الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سطور من تقارير فلاحية منذ الثورة

بشير صقر

2024 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


من كراس أعدته لجنة التضامن الفلاحى / مصر عام 2013بعنوان ( تقارير ميدانية عن أوضاع فلاحى الإصلاح الزراعى بمحافظة البحيرة وشرق الإسكندرية ) أنقل السطور التالية التى ذكرتنى بها عبارة شهيرة كنا ندرسها ونحن على مقاعد الدراسة الإعدادية فى مادة التاريخ وهى" أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق " و تذكرنا العبارة بوزير خارجية بريطانيا فى بدايات القرن العشرين عن وعده الجماعات اليهودية بمساندتهم فى إقامة وطن قومى لهم فى فلسطين.

النص :
[ يتناول هذا الكراس ثلاثة تقارير عن أراضى الإصلاح الزراعى بمحافظة البحيرة وشرق الإسكددرية ، وتتمثل أهميتها فى ثلاثة أسباب:

الأول : هو أن البحيرة تحتل مع الدقهلية أبرز المحافظات التى تجلى فيها جبروت كبار ملك الأرض الزراعية بملامحه المخيفة والمتوحشة .
والثانى : لكونها تقبع فى المرتبة االدنيا مع محافظة الفيوم فى تدنى مستوى المعيشة.
والثالث :لأنها أكثر المحافظات معاناة من قهر الدولة وجباة ضرائبها منذ العصور الملكية في القرن التاسع عشر حيث تجاوزت نسبة الهاربين منها إلى خارج البلاد – أو داخلها دون العودة لها - من جور السلطات الحاكمة30% من سكانها.

ورغم هذا فهى أول محافظة فلاحية آزرت جيش عرابى ضد الغزو البريطانى إبان مداهمته الأراضى المصرية عن طريق الإسكندرية والتصدى لقواته - في معركة كفر الدوار وأجبرته علي تغيير تاكتيكات الغزو والتراجع إلي البحر ودخول البلاد من اتجاه الإسماعيلية - واللجوء لاستخدام الخيانة ( متمثلة فى السلطان العثمانى والخديوى توفيق ووفد مجلس النواب برئاسة سلطان باشا) والخديعة لاحتلال مصر.

وإذا كنا نتحدث عن الفلاحين الذين بادروا بمساندة الجيش بشكل طوعى لمساندة الجيش المصرى نوضح أنهم غير الفلاحين المجندين فى جيش الدولة المصرية بقيادة الزعيم أحمد عرابى.
وهو ما يبرز المغزى المقصود من تمييزنا بين كل منهما .

هذا ويتحدث التقريرالأول الخاص بأرض منطقة الأشراك التابعة لمركز الرحمانية عن قصة مصادرة ما يزيد عن ألف فدان من أرض السيدة الأجنبية ( ماهيتاب قادن )التى تمصرت وحصلت علي أرض زراعية من الخديوى في محافظة تقع فى غرب الدلتا وتبعد عن القاهرة حوالى مائتى كيلومتر. وكيف أن من سعو- ا بكل الطرق - لخدمتها من المصريين واعتبروا أنفسهم فى البداية من رعاياها ثم من حماتها .. هم أنفسهم من اعتبروا أنفسهم ورثتها بينما كانوا فى كل تلك الحالات لصوصها ثم تحولوا – أو تحول ابناؤهم - إلي حكام المنطقة وبلطجية الإقليم بل وتقلدوا مناصب التحكم فى الأرض ومفاصل الإقليم والحكم المحلى وكانوا أكثر المعادين للفلاحين شراسة وكراهية لهم.

صحيح أنهم لم يتمكنوا من الاستيلاء علي المساحات الشاسعة من أراضى السيدة المتمصرة بجهودهم الخاصة فقط بل استعانوا ببعض من نفذوا قانون الإصلاح الزراعى من جهاز الدولة القديم الذين انتدبوا من وزارات ومصالح حكومية أخرى إلي الهيئة الجديدة ( هيئة الإصلاح الزراعى ) لتنفيذ القانون الجديد ، وكانت فئة الموظفين المتواطئة مع فئة الخدم اللصوص هما من المآخذ التى شابت تطبيق قانون الإصلاح الزراعى فى نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضى او بمعنى أدق من عملية تهريب كثير من أراضى الإصلاح الزراعى من تطبيق القانون ... وهذا هو أحد جذور المثل الشعبى الشهير( حاميها حراميها). ولذلك لا نستغرب عندما تتطاير أخبار ذلك التهريب أن ينضم لتلك الجوقة أفراد من ضعاف النفوس من جهاز الشهر العقارى ومصلحة المساحة بل وأجهزة الأمن ؛ حيث أسهم أحد وزراء الداخلية السابقين فى دعم إحدى الأسر الإقطاعية بالمنوفية وتلفيق التهم للفلاحين حيث كان يقيم إقامة شبه دائمة فى قصر الإقطاعى .. وربما ما هو أكثر من ذلك. ومن ينكر ذلك أو يستنكره فليذكر لنا من هو المسئول الأمنى بمحافظة البحيرة الذى انتزع بالقوة والحيلة والخداع أرضا من عائلات الخويلدى وعبد اللاه وشهاب أعوام 2004 ، 2007 ، 2009، بقرية العمرية مركز دمنهور.

ومن جانب آخر لا نستغرب أن يَتهِم الفلاحون المضارون بعضَ هؤلاء المتواطئين والفاسدين بسبب عرقلة مصالحهم أو الحيلولة دون الحصول علي مستندات تثبت حصولهم علي أرض الإصلاح من الدولة بموجب قانون الإصلاح لإثبات أحقيتهم فى أرض الإصلاح.

أيضا لمَ لا نتوقع أن تُرفع القضايا ضد بعض هؤلاء المتواطئين ليعاقبوا بالحبس فى سجن دمنهور ويقضوا نحبهم فيه سواء انتحارا أو اغتيالا كما حدث منذ حوالى 15 عاما.

******

أما التقرير الثانى فيتعرض لمنطقة أخرى بالمحافظة تبعد عن السابقة 35 كيلومترا وتتبع مركز شرطة دمنهور وفيها كانت هناك مساحة من الأرض الزراعية في زمام قرية العمرية سقطت من الخضوع لقانون الإصلاح الزراعي أو بمعنى أدق أُسقِطت بفعل فاعل .. ومن ثم لم يتحدد مالكها وبالتالى اكتسبت صفة الأرض اللقيطة لأن كل الأطراف التى تتواجد فى القرية لم يعترف بملكيته لها. فكيف جرى ذلك..؟
كانت تلك المساحة تحت يد عائلة نوار أكبر العائلات الإقطاعية في غرب الدلتا. ولأن الأرض لم تكن مسجلة باسمها وكان الفلاحون يستأجرونها من آل نوار بشكل ودى ودون مستندات ؛ فقد اتفقت العائلة " الموقرة " والفلاحون المستأجرون على إخفائها بإنكار العلاقة الإيجارية التى تربطهما بالأرض.
فلا آل نوار اثبتوا حيازتهم لها في الإقرار المقدم عن ملكياتهم للدولة، ولا الفلاحون أقروا باستئجارها من آل نوار، ولا الأرض خضعت للمصادرة بواسطة قانون الإصلاح وبالتالى صارت فى ملكية هيئة الإصلاح الزراعى ( الدولة). وبذلك تم تفويت خضوعها للقانون وصار وجودها ضمن اراضى القرية العمرية دون مالك ( أى لقيطة ) واستمرذلك الوضع لعشرات السنين ( الملكية العملية لآل نوار ؛ والزراعة ودفع قيمة الاستئجار للفلاحين) حتى عثر عليها رئيس أهم الأجهزة الأمنية بمديرية أمن البحيرة .. فاستدعى زراعها من الفلاحين وهددهم فاستجابت عائلتان للتهديد ورفضت الثالثة واحتدم الصراع معها وبالمصادفة التقت العائلة الأخيرة بلجنة التضامن الفلاحى وصارت كل الأسرار المطمورة مستباحة للإعلام الإلكترونى وللصحافة وبدأ المسئول الأمنى الكبير فى التراجع حتى اندلعت ثورة 25 يناير2011.

******

أما التقرير الثالث فقصته أكثرتعقيدا وأحداثة أشد دموية ويتلخص فى الآتى:
بتتبع اراضى الخديو إسماعيل بمنطقة عزب المعمورة بشرق الإسكندرية يتضح أنها كانت مؤجرة للفلاحين منذ ذلك التاريخ باعتبارها موقوفة لأعمال الخير، وبعد حركة الضباط فى يوليو 1952 تحولت الأرض من وزارة الأوقاف إلي ملكية الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بالقانونين 152 / 1957 & 44 / 1962 .. ولأن جزءا منها يمتد بمحاذاة بلاج المعمورة حتى قرب إبى قير فقد ارتفع ثمنها إلى حوالى 125 مليون للفدان باعتبارها تصلح للبناء .

ومن هنا تلمظت عليها هيئة الأوقاف التى سبق و انتُزعت منها فى عهد عبد الناصر وانتقلت لهيئة الإصلاح الزراعى ، لذلك استغلت القانون 42 / 1973 الذى أصدره السادات ليجيز إعادة الجزء الذى لم ( يجرى ) توزيعه من أراضى الأوقاف المشار إليها أعلاه والذى سبق نقله فى وقت سابق لهيئة الإصلاح الزراعى بالقانونين ( 152، 44 )- إعادته مرة أخرى للأوقاف . والمثير أن هيئة الإصلاح أعادت للأوقاف كل الأرض التى وليس فقط الجزء الذى لم يوزع.


وللحقيقة .. لايمكن أن يكون ذلك مصادفة أو عفو الخاطر فمن غيرالمرجح ان يكون مثل ذلك التصرف قد تم بحسن نية ، وذلك لأن توالى الأحداث وتتابعها فيما بعد ينكر ذلك بشدة ويوجه الانتباه فى اتجاه آخر .

و حيث تم عرض خلو رجل تافه علي الفلاحين نظير التنازل عن الأرض .. وبالتوازى معه انهالت التلميحات بالتهديد والعنف فاضحة ومتبجحة ؛ فلا يمكن أن يكون استخدام أسلوب الترهيب والترغيب مع عدد من فلاحى عزب المعمورة - وتحديدا عزبة الهلالية التى تشغل الجزء الأكبر من الأرض المتاخمة لطريق أبى قير وبلاج المعمورة – قد جاء عفو الخاطر أو بشكل غير مقصود.

وكان حصول الفلاحين وزعيمهم حسن شندى وزميله سلامة كريم علي شهادات عقارية - من الشهر العقارى تؤكد ملكية هيئة الإصلاح الزراعى للأرض المشار إليها - بقدر ما تكذّب ادعاءات هيئة الأوقاف فقد كانت تفضح مفاوضات المسئولين الذى ساوموا الفلاحين علي ترك الأرض .

بل وكانت تضغط على أعصاب عدد من الضباط والمستشارين – ممن كانوا يديرون مساومة الفلاحين- اتضح أنهم قد وقّعوا على عقود بيع ابتدائية مع هيئة الأوقاف التى بادرت فى الخفاء باختيارهم والاتصال بهم دون غيرهم لمنحهم الأرض بعشر ثمنها وطرد الفلاحين منها.. ومن ثم تفوز بثمن الأرض أيا كان مقداره.

وهكذا تتكرر المأساة لكن على أرض مصر فقد " باع من لايملك الأرض لمن لا يستحق ".
هذا وكان قرار المحكمة بتحويل الدعوى القضائية - التى رفعها الفلاحون ضد هيئتى الأوقاف والإصلاح الزراعى وضد جمعيات إسكان الضباط والمستشارين التى شاركت فى الجريمة - إلى خبير قضائى لبحث الأمور علي الطبيعة .. مؤذنا بانكشاف الألاعيب والحيل والخروقات القانونية المذهلة التى يقوم بها رعاة وحماة القانون والمتحدثون باسمه .. والذى أجبرهم على التورط مع سبق الإصرار فى تلك الفضائح المدوية التى تناولتها الصحافة والمواقع الإلكترونية.. وانتهت باغتيال زعيم فلاحى شرق الإسكندرية الشهيد حسن شندى بحقنة مسمومة بعد استدراجه ليلة 23 سبتمبر 2009 وإلقاء جثته على مسافة 70 مترا من منزله .

إنها فعلا " نهاية كريمة لعيشة كريمة " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: نظام ري قديم للمحافظة على مياه الواحات


.. مراسل أوكراني يتسبب في فضيحة مدوية على الهواء #سوشال_سكاي




.. مفوضية الانتخابات العراقية توقف الإجراءات المتعلقة بانتخابات


.. الصواريخ «الطائشة».. الفاشر على طريق «الأرض المحروقة» | #الت




.. إسرائيل.. انقسام علني في مجلس الحرب بسبب -اليوم التالي- | #ر