الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية قايين وهابيل؛ يموت القديم ويولد الجديد من رحمه..!

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2024 / 5 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يدعي أحدهم في الحديث عن الثقافة والمثقفين الكرد بين الملحدين والمؤمنين وأيهما أكثر فائدة للقضية الكردية؛ بأن يقول أن “الأخير هو من خدم، بينما الآخر دمرّ وشرد الكرد”، مستنداً في استنتاجه الساذج “العبيط” على تاريخ الثورات الكردية من جهة وكذلك على دور رجال الفكر والثقافة في المراحل الماضية حيث يقول: بأن كل قادة تلك الثورات والثقافة كانوا مشايخ ورجال دين -وبالمناسبة هو محق في ذلك- لكن إن كان محقاً في قوله؛ بأن أولئك كانوا يحملون فكراً دينياً، فهو (أي مدعي القول) عبيط وأهبل في استنتاجه السابق حيث يتناسى المرحلة والسياق التاريخي الذي أتى بأولئك الرجال والقادة في حقلي السياسة والثقافة والذين نشأوا في بيئات هي أساساً لن تنتج غير من يحملون فكراً دينياً ايمانياً، كونها كانت الثقافة المهيمنة في المجتمع وهي من تقود حركة التاريخ؛ أي الفكر الديني وتعتبر محور وديناميكية الحركة التاريخية، والصراعات كلها تتمحور حول الفكر الديني. وبالتأكيد من ينشأ في مثل هكذا بيئة سيكون حاملاً لفكرها وثقافتها، لكن وبعد بروز الفكر القومي والماركسي، قبل أكثر من قرنين في المنطقة والعالم، بدأ الانزياح في المحور الحركي لتلك الحركات الثورية ولقادتها في الحقلين السياسي والثقافي حيث نشهد خلال كل الفترة القريبة ومنذ قرن تقريباً؛ بأن أغلب هؤلاء القادة ورجال الفكر يحملون فكراً قومياً وماركسياً مع بعض القادة والحركات التي ما زالت تحمل الطابع الديني وأكثرها سلفية متطرفة وإرهابية، كون القديم لا يسلم الراية للجديد دون مقاومة، فهل نقول؛ لم كل حركاتنا وقادة ثوراتنا ومثقفينا قوميين ماركسيين ملحدين وليسوا مؤمنين وبأن هؤلاء أكثر فائدةً، أم علينا أن ندرك المرحلة التي أفرزت مثل هؤلاء القادة والحركات ورجال الثقافة والفكر؟

وهكذا نستنتج بأن ذاك الادعاء؛ بأن “المثقف المؤمن أكثر فائدةً للقضية من المثقف الملحد”! هو محض كذب وافتراء، ليس فقط على الواقع والحقيقة التاريخية، بل على التاريخ نفسه، وأساساً ليس هناك مثقف مؤمن وملحد ومن هو أكثر فائدة، وإنما هناك مثقف ولا مثقف، أما قضية الإيمان تبقى مسألة شخصية تتعلق بالجانب العقائدي ولا علاقة بالأخلاق والفائدة للمجتمع والقضية، فكم من مؤمن خان القضية وساعد الأعداء في الإضرار بالقضية الكردية إلى جانب بعض أولئك القادة “المؤمنين” الذين قادوا تلك الحركات والانتفاضات، وإن تاريخ شعبنا مليئة بأولئك “المؤمنين” الذين باعوا أنفسهم للأعداء ، فهل ذاك يعني أن نضع اللوم على كل المؤمنين، لا طبعاً، مع العلم أن المشروع الإسلامي عموماً استخدمه الشعوب الأخرى لمصالحهم الأثنية والقبلية، بينما الكرد وربما الوحيدين عملوا العكس حيث تم استخدامهم من قبل أولئك بحجة “أخوة الدين”. بالأخير نقول؛ كما أن المرحلة التي سادت فيها الفكر الديني الإسلامي في مجتمعاتنا وبالتالي صبغت ثقافتنا وثوراتنا بفكر ديني إسلامي، فإن المرحلة الحالية والتي سادت فيها الفكر القومي الماركسي هي التي تصبغ حركاتنا ومثقفينا بهذا الفكر والثقافة، والإنسان ابن مرحلته ولذلك هذه ليست حجة لنأخذ بها ونقول؛ أيهما الصح والآخر الخطأ، إلا إن كنا عبيطاً بلهاء لا نعرف أن نقرأ حركة التاريخ والمحاور الحاملة لها!

وبالمناسبة الصراعات القادمة بين الدول والشعوب أغلبها ستكون على الاقتصاد والمصالح؛ أي أن المحور الحامل الجديد للثقافة والتاريخ وحركاتها سيكون الاقتصاد وليس الدين ولا القومية، طبعاً سيبقيان -أي الدين والقومية- محوران لهما تأثيرهما علة السياسة والثقافة، ولكن بتأثير أقل حيث المحور الناقل للحركة الكبيرة سيكون الاقتصاد كما أسلفنا، وبالتالي ستشهد المجتمعات بروز دور المعارك والحروب حول منابع الثروات وطرق الترانزيت وخطوط الطاقة والنفط وهو ما نشهده عملياً مع حروب المشرق والمغرب، إن كانت في شرقنا؛ سوريا مثالاً، أو هنا في الغرب الأوروبي حيث الحرب الروسية الأوكرانية.. فهل هذا يعني أن نقول؛ لماذا لا نشهد دور كبير لرجالات الدين والقومية في هذه الحروب العالمية الجديدة ومن هم الأكثر فائدة لشعوبنا؛ أولئك القادة التاريخيين، كما استشهد ذاك “العبيط” بالتاريخ الكردي ووجد أن قادتنا ومثقفينا كانوا “مؤمنين مسلمين” ولم يكونوا ملحدين!! أم هؤلاء القادة الذين يأتون أساساً بدعم من شركات عابرة للقارات أو هم أصحابها أساساً كرجال مال وأعمال -ترامب القذر مثالاً- حيث السؤال بهذه السذاجة يكشف عن ضحالة فكرية، كون كل مرحلة تاريخية تنتج وتبرز ما يحمل في طياتها وثناياها!

وإننا نود هنا أن نستشهد بالتراث الديني أو الأسطوري، بالأحرى عن قصة “هابيل وقايين” بخصوص صراع المراحل التاريخية، وكيف أن الرب قبل هدية هابيل الراعي ورفض هدية قايين، أو قابيل الإسلامي المزارع والقضية ليست قضية “صدق وسوء نية”، كما يفسرها بعض الهبل والعبيط من أمثال “صاحبنا المؤمن”، بل هي تتعلق بالصراع التاريخي بين القديم والجديد حيث ترمز الحكاية إلى الصراع الذي نشأ ونشب بين المرحلة الرعوية السابقة وولادة ثقافة الزراعة ومرحلتها التاريخية الناشئة على أنقاض ذاك الماض الرعوي، وطبعاً الأب -وهنا يمثله الرب وهو الأب في البيت وما زال في ثقافتنا الشرقية- وبحكم انتمائه للقديم فقد تقبل هدية قابيل، أو بالأحرى قايين الراعي، ورفض هدية المزارع هابيل، فقام هذا الأخير بقتل أخيه وهو تجسيد عن دورة الحياة حيث بدأت المرحلة الزراعية تولد من رحم المرحلة السابقة الرعوية ومن ثم قضت عليها لتبدأ الدورة أو المرحلة الزراعية.

وهكذا فإن السؤال الجوهري والأهم؛ ليس لم كان رجال الفكر والثقافة في المرحلة الماضية للكرد مؤمنين وليسوا ملحدين، بل لما لم يقدر أولئك الرجال والقادة أن يجعلوا الفكر الديني الإسلامي يخدم قضاياهم، بدل أن يخدموا الآخرين وقضاياهم نتيجة تأثير ذاك الفكر الديني وقد أشار لذلك رائد الفكر القومي الكردي؛ أحمدي خاني، ولو بنبرة دينية لاهوتية، كونها كانت ثقافة المرحلة التاريخية، كما قلنا وبالتالي من الطبيعي أن يكون رجلاً وشاعراً مؤمناً إسلامياً وليس ملحداً ماركسياً أيها العبيط الأهبل، كما نجد اليوم بأن أغلب رجالات الفكر والانتفاضات الكردية هم قوميين ملحدين، وربما سيأتي عبيط آخر يسأل ذاك السؤال نفسه، لما لم يكونوا رجال أعمال وشركات ومحللي اقتصاد، كون مرحلتنا ذات طابع قومي ماركسي ولم ندخل بعد مرحلة الكارتيلات الاقتصادية حيث المجتمع الكردي ما زال أكثر تخلفاً وأقل تطوراً في ركب حضارة الدول العملاقة والتي باتت تسيرها الاقتصاد ورجال المال والأعمال والفكر الاقتصادي الليبرالي الحر وليس أصحاب العمائم الدينيين أو القوميين.. فهل عرفت يا أهبل؛ لم كان رجالنا وقادتنا مؤمنين وليسوا ملحدين؟! لأن لكل مرحلة قادتها وفكرها وطابعها الثقافي الاجتماعي، مثلما يقال “لكل زمان دولة ورجال”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح خطأ
بير رستم ( 2024 / 5 / 2 - 22:34 )

وإننا نود هنا أن نستشهد بالتراث الديني أو الأسطوري، بالأحرى عن قصة “هابيل وقايين” بخصوص صراع المراحل التاريخية، وكيف أن الرب قبل هدية هابيل الراعي ورفض هدية قايين، أو قابيل الإسلامي المزارع والقضية ليست قضية “صدق وسوء نية”، كما يفسرها بعض الهبل والعبيط من أمثال “صاحبنا المؤمن”، بل هي تتعلق بالصراع التاريخي بين القديم والجديد حيث ترمز الحكاية إلى الصراع الذي نشأ ونشب بين المرحلة الرعوية السابقة وولادة ثقافة الزراعة ومرحلتها التاريخية الناشئة على أنقاض ذاك الماض الرعوي، وطبعاً الأب -وهنا يمثله الرب وهو الأب في البيت وما زال في ثقافتنا الشرقية- وبحكم انتمائه للقديم فقد تقبل هدية هابيل الراعي ورفض هدية قابيل أو بالأحرى قايين المزارع، فقام هذا الأخير بقتل أخيه وهو تجسيد عن دورة الحياة حيث بدأت المرحلة الزراعية تولد من رحم المرحلة السابقة الرعوية ومن ثم قضت عليها لتبدأ الدورة أو المرحلة الزراعية.

اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ