برلمان الملك ، للدخول الى برلمان الملك ، ومنه الدخول الى حكومة الملك ، سيكونون مجرد موظفين سامين بادارة الملك ، سواء كبرلمانيين عندما يفتتح الملك شخصيا الدورة التشريعية الخريفية ، في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر ، ويوجه لبرلمانيي الملك ، خطابا يعتبر بالأمر اليومي ، كالأمر اليومي للجيش ، يبين خارطة طريق عمل البرلمانيين . والملك يوجه الخطاب داخل البرلمان ليس كملك ، بل يوجهه كأمير ، وكإمام ، وراعي كبير في دولة رعوية ، وليست دولة ديمقراطية .. ففي الدولة الرعوية ، يعتبر البرلمانيون والوزراء وكل الأطر العليا ، بالرعايا الممتازة Les super sujets ، ويعتبر الباقي ( الشعب ) برعايا الأمير، الامام ، والراعي الكبير .. وهنا فالعلاقة بين الراعي وبين الرعية ، لا يحتاج الى وساطة ( البرلمان ) ، بل تحصل مباشرة بين الراعي والرعية .. وهذا يظهر في حفل البيعة ، وفي افتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر ، أي الدورة الخريفية .. بل رغم الانتخابات الانتخابوية ، فالبرلمان لا يمثل الامة ، او الشعب ، او الرعية ، بل يمثل فقط سكان الدائرة الانتخابية التي ( ترشح ) فيها ، ويبقى الممثل الاسمى للامة او للشعب او الرعايا ، هو الملك المنصوص عليه في الدستور ، ويحجبه عقد ( البيعة ) الهلامي الغير موجود ، وهو ما يفسر استعمال المزاج في تسيير الدولة ، وليس القوانين ولو كانت مرعية ، او المؤسسات المفروض انها دستورية ، كما هو الشأن في الأنظمة الديمقراطية ..
اما الوزراء فهم كذلك موظفون سامون بإدارة الملك ، يسهرون على تطبيق برنامج الملك ، وليس برنامجهم الانتخابوي ، وعند مباشرتهم للشأن العام ، يتصرفون كخدام الأمير والراعي ، أي الملك في الدولة الرعوية ..
ان تفريغ الأحزاب من مضامينها وجوهرها ، مس حتى حزب الطليعة ، ومس مجموعة الأستاذ محمد الساسي ، فبدورهم شاركوا في انتخابات الملك ، ليدخلوا الى برلمان الملك ، لينصتوا لخطاب الملك ان رضي عليهم النظام واصبحوا برلمانيين ( تعويض سنوات العجاف ) ، الامر اليومي ، ويصفقون للخطاب ، دون مناقشته .. وان حالفهم الحظ واصبحوا وزراء ، سيكونون مجرد موظفين سامين بادرة الملك ..
اذن . الساحة اليوم فارغة من المعارضة التي سجلت فترات سياسية تاريخية في الستينيات ، وحتى النصف الأول من السبعينات .. واصبح الفاعل وحده في الساحة الملك والمخزن .. ففي غياب وانعدام معارضة راديكالية ، يمكن للهمة ومن بجوار الهمة ، ان يتصرفوا كيف شاءوا ، ومن دون ازعاج ، وهو نوع من الاستحواذ على الدولة ، او على جزء من الدولة . وهذا الخط مثله في وقت سابق الجنرال حميدو لعنيگري ، وبقايا الحسن الثاني ، الذي تخلص منهم المدعو الشرقي ضريس ، مع العلم ان هذا كمجرم ، شارك في قمع وقتل المتظاهرين في يناير 1984 ، وفي الدارالبيضاء في سنة 1981 ، وفي ستنبر 1990 ..
ب – السيطرة على المجال الإعلامي . في هذا الباب تحرك الهمة على مستويين :
-- المستوى الأول – كان التحريض لاستعمال القضاء للتضييق على الصحافة والصحافيين ، الذين لعبوا دور المعارضة ، التي أضحت تكشف المستور ، وتعري النقاب عن الخروقات والتجاوزات المختلفة ، التي تحصل في أجهزة الدولة . وقد أدى هذا الاجراء المتقون ( ارجاع النزاع مع الصحافة الى المحاكم ، لاعطاءها صبغة المشروعية ، لان الاحكام تصدر باسم الملك ) ، وهو ما يعني استبعاد الإدارة من أي شبهة قد تعلق بها ، على غرار ما كان يحصل زمن الوزير ادريس البصري . لقد افلحت هذه السياسية ، عندما هاجر الصحافي بوبكر الجامعي الى أمريكا ، وهاجر علي لمرابط الى اسبانية بعد منعه من الكتابة لمدة عشر سنوات ، وهو حكم فريد لم يسبق للمغرب ان عرفه طيلة تاريخه ، في اطار الشد والجدب بين الصحافة المعارضة ، وبين الدولة البوليسية ..
-- ب – شراء سوق الصحافة ، او ما يسمى بالصحافة ( المستقلة ) ، فتحول النصف واشباه الصحافيين ، وبعض المرتزقة الى صحافيين ، ضخت في جيوبهم أموال الشعب المغربي التي يؤديها كضرائب مختلفة ، تؤثر على قدرته الشرائية التي أضحت مع الارتفاع للأسعار منعدمة ، الامر الذي يعتبر مؤشرا على هزات شعبية عفوية خطيرة في حدود السنتين القادمتين ، وربما اقل بكثير اذا حصل فراغ مباغت في الحكم .. هزات ستكون عامة بكل المغرب ، وليس فقط في مدينة او جهة ما .. لكن من خلال تحليل المعطيات المتحكمة في الجدل السياسي ، فإنها ، ومن دون وعي سياسي وقطاعي ، لن تغير المسار العام للسياسة الاقتصادية والاجتماعية ، للدولة المزاجية والبوليسية ، بسبب غياب القيادة او الطليعة ، التي تنجح في توظيف تلك التحركات ، لخدمة المشروع الأيديولوجي العام ، أي البديل ، فلا احد الآن يتكلم عن الجمهورية ، باستثناء نشطاء الخارج ، الذين وحدهم يرددون مطلب الجمهورية ، من دون تنظيم أيديولوجي قوي في الساحة . فمن السهل ان تجلس وراء حاسوب وتفرق الاتهامات ، وتتحدث عن الجمهورية ، لكن وفي التاريخ القديم والحديث ، هل سبق لشخص واحد ، او اثنين ،او حتى عشرة اشخاص ان اسقطوا نظاما ، وبنوا على أساسه نظام الجمهورية ... هكذا تم فرض طريقة خاصة ( أقول خط تحريري ) على ما يسمى بالصحف ( المستقلة ) في معاجلة الإشكاليات ، وتناول الموضوعات ، يهدف نشر التعويم ، والتضبيع ، والميوعة ، وخلط الأوراق بغية ارباك الساحة ، لتشتيت المشتت ، و " تزليع المزلع " .. فغابت الجدية والمسؤولية ، واختلط الحابل بالنابل ، ولم يعد المواطن العادي ( طبعا ) ، يميز بين ما ينشر في تلك ( الصحف ) ، وبين ما يجري به العمل في الواقع .
وللإشارة ، فإن من ( الصحافيين ) من أوجدوه للعب ذاك الدور التمويهي المضبب ، ومنهم من كان موجودا لا ينقصه غير الاحتضان والرعاية ، للمشاركة في المخطط الذي أساسه التضبيع والتبنيج ، وإلهاء الرأي العام ، وفكر الرعايا بخزعبلات أعطت رائحتها قبل ان تستنفد شروط ادماجها في الواقع المريض الملغوم .
لقد شرع الهمة في هذه الفبركة منذ سنة 2005 ، تاريخ إبعاد الجنرال حميدو العنگري كمدير عام ، عن المديرية العامة للأمن الوطني ، وتعيين اللص المدعو الشرقي ضريس مديرا عاما للبوليس .
ان التحكم في المشهد الإعلامي ، إضافة الى الدور الذي يلعبه التلفزيون ( الاعلام المرئي ) ، ساهم في تضبيب الصورة التي مهدت شرعية ميلاد ( حركة لكل الديمقراطيين ) ، التي ستتحول الى حزب الهمة الذي انشأه ( الاصالة والمعاصرة ) . لقد تخصصت جميع الصحف ( المستقلة ) والإذاعة ، والتلفزيون في مادة الهمة ( الحركة ) ، لغرسها في وجدان الرعايا المغاربة وشعورهم . وهنا يمكن تفهم تخوف ورفض العديد من الأحزاب التاريخية التعامل مع ( الحركة ) . بل وقد سجلوا مواقف سلبية منها بدعوى انها ، أي ( الحركة ) إعادة وتكرارا لل ( حركات ) التي عرفها التاريخ . لكن هذه المرة تتم بشكل رديء ، غبي وبلديد .
2 ) السيطرة على موارد الخبر الاستعلاماتي ( الأجهزة البوليسية ، ووزارة الداخلية ) : في هذا الباب تحرك الهمة من خلال تصرفين متباعدين في التوقيت .
ا --- التصرف الأول ، حينما نجح في ابعاد رجل الجنرال لعنيگري ، احمد حراري كمدير للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST ، وعين محله احد خدامه الرديء ، المدعو عبد اللطيف الحموشي . ان فصل المديرية العامة كمصدر للخبر عن الجنرال ، وليس عن الإدارة العامة للأمن الوطني DGSN ، لان المديرية العامة مستقلة بذاتها ، كانت من قبل تتبع وزارة الداخلية في شخص مديرها الفعلي ادريس البصري . اما بعد البصري ، فأصبحت تابعة للهمة .. كان اول انتصار يحققه مربع الهمة على الجنرال الذي رفض الإذعان والخضوع لفؤاد الهمة ، لأنه كان يتصل مباشرة بالملك ، وهو ما اعتبر من طرف الهمة ، بمثابة تمرد يجب وضع حد له . وهذا فعلا ما حصل عندما تم ابعاد احمد حراري ( عينه ) بالجهاز وبالدولة ، وليعوضه باخر مقرب للهمة المدعو عبد الطيف الحموشي .
كما ان تعيين الوالي السابق في DGST نور الدين بن إبراهيم ، عاملا ترقى الى والي مديرا لمديرية الشؤون العامة بوزارة الداخلية ، لم يعط اكله ، لان من كان يدبر وزارة الداخلية ، اعتبر الوالي نور الدين بن إبراهيم عين الجنرال لعنيگري بوزارة الداخلية . وبعد ان همشوه بعض الوقت ، اعاده الى صفه اللص الشرقي ضريس ، ليستفيد من تجاربه ، ويوظفه كخبير في جمع الأموال العامة ، وبناء ثروة خيالية ، بعد ان كان المدعو الشرقي ضريس في 1977 ، يسعى الجائر من عند الموظفين .. ونظرا لمشاركة الوالي شخصيا في جرائم خطيرة ، شارك فيها المدعو الشرقي ضريس ، واشخاص اخرون ، لم يجدوا من بديل لاحتضانه ، لاحتضان الجريمتين الارهابيتين ، بين من قام بهما .. فهو اصبح مفروضا على الجماعة الإرهابية التي بقيت تمارس في وزارة الداخلية ، وفي خارجها ..
ب – التصرف الثاني ، كان عندما نجح الهمة في ابعاد الجنرال عن الإدارة العامة للأمن الوطني ، وعين على رأس البوليس احد الشياطين الذي لبسه كجلابة الشرقي ضريس ، بعد مسلسل والي الامن إيزو مدير الامن الملكي ، الذي ادخلوه السجن لحسابات شخصية ، والرجل كان دائما يؤكد براءته .
ان ابعاد الجنرال حميدو لعنيگري ، وتعيين الشرقي ضريس على البوليس ، كان في حينها اكبر انتصار ، واكبر ضربة يتلقاها الجنرال بعد ابعاد احمد حراري عن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST ، وتعيين المدعو عبد اللطيف الحموشي على رأسها . وقد فرشت لهذه التغييرات الصحافة ( المستقلة ) ، و اشباه الصحافيين الذين شنوا حملة مسعورة على الجنرال ، بل لم يفلت من تلك الحملة التي شنتها صحف فؤاد الهمة ، حتى خادم النظام الجنرال حسني بنسليمان على رأس الدرك الملكي ، مثل مواقفه من انقلاب الصخيرات سنة 1971 ، ودوره في لجم جميع المحاولات التي كانت تحاول القفز على الملكية ، بتحويل المغرب الى جمهورية برلمانية ، او جمهورية طبقية ، او جمهورية اسلاموية . ولا ننسى دوره كملحق بوزارة الداخلية ( ديوان الجنرال محمد افقير ) ، في قضية اختطاف المهدي بن بركة في 29 أكتوبر 1965 .. وهنا نذكر بتجارب الجناح البلانكي الانقلابي في حزب القوات الشعبية ، والمشروع الأيديولوجي العام لليسار الماركسي ، وتجربة الشبيبة الإسلامية طيلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي . ان تدخلا للملك محمد السادس شخصيا وضع حدا لتلك الحملة التي تعرض لها الجنرال حسني بنسليمان . بل لم يسلم من شر فؤاد الهمة ، حتى زملاءه وليس ( اصدقاءه ) كرشدي شرايبي مدير الديوان الملكي سابقا ، وحسن اوريد الذي كان اول ناطق رسمي باسم القصر في تاريخ المغرب . ان شخصا من هذا النوع لن يكون له ابدا أصدقاء ، من الذين درسوا معه بالمدرسة المولوية ، لان نفسيته المعقدة تملي عليه هذا النوع من التصرف الغريب .
2 ) الانقلاب الثاني .
هذا الانقلاب ستبدو ملاحه ، حين تم حسم صراع السلطة والنفود ، لصالح فؤاد الهمة ، على حساب الجهة المقابلة التي مثلها الجنرال حميدو لعنگري ذي التاريخ القمعي الرهيب . فلا ننسى انه كقبطان Capitaine في الدرك الملكي ، اشرف في ليل حالك على عملية اختطاف الجنود ، والضباط ، وضباط الصف الذين اتهموا في قضية الانقلابين 1971 و 1972 ، من السجن المدني بالقنيطرة ، نحو سجن تزمامارت الرهيب .. فان يتم ابعاده عن المديرية العامة للأمن الوطني ، وابعاد احد بيادقه احمد حراري كمدير للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST ، وقص اجنحته عندما كان لوحده مفتشا عاما لجهاز القوات المساعدة ، وليصبح مفتشا فقط على جهة الجنوب ، وتعيين جنرال اخر على جهة الشمال ، الى ان تم الإعلان عن تعرض الجنرال ( لحادثة سير تسببت له في الشلل ) ، كان نعمة من النعم لفؤاد الهمة ، حيث اصبح باسم الملك ، شخصية تتولى الشأن العام ، خاصة سيطرته على الجهاز البوليسي ، وسيطرته على الجهاز السلطوي ، بحيث اصبح لوحده يتحكم في مصدر القرار المزاجي بالدولة .. طبعا من قبل بيادق اختارهم على المقاص ، كما هم وجدوا في شخص الهمة الفرصة السانحة للاستفراد بالدولة ، ومراكمة ثروات خيالية بعد الفقر الذي كانوا فيه .. اصبح من جماعة الهمة ، العديد من العناصر التي انتسبت الى اليسار الماركسي ، فاستغلها ووظفها بشكل يخدم التحول الذي عرفه النظام ، طبعا تحت راية الهمة المقرب رقم واحد من الملك . وهنا فسيطرته التي أضحت جلية ، دفعته في اطار صراعه مع الجنرال حسني بن سليمان ، الى ابعاد الدرك من بوابات القصور الملكية ، بل تم فرض البوليس محل الدرك ، في مراقبة الداخل والخارج من إدارة " الإدارة العامة للدراسات والمستندات " DGED ، التي على رأسها احد أصدقاء الملك ياسين المنصوري ، الذي يشتغل تحت سلطة الهمة ، الذي سيطر على الديوان الملكي ، بحيث اصبح يغربل الاخبار التي تأتي اليه ، أي بما فيها برقيات ومراسلات " الإدارة العامة للدراسات والمستندات " ، وبرقيات ورسائل الدرك الملكي ، وبرقيات ورسائل الجيش .. فاصبح الكل يشتغل تحت سلطة الهمة الممثل الاسمى للملك محمد السادس ..
الى هنا ، فالهمة الذي لا يشق له غبار في الدسائس والتآمر ، لم يعد احد قادر على الإشارة اليه ، ولو بالأصبع ، لان انتقامه هو انتقام دار المخزن الذي لا يرحم .. فإما ان تخضع ، وإما ان وضعك سيصبح مهزوزا ، وهذا النوع من التعامل شمل حتى من درسوا معه بالمعهد المولي بالقصر الملكي ..
لكن سيتغير كل شيء ، بسبب المرض الخطير الذي يعاني منه الملك ، والذي يتسبب له في النسيان ، وفي عدم التركيز ، وفي الغياب .. والكل لاحظ كيف كان وضعه الصحي ، عندما حضر مع الأمير الحسن ، الذكرى المئوية عن نهاية الحرب الكونية الأولى ، والرئيس الأمريكي Donald Trump من حين لأخر ، يسرق النظرات نحوه التي اكدت المرض المصاب به . هنا طبعا ، الجميع كان ينتظر وفاة الملك غفلة و من دون استئذان .. فبدأ الصراع من جديد يطفوا على سطح الاحداث ، وبرز مناضلون جدد يطالبون بحقهم في تولي العرش .. فاصبح وضع الهمة الآن مهددا على اكثر من صعيد ، لان الصراع الذي طفى الى السطح ، اخطر من الصراع الأول مع رجالات الأرض Les hommes du terrain ، الذي كان على رأسهم الجنرال حميدو لعنيگري ، وآخرون بالديوان الملكي ، او خارج الديوان الملكي ، من ( أصدقاء ) الدراسة في المدرسة المولوية ..
ولتفادي المفاجئات ، خاصة فراغ الحكم ، اذا توفي الملك ، شرع الهمة في التحضير لمواجهة معارضة المستقبل ، خاصة ورثة العرش الذين يروا حقهم فيه .. هنا سيقوم الهمة البّا احماد ، في اعادت ومراجعة نوع التصرف الواجب ، لمواجهة التهديدات المفترض انها في انتظاره ، فيصبح دون المستوى الرفيع الذي هو فيه ، ويصبح الضحية الأول او الكبش الأول ، الذي يجب استعماله كمنظف ، لغسل اليدين من الاوساخ .. وهنا فتقديمه للمحاكمة ، سيستعمل لإرضاء رغبات الرعية المحرومة ، التي ستؤيد الحكام الجدد ، على حساب الهمة ومن معه ..
فلسبق جميع الاحتمالات ، تم انشاء ما اطلقوا عليه ب " البنية السرية " ، واضحت تتصرف باسم الملك المغيب بسبب ضعفه ، والغائب بسبب مرضه ، كما لو انها مفوضة من الملك شخصيا لتدبير الشأن العام .. في حين ان الملك يجهل بالتمام والكمال ، ما يجري بالدولة بسبب المرض الخطير الذي الم به ..
وهنا . نتساءل عن دور الجيش والدرك ، من هذا التركيز لجميع السلط بيد الهمة ، لان ما قام به سبقا للأخطار المحتملة ، قد يفسر انه لقي رضى وموافقة الجيش والدرك ، لان الملك المريض الله في عونه ، خارج دائرة الفعل .. فتكون موافقة الجيش على انقلاب الهمة ، درءً للخطر القادم ، والذي لا يستبعد ان يصبح ضباط الجيش عرضة للمحاكمات ، بسبب الثراء الفاحش . وطبعا فان مثل هذا التصور ، وهو الحاصل ، سيجد دعما من فرنسا ومن الاتحاد الأوربي ، وحتى من الولايات المتحدة الامريكية ، وإسرائيل التي يهمها المغرب ، وليس حكامه على طينة محمد السادس . لذا فسكوت الجيش الذي عقيدته علوية طقوسية ورعوية ، لن يتنازل عن محمد السادس الخارج عن دائرة الفعل ، لو لم يستشعر التهديد في المستقبل ، اذا حصل فراغ في الساحة . وهنا نفهم سكوت الجيش والدرك ، عن جمع سلطة الملك في يد شخص الهمة ، الذي قد يكون ضَمِن امتيازات الجيش والدرك ، في ما بعد غياب الملك المريض ، وحتى لا يصبح الجميع ضحايا الحاكم الجديد ، المعارض للدولة المخزنية البوليسية والمزاجية .. وهنا هل جماعة " البنية السرية " الانقلابية ، تكون قد ضمنت ممارسة الوصاية السياسية على الملك الدستوري القادم الأمير الحسن ، عندما يصبح بالحسن الثالث ..؟ لتستمر تسيطر على الدولة ، ومنها السيطرة على الثروة والجاه والنفود ، لان جميع مصالح وامتيازات الأطراف مضمونة ، وبالشكل الذي جعل الجيش يصمت عن ما حصل ، وعن ما سيحصل . فالتهديد عند وصول حاكم يحظى بتأييد العواصم الغربية ، سيكون اخطرا على الجميع ، الذي يجب التضامن والوقوف ضده ..
وهنا نطرح تساؤلا كمفكرين مثقفين ، يمارسون الشأن العام بالقلم وبالأفكار ، وكمحللين السياسيين . لماذا سكت الجيش والدرك عن فضيحة " نور زينو " الجزائري اللاجئ بإسبانية ، الذي ادخلوه الى المغرب ليشمت في بالأستاذ النقيب المسجون ظلما محمد زيان ، وينظموا له ندوة صحافية بعاصمة المملكة ، مع العلم ان ما قاله في حق محمد السادس ، لم يقله فيه احد حتى من خارج المغرب ... فكيف يتم سجن سعيدة العلمي ، والريسوني والراضي ، كثقفين يحاربون الفساد ، لم يسبق ان سبوا الملك ، في حين يتم ادخال مثلي من Malaga الاسبانية للنيل من الأستاذ زيان ...
فهل الجيش على علم بفضيحة " نور زينو " ، التي اثرت على سمعته دوليا ، وهنا نستخرج باحتمالية مرارتها مرارة العلقم . وهي ان عدم تحرك الملك شخصيا، لتطبيق القانون على " نور زينو " قد يفسر بتحليلين ..
-- تحليل يصل الى ان الملك المغيب عن الحكم لما كان بصحة جيدة ، والغائب عن الحكم بسبب المرض ، انه فعلا خارج دائرة الفعل ، ويجهل الجهل التام ما يجري بالدولة .. وهنا ستكون " البنية السرية " على حق في ضمان سلامة مستقبلها السياسي، والجيش تضامن معها من هذه النقطة ..
-- او ان الملك محمد السادس ، يوافق بالتمام والكمال ، على سب وشتم ، والكلام الخطير الذي قيل فيه جهرا من قبل " نور زينو " ..
لكن الحقيقة الجلية ، ان الملك خارج دائرة الفعل ، وهو الفعل الذي اضحى محتكرا من قبل من انقلب على الملك الغائب ، تفاديا للأخطار التي تهددها مستقبلا .. وهنا نفهم بصْم الجيش بالموافقة على فضية " نور زينو ، لترتيب الأولويات ، التي هي سد الباب على أي تعيين ، خارج تعيين الحسن الثالث ، مع ممارسة وصاية على ملك المستقبل ، ومنه الحفاظ على الدولة ، دون جرها الى ضرب ارثها الأيديولوجي ، الطقوسي ، النيوبتريركي ، النيوبتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ... ، من قبل الحاكم الليبرالي ، المتيم والعاشق لثقافة الغرب ، الذي يحتضنه ويؤيده ، اذا حصل غدا فراغ في الحكم .. فتفادي اخطار المستقبل ، لم يجد الجيش من وسيلة لدرئي المخاطر ، سوى تأييد انقلاب " البنية السرية " ..
ففي عهد محمد السادس حصل انقلابان ، واحد انتهى بفوز وطغيان شخص فؤاد الهمة ، من منافسي السلطة ، وشغل واحتكار المجال الإعلامي .. وهنا سيفوز الهمة في النزال الأول ، حين سيطر على كل الدولة ، ومنها سيطرته على الجهاز السلطوي ، وسيطرته على الجهاز البوليسي ..
والثاني حين حسم احتمالات المستقبل ، عند حصول فراغ في الحكم .. وفي كلتا الحالتين كان مؤازرا من قبل الجيش والدرك ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم