الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام ومجال أشتغالاته في السياسة (3 )

أياد الزهيري

2024 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الإسلام ومجال أشتغالاته في السياسة (3 )
أستمراراً لعرض القواعد الكلية في الفقه السياسي الأسلامي , والتي تناولنا منها أثنين في الحلقة السابقة , وستناول قواعد آخرى في هذا الجزء من الدراسة , ولكن قبل البدأ, نتناول بعض الشرح عن القواعد الكلية , وتبيان الهدف منها , وأن تطرقنا لها في الحلقات السابقة , لكن ما نطرحه في هذه الحلقة , هو أضافة أخرى في التوسع في شرح هذا المفهوم , وزيادة في معرفة القاريء له.
القاعدة الكلية في الفقه السياسي: هو مبدأ يُستخدم لطرح الرؤية السياسية , كدليل توجيهي وأرشادي , يستعين بها الفاعل السياسي في صياغة رؤيته السياسية , سواء كان هذا الفاعل السياسي فرد أم حزب أم نظام سياسي , وهي( تعتبر الأطار الذي يجيب عن التسائلات الحرجة والملحة , ومن ثم يمكن من خلالها تحديد الأستراتيجيات المناسبة لمواجهة ذلك الواقع على وجه الدقة , وعلى مستوى التنفيذ كدليل معياري نحدد به مدى قربنا أو بعدنا من الممارسة السياسية الواعية )(قواعد في الممارسة السياسية ص17: د.جاسم سلطان). فالقاعدة الكليه في المجال السياسي , هي أذن منظور توضح , وتحدد الرؤية للفاعل السياسي , وكلما كانت القواعد سليمة تكون نتائج العمل السياسي الذي يتخذ من القاعدة الكلية موجه له يكون سليم أيضاً , وعلى هذا الأساس تكون طبيعة الفلسفة السياسية تعتمد على طبيعة هذه القواعد , وتتلون بلونها , وعلى أساسها تتميز المدارس السياسية , وتختلف عن بعضها . كما من فوائد القواعد الكلية في المضمار السياسي أنها تمنح الفاعل السياسي الوضوح في الرؤية والأداء السياسي , وتجعله يبتعد عن الأرتجال في القرار السياسي , بأعتباره قرار خطير بسبب طبيعته الشمولية , فيشمل كل أفراد الشعب , ويؤثر على مصير بلد , بالأضافة الى ذلك فأن أستخدام الفاعل السياسي , وألتزامه بالقواعد الكلية يجعل من تصرفه ذو صفة شرعية وقانونية , مما يضفي على عمله نتائج مقبولة بحكم ألتزامه بحدود هذه القواعد , وعدم الخروج عنها , لأنها حدود متفق عليها في ظل نظام نال مقبولية العمل بمبادئه جماهيرياً .
القاعدة الثالثة من القواعد الكلية في الفقه السياسي الأسلامي هي : 3- قاعدة الحرية : الأصل في الأسلام الحرية إلا أذا جاء نص يحرم الفعل أو القول , وأن تقيدها يكون في حدود الصالح العام , والحرية في الأسلام تشمل الجميع , ولافرق بين مسلم وغير المسلم بحقوقه المدنية , فقد قال الرسول (ص) (من ظلم معاهداً أو أنقصه حقه فأنا خصمه يوم القيامة) , وقد نُقل عن عمر بن الخطاب كلمته المشهورة (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) , ومن أنواع الحرية التي أقرها الأسلام , هي حرية العقيدة , والنص القرآني صريح في هذا (فمن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر)(الكهف:29 ) , وأن الأنسان هو المالك لنفسه , والمسؤول عن فعله , وقد وضح النص القرآني ذلك , حيث أشار الى حدود النبي في علاقته مع الأنسان بأن علاقته أرشادية وتوجيهية بعيداً عن الأجبار والسيطرة على أفكاره , ونوع عقيدته , وما يملك, والنص القرآني واضح في هذا الشأن (إنما أنت مُذكر لست عليهم بمسيطر)(الغاشية:22 ) و(..وما جَعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل)(الأنعام:107 ).
4-قاعدة الشورى : وهي قاعدة كلية , حيث تمثل قاعدة مهمة للفاعل السياسي , تمنعه من الأرتجال في الأحكام والقرارات , مما تبعده عن حالة الأستئثار في الحكم , وتمنع عليه الأستبداد , وهي قاعدة مرنه تتيح للمنظر والفاعل السياسي مجارات التطور في تشكيل الأنظمة السياسية , وتستوعب كل تطور في أدوات العمل السياسي . فمثلاً يمكن تطبيق هذا المبدأ الكلي على طريقة أهل احل والعقد , وممكن أن تتمثل في النظام البرلماني , أو بأخذ الرأي من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية الى آخره , فالشورى تمتلك من المرونة ما يجعلها تتماشى مع الكثير من الأنظمة ذات الطابع الغير شمولي بأعتباره مبدأ يقر المشاورة والمشاركة , ويسمح بكل الأشكال الفنية من طرق المشاورة التي يفرزها الزمن عبر مسيرته الطويلة . , وهنا يمكن أن نُشير الى نصوص تأسيسية في القرآن الكريم وبعضها جاء على لسان النبي والأئمة من آل بيته من بعده :
أ-(وأمرهم شورى بينهم)(الشورى:38 )
ب-(..وأستغفر لهم وشاورهم في الأمر..)(آل عمران:159 )
ج-(...فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جُناح عليكم ...)(البقرة:233 )
ح-(ماخاب من أستخار, ولا ندم من أستشار)(حديث نبوي)
د-(أسترشدوا العاقل ترشدوا, ولاتعصوه فتندموا)(الدر المنثور, البحار)
ذ-من أراد أمراً فشاور فيه, أهتدى لأرشد الأمور)(الدر المثور)
ر-(من شاور الناس شاركهم عقولهم)(الأمام علي ع)
ز-(شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم)(الأمام علي :غرر الحكم), وقد أكد الأمام علي على أستخدام هذا المبدأ في وصيته الى واليه على مصر مالك الأشتر , وأنه مبدأ في غاية الأهمية لمن يتولى قيادة الناس سياسياً , حيث جاء فيا (وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء , في تثبيت ماصلح عليه أمر بلادك ..)
5-قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهي من القواعد الكلية المهمة , وذلك لشموليتها , وسعتها في كثرة الموضوعات التي يمكن أن تغطيها , وتضم تحت جناحها العديد من المصاديق التي يمكن تطبيق القاعدة عليها ,وهي قاعدة تستمد قوتها التأصيلية من القرآن (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..)(ال عمران:110 ) , كما قال تعالى (الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوباعندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر..)(الأعراف:157 ) , بالأضافة الى قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)(ال عمران:104 ) والسنة النبوية تُشير كذلك لهذه القاعدة (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه,وذلك أضعف الإيمان) , ففي هذا الحديث الذي خرجت منه هذه القاعدة لو يُفَعَل سياسياً لتراه يقف بوجه كل دكتاتور , ومجابهة كل محتل للبلد , كما أنها ترتبط بشكل كبير بالواقع العملي , وتدخل في صلب العمل السياسي والأجتماعي , فهي قاعدة تروم في التصدي للظلم , ومكافحة التعدي سواء كان سياسي أم أجتماعي , وهي مبدأ يوجه لأستباب الأمن والسلام , وأقامة واقع يتسم بالأصلاح والعدل , وهي من القواعد المهمة والمركزية في المشروع الفكري المعتزلي , مبدأ يوجه بأتجاه دفع الضرر عن كل ما يمس الحياة العامة والخاصة للفرد والمجتمع , كما يحمل الجميع المسؤولية للقيام بمسؤولياتهم أمام أي حالة أنحراف سياسي وأجتماعي , وخلاصة القول أنه قاعدة كلية تسند كل ماهو أيجابي , وتقاوم كل ما هو سلبي .
6-قاعدة العدالة : وهي من القواعد التي قام عليها الأسلام , وتمثل أصل من أصول الدين , والركن المتين في الأسلام , وهي الدليل في المدارات الأجتماعية والقضائية والأخلاقية والسياسية , والعدل من أولى واجبات الحاكم في الأسلام , والحامي له والحريص على سريانه في المنظومة السياسية التي يقودها, ولاشك فهي قاعدة لها تأصيلها بالكتاب كقوله
(وأذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل..)(النساء:58 ) و(لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات , وأنزلنا معهم الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط)(الحديد:25 ), و(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتآىءِ ذي القربى)(النحل:90 ) , كما في الآية (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)(النساء:135 ). أما في الحديث النبوي فقد جاءت كثيراً ومنها (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) و (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل الا ظله: إمام عادل...) و(من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جَوره فله الجنة..) , وكذلك يقول (ص) (ساعة أمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة)(وسائل الشيعة:ج28 ) وفي كلام لعلي بن أبي طالب ع (ومن ضاق عليه العدل,فالجور عليه أضيق)(نهج البلاغة: الخطبة15 ) يتضح مما سقناه من نصوص قرآنيه وحديثية بأن مبدأ العدل هو مبدأ أساسي , وأنه الأس في النهج السياسي للفلسفة السياسية في الأسلام , وأنه من الأحكام العقلية , لذا فالسياسة والحكم في الأسلام لا مشروعية لهم بدون توفر العدالة , فهي معيار لشرعية السياسة , ودليل ومرشد لها. لذا نرى أن أقامة العدل أمر وجوبي وهو ما دعى علي بن أبي طالب (ع) بقبول الخلافة بعد عثمان بن عفان , حيث قال ( لولا حضور الحاضر , وقيام الحجة بوجود الناصر, وما أخذ الله على العلماء ألا يقارَّوا على كظة ظالم ولاسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها)(نهج البلاغة:خطبة 3 ) , فالعدالة هي المحرك والدافع لكل الثورات التي مرت على الأنسانية عبر الزمن , وأمل كل المجتمعات , وشعار كل الأنظمة السياسية التي تنادي لنصرة الأنسان. يتبع. يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا