الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذٰلِكَ ٱلْغَبَاْءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَاْرِيُّ: طُغَاْةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاْةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (10-12)

غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)

2024 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(10)

قلتُ إِنَّ أَيَّ جِنْسٍ من أَجْنَاسِ ذٰلكَ «التحليلِ السياسيِّ» الذي يَلْجَأُ مَحْثُوثًا بذٰلكَ «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ (إِذْ سُمِّيَ نَفْسِيًّا بـ«الحَمَاسِ فَوْقَ-الثَّورِيِّ» Hyper-Revolutionary Fervour)، إنما يَلْجَأُ مَحْثُوثًا إلى استخدامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ «اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ»، ومَا تَنْطَوِي عليهِ من دَلَالَاتٍ تمييزيةٍ أو تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الكلامِ عن «إِنْجَازَاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ حتَّى هٰذا أو ذاكَ الحِينِ منها، ودونَمَا الأَخْذِ بالحُسْبَانِ مَا يُحَاذِي هٰذِهِ الـ«إِنْجَازَاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ (أو بأَيَّةِ ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ أُخْرَى). هٰكذا جِنْسٌ بصَريحِ الكلامِ، إذن، ليسَ سِوَى جِنْسٍ اِنْتِقَائِيٍّ اِصْطِفَائِيٍّ حَائِدٍ عن جَادَّةِ الصَّوَابِ، ولَا رَيْبَ في هٰذا، وبالأَخَصِّ حينمَا يصْدُرُ عن مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليَسَارِ العربيِّ»، مَاركسِيًّا كَانَ أَمْ لامَاركسِيًّا أَمْ حتى بَيْنَ بَيْنَ (اُنْظُرَا، مثلًا مَا قَامَ بِهِ الباحثُ الجَامعيُّ «المَاركسِيُّ»، جلبير الأشقر، مُشَارًا إليهِ في القِسْمَيْنِ الثامنِ والتاسع). ذٰلك لِأَنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ، رَغْمَ اتِّصَافِهَا بالحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ ذاك، لَمْ تَتَمَيَّزْ في شيءٍ موضوعيٍّ ولَا ذاتيٍّ من ذٰلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عن شَقِيقَتِهَا الثورةِ الشعبيَّةِ الجزائريَّةِ، ومعَ اتِّسَامِهَا بالغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ كُلًّا، عَلى النَّقِيضِ. حتَّى أَنَّ هٰذِهِ الثورةَ الأخيرةَ قَدْ أَثْبَتَتْ للعَالَمِ كُلِّهِ إِثْبَاتًا أَنَّهُ مَا مِنْ قُوَّةٍ فيزيائِيَّةٍ، أو حتَّى مِيتَا-فيزيائِيَّةٍ، يُمْكِنُ لَهَا أَنْ تَعْلُوَ بَتَّةً عَلى قُوَّةِ مَا عُرِّفُ بـ«المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وبِخَاصَّةٍ حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بِقُوَّةِ مَا عُرِّفُ كذاك بـ«الإِرَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ» Collective Human Will: حَتَّى أَفْرَاخُ الطَّيْرِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ تَحْلِيقًا أَعْلَى مِمَّا تَسْتَطِيعُ مَاثِلَةً (عَلى الأَرْضِ) بِقُوَّةِ هٰذِهِ الإِرَادَةِ في حَدِّ ذَاتِهَا، لَا بِقُوَّةِ ذَيْنِكَ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا قالَ الفَيْلَسُوفُ الصِّينِيُّ الكَبِيرُ، كُونْفُوشْيُوس (551-479 ق.م.). وهٰذا يَعْنِي بِجَلَاءٍ أَنَّ صِفَةَ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّصِفُ بِهَا الثورةُ الشعبيَّةُ السُّودَانِيَّةُ، وعَلى الرَّغْمِ من «إيجابيَّاتِ» هٰذا الحُضُورِ السَّاطِعِ جِدًّا للعِيَانِ (قَبْلَ الاِنْحِدَارِ الزَّرِيِّ إلى وَأْدِهِ حَتَّى حِينٍ)، إِنْ هي إِلَّا صِفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا من الإِعْرَابِ إزاءَ التَّألُّقِ الأَشَدِّ سُطُوعًا لِقُوَّةِ المَنَابِ الإِنْسَانِيِّ الجَمْعِيِّ، وبِالأَخَصِّ حِينَمَا يَكُونُ هٰذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بِقُوَّةِ الإِرَادَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الجَامِعَةِ (لِكَيْ يُعَادَ التَّعْبِيرُ مَرَّةً ثَانِيَةً للتَّوْكِيدِ الشَّدِيدِ – مِنْ بُدِّهِ). هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بالصِّرَاعِ بَيْنَ طبقةِ الطَّاغِيَةِ الفاشِيِّ العَتِيِّ وبَيْنَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أَيًّا وأَيْنَمَا كَانَ في تَارِيخِ مَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالنِّضَالِ وقَدْ تَمَخَّضَ عن مَدَى القَسْرِ والقَهْرِ والوَحْرِ وعَنْ مَدَى البُؤْسِ الفَرْدِيِّ والجَمْعِيِّ المَدِيدِ زَائِدًا عَنْ حَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ بِالمَنَالِ إِذْ حَطَّ كُلًّا من أَنْظِمَةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ حَطًّا حِطَاطًا في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشْتِدَادِ ذاكَ الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ الخِنْذِيذِ أَوِ الجَزَائِرِيِّ الصِّنْدِيدِ أَوِ اللِّيبِيِّ الوَلِيدِ أَوِ المِصْرِيِّ التَّلِيدِ أَوِ اليَمَانِيِّ النَّجِيدِ أَوِ العِرَاقِيِّ الوَقِيدِ أَوِ الأُرْدُنِّيِّ المَهِيدِ أَوِ الفِلَسْطِينِيِّ الهَدِيدِ أَوِ اللُّبْنَانِيِّ السَّدِيدِ أَوِ الشَّآمِيِّ الشَّدِيدِ أَوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ الشَّدُودِ في شَدِّهِ، هٰذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهِيرِيُّ اليَقِينِيُّ الذي سوفَ يُسَجِّلُهُ التّارِيخُ الإِنْسَانِيُّ وَعْيًا مُتَزَايِدًا في سِجِلَّاتِ «النَّشَاطِ التاريخيِّ المُسْتَقِلِّ» بالذَّاتِ – وقدْ تَطَرَّقَ إلى أشكالِ هٰذا النَّشَاطِ لينينُ ذَاتُهُ في أكثرَ من سِيَاقٍ ثوريٍّ مَاثِلٍ، وبالاِسْتِنَادِ إلى مَا عَنَاهُ ماركسُ عَيْنُهُ من مَرْحَلَةِ التَّنَاقُضِ الحَتْمِيِّ بَيْنَ قِوَى الإِنْتَاجِ وبَيْنَ عِلَاقَاتِ الإِنْتَاجِ قَبْلَ أن يَسْتَحِيلَ هٰكذا تَنَاقُضٌ إلى قوَّةٍ تدميريَّةٍ شَامِلَةٍ لكَيْمَا يَسْتَهِلَّ مَرْحَلَةَ الثَّوَرَانِ الاِجْتِمَاعِيِّ الشَّامِلِ. وفَوْقَ ذٰلكَ كُلِّهِ، لَمْ نَفْتَأْ نَرَى مثقَّفينَ لَامِعِينَ مِمَّنْ في عِدادِ المُنْتَمِينَ إلى «اليَسَارِ العربيِّ» يَلْجَأُونَ مَحْثُوثِينَ بذاتِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» إلى اسْتِخْدَامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ ذَاتِهِ، مَثَلُهُمْ في هٰذا كَمَثَلِ الصَّبِيِّ «العبقريِّ» حِينَمَا يُشَاهِدُ، مُخْرِجًا بجِهَازِ التَّحَكُّمِ عَنْ بُعْدٍ، مَشَاهِدَ لُعْبَةٍ إلكترُونِيَّةٍ من أَلْعَابِ «حُرُوبِ النُّجُومِ» Star Wars، فيختارُ مَا يَشَاءُ من هٰذِهِ الحُرُوبِ «مِثَالًا مَلْحَمِيًّا» يَحْتَذِيهِ احْتِذَاءً في تَجْوَالِهِ الاِفْتِرَاضيِّ المَائِرِ، ويُكْسِيهِ من ثَمَّةَ «فُسْتَانًا أُسْطُورِيًّا» بكُلِّ مَا يَبْتَنِيهِ من خَيَالَاتِ الاِسْتِيهَامِ الحَمَاسِيِّ الفَائِرِ، وبغضِّ الطَّرْفِ، في مَعْمَعَانِ هٰذِهِ «الحَرْبِ الضَّرُوسِ»، عن أَيِّمَا «مِثَالٍ مَلْحَمِيٍّ» آخَرَ. فَهَا هو مِثَالُ الكَاتِبِ الرِّوَائِيِّ اللبنانيِّ، إلياس خوري، يَتَحَدَّثُ عن الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودَانِيَّةِ بوَصْفِهَا «مِرْآةً نَاصِعَةَ» تَسْمَحُ بإِعَادَةِ النَّظَرِ في كَافَّةِ الثوراتِ الشعبيَّةِ العربيَّةِ الأُخْرَى، دُونَ أَنْ يَتَجَشَّمَ أَيًّا من عَنَاءِ القَوْلِ بالنَّحْوِ العَكْسِيِّ تَمَامًا بِأَنَّ هٰذِهِ المِرْآةَ النَّاصِعَةَ ذَاتَهَا، ولَا شكَّ فِيهَا بَتَّةً، إِنَّمَا اسْتَمَدَّتْ نُصُوعَهَا من هٰذِهِ الثوراتِ ذَاتِهَا في الحَيِّزِ الأَوَّلِ، رَغْمَ كُلِّ مَا اعْتَرَاهَا ومَا يَعْتَرِيهَا من إِخْفَاقٍ وإِحْبَاطٍ عَلى مَدَى تلكَ السَّنَوَاتِ العِجَافِ بالأقلِّ. وقدْ أَشَارَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ مُنَاقِضًا نفسَهُ بنفسِهِ إلى بَعْضٍ من أَسْبَابِ هٰذين الإِخْفَاقِ والإِحْبَاطِ، إِشَارَةً إلى أَتْرَاحِ المَشْهَدِ السُّورِيِّ الرَّثِيمِ، وبعدَ الإِسْهَابِ القَصِّيِّ في بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الرَّنِيمِ، تلك الأَسْبَابِ التي تَأَزَّمَتْ في وُقُوعِ السُّورِيَّاتِ والسُّورِيِّينَ، أَيَّامَ غُرِّرَ أَيَّمَا تَغْرِيرٍ بِهِمْ، بَيْنَ فَكَّيْ نظامَيْنِ طُغْيَانِيَّيْنِ تَكَتُّلِيَّيْنِ يتقاتَلانِ تقاتُلاً هَمَجيًّا على السِّيَادةِ والنُّفُوذِ في أَرْضِ الشَّآمِ، ويَتَبَارَيَانِ تَبَارِيًا لَا يَقِلُّ هَمَجيَّةً عَلى إِخْمَادِ الثورةِ الشعبيَّةِ السُّوريَّةِ باسْتنفَارِ شتَّى أَوْلَادِ الحَرَامِ (اُنْظُرَا تَقْرِيرَهُ المَعْنِيَّ، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019). وهٰذانِ النِّظامَانِ الطُّغْيَانِيَّانِ التَّكَتُّلِيَّانِ هُمَا: نظامُ السُّحْتِ الأسديُّ الإجْرَامِيُّ العَمِيلُ بِقَرْنَيْهِ الرُّوسيِّ والإيرانيِّ الجَلِيَّيْنِ (وبقُرُونِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ بِمَا فِيهَا إسرائيلُ)، أَوَّلًا، ونظامُ الزِّفْتِ السُّعُوديُّ النَّهْيَانيُّ الاِجْتِرَامِيُّ الأَجَلُّ عَمَالَةً بِمَخَالبِهِ الجَلِيَّةِ من أَشْتَاتِ المُتَوَحِّشِينَ التكفيريِّينَ والظلاميِّينَ (وبمَخَالِبِهِ الخَفِيَّةِ من دُوَلِ الغَرْبِ الإمبرياليِّ بِمَا فِيهَا إسرائيلُ كذاكَ)، ثانيًا – فـ«شَجَاعَةُ» السُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ في تحطيمِ جُدْرَانِ الخَوْفِ، ولا ريبَ فِيهَا بَتَّةً أَيْضًا، ليستْ مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ الجزائريَّاتِ والجزائريِّينَ (ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، ولَا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أَذْهَانِ أَيٍّ من الشُّعُوبِ التي ثَارَتْ والتي لَمْ تَثُرْ بَعْدُ)، حتَّى يَفْتَتِحَ الكَاتِبُ الرِّوَائِيُّ بلاغيَّاتِهِ التَّخْيِيريَّةَ بتلكَ «الشَّجَاعَةِ» المُثْلَى متفرِّدًا بالسُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ، دُونَ غَيْرِهِنَّ وغَيْرِهِمْ، ودُونَ أَنْ يَخْتَتِمَ البلاغيَّاتِ ذَاتَهَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هٰذِهِ «الشَّجَاعَةَ» بالذاتِ إِنَّمَا اسْتَقَتْ بَريقَهَا مِنْ «شَجَاعَاتِ» مَنْ قَوَّضْنَ ومَنْ قَوَّضُوا جُدْرَانَ الخَوْفِ ذَوَاتِهَا قبلَ تِيكَ «العِجَافِ مِنَ السِّنِينِ»، ومِنْ قُدَّامِ أنظمةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً وأكثرَ حُوشِيَّةً في الظَّنِّ واليقينِ.

وهَا هو، على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ الآخَرِ كذاك (والأنكى من ذاك كلِّهِ)، مثالُ الكاتبِ الرِّوَائيِّ الجزائريِّ واسيني الأعرج، هَا هو يتكلَّمُ، من طَرَفِهِ هو الآخَرُ، عن الثورةِ الشعبيَّةِ السُّودَانِيَّةِ أيضًا، ولٰكِنْ بتفرُّدٍ أشدَّ عَلى المستوى الجَمْعِيِّ تمديدًا، وبتفرُّدٍ أَشَدَّ شِدَّةً حتَّى على المستوى الفرديِّ تحديدًا، هَا هو يتكلَّمُ هٰذِهِ المَرَّةَ عن شخصيَّةٍ أُنْثَوِيَّةٍ كَانتْ قدْ برزتْ فجأةً حينذاك ودونَ سَابقِ إنذارٍ في المشهدِ السُّودَانِيِّ هٰذا، كمثلِ تلك الشابَّةِ السُّودانيةِ، آلاء صالح (ولا شكَّ، لا شكَّ، في كُلِّ الثَّنَاءِ وفي كُلِّ التقديرِ اللذَيْنِ كانتْ، ومَا زالتْ، تستحقُّهُمَا استحقاقًا، في هٰذِهِ القرينةِ)، يتكلَّمُ عنهَا عَلى اعتبارِهَا «أيقونةً جَمِيلةً» قدْ أَنْشَأتْهَا أجواءُ هٰذِهِ الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ إِنْشَاءً بمثابةِ تعبيرٍ سَمِيٍّ عن ذاتِ الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ في هٰذا الزَّمَانِ، وعَلى اعتبارِهَا كذٰلكَ صُورةً أنيقةً خَلِيقَةً و«تمثالًا [حَرِيًّا] للحريَّةِ في كلِّ مكانٍ»، وعَلى اعتبارِهَا عِلاوةً عَلى ذٰلكَ كلِّهِ جَسَدًا أُنثويًّا غَوِيًّا تجسَّدتْ فيهِ رُوحُ «الملكةِ النُّوبيَّةِ الأسطوريَّةِ كَنْدَاكَةَ» بالرُّوحِ فأَصَابَهَا شيءٌ من خُلودِهَا المُصَانِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ، من أمثالِ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ التي تختصُّ بِهَا وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في بلدَانِ الشَّرْقِ قبلَ نظيرَاتِهَا في بلدَانِ الغَرْبِ – وعَلى الأَخَصِّ، والمَآلُ الحَفِيُّ هٰهُنَا، إِنْ أرادتْ هٰكذا وسَائلُ أَنْ تُشْهِرَ شخصيَّةً أُنْثَوِيَّةً (أو حتَّى ذَكَرِيَّةً، في حَالَاتٍ اِستثنائِيَّةٍ) إِشْهَارًا لِمَأْرَبٍ خَفِيٍّ من المَآرِبِ، تمَامًا مثلمَا تريدُ أَنْ تُغْمِرَهَا عَلى الخِلَافِ إِغْمَارًا، أو حتَّى أَنْ تُفْنِيَهَا عَلى خِلَافِ الخِلَافِ إِفْنَاءً، بمَقْلَبٍ جَلِيٍّ من المَقَالِبِ (اُنْظُرَا، في هٰذا السِّيَاقِ أيضًا، تَقْرِيرَهُ المَعْنِيَّ، «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟»، القدس العربي، 21 أيار 2019). وهٰكذا بكُلِّ بَسَاطةٍ، وهٰكذا لمُجَرَّدِ أنَّ هٰذِهِ الشابَّةَ السُّودانيةَ بالعَيْنِ قدْ وقفتْ حتَّى حينٍ على ظَهْرِ سيَّارةٍ وهي «تُهَوِّسُ» وَسْطَ الحُشُودِ ببضْعٍ من عباراتِ الزَّجَلِ الشَّعبيِّ «الثوريِّ» (أو حتَّى «اللاثوريِّ»)، تَرَاهَا الأَعْيُنُ رَأْيًا مُبِينًا قدْ تحوَّلتْ أَيَّمَا تحوُّلٍ بينَ عَشِيَّةٍ وضُحَاهَا إلى عَيْنِ «أسطورةٍ ثوريَّةٍ» قَائِمَةٍ بذاتِهَا بهٰذا الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ وكذاكَ الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ العتيدِ، هٰذا الزَّخْمِ الحَمِيِّ الحَمَاسِيِّ الذي استقطبَ دونمَا تَرَدُّدٍ أو تَلَكُّؤٍ جَمْهَرَةً غيرَ قليلةٍ من يَرَاعَاتِ الزَّاجِلِينَ وحَنْجَرَاتِ المُغَنِّينَ من رَحِمِ «اليَسَارِ العربيِّ» بالذاتِ، أو حتَّى من وَاشِجَةِ المَحْسُوبِ عليهِ بأدنى تخمينٍ (كمثلِ مارسيل خليفة وسميح شقير، مثلًا لَا حَصْرًا). وقدْ كَانَ هٰذا الاستقطابُ «الزَّخْمِيُّ» لافتًا للأنظَارِ وللأذهَانِ بالفعلِ وبالقوَّةِ، عَلى الرَّغْمِ الرَّغِيمِ من أنَّ هٰكذا «أسطورةً ثوريَّةً» قَائِمَةً بذاتِهَا، وفي حَدِّ ذاتِهَا، لَمْ تَتَحوَّلْ زَمَانَئذٍ حتَّى تلك الناشطةُ اليسَاريَّةُ الشَّمَاءُ، خالدة زاهر (1926-2015)، إلى أيِّ شيءٍ منهَا لَا من قريبٍ ولَا من بعيدٍ، تلك الناشطةُ السِّيَاسِيَّةُ الماركسيَّةُ والأُمَمِيَّةُ الحقيقيَّةُ التي كانتْ من أُولَيَاتِ أولٰئك النِّسَاءِ السُّودَانِيَّاتِ اللواتي كُنَّ غَيْرَ آبِهَاتٍ بالاعتقالِ والتنكيلِ إلى حَدِّ الجَلْدِ الوَجِيعِ بأنواعِهِ، حينمَا كُنَّ يَقُدْنَ المُظاهراتِ الشعبيَّةَ تنديدًا بكافَّةِ أَشكَالِ الاِسْتِعْمَارِ الهَمَجِيِّ الإنكليزيِّ في الأربعينيَّاتِ وأَوَائِلِ الخمسينيَّاتِ من القرنِ الفائتِ (أي قبلَ خُرُوجِ هٰذا الاِسْتِعْمَارِ الهَمَجِيِي بالذاتِ إبَّانَئِذٍ)، وحينمَا كُنَّ يَقُدْنَها (يَقُدْنَ المُظاهراتِ) كذٰلكَ احتجاجًا عَلى كُلِّ أَشتَاتِ الطُّغْيَانِ والاستبدادِ الداخليَّيْنِ في أَوَاخِرِ الخمسينيَّاتِ من القرنِ الفائتِ ذاتِهِ (أي بعدَ خُرُوجِ ذاك الاِسْتِعْمَارِ الهَمَجِيِّ بالعَيْنِ عَامَ 1956) – وثَمَّةَ الكثيرُ الكثيرُ، عَلى اختلافِ الِانتمَاءَاتِ السياسيةِ والعَقَدِيَّةِ بكُلِّهَا، ثَمَّةَ الكثيرُ من أولٰئك الناشطاتِ العربيَّاتِ واللاعربيَّاتِ اللواتي ارْتَقَيْنَ، والناشطينَ العربِ واللاعربِ الذينَ ارْتَقَوْا، إلى مَصَافِّ تلك «الأسطورةِ الثوريَّةِ» المعنيَّةِ وإلى أَرْقَى مِنْهَا بكثيرٍ مَصَفًّا حتَّى، ثَمَّةَ الكثيرُ مِمَّنْ لَمْ يلتفتْ إليهِنَّ ولا إليهِمْ ضَميرُ ذٰلكَ «اليَسَارِ العربيِّ» أَيَّ التفاتٍ بذٰلكَ الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ الدِّعَائيِّ والحَمِيِّ الحَمَاسِيِّ العتيدِ. كَمَا قالَ أحدُ المُعلِّقينَ الفُطَنَاءِ قولًا عابرًا بمَا مَعْنَاهُ، هٰهُنا، إِنَّ أَيَّةَ عَاملةٍ بَسِيطَةٍ مغلوبةٍ عَلى أَمرِهَا تعملُ في مَعْمَلٍ للمَلابسِ عَمَلًا شريفًا نزيهًا لكيمَا تُقَدِّمَ للنَّاسِ المَلابسَ جَيِّدةً وحَسْبُ، إنْ هي إلاَّ أيقونةٌ مُقَدَّسَةٌ لَأَهَمُّ وطنيًّا بكثيرٍ مِنِ امْرَأةٍ تَصْدَحُ بالصَّوْتِ «مُهَوِّسَةً تَهْوِيسًا»، لَا لِشَيْءٍ، لَا لِشَيْءٍ، سِوَى لكيْ تكونَ «كَنْدَاكَةً»، أو حتَّى «كَنْدَاكَةً»، ليسَ إلَّا! وكَمَا يقولُ لِسَانُ الحَالِ كذاك لدَى أَيَّةِ ذاتِ وأَيِّ ذِي ضَميرٍ إِنسَانِيٍّ حَقِيقٍ في هٰذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإِنسَانِيِّ الحَقِيقِ بمَا فَحْوَاهُ، هٰهُنا كذٰلك، إِنَّ ظُفْرًا وَاحِدًا ووَاحِدًا لَا غَيْرَ مِنْ أَظْفَارِ ذٰلك الصَّبِيِّ الأَبِيِّ، حمزةَ الخطيبِ، ولَا رَيْبَ، تلك الأَظْفَارِ التي اقتلعَتْهَا بكُلِّ وَحْشِيَّةٍ وبكُلِّ هَمَجِيَّةٍ وبكُلِّ حُوشِيَّةٍ كَمَّاشَاتُ نظامِ السُّحْتِ الأسديِّ الإِجْرَامِيِّ الفاشيِّ العَمِيلِ، إنَّمَا يُعَادلُ وَزْنًا لَأَجَلَّ بكثيرٍ مِنْ وَزْنِ «كَنْدَاكَةٍ»، أو حتَّى «كَنْدَاكَةٍ»، فَوْقَهَا سِتُّونَ ألفَ «كَنْدَاكَةٍ» مِمَّا يَعُدُّونَ! وإنْ كَانَ ثَمَّةَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَحَلَّى مَحْثُوثًا حَثًّا بفَيْضٍ مِنْ ذٰلكَ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» في هٰذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ الحَقِيقِيِّ، وإنْ كَانَ ثَمَّةَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنَ يَتَمَلَّى مَحْثُوثًا إِحْثَاثًا أشدَّ مِنْهُ فَيْضًا أَوْ فُيُوضًا مِنْ بَلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا مِنْ دَلالٍ تمييزيٍّ، أَوْ مِنْ دَلالٍ تفضيليٍّ أَوْ حتَّى جِدِّ تفضيليٍّ، وسَوَاءً كانَ هٰذا الـ«مَنْ» بَاحِثًا جَامِعِيًّا أمْ كاتبًا رِوَائِيًّا أمْ مُؤَلِّفًا مُوسِيقيًّا أمْ نَاشِطًا سِيَاسِيًّا (يَسَارِيًّا ماركسيًّا أوْ لاماركسيًّا أوْ بَيْنَ بَيْنَ)، أمْ حتَّى أيَّ شَيْءٍ غَيْرَ ذٰلكَ في الفَضَاءِ الرَّقَمِيِّ واللارَقَمِيِّ ومَا بَيْنَهُمَا كذٰلك، فليسَ لَهُ عندَئِذٍ إِلَّا أنْ يُوَظِّفَ هٰذا الحَمَاسَ كُلَّهُ، وليسَ لَهُ عندَئِذٍ إِلَّا أنْ يُوَظِّفَ هٰذِهِ البَلاغيَّاتِ كُلَّهَا، لِصَالِحِ رُمِّ الشُّعُوبِ العَرَبيَّةِ (أوْ حتَّى اللاعَرَبيَّةِ) المُسْتَمِرَّةِ في ثَوَرَانِهَا السِّلْمِيِّ، دُونَ سِوَاهَا مِنْ شُعُوبٍ أو حتَّى مِنْ «لَاشُعُوبٍ». ذٰلكَ لِأَنَّ هٰذِهِ الشُّعُوبَ لَا «اللَّاشُعُوبَ» بالعَيْنِ، وبمَا تُبدِيهِ للدُّنْيَا بِأَسْرِهَا مِنْ وَعْيٍ فَرْدِيٍّ حقيقيٍّ وكذاك مِنْ وَعْيٍ جَمْعِيٍّ أَحَقَّ بوجودِهَا المَسْلُوبِ، لا تحتاجُ بَتَّةً إلى أَيٍّ من «أَيْقُونَاتِ» الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ مِنَ ضُرُوبٍ، لا تحتاجُ بَتَّةً بَتَاتًا، لَا في الشُّرُوقِ ولَا في الغُرُوبِ!

مرَّةً أُخرى، قلتُ بالتوكيدِ الشديدِ قبلًا، في القسمِ الآنِفِ من هٰذا المقالِ، إنَّ كلًّا من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ، في السُّودانِ وفي الجَزائرِ، لَمْ يَزَلْ إذَّاك سَائِرًا حَثيثًا في مَسَارِ ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ حتَّى بَدْءِ هٰذا الاجتياحِ «الكورُونيِّ» المُرِيعِ بتقطُّعَاتِهِ الزَّمَانِيَّةِ وَ/أوِ المَكَانِيَّةِ، لَمْ يَزَلْ سَائِرًا حَثيثًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بكلِّ مَا يقتضيهِ السَّيْرُ منْ عَزْمٍ ومنْ حَزْمٍ لا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ، وبالرَّغمِ منْ كلِّ أشكالِ ذٰلك التَّدْوِيمِ الاصطناعيِّ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ كطورٍ ذَمِيمٍ دَميمٍ بِسِيمَائِهِ اللااستثنائيِّ «الضَّلِيلِ»، وعَلى الرَّغمِ من كلِّ مَا ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عَلى ذٰلك كُلِّهِ منْ حَالاتِ الاِسْتِعْصَاءِ الاِستثنائيِّ المُسْتَطِيلِ. فالثَّائراتُ السُّودَانيَّاتُ وكذاك الثَّائرُونَ السُّودَانيُّونَ، من طَرَفِهِمْ، كانوا يواصلونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ وإلحَاحٍ، على أقلِّ تقديرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ جِدِّ مَحْدُودٍ لأسبابٍ بَيِّنَةٍ بَدَهِيَّةٍ تخُصُّ المَجْلِسَ السِّيَاديَّ بهَيْكَلِهِ الأخيرِ، مَهْمَا حاولتْ عناصرُ من ذاك «المجلس العسكري الانتقالي» أفَّاكَةً في تَسْوِيفِ التفاوُضِ الجَادِّ تشبُّثًا بهٰذِهِ «المقاليدِ»، من جهةٍ أولى، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ من «قوات الدعم السريع»، تيك الشَّبِيهَةِ بقُطْعَانِ «الشَّبِّيحَةِ» الأسديَّةِ، فَتَّاكَةً بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ تشبُّثًا أكثرَ حتَّى بذاتِ «المقاليدِ»، من جهةٍ أخرى. والثَّائراتُ الجَزَائِرِيَّاتُ وكذاك الثَّائرُونَ الجَزَائِرِيُّونَ، من طَرَفِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ، كانوا يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ بكافَّةِ أطيافِهِمْ أيضًا، مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ وإلحَاحٍ كذاك، في الحَدِّ الأدنى من الدستورِ الجزائريِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كلٍّ من المادةِ (7) التي تنصُّ على أَنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ (8) التي تنصُّ على أَنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، من ناحيةٍ أولى، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أشلاءِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، من ناحيةٍ أخرى. وقلتُ مُؤَكِّدًا تأكيدًا شديدًا كذٰلك، إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ أن يلجأَ «التحليلُ السياسيُّ»، أيًّا كانَ بالنَّوْعِ، مَحْثُوثًا أَيَّمَا إحْثَاثٍ بذٰلك «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إفراطًا إلى حَدِّ الافتعالِ حتَّى (ذٰلك المُسَمَّى عن قَصْدٍ هناك تَسْمِيَةً نفسَانِيَّةً بِـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour)، فيلجأَ منْ ثَمَّ مَحْثُوثًا إحْثَاثًا أشدَّ إلى استخدامِ فَيْضٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أو منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بل جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الحَدِيثِ عن «إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ مَا (كالشقيقةِ السُّودَانيَّةِ، مثلًا) دونَ الأَخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظرُ هٰذِهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأصْلِ، منْ أَسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سَوَاءً كانتْ هٰذِهِ الثورةُ قد عاصرتْها في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أو أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما كُلًّا في مَظِنَّتِهِ – نَاهِيكُمَا، بطبيعِةِ الحَالِ، عن أنَّ هٰذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هٰكذا خُصُوصٍ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يصدُرُ هٰكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (حَائِدٌ) عن مصدرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليسارِ العربيِّ»، سواءً كانَ ماركسيًّا أوْ لَاماركسيًّا أوْ حتَّى بَيْنَ بَيْنَ. وقدْ أشرتُ كذاك، في القسمَيْنِ الثامنِ والتاسعِ منْ هٰذا المقالِ، إلى شيءٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذٰلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عَلى المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، عَلى سَبيلِ المِثالِ لا الحَصْرِ، في كُلٍّ من مقالِ الباحثِ الجامعيِّ «الماركسيِّ»، جلبير الأشقر (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ، «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!»، القدس العربي، 23 نيسان 2019)، ومقال الكاتبِ الرِّوَائيِّ إلياس خوري (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ أيضًا، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019)، ومقالِ الكاتبِ الرِّوَائيِّ واسيني الأعرج، (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ كذٰلك، «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟»، القدس العربي، 21 أيار 2019). أقولُ هٰذا الكلامَ الاِحْتِرَاسِيَّ والتحرُّزيَّ وذاك بكُلِّ تأكيدٍ شديدٍ هٰهُنَا، لمَاذا؟ – لِأَنَّنَا، نحنُ الجَاثِمَاتِ والجَاثمينَ في هٰذا المَكَانِ الكئيبِ وفي هٰذا الزَّمَانِ العَصِيبِ، قُدَّامَ مَرْحَلَةٍ تاريخيَّةٍ فريدةٍ بكلِّ المَعَايِيرِ من ثوراتٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ ليسَ لنَا إلَّا أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً بمثابةِ «ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ واحدةٍ» (فَلْيَذْهَبْ إلى الجَحِيمِ، دَرَكِ الجَحِيمِ، ذٰلك الشِّعَارُ الذي يَرِنُّ، لَا بَلْ يَئِنُّ، بالصَّوتِ والإِيقَاعِ رَنًّا مَرْنُونًا في الأَسْمَاعِ من أولٰئك «البَعْثِيِّينَ» الاِزدواجيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنتهازيِّينَ في الدَّاخِلِ من سوريا والعراقِ وفي الخَارِجِ منهمَا، كذٰلك)، ليسَ لنَا إلَّا أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً، في كُلٍّ من أوقاتِ النَّدَاوَةِ والجَفَافِ، ننظرَ إليهَا جَسَدًا وروحًا لا ينفصِلانِ عن بعضهِمَا البعضِ ملتهبَيْنِ التِهَابًا مَوْزُونًا بميزَانٍ مُتَوازِنٍ مُتَعَدِّدِ الكِفَافِ، ولَا شَكَّ في هٰذا: فَثَمَّةَ كِفَّةٌ سُودَانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ جَزَائِرِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ سُورِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ فلسطينيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ لبنانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ يَمَانِيَّةٌ، وهَلُمَّ جَرًّا. فإذا رَجَحَتْ كِفَّةٌ أو أكثرَ من هٰذِهِ الكِفَافِ في حَالٍ (صُورِيَّةٍ أو شكليَّةٍ) استثنائيَّةٍ لَا مَنَاصَ منهَا، كما هي الحَالُ الآنَ في كُلٍّ من الكِفَّتَيْنِ السُّودَانِيَّةِ والجَزَائِرِيَّةِ في مُقَابِلِ أُخْتَيْهِمَا الكِفَّتَيْنِ السُّورِيَّةِ واللبنانِيَّةِ (أو حتَّى في مُقَابِلِ أُخْتِهِنَّ الكِفَّةِ الفلسطينيَّةِ هٰذِهِ – ومَا تقدِّمُهُ الآنَ من بُطولَاتٍ «طُوفَانِيَّةٍ أَقْصَوِيَّةٍ» أسطوريَّةٍ، لٰكِنْ باهظةُ المُقَابِلِ في الأروَاحِ من سَائرِ الأعمَارِ، فضلًا عن دَمَارِ المَبَاني والمَسَاجدِ والكنائسِ والمَدَارسِ والمَخَابزِ وحتى المَشافي، من لَدُن جيشِ العدوانِ الصهيونيِّ الإجرَاميِّ بدعم أمريكيٍّ وأوروبيٍّ أشدَّ إجرَاميَّةً)، فإنَّ هٰذا الرُّجْحَانَ القَائمَ لا يعني البَتَّةَ اختلالًا بنيويًّا باطنيًّا في الميزَانِ المُتَوازِنِ ذاك بقَدْرِ مَا يعني اختلالًا بنيويًّا ظاهريًّا يتبدَّى تَبَدِّيًا مُؤقَّتًا كجُزْءٍ من سَيرُورَةِ ذٰلك التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ الذَّمِيمِ والدَّمِيمِ المُشَارِ إليهِ قبلَ قليلٍ.

ومِنْ أسبابِ هٰذا الاِختلالِ البنيويِّ الظاهريِّ في الميزَانِ المُتَوازِنِ المَعْنِيِّ هُنَا إِنَّمَا يكمُنُ في الموقعِ الإستيراتيجيِّ (أو الجيو-سِيَاسيِّ، بالقمينِ) للبَلَدِ العربيِّ الذي اندلعتْ فيهِ ثورةُ الشَّعْبِ على طُغيانِ النظامِ الحَاكِمِ، أوْ طَبَقَتِهِ، كمثلِ سُوريا ومَا تمتازُ بِهِ منْ جِوَارٍ جغرافيٍّ شديدٍ لإسرائيلَ، بوَصْفِ هٰذِهِ الـ«إسرائيلِ» المَخْلُوقَةِ في هٰذا الجِوَارِ بالذاتِ «نَشِيئةَ» بريطانيا في المقامِ الأوَّلِ وبوَصْفِهَا «ربيبةَ» أمريكا في المقامِ الثاني – نَاهِيكُمَا، بطبيعةِ الحَالِ كذاك، عن كَوْنِهَا قبلَ ذاك كُلِّهِ «مَهِيدَةَ» عُصْبَةٍ أو عِصَابةٍ منْ كلابٍ «عربيةٍ» متوحِّشةٍ مَسِيخةٍ مَهينةٍ ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ عندَ الطَّلَبِ شيئًا فشيئًا تحتَ أقدامِ أَسْيَادِهَا منْ هٰذا الغربِ الإمبرياليِّ دونَ غيرِهِ منْ أَشْتَاتِ الغربِ «الديمقراطيِّ» و«الليبراليِّ» و«الخَيِّرِيِّ»، ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ كُلَّهُ تمهيدًا حَثيثًا لاحتلالِ أجزاءٍ ومناطقَ إسْتيراتيجيةٍ (أو جيو-سِيَاسيَّةٍ) هامَّةٍ بدأتْ مدارسَتُها باهتمامٍ كبيرٍ منذُ بداياتِ مَا كانَ يُسمَّى بـ«الثورة العربية الكبرى» عامَ 1916. فكما أنَّ عِصَابةَ أولٰئك الطُّغاةِ العُتَاةِ الفاشيِّينَ المُصْطَنَعِينَ وَقْتَئِذٍ قدْ مَهَّدُوا السَّبِيلَ بجُيوشِهِمِ «العربيةِ» أَيَّمَا تمهيدٍ لاحتلالِ بقاعِ فلسطينَ عامَ 1948، فإِنَّ أَشْبَاهَهُمْ منْ عِصَابةِ هٰذِهِ الكلابِ المتوحِّشةِ المَسِيخةِ المَهينةِ تبتغي الآنَ أن تكرِّرَ الشيءَ ذاتَهُ منْ خلالِ التدخُّلِ العسكريِّ «العربيِّ» بدلاً من التواجُدِ العسكريِّ الأمريكيِّ في فُراتِ سُوريا، مثلًا لا حَصْرًا، وذٰلك في مُقَابِلِ «لُهَاثِهِمِ الأَبَدَيِّ المُذِلِّ» وَرَاءَ السُّلْطةِ المُطْلَقَةِ، حتَّى لو أدَّى هٰذا «اللُّهَاثُ» بهِمْ إلى التطبيعِ الخَنُوعِ مَعَ هٰذِهِ الـ«إسرائيلِ» كَلْبًا بعدَ كَلْبٍ. وهٰكذا، في حَالِ نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ في سُوريا، مَا إنْ شَرَعَتْ أطيافٌ أبِيَّةٌ من الشَّعْبِ السُّوريِّ في حَرَاكِهَا السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ هُنا وهُناك، ذٰلك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الذي كانَ، ولَمْ يَزَلْ، يشهدُ لهُ كلُّ مَنْ كانَ شاهدَ العَيْنِ على مَاجَرَيَاتِهِ منذُ البدايةِ، حتى شَرَعَتْ أَنْجَاسُ هٰذا النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، بإيعازٍ جَلِيٍّ منْ إيرانَ قبلئذٍ ومنْ رُوسيا بعدئذٍ وبإشرافٍ خَفِيٍّ كذاك منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بمَا فيهِ إسرائيلُ ذاتُها)، حتى شَرَعَتْ في اللجُوءِ إلى قوَّةِ الحَدِيدِ والنَّارِ بشتَّى سِلاحِهَا الثَّقيلِ والأَثْقَلِ و«المُحَلَّلِ» والمُحَرَّمِ بَرًّا وبَحْرًا وجَوًّا (وشَرًّا وعُهْرًا)، وذٰلك منْ أَجْلِ الحَيْلُولةِ والحُؤُولِ القَطْعِيَّيْنِ قَطْعًا بَاتًّا دونَ استمرَارِ ذاك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ، ومنْ أَجْلِ القَضَاءِ عَلَيْهِ قَضَاءً وَحْشِيًّا هَمَجِيًّا حُوشِيًّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مُذَّاكَ مَثِيلٌ – وللضَّميرِ الإنسانيِّ، في هٰذا الزَّمَانِ الفقيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ الحقيقيِّ، أنْ يتصَوَّرَ هٰهُنا، إنْ كانَ في الوَاقِعِ أو حتَّى في الخَيَالِ مُسْتَطِيعًا مُطِيعًا للتَّصَوُّرِ، كلَّ مَا ارتكبتْهُ قُطْعَانُ «الشَّبِّيحَةِ» و«النَّبِيحَةِ» وأَقْطَاعُ العَسْكَرِ والأَمْنِ والمُخَابراتِ «القَبِّيحَةِ» منْ مَجَازِرَ أو مَذَابِحَ أو شَنَائعَ أو فَظَائعَ منْ كلِّ الصُّنُوفِ بحَقِّ البريئاتِ والأبرياءِ، عَلى اختلافِ أَعْمَارِهِنَّ وأَعْمَارِهِمْ. ولَمْ يَقِفْ إِجْرَامُ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، عندَ هٰذا الحدِّ: كانَ قدْ حَدَا بِهِ الإِجْرَامُ البَهِيمِيُّ، لا بلْ مَا دُونَ-البَهِيمِيُّ، كذاك أيَّامَئِذٍ، وبالإيعازِ الجَلِيِّ ذاتِهِ وبالإشرافِ الخَفِيِّ ذاتِهِ أيضًا، كانَ قدْ حَدَا بِهِ إلى إطلاقِ سَرَاحِ كافَّةِ السُّجَناءِ (أوْ جُلِّهِمْ) منْ أولٰئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الأصوليِّينَ المُتَطرِّفِينَ، عَلى اختلافِ تَحَزُّبَاتِهِم وتَكَتُّلاتِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ، وعَلى الأَخَصِّ أولٰئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الذينَ سَرْعَانَ مَا اسْتَهْدَفَتْهُمْ بالدَّعْمِ التمويليِّ والتسليحِيِّ أَرْجَاسُ الظَّلامِ والشَّرِّ والعُهْرِ منْ «عُرْبَانِ» المملكاتِ والإماراتِ، وبذاتِ الإشرافِ الخَفِيِّ ذاتِهِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بما فيهِ إسرائيلُ) كذٰلك. كلُّ هٰذا الإجراءِ البَرَاحِ «المَحْرُوسِ» في هٰذا الإطلاقِ، إطلاقِ السَّرَاحِ «المَدْرُوسِ»، إِنَّمَا كانتْ، ومَا زالتْ، غايتُهُ الأولى والأخيرةُ، ولا شَكَّ فيهِ، تتمَثَّلُ في سَعْيِ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، إلى إيهَامِ العَالَمِ العربيِّ، خَاصَّةً، وإلى إيهَام العَالَمِ الإسلاميِّ، عَامَّةً، بأَنَّهُ يخُوضُ الآنَ بعدَ الآنِ، في سَاحَاتِ الوَغَى منْ كلِّ الجِهَاتِ، يخُوضُ غِمَارَ حَرْبٍ شَعْوَاءَ مُزْدَوَجَةٍ خَوْضَ «الأشَاوسِ» و«البَوَاسِلِ» معَ كلِّ أشكالِ الإرهابِ الجِهَاديِّ (والتكفيريِّ)، منْ طَرَفٍ أَوَّلَ، ومعَ كلِّ أَشْتَاتِ الغربِ الإمبرياليِّ (والتطهيريِّ)، منْ طَرَفٍ آخَرَ. وعَلى الرَّغمِ من ذٰلك كُلِّهِ، أيَّتُهَا القارئةُ اللبِيبَةُ وأيُّهَا القارئُ اللبِيبُ، لمْ نبرحْ في هٰذا الآنِ وفي هٰذا الأوانِ نرى مثقَّفَاتٍ جِدَّ لامعاتٍ ومثقَّفينَ جِدَّ لامعينَ – ومَا أَكْثَرَهُنَّ ومَا أَكْثَرَهُمْ، مثقَّفَاتٍ مَرْبُوصَاتٍ ومثقَّفينَ مَرْبُوصِينَ على «اليسارِ العربيِّ» ماركسيًّا كانَ أَمْ لاماركسيًّا أَمْ حتَّى بَيْنَ بَيْنَ، وبغضِّ الطَّرْفِ عن ذٰلك «اليسارِ العربيِّ» المُتَذَبْذِبِ كلَّ التَّذَبْذُبِ في مُنَاوَرَاتِهِ وفي مُحَاوَرَاتِهِ وفي مُؤَازَرَاتِهِ بَيْنَ أَنْجَاسِ النظامِ الطُّغْيَانيِّ وبَيْنَ أَرْجَاسِ الظَّلامِ «الإسلاميِّ»، لمْ نبرحْ نراهُنَّ يتشدَّقْنَ ونراهُمْ يتشدَّقونَ بعباراتِ «النقدِ الثوريِّ البَنَّاءِ» وعباراتِ «النقدِ الثوريِّ النَّاصِحِ والجَادِّ» تشدُّقًا دُونَمَا أيِّ تَحَفُّظٍ بوَضْعِ اللائمةِ، هٰكذا كَيْفَمَا اتَّفَقَ، عَلى ذَوَاتِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، وَضْعِهَا وَضْعًا مُسْتَتِرًا ومُبَطَّنًا ومَلْغُومًا بأَنَّهُنَّ وأَنَّهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ أَيَّمَا افتقارٍ إلى أَيَّةٍ منْ تلك «الأيقوناتِ الثوريةِ» السَّاطعةِ، وبأَنَّهُنَّ وأَنَّهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ كذاك إلى أَيٍّ من ذاك «الحُضُورِ القيَاديِّ الثوريِّ» الأَشَدِّ سُطُوعًا بإزاءِ أَنْظِمَةٍ طُغْيَانِيَّةٍ غايَةٍ في الوَحْشِيَّةِ والحُوشِيَّةِ – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

(11)

مرَّةً أُخرى، قلتُ من قبيل التوكيدِ الشديدِ قبلًا، في نهاية القسمِ الآنِفِ من هٰذا المقالِ، إنَّ كلًّا من ذَيْنِك المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ، في السُّودانِ وفي الجَزائرِ، لَمْ يَزَلْ إذَّاك سَائِرًا دَؤُوبًا في مَسَارِ ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ حتَّى بَادِئِ ذاك الاجتياحِ «الكورُونيِّ» المُرِيعِ بتقطُّعَاتِهِ الزَّمَانِيَّةِ وَ/أوِ المَكَانِيَّةِ، لَمْ يَزَلْ سَائِرًا دَؤُوبًا على قَدَمٍ وسَاقٍ قَوِيمَيْنِ ثابِتَيْنِ بكلِّ مَا يقتضيهِ السَّيْرُ المَعْنِيُّ منْ عَزْمٍ ومنْ حَزْمٍ لا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ من معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ من مغزًى غَلِيلٍ، وبالرَّغمِ منْ كلِّ أشكالِ ذٰلك التَّدْوِيمِ الاصطناعيِّ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ كطورٍ ذَمِيمٍ دَميمٍ بِسِيمَائِهِ اللااستثنائيِّ «الضَّلِيلِ»، وعَلى الرَّغمِ من كلِّ مَا ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عَلى ذٰلك كُلِّهِ منْ حَالاتِ الاِسْتِعْصَاءِ الاِستثنائيِّ المُسْتَطِيلِ. فالثَّائراتُ السُّودَانيَّاتُ والثَّائرُونَ السُّودَانيُّونَ، من طَرَفِهِمْ، كانوا يواصلونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ وإلحَاحٍ، على أقلِّ تقديرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، ولٰكِنْ بتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ جِدِّ مَحْدُودٍ لأسبابٍ بَيِّنَةٍ بَدَهِيَّةٍ تخُصُّ المَجْلِسَ السِّيَاديَّ بهَيْكَلِهِ الأخيرِ، مَهْمَا حاولتْ عناصرُ من ذاك «المجلس العسكري الانتقالي» أفَّاكَةً في تَسْوِيفِ التفاوُضِ الجَادِّ تشبُّثًا بهٰكذا «مقاليدِ»، من جهةٍ أولى، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ من «قوات الدعم السريع»، تيك الشَّبِيهَةِ جِدًّا بقُطْعَانِ «الشَّبِّيحَةِ» الأسديَّةِ، فَتَّاكَةً بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ تشبُّثًا أكثرَ حتَّى بذاتِ «المقاليدِ» ذاتِهَا، من جهةٍ أخرى. وكذاك الثَّائراتُ الجَزَائِرِيَّاتُ والثَّائرُونَ الجَزَائِرِيُّونَ، من طَرَفِهِمْ (وقدِ احتفَوْا مؤخَّرًا بالذكرى الخامسةِ من ثورتِهِمِ الشعبيةِ التي اندلعتْ في اليوم الثاني والعشرين من شهرِ شباطَ عامَ 2019)، وكذاك كانوا يُتَابِعُونَ جَهْدَهُمْ بكافَّةِ أطيافِهِمْ أيضًا، مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ وإلحَاحٍ كذاك، في الحَدِّ الأدنى من الدستورِ الجزائريِّ بالذَّاتِ، وذاك بتفعيلٍ جَادٍّ لِكلٍّ من المادةِ (7) التي تنصُّ على أَنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ (8) التي تنصُّ على أَنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، من ناحيةٍ أولى، وبترحيلِ أَجَدَّ لِكُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أشلاءِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، من ناحيةٍ أخرى. وقدْ قِيلَ قَوْلًا مُؤَكِّدًا تأكيدًا شديدًا كذٰلك، إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ أن يلجأَ «التحليلُ السياسيُّ»، أيًّا كانَ بالنَّوْعِ الفكريِّ أوِ العَقَدِيِّ (أوِ الإيديولوجيِّ)، مَحْثُوثًا أَيَّمَا إحْثَاثٍ بذٰلك «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إفراطًا إلى حَدِّ الافتعالِ حتَّى (ذٰلك المُسَمَّى عَمْدًا هناك تَسْمِيَةً نفسَانِيَّةً بِـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour)، فيلجأَ مِنْ ثَمَّ مَحْثُوثًا إحْثَاثًا أَشَدَّ إلى استخدامِ فَيْضٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أو منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بل جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الحَدِيثِ عن «إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ مَا (كالشقيقةِ السُّودَانيَّةِ، مثلًا) دونَ الأَخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظرُ هٰذِهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأصْلِ، منْ أَسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سَوَاءً كانتْ هٰذِهِ الثورةُ قد عاصرتْها في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أو أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما كُلًّا في مَظِنَّتِهِ – نَاهِيكُمَا، بطبيعِةِ الحَالِ، عن أنَّ هٰذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هٰكذا خُصُوصٍ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يصدُرُ هٰكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (حَائِدٌ) عن مصدرٍ مَرْبُوصٍ عَلى «اليسارِ العربيِّ»، سواءً كانَ هٰذا المصدرُ ماركسيًّا أوْ لَاماركسيًّا أوْ حتَّى بَيْنَ بَيْنَ. وقدْ أُشيرَ كذاك، في القسمَيْنِ الثامنِ والتاسعِ منْ هٰذا المقالِ، إلى شيءٍ منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذٰلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عَلى المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، عَلى سَبيلِ المِثالِ لا الحَصْرِ، في كُلٍّ من مقالِ الباحثِ الجامعيِّ «الماركسيِّ»، جلبير الأشقر (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ، «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!»، القدس العربي، 23 نيسان 2019)، ومقال الكاتبِ الرِّوَائيِّ إلياس خوري (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ أيضًا، «السودانُ والربيعُ العربيُّ»، القدس العربي، 6 أيار 2019)، ومقالِ الكاتبِ الرِّوَائيِّ واسيني الأعرج، (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ كذٰلك، «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟»، القدس العربي، 21 أيار 2019). أقولُ هٰذا الكلامَ الاِحْتِرَاسِيَّ والتحرُّزيَّ وذاك بكُلِّ تأكيدٍ شديدٍ هٰهُنَا، لمَاذا؟ – لِأَنَّنَا، نحنُ الجَاثِمَاتِ والجَاثمينَ في هٰذا المَكَانِ الكئيبِ وفي هٰذا الزَّمَانِ العَصِيبِ، قُدَّامَ مَرْحَلَةٍ تاريخيَّةٍ فريدةٍ بكلِّ المَعَايِيرِ من ثوراتٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ ليسَ لنَا إلَّا أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً بمثابةِ «ثورةٍ شعبيَّةٍ عربيَّةٍ واحدةٍ» (فَلْيَذْهَبْ إلى الجَحِيمِ، دَرَكِ الجَحِيمِ، ذٰلك الشِّعَارُ الذي يَرِنُّ، لَا بَلْ يَئِنُّ، بالصَّوتِ والإِيقَاعِ رَنًّا مَرْنُونًا في الأَسْمَاعِ من أولٰئك «البَعْثِيِّينَ» الاِزدواجيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنتهازيِّينَ في الدَّاخِلِ من سوريا والعراقِ وفي الخَارِجِ منهمَا، كذٰلك)، ليسَ لنَا إلَّا أنْ ننظرَ إليهَا كَافَّةً، في كُلٍّ من أوقاتِ النَّدَاوَةِ والجَفَافِ، ننظرَ إليهَا جَسَدًا وروحًا لا ينفصِلانِ عن بعضهِمَا البعضِ ملتهبَيْنِ التِهَابًا مَوْزُونًا بميزَانٍ مُتَوازِنٍ مُتَعَدِّدِ الكِفَافِ، ولَا شَكَّ في هٰذا: فَثَمَّةَ كِفَّةٌ سُودَانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ جَزَائِرِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ سُورِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ فلسطينيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ لبنانِيَّةٌ وثَمَّةَ كِفَّةٌ يَمَانِيَّةٌ، وهَلُمَّ جَرًّا. فإذا رَجَحَتْ كِفَّةٌ أو أكثرَ من هٰذِهِ الكِفَافِ في حَالٍ (صُورِيَّةٍ أو شكليَّةٍ) استثنائيَّةٍ لَا مَنَاصَ منهَا، كما هي الحَالُ الآنَ في كُلٍّ من الكِفَّتَيْنِ السُّودَانِيَّةِ والجَزَائِرِيَّةِ في مُقَابِلِ أُخْتَيْهِمَا الكِفَّتَيْنِ السُّورِيَّةِ واللبنانِيَّةِ (أو حتَّى في مُقَابِلِ أُخْتِهِنَّ الكِفَّةِ الفلسطينيَّةِ هٰذِهِ – ومَا تقدِّمُهُ الآنَ من بُطولَاتٍ «طُوفَانِيَّةٍ أَقْصَوِيَّةٍ» أسطوريَّةٍ، لٰكِنْ باهظةُ المُقَابِلِ في تلك الأروَاحِ التي قَضَتْ من سَائرِ الأعمَارِ، فضلًا عن ذٰلك الدَّمَارِ الجَحِيمِيِّ في المَبَاني والمَسَاجدِ والكنائسِ والمَدَارسِ والمَخَابزِ وحتى المَشافي، من لَدُن جيشِ العدوانِ الصهيونيِّ الهمجيِّ والإجرَاميِّ بدعم أمريكيٍّ وأوروبيٍّ أشدَّ هَمَجِيَّةً وإجرَاميَّةً)، فإنَّ هٰذا الرُّجْحَانَ القَائمَ لا يعني البَتَّةَ اختلالًا بنيويًّا باطنيًّا في الميزَانِ المُتَوازِنِ ذاك بقَدْرِ مَا يعني اختلالًا بنيويًّا ظاهريًّا يتبدَّى تَبَدِّيًا مُؤقَّتًا كجُزْءٍ من سَيرُورَةِ ذٰلك التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ، تدويمِ طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ الذَّمِيمِ والدَّمِيمِ المُشَارِ إليهِ قبلَ قليلٍ.

ومِنْ أسبابِ هٰذا الاِختلالِ البنيويِّ الظاهريِّ في الميزَانِ المُتَوازِنِ المَعْنِيِّ هٰهُنَا أيضًا (لكي يُعَادَ الكلامُ للتأكيدِ الشديدِ ثانيةً كذٰلك) إِنَّمَا يكمُنُ، قبلَ كلِّ شيءٍ، في الموقعِ الإستيراتيجيِّ (أو الجيو-سِيَاسيِّ، بالقمينِ) للبَلَدِ العربيِّ المعنيِّ الذي اندلعتْ فيهِ ثورةُ الشَّعْبِ على طُغيانِ النظامِ الحَاكِمِ الفاشيِّ المُصْطَنَعِ، أوْ طَبَقَتِهِ كُلِّيًّا، كمثلِ سُوريا ومَا تمتازُ بِهِ منْ جِوَارٍ جغرافيٍّ شديدٍ للكيانِ الصهيونيِّ المُسْتَتِبِّ أَيَّمَا اسْتِتْبَابٍ في وَسْطِ إسرائيلَ، بوَصْفِ هٰذِهِ الـ«إسرائيلِ» المَخْلُوقَةِ بالعُنُوِّ في هٰذا الجِوَارِ بالذاتِ «نَشِيئةَ» بريطانيا مَصُوغَةً في المقامِ الأوَّلِ وبوَصْفِهَا «ربيبةَ» أمريكا مَسْبُوكَةً في المقامِ الثاني – نَاهِيكُمَا، بطبيعةِ الحَالِ كذاك، عن كَوْنِهَا قبلَ ذاك كُلِّهِ «مَهِيدَةَ» عُصْبَةٍ أو عِصَابةٍ منْ كلابٍ «عربيةٍ» متوحِّشةٍ مَسِيخةٍ مَهينةٍ ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ عندَ الطَّلَبِ شيئًا فشيئًا تحتَ أقدامِ أَسْيَادِهَا منْ هٰذا الغربِ الإمبرياليِّ دونَ غيرِهِ منْ أَشْتَاتِ الغربِ «الديمقراطيِّ» و«الليبراليِّ» و«الخَيِّرِيِّ»، ليسَ لهَا سِوَى أنْ تُمَهِّدَ السَّبيلَ كُلَّهُ تمهيدًا حَثيثًا لاحتلالِ أجزاءٍ ومناطقَ إسْتيراتيجيةٍ (أو جيو-سِيَاسيَّةٍ) هامَّةٍ بدأتْ مدارسَتُها باهتمامٍ كبيرٍ منذُ بداياتِ مَا كانَ يُسمَّى بـ«الثورة العربية الكبرى» التي اندلعتْ بمبادرةٍ شخصيةٍ أو حتى مَا يُشْبِهُهَا ضِدَّ سياسةِ التتريكِ من لَدُنِ العثمانيينَ الاتِّحَاديِّينَ في اليومِ العاشرِ من شهرِ حزيرانَ عامَ 1916 (وعلى فكرةٍ، فإنَّ مَا يُعْرَفُ بـ«حزبِ الاتِّحَادِ والتَّرَقِّي» كانَ قدْ نَشَأَ إِذَّاك بمثابةِ تنظيمٍ «ثوريٍّ» سِرِّيٍّ باسمِ «جمعيةِ الاتِّحَادِ العثمانيِّ» في مدينةِ إسطنبولَ بالذاتِ، وذٰلك في اليومِ السَّادِسِ من شهرِ شباطَ عامَ 1889). فكما أنَّ عِصَابةَ أولٰئك الطُّغاةِ العُتَاةِ الفاشيِّينَ المُصْطَنَعِينَ وَقْتَئِذٍ كانوا قدْ مَهَّدُوا السَّبِيلَ بجُيوشِهِمِ «العربيةِ» أَيَّمَا تمهيدٍ لاحتلالِ بقاعِ فلسطينَ قُبَيْلَ وبُعَيْدَ اليومِ الخامسَ عَشَرَ من شهرِ أَيَّارَ عامَ 1948، فإِنَّ أَشْبَاهَهُمْ منْ عِصَابةِ هٰذِهِ الكلابِ المتوحِّشةِ المَسِيخةِ المَهينةِ تبتغي الآنَ ابتغاءً (وكانت قدِ ابْتَغَتْ بالفعلِ) أن تكرِّرَ الشيءَ الشنيعَ الفظيعَ ذاتَهُ، وأَشَدَّ منهُ حتى، منْ خلالِ التدخُّلِ العسكريِّ «العربيِّ» اِسْمًا بدلًا من التواجُدِ العسكريِّ الأمريكيِّ رَسْمًا في فُراتِ سُوريا، مثلًا لا حَصْرًا، وذٰلك في مُقَابِلِ «لُهَاثِهِمِ الأَبَدَيِّ والإِذلَالِيِّ المُذِلِّ» وَرَاءَ مقاليدِ السُّلْطةِ المُطْلَقَةِ، حتَّى لو أدَّى هٰذا «اللُّهَاثُ الأَبَدَيُّ» بهِمْ إلى التطبيعِ الخَنُوعِ مَعَ هٰذِهِ الـ«إسرائيلِ» كَلْبًا مَكْلُوبًا بعدَ كَلْبٍ أَكْلَبَ حتى. وهٰكذا، في حَالِ نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ في سُوريا في حَدِّ ذَاتِهَا، مَا إنْ شَرَعَتْ أطيافٌ أبِيَّةٌ من رَحِمِ الشَّعْبِ السُّوريِّ في حَرَاكِهَا السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ هُنا وهُناك منهَا، ذٰلك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الذي كانَ، ولَمَّا يَزَلْ، يشهدُ لهُ كلُّ مَنْ كانَ وكانتْ شاهدَيِ العَيْنِ على مَاجَرَيَاتِهِ منذُ البدايةِ، حتى شَرَعَتْ بِحَمِيَّةٍ عُصَابيةٍ أَنْجَاسُ هٰذا النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، بإيعازٍ جَلِيٍّ منْ إيرانَ قبلئذٍ وبإيعَازٍ أَجْلَى منْ رُوسيا بعدئذٍ وبإشرافٍ خَفِيٍّ وأَخْفَى كذاك منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بمَا فيهِ إسرائيلُ ذاتُهَا)، حتى شَرَعَتْ أَنْجَاسُ هٰذا النظامِ في اللجُوءِ الرِّعْدِيدِ إلى قوَّةِ النَّارِ والحَدِيدِ بشتَّى سِلاحِهَا الثَّقيلِ والأَثْقَلِ و«المُحَلَّلِ» والمُحَرَّمِ بَرًّا وبَحْرًا وجَوًّا (وشَرًّا وعُهْرًا)، وذٰلك منْ أَجْلِ العَمَلِ العَنِيدِ على الحَيْلُولةِ والحُؤُولِ القَطْعِيَّيْنِ قَطْعًا بَاتًّا دونَ استمرَارِ ذاك الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ الأسطوريِّ الجَلِيلِ قلبًا وقالبًا، ومنْ أَجْلِ القَضَاءِ المُتَعَمَّدِ عَلَى هٰكذا حَرَاكٍ قَضَاءً وَحْشِيًّا هَمَجِيًّا حُوشِيًّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مُذَّاكَ مَثِيلٌ – وللضَّميرِ الإنسانيِّ، في هٰذا الزَّمَانِ الفقيرِ كُلَّ الفَقْرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ الحقيقيِّ، أنْ يتصَوَّرَ هٰهُنا، إنْ كانَ في الوَاقِعِ أو حتَّى في الخَيَالِ كَائِنًا مُسْتَطِيعًا مُطِيعًا للتَّصَوُّرِ، كلَّ مَا ارتكبتْهُ قُطْعَانُ «الشَّبِّيحَةِ» و«النَّبِيحَةِ» وأَقْطَاعُ العَسْكَرِ والأَمْنِ والمُخَابراتِ «القَبِّيحَةِ» منْ مَجَازِرَ أو مَذَابِحَ أو من شَنَائعَ أو فَظَائعَ منْ كَافَّةِ الصُّنُوفِ بحَقِّ السُّوريَّاتِ البريئاتِ والسُّوريِّينَ الأبرياءِ، عَلى اختلافِ أَعْمَارِهِنَّ وأَعْمَارِهِمْ كذٰلك. ولَمْ يَقِفْ إِجْرَامُ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، عندَ هٰذا الحدِّ ذَاتًا: كانَ قدْ حَدَا بِهِ الإِجْرَامُ البَهِيمِيُّ، لا بلْ مَا دُونَ-البَهِيمِيُّ، كذاك أيَّامَئِذٍ، وبالإيعازِ الجَلِيِّ والأَجْلَى ذاتِهِ وبالإشرافِ الخَفِيِّ والأَخْفَى ذاتِهِ أيضًا، كانَ قدْ حَدَا بِهِ إلى إطلاقِ سَرَاحِ كافَّةِ السُّجَناءِ (أوْ حتى جُلِّهِمْ) منْ أولٰئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الأصوليِّينَ المُتَطرِّفِينَ، عَلى اختلافِ تَحَزُّبَاتِهِم وتَكَتُّلاتِهِمْ هُمُ الآخَرُونَ أيضًا، وعَلى الأَخَصِّ أولٰئك الإسلاميِّينَ و«المُتَأسْلِمِينَ» الذينَ سَرْعَانَ مَا اسْتَهْدَفَتْهُمْ بالدَّعْمِ التمويليِّ والتسليحِيِّ أَرْجَاسُ الظَّلامِ والشَّرِّ والعُهْرِ منْ «عُرْبَانِ» المملكاتِ والإماراتِ، وبذاتِ الإشرافِ الخَفِيِّ والأَخْفَى ذاتِهِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ (بما فيهِ إسرائيلُ) كذٰلك. كلُّ هٰذا الإجراءِ البَرَاحِ «المَحْرُوسِ» في هٰذا الإطلاقِ، إطلاقِ السَّرَاحِ «المَدْرُوسِ»، إِنَّمَا كانتْ، ومَا زالتْ، غايتُهُ الأولى والأخيرةُ، ولا شَكَّ فيهَا، تتمَثَّلُ في سَعْيِ النظامِ، نظامِ السُّحْتِ الفاشيِّ المَافْيَوِيِّ الإِجْرَامِيِّ العَمِيلِ، إلى إيهَامِ العَالَمِ العربيِّ، خَاصَّةً، وإلى إيهَامِ العَالَمِ الإسلاميِّ، عَامَّةً، بأَنَّهُ يخُوضُ الآنَ بعدَ الآنِ، في سَاحَاتِ الوَغَى منْ كلِّ الجِهَاتِ قَاطِبَةً، بأَنَّهُ يخُوضُ غِمَارَ حَرْبٍ شَعْوَاءَ مُزْدَوَجَةٍ خَوْضَ «الأشَاوسِ» و«البَوَاسِلِ» معَ كلِّ أشكالِ الإرهابِ الجِهَاديِّ (والتكفيريِّ)، منْ طَرَفٍ أَوَّلَ، ومعَ كلِّ أَشْتَاتِ الغربِ الإمبرياليِّ (والتطهيريِّ)، منْ طَرَفٍ آخَرَ. وعَلَى الرَّغمِ من ذٰلك كُلِّهِ، أيَّتُهَا القارئةُ اللبِيبَةُ وأيُّهَا القارئُ اللبِيبُ، لَمْ نبرحْ في هٰذا الآنِ وفي هٰذا الأَوَانِ نرى مثقَّفَاتٍ جِدَّ لامعاتٍ ومثقَّفينَ جِدَّ لامعينَ – ومَا أَكْثَرَهُنَّ ومَا أَكْثَرَهُمْ، مِنْ مثقَّفَاتٍ مَرْبُوصَاتٍ ومِنْ مثقَّفينَ مَرْبُوصِينَ على عَيْنِ «اليسارِ العربيِّ» ماركسيًّا كانَ أَمْ لاماركسيًّا أَمْ حتَّى بَيْنَ بَيْنَ، وبغضِّ الطَّرْفِ كذاك عن ذٰلك «اليسارِ العربيِّ» المُتَذَبْذِبِ كُلَّ التَّذَبْذُبِ في مُنَاوَرَاتِهِ وفي مُحَاوَرَاتِهِ وفي مُؤَازَرَاتِهِ بَيْنَ أَنْجَاسِ النظامِ الطُّغْيَانيِّ وبَيْنَ أَرْجَاسِ الظَّلامِ «الإسلاميِّ» أَو حتى «المَتَأَسْلِمِ»، لمْ نبرحْ نَرَاهُنَّ يتشدَّقْنَ ونَرَاهُمْ يتشدَّقونَ بعباراتِ «النقدِ الثوريِّ البَنَّاءِ» وعباراتِ «النقدِ التَّمَرُّدِيِّ النَّاصِحِ والجَادِّ» تشدُّقًا دُونَمَا أَيِّ تَحَفُّظٍ بِالإِنْحَاءِ بِاللَّوْمِ، هٰكذا كَيْفَمَا اتَّفَقَ، عَلى ذَوَاتِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ جُلِّهِمْ، إِنْحَاءً مُسْتَتِرًا ومُبَطَّنًا ومَلْغُومًا بأَنَّهُنَّ وأَنَّهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ أَيَّمَا افتقارٍ إلى أَيَّةٍ منْ تلك «الأيقوناتِ الثوريةِ» السَّاطعةِ، وبأَنَّهُنَّ وأَنَّهُمْ ثائراتٌ وثائرونَ «فاشِلُونَ» يفتقرونَ كذاك إلى أَيٍّ من ذاك «الحُضُورِ القيَاديِّ الثوريِّ» الأَشَدِّ سُطُوعًا بإزاءِ أَنْظِمَةٍ طُغْيَانِيَّةٍ غايَةٍ في الوَحْشِيَّةِ والحُوشِيَّةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وإزاءَ أَيَّةٍ من أمثالِهَا الهَمَجِيَّةِ والإجراميةِ بلا اِستثناءٍ.

مَرَّةً إِضَافِيَّةً في هٰكذا حَيِّزٍ كذٰلك، لقد قلتُ بالتَّأْكِيدِ الشَّدِيدِ كذاك قَبْلَئِذٍ، في القسمَيْنِ الآنِفَيْنِ منْ هٰذا المقالِ (في القسمَيْنِ التاسعِ والعاشرِ منهُ)، وعَلى الأخصِّ هناك في قرينةِ الكلامِ النَّقْدِيِّ (والبَنَّاءِ، طبعًا) بشيءٍ من التَّفْصِيلِ والتَّمْثِيلِ عَمَّا سَمَّيْتُهُ حِينَذَاك تَسْمِيَةً نَفْسَانِيَّةً بـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour (كي يُعادَ التذكيرُ لمَنْ يَنْفَعُهُنَّ ويَنْفَعُهُمْ هُنَا)، قلتُ إنَّهُ لَمِنَ الخَطَأِ الفادِحِ بالفِعْلِ أنْ يلجأَ جِنْسُ «التَّحْلِيلِ السِّيَاسِيِّ»، أيًّا كانَ نوعُهُ الفكريُّ أو العَقَدِيُّ، مُحَفَّزًا بِزَخْمِ هٰذا «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» بالذاتِ أيَّمَا تحفيزٍ إلى استعمالِ فَيْضٍ (أو حتَّى فُيُوضٍ) منْ بلاغيَّاتِ ذٰلك اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ بالعينِ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ هٰذِهِ البلاغيَّاتُ بدورِهَا منْ دلالاتٍ تمييزيةٍ، أوْ حتى منْ دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بَلْ جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ «التَّحْلِيلِ السِّيَاسِيِّ» المَعْنِيِّ مَاسًّا بذٰلك مِسَاسَ التَّحْلِيلِ الجَادِّ فعلًا بـ«إنجازاتِ» ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ دُونَ سِوَاهَا (كالشقيقةِ السُّودَانِيَّةِ، مثلًا)، ودُونَمَا الأَخْذِ بعَيْنِ الاعتبارِ بَتَّةً مَا يُنَاظِرُ هٰذِهِ الـ«إنجازاتِ»، في الأَصْلِ، منْ أسَاسٍ مَادِّيٍّ (تاريخيٍّ) وَ/أوْ لامَادِّيٍّ (لاتاريخيٍّ) تأَسَّسَتْ عليهِ بنحوٍ أوْ بآخَرَ أيَّةُ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، سَوَاءً كانتْ هٰذِهِ الثورةُ قدْ وَاكَبَتْهَا في الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ (كالشقيقةِ الجزائريَّةِ، بسَيْرِهَا) أمْ كانتْ قدْ سَبَقَتْهَا بمرحلةٍ أوْ أكثرَ في الزَّمَانِ والمَكَانِ (كالشقيقةِ السُّوريَّةِ، وغَيْرِهَا)، كما رأيتُما كُلًّا في مَظِنَّتِهِ إذَّاكَ – نَاهِيكُمَا، بطَبِيعَةِ الحَالِ، عنْ أنَّ هٰذا الخَطَأَ المُتَكَلَّمَ عنهُ منْ هٰكذا مَنْظُورٍ خاصٍّ إنَّمَا يزدادُ فَدَاحَةً أكثرَ فأكثرَ حينمَا يَصْدُرُ هٰكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» اِنتقائيٌّ اِصطفائيٌّ (جِدُّ حَائِدٍ) عنْ مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ عَلَى «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى مَا بَيْنَ بَيْنَ. ومعَ ذٰلك، وعلاوةً عَلَى مَا تَمَّتِ الإِشَارَةُ إليهِ منْ تمثيلٍ مَلْمُوسٍ ومَحْسُوسٍ يُبَيِّنُ قُدَّامَ كِلْتَا العَيْنَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ مَا يكْفِي منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ عن ذٰلك الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ عَلى كِلَا المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، لَمْ نَزَلْ نَرَى مِنْ بينِ أولئك المُحَلِّلِينَ السياسيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ رَأْيًا ورُؤْيَةً بهٰتَيْنِ العَيْنَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ ذَاتَيْهِمَا، لَمْ نَزَلْ نَرَى مِنْ بينِهِمْ مَنْ يتحدَّثُونَ جَادِّينَ كُلَّ الجِدِّ عنْ «أَسْرَارِ التَّفَوُّقِ والتَّمَيُّزِ» تيك في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، أو حتَّى عنْ «أَسْبَابِ الإخْفَاقِ والإحْبَاطِ» تلك في سَائِرِ مَا خَلاهُ منْ مشاهِدَ ثوريَّةٍ عربيَّةٍ كانتْ قدْ تأجَّجتْ منْ قبلُ في المقابلِ، يتحدَّثُونَ جَادِّينَ بذاتِ الزَّخْمِ الرِّوَائِيِّ، أو «الشِّعْرِيِّ»، الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ الذي تختصُّ بهِ وسَائِلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في أَصْقَاعِ الشَّرْقِ قبلَ أَرْجَاءِ الغَرْبِ – وبالأخَصِّ منْ حيثُ قُدْرَتُهَا الوَلائِيَّةُ كُلًّا عَلَى مَدَى الإشْهَارِ، إشْهَارِ فَرْدٍ أو جَمَاعَةٍ في حِينٍ، ومنْ حيثُ قُدْرَتُهَا العَدَائِيَّةُ كُلًّا كذاك عَلَى مِيدَاءِ الإغْمَارِ، إغْمَارِ هٰذا الفردِ أو هٰذِهِ الجَمَاعَةِ، أو حتَّى عَلَى الإفْنَاءِ، إفْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إفْنَاءً كُلِّيًّا، في حِينٍ آخَرَ. فإذا كانتِ الحُجَّةُ المُثْلَى عندَ هؤلاءِ المتحدِّثِينَ الجَادِّينَ، في أغلبِ الظَّنِّ تارةً، أنَّ الحَرَاكَ الشَّعْبِيَّ السِّلْمِيَّ في السُّودانِ كانَ يمتازُ امتيازًا حينئذٍ بوُجُودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ تَنْظِيمِيَّةٍ يقودُهَا قادةُ ذٰلك الائتلافِ المدنيِّ المُسَمَّى إِذَّاك بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، مدعومينَ تحتَ لوائِهِمْ، إنِ اقتضى الحَالُ (التَّنْظِيمِيُّ)، مِنْ لَدُنْ قادَاتِ تَحَالُفَاتٍ مدنيَّةٍ أُخرى، كذٰلك التَّحَالُفِ المدنيِّ المَدْعُوِد كذاك بـ«تجمُّع المِهَنِيِّينَ السُّودانِيِّينَ» أو غيرِهِ، فإنَّ قرارَ مَا كانَ يَحْدُثُ إبَّانَئِذٍ منْ عِصْيَانٍ مدنيٍّ عَلَى نطاقٍ واسعٍ كادَ أَنْ يكونَ شاملًا في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا إنَّمَا هو، أوَّلًا وآخِرًا، قرارٌ مُتَّخَذٌ منْ طَرَفِ الشعبِ السُّودانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ بوَعْيٍ جَمْعِيٍّ بوُجُودِهِ السَّليبِ، سَوَاءً تمسَّكَ بهٰذا القرارِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (أو حتَّى بأيِّمَا قرارٍ سِوَاهُ، إِلَى ذاتِ الأَجَلِ المُسمَّى) قادةُ هٰذا الائتلافِ المدنيِّ أو حتى أَيٌّ منْ قادَاتِ تلك التَّحَالُفَاتِ المدنيَّةِ أَمْ لَمْ يتمسَّكُوا بِهِ إِلَى أَيِّمَا أجَلٍ مُسَمًّى آخَرَ بَتَّةً، وسَواءً كانَ القادةُ المَعْنِيُّونَ أو حتى أَيٌّ من القادَاتِ المَعْنِيِّينَ مجتمعينَ عَلى التفاوضِ (الجَادِّ والحَادِّ) منْ أمَامِ قادةِ «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ» أَمْ كانوا حتَّى متفرِّقينَ فيما بَيْنَهُمْ، وقدْ كانوا كذٰلك وَقْتَئِذٍ، في واقعِ الأمرِ. ذٰلك لأنَّ جَذْوَةَ، أو حتى جِذَاءَ، العِصْيَانِ المدنيِّ المُتَكَلَّمِ عنهُ، هٰهُنَا ذاتًا، كانتْ تشتدُّ اتِّقَادًا وتوهُّجًا في ألْبَابِ السُّودانِيَّاتِ النَّاقِمَاتِ والسُّودانِيِّينَ النَّاقِمينَ، ومَا زَالتْ تشتدُّ في قلوبِهِنَّ وفي قلوبِهِمْ، حتَّى قبلَ أَنْ لَجَأَتْ في مطلعِ ذٰلك الشهرِ القائظِ أَيَّمَا قَيْظٍ، شهرِ حزيرانَ من ذاك العَامِ «الثَّوَرَانِيِّ» 2019، حتَّى قبلَ أَنْ لَجَأَتْ عناصرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ منْ «قواتِ الدعمِ السريعِ» (أو منْ «ميليشياتِ الجَنْجَويدِ» الشَّبِيهَةِ بـ«الشَّبِّيحَةِ»، سَابقًا)، بإيعازٍ مَرْئِيٍّ منْ فَلِّ الطُّغَاةِ الفُسَلَاءِ طُغَاةِ الثوَرَانِ المُضَادِّ من المملكاتِ والإماراتِ (بما فيها مصرُ، وقدْ كانَ الحَبْلُ البحرينِيُّ والعثمَانيُّ عَلَى الجَرَّارِ)، وبإشرافٍ لامَرْئِيٍّ كذاك منْ أسيادِ هٰؤلاءِ الطُّغَاةِ الفُسَلَاءِ الفِسَالِ منْ ذاك الغربِ الإمبرياليِّ الرُّوسِيِّ والأمريكيِّ والفرنسيِّ والإنكليزيِّ الأَشَدِّ فُسُولَةً والأَشَدِّ فَسَالَةً (بما فيهِ إسرائيلُ، وقدْ كانَ الحَبْلُ الصِّينِيُّ والإيرانيُّ عَلَى الجَرَّارِ، كذٰلك)، حتى قبلَ أَنْ لجأتْ عناصرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ كهٰذِهِ إِلَى ارتكابِ تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ بحَقِّ مَنْ كانوا يعْتَصِمُونَ، ومَنْ كُنَّ يعْتَصِمْنَ، اعْتِصَامًا سِلْمِيًّا في الخَارجِ من مَقَرِّ الدِّفَاعِ بالذاتِ، مِمَّا أَسْفَرَ عنْ عَشَراتٍ من القَتْلى قابلةٍ للزِّيَادَةِ حَتْمًا وعنْ مِئَاتٍ من الجَرْحَى كذاك قابلةٍ للنُّقْصَانِ لكيمَا تزدادَ العَشَرَاتُ الأولى حتَّى المعنيَّاتِ من تيك اللحظاتِ بالذاتِ أكثرَ فأكثرَ – وهٰذِهِ الجَرَائِرُ النَّكْرَاءُ والمَجَازِرُ الشَّنْعَاءُ بغَايَاتِهَا الجَلِيَّةِ في فَضِّ الاِعتصَامِ السِّلْمِيِّ ذاك باستخدامِ قوَّةِ النارِ والحديدِ، في حَدِّ ذاتِهَا وذَوَاتِهَا، ليسَ لَهَا إِلَّا أَنْ تُذَكِّرَ تذكيرًا بَدْئِيًّا دُونَ لَبْسٍ أَوِ التِبَاسٍ بنظيراتِهَا الدَّمَوِيَّاتِ أَيَّامَ ميدانِ اللؤلؤةِ في البحرين في أَوَائِلِ شهرِ آذارَ عامَ 2011 (وبارْتِكَابِهَا بالعَمْدِ، فضلًا عن ذٰلك كُلِّهِ، عَلَى أيدي عناصرَ لاإنْسِيَّةٍ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٍ نظيرةٍ منْ أَرْجَاسِ السُّعُودِيِّينَ والنَّهْيَانِيِّينَ وأذنابِهِمْ)، منْ جهةٍ أولى، وأَنْ تُذَكِّرَ تذكيرًا بَدْئِيًّا أيضًا بمثيلاتِهَا الأكثرِ دَمَويَّةً حتى أَيَّامَ سَاحَةِ رابعةَ العدويةِ في مصرَ في أَوَاسِطِ شهرِ تمُّوزَ عامَ 2013 (وباقْتِرَافِهَا بالقَصْدِ، عِلاوَةً عَلَى ذٰلك كُلِّهِ كذاك، عَلَى أيدي عناصرَ لاإنْسِيَّةٍ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٍ مثيلةٍ من أَنْجَاسِ السِّيسِيِّينَ وأذْيَالِهِمْ)، من جهةٍ أخرى.

وإذا كانتِ الحُجَّةُ المُثْلَى عندَ أولٰئك المتحدِّثِينَ الجَادِّينَ كُلَّ الجِدِّ كذاك، في أغلبِ الظَّنِّ طَوْرًا، أَنَّ الحَرَاكَ الشَّعْبِيَّ السِّلْمِيَّ في السُّودانِ كانَ قدِ انفردَ انفرادًا بحُضُورِ دَوْرٍ طليعيٍّ ملحوظٍ كانتْ تلعبُهُ قيادةٌ، أو حتى قياداتٌ، لِذٰلك الحزبِ السِّيَاسِيِّ اليَسَارِيِّ الفِعْلِيِّ المَوْسُومِ منذُ نشأتِهِ إِذَّاك عامَ 1946 بـ«الحزبِ الشيوعيِّ السُّودانيِّ»، عَلَى اعتبارِهِ حينذاكَ بمَعِيَّةِ صِنْوِهِ السِّيَاسِيِّ اليَسَارِيِّ العَدِيلِ، أَيِ «الحزبِ الشيوعيِّ العراقيِّ» حتَّى ذٰلك العامِ المشؤومِ، عامِ الانْحِسَارِ العَقَدِيِّ (أو الإيديولوجيِّ) المَزْؤُومِ، عامَ 1971 تحديدًا، عَلَى اعتبارِهِ إِذَّاكَ أكبرَ حزبٍ ماركسيٍّ كَمًّا وكَيْفًا في أَنْحَاءِ العَالَمِ العربيِّ بأَسْرِهِ – وهٰذا عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كافَّةِ المَحْدُودِيَّاتِ المَادِّيَّةِ والمَعْنَوِيَّةِ تيك لَدَى نُشُوءِ «طبقةٍ عاملةٍ» سُودانيَّةٍ كُلًّا كانتْ قدِ اقترنتْ أَيَّمَا اقترانٍ بِهٰذا الحزبِ الماركسيِّ بالذاتِ، وذٰلك في أعقابِ تَمَرْكُزِ «أَزْلَامِ» الاستعمارِ الإنكليزيِّ مِنْ تِلْقَاءِ ذوَاتِهِمْ واتِّكَائِهِمْ مِنْ ثَمَّ بِنِعَالِ تيك البَسَاطِيرِ الثِّقَالِ عَلَى جُلِّ الرِّقَابِ مِنْ أَنْذَالِ الجيشِ المصريِّ بالعَيْنِ، فإنَّ ذٰلك الاِنقلابَ المدرُوسَ الشَّهِيرَ الذي قدْ قامَ بِهِ (في ذٰلك العامِ تحديدًا كذاك) بعضٌ من أولٰئك الأعضاءِ القادةِ والأعضاءِ غَيْرِ القادةِ مِنْ تلك القيادةِ، أو حتى مِنْ تلك القياداتِ الأُخرى، قَدْ قَامُوا بِهِ جَمْعًا عَلَى ذٰلك العسكريِّ «اليَسَارِيِّ» اللاماركسيِّ، جعفر النميري، وذاك بعدَ استعانتِهِمْ واستئناسِهِمْ بعسكريَّتِهِ «المَتِينَةِ»، حَسْبَمَا أَمْلَاهُ عَلَيْهِمْ ظَنُّهُمْ إبَّانَئِذٍ (وهو، عَلى فكرةٍ، اِنقلابٌ مَدْرُوسٌ بعنايةٍ مُثْلَى إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يتكلَّلْ بأكاليلِ النَّجَاحِ خَلَا أَيَّامٍ معدُودَاتٍ، ثلاثةٍ أَوْ يزيدُ، قبلَ قيامِ هٰذا العسكريِّ «اليَسَارِيِّ» اللاماركسيِّ، منْ طَرَفِهِ هو الآخَرُ، بانقلابِهِ المَدْرُوسِ «المُضَادِّ» الأكثرِ شُهْرَةً)، فإنَّهُ لَا يختلفُ مِنْ حيثُ المبدأُ، ولَا حتَّى مِنْ حيثُ المَنْهَى، عن أَيٍّ مِنْ تلك الانقلابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ، أو حتى مِنْ تلك الانقلابَاتِ العسكريَّةِ، التي قدْ قِيمَ بِهَا في أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ ومُخْتَلِفَةٍ منْ هٰذا العَالَمِ العربيِّ الحَزِينِ منذُ ذٰلك الحينِ: فَثَمَّةَ فارقٌ جَوْهَرِيٌّ جِدُّ كبيرٍ، والحَالُ هٰذِهِ، بينَ عَيْنِ «الثورةِ السِّيَاسِيَّةِ»، دَعْكُمَا مِنْ ذِكْرِ «الثورةِ العسكريَّةِ» إنْ جَازَ استعمَالُ المُفْرَدَةِ الأولى في هٰذِهِ القرينةِ، وبينَ عَيْنِ «الثورةِ الاِجْتمَاعِيَّةِ» التي نحنُ بصَدَدِ الكلامِ المُحَاوَلِ بالجهدِ عَنْهَا الآنَ، في هٰذا المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ بالذاتِ – ذٰلك الفارقُ الجَوْهَرِيُّ الذي يتبدَّى لِنَاظِرِ البَدَاهةِ حَسْبَمَا كانَ يُسْتَنْبَطُ استنباطًا خَفِيًّا منْ خلالِ مبادئِ التنظيرِ الماركسيِّ عَيْنِهِ، وحَسْبَمَا كانَ يُسْتَقْرَأُ استقراءً حَفِيًّا كذاك منْ جَرَّاءِ مَنَاهِي التنظيرِ التروتسكِيِّ في حَدِّ ذاتِهِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، وبالرَّغْمِ مِنْ كلِّ مَا قدْ بَانَ، هُنَا وهُنَاكَ، مِنْ إرْهَاصَاتِ المُتَوَارَثِ مِنْ ذٰلك العامِ المشؤومِ، عامِ الانْحِسَارِ العَقَدِيِّ (أو الإيديولوجيِّ) المَزْؤُومِ، وعَلَى الرَّغمِ منْ كلِّ تلك الأَحَابِيلِ والأَبَاطِيلِ التي باتَ عناصِرُ قادةٌ أو حتى عناصرُ غيرُ قادةٍ من ذاتِ «المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ» (أوْ، وِفَاقًا لِرَسْمِ تَسْمِيَتِهِ بالعُرْفِ والاصْطِلاحِ المُعَارِضَيْنِ كذاك، بـ«المجلسِ العسكريِّ الانقلابيِّ»)، بَاتُوا ومَا بَرِحُوا يَخْتَلِقُونَها اخْتِلاقَ أَسْلَافِهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ الفاشيِّينَ المُصْطَنَعِينَ الذينَ «سَادُوا» وَ/أَوْ بَادُوا، وبَاتُوا ومَا فَتِئُوا يَجْتَرِحُونَهَا مِنْ ثَمَّ اجْتِرَاحَ مُعاصِرِيهِمْ منهُمْ، مِنْ أَجْلِ إِخْمَادِ لَهَبَانِ هٰذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ كُلًّا ومنْ أَجْلِ القَضَاءِ عَليهِ كُلًّا وكُلِّيَّةً كذاك بأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ لَهُمْ زَمَانًا (وبالإيعازِ «المَحَلِّيِّ» المَرْئِيِّ وبالإشرافِ الدُّوَلِيِّ اللامَرْئِيِّ، كَمَا أُشِيرَ إليهِمَا قبلَ قليلٍ)، إِلَّا أَنَّهُ لا بُدَّ من القَوْلِ بالإِشَادَةِ والاسْتِحْسَانِ المُوَائِمَيْنِ، دُونَمَا الإِغْرَاقِ الشديدِ في أَيٍّ منهُمَا، ودُونَمَا الوُقُوعِ الوَكِيدِ بالتَّالي في شَرَكِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» المُتَحَدَّثِ عنهُ، هٰهُنَا أيضًا، فيمَا لَهُ مِسَاسٌ بالدَّوْرِ الذي كانَ، ولَمْ يَزَلْ، يقومُ بِهِ أعضاءٌ قياديُّونَ، أو حتى أعضاءٌ غيرُ قياديِّينَ، مِنْ «الحزبِ الشيوعيِّ السُّودانيِّ» بالذاتِ في سَيْرُورَةِ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السِّلْمِيِّ عَيْنِهِ في البلادِ، وفي اسْتِمْرَارِيَّةِ هٰذا الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ عَلَى أكثرَ منْ صَعِيدٍ (وذٰلك قبلَ ذاك الاجتياحِ «الكورُوني» المُريعِ وَقْتَئِذٍ)، ذٰلك الدَّوْرِ اللَّافتِ للانتبَاهِ الذي يَكادُ أَنْ يتفرَّدَ بِهِ تَفَرُّدًا هٰكذا حزبٌ يَسَارِيٌّ ماركسيٌّ بالاِسمِ والمُسَمَّى منْ بينِ كافَّةِ الأحزابِ اليَسَارِيَّةِ الماركسيَّةِ بالاثنَيْنِ كذاك في أَصْقَاعِ العَالَمِ العربيِّ كافَّتِهَا، والذي يكادُ أَنْ يَتَرَجَّحَ بالكِفَافِ تَرَجُّحًا أَلْفَتَ للانتبَاهِ حتى عَلَى عَيْنِ النَّظِيرِ اليَسَارِيِّ الماركسيِّ في تونسَ المَعْرُوفِ الآنَ إِفْرَادًا وإِجْمَاعًا بـ«الاتحادِ العامِّ التونسيِّ للشغلِ»، -union- Générale Tunisienne du Travail (UGTT)، والضَّامِّ كذاك بمعيَّةِ النَّظِيرِ اليَسَارِيِّ الماركسيِّ الآخَرِ المَدْعُوِّ إِفْرَادًا وإِجْمَاعًا أيضًا بـ«حزب العُمَّالِ الشيوعيِّ التونسيِّ»، والضَّامِّ وُجُودًا طُلَّابِيًّا من الأَهميَّةِ بمَكَانٍ مِنْ صُلْبِ ذٰلك الاتحادِ المَعْنيِّ بـ«الاتحادِ العامِّ لطلبةِ تونسَ»، في حَدِّ ذاتِهِ. وبالأَخْذِ بِلُبِّ الحُسْبَانِ هٰكذا دَوْرًا لافتًا للانتبَاهِ لهٰكذا حزبٍ يَسَارِيٍّ ماركسيٍّ منْ كلِّ جَانبٍ مُمْكِنٍ، وبالأَخْذِ بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ كذاك، إضافةً إليهِ، مَا قدْ تَرَتَّبَ عَلَى تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ وتيك المَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ التي ارتكبتهَا المؤسَّسةُ العسكريَّةُ السُّودانيَّةُ (بالإيعازِ «المَحَلِّيِّ» المَرْئِيِّ وبالإشرافِ الدُّوَلِيِّ اللامَرْئِيِّ ذاتَيْهِمَا)، وبغَايَاتِهَا الجَلِيَّةِ قبلَ كلِّ شيءٍ في فَضِّ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السِّلْمِيِّ في غِرَارِهِ الاِعتصَامِيِّ ذاك باستخدامِ قوَّةِ النارِ والحَدِيدِ، صَارَ واضِحًا للعِيَانِ أكثرَ منْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى أَنَّ كُلَّ الأحزابِ اليَسَارِيَّةِ الماركسيَّةِ واللاماركسيَّةِ وكذاك مَا بَيْنَ بَيْنَ، وعَلَى الأَخَصِّ تلك الأحزابَ التي كانتْ، ومَا انْفَكَّتْ، تبتغي برغبتِهَا المِلْحَاحِ ابتغاءً نوعَيِ التباحُثِ والتفاوُضِ الجَادَّيْنِ بُغْيَةَ التَّوَصُّلِ إلى أنواعِ التَّسْوِيَاتِ الأَجَدِّ مَعَ هٰذِهِ المؤسَّسةِ العسكريَّةِ عَيْنِهَا، إنَّمَا هي الآنَ هنا في موقفٍ قراريٍّ ليسَ لَهَا فيهِ سِوَى أَنْ تَنْخَرِطَ بالحَشْدِ انخراطًا في حُشُودِ أولٰئك المُعْتَصِمَاتِ السُّودانيَّاتِ وأولٰئك المُعْتَصِمِينَ السُّودانيِّينَ طُرًّا، وليسَ لَهَا فيهِ كذاك، في آخِرِ المَطافِ، سِوَى أَنْ تَتَمَاهَى، عنْ سَبِيلِ «المَنَابِ الإنسَانيِّ الفَرْدِيِّ» الكَنِينِ في سَرِيرَةِ كُلٍّ منْ أَعْضَائِهَا، تَتَمَاهَى فِيمَا سُمِّيَ في موضعٍ آخَرَ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وبِخَاصَّةٍ حِينَمَا يكونُ هٰذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإِرَادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ – وللتذكيرِ، هٰهُنا أيضًا، بمَا قِيلَ وَقْتَئِذٍ في هٰذا الصَّدَدِ: حتىَّ أفراخُ الطَّيرِ بالعَيْنِ تستطيعُ أَنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ أَعْلَى مِمَّا تستطيعُ (أَنْ «تُحَلِّقَ» عَلَى الأرضِ، ولا رَيْبَ) بقُوَّةِ الإرادَةِ في حَدِّ ذاتِهَا، لا بقُوَّةِ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يقولونَ وقدْ كانوا عَلَى يَقِينٍ مُطْلَقٍ مِنْ هٰذا القَوْلِ، وأَوَّلُهُمْ كُونْفُوشْيُوسْ.

غَيْرَ أَنَّ الفارقَ «الموضُوعيَّ» الوحيدَ الذي يَبْدُو هُنَا أَنَّهُ قدْ غَابَ غِيَابًا كُلِّيًّا عنْ أذْهَانِ الكثيرِ الجَمِّ من أولٰئك المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ المَعْنِيِّينَ (بمنْ فيهِمْ كذاك أولٰئك المُحَلِّلُونَ «الماركسيُّونَ المُخَضْرَمُونَ» المَعْنِيُّونَ، عَلى الأقلِّ آنًا أو حتى شيئًا من آنٍ حتَّى لحظةِ نَقْرِ مِفْتاحِ هٰذِهِ «النُّونِ» التفريقيَّةِ الأخيرةِ بالذاتِ)، إِنَّمَا يَتَكَمَّنُ في ذٰلك الفارقِ الجَوْهَرِيِّ تَكَمُّنًا بينَ التَّسْيِيبِ «النَّاسِخِ» للسِّلاحِ الآلِيِّ والعَتَادِيِّ وبينَ التَّسْيِيبِ «المَنْسُوخِ» للإسْلامِ المَالِيِّ والجِهَادِيِّ. وهٰكذا، فإِنَّ غَبَاءَ الطَّاغِيَتَيْنِ العسكريَّيْنِ الفاشيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ في زَمَنٍ مِثْلَ هٰذا الزَّمَانِ، أَيْ عبد الفتاحِ البرهان وسَاعِدُهُ اليَمِينِيُّ محمد الـ«حمدان» الـ«دقليُّ» ذُو اللقبِ العَامِّيِّ الغَنِيِّ عنِ الذِّكْرِ «حميدتي» (أَيْ كذاك دَاجِرُ أَرْدَأِ التُّمُورِ وتاجِرُ البُعْرَانِ المَأْجُورِ، بالتَّحْدِيدِ)، إنَّهُ لَغَبَاءٌ مُطْبِقٌ لَا يَطْفِرُ هٰكذا، دُونَمَا سَابِقِ إيمَاءَةٍ، طَفْرًا فُجَائِيًّا، أو بالحَرِيِّ «طُفْرَانًا اِفْتِجَائِيًّا» Abrupt Mutation، لَا يَطْفِرُ عنْ ذٰلك الغَبَاءِ القَهْرِيِّ التَّكْرَارِيِّ الذي يتحلَّى بِهِ الآخَرُونَ من فَلِّ الطُّغَاةِ العُتَاةِ الفاشيِّينَ المُصْطَنَعِينَ الإِجْرَامِيِّينَ، بُغَاةِ التَّهَدُّمِ لَا بُنَاةِ التَّقَدُّمِ، حتى يَلْجَأَ كِلَاهُمَا طَافِرَيْنِ بامتيازٍ إلى تلك الأَحَابِيلِ والأَبَاطِيلِ الدَّنِيَّةِ والدَّنِيئَةِ كَيْمَا يُوقِعَا إيقاعًا مُتَعَمَّدًا أَشْتَاتَ الأُبَاةِ العُصَاةِ من المَدَنِيَّاتِ والمَدَنِيِّينَ ذَوَاتِهِمْ في شَرَكِ الجَرِّ والاِجترارِ كذاك إلى سَائِرِ أَوْكارِ العِصْيَانِ المُسَلَّحِ، في المُقَابِلِ: فالتَّسْيِيبُ «النَّاسِخُ» للسِّلاحِ الآلِيِّ والعَتَادِيِّ في البُيُوتِ والمَيَادِينِ، كَمَا يكونُ المَآلُ في ذٰلك اليومِ في المَشْهَدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودانِيِّ، شَيْءٌ، والتَّسْيِيبُ «المَنْسُوخُ» للإسْلامِ المَالِيِّ والجِهَادِيِّ من السُّجُونِ والزَّنَازِينِ، كَمَا كانَ الآلُ بالأمسِ في المَشْهَدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّورِيِّ، شَيْءٌ آخَرُ قَدْ تَمَّ استغلَالُهُ قبلَ تِيكَ «السَّنَوَاتِ العِجَافِ» بالذوَاتِ مِنْ لَدُنْ أَنْظِمَةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أَشَدَّ هَمَجِيَّةً وأَشَدَّ بَرْبَرِيَّةً وَأَشَدَّ دَمَوِيَّةً وَأَشَدَّ وَحْشِيَّةً وحُوشِيَّةً – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

(12)

قبلَ كُلِّ شَيءٍ، أَيَّتُهَا القارئةُ الحَصِيفَةُ وأَيُّهَا القارئُ الحَصِيفُ، لا بُدَّ لِي منْ أنْ أسْتَهِلَّ فَحْوَاءَ هٰذا القسمِ الثَّانِيَ عَشَرَ والأخيرِ بالترتيبِ (لٰكِنْ ليسَ الآخِرَ، بَتًّا وحَتْمًا مُتَحَتِّمًا) منْ هٰذا المقالِ هٰهُنَا من مُقْتَضَيَاِتِ الوَاجِبِ الكتابيِّ عَلى أَدْنَى تقديرٍ، لا بُدَّ لِي منْ أنْ أسْتَهِلَّهُ بالتعبيرِ الحَمِيمِ منْ أَعْمَاقِ القَلْبِ عن مَدَى الشُّكْرِ والشُّكْرَانِ والتقديرِ والعِرْفَانِ لِكُلٍّ من الأَخَوَاتِ الحَبِيبَاتِ المَعْنِيَّاتِ والإِخْوةِ الأَحِبَّاءِ المَعْنِيِّينَ، وقدْ سَاهَمْنَ جَادَّاتٍ وقدْ سَاهَمُوا جَادِّينَ أَيَّمَا مُسَاهَمَةٍ بالعَزْمِ والحَزْمِ الصَّادِقَيْنِ، ودُونَمَا تَوَانٍ أوْ تَهَاوُنٍ، بِكَمٍّ لافِتٍ للبَصَائِرِ قبلَ الأَبْصَارِ من عَيْنِ التعليقِ والتعقيبِ والتقريرِ والتنقيبِ والتذكيرِ والتصويبِ، وغَيْرِهِ وغَيْرِهِ، كَمٍّ جِدِّ لافِتٍ لَهَا في المَآلِ ليسَ لَهُ إلَّا عَيْنُ الإثْرَاءِ في مَادَّةِ الفَحْوَاءِ بالكَمِّ وبالكَيْفِ والكَيْفِيَّةِ إثْرَاءً مباشرًا أوْ حتَّى لامباشرًا، عَلى الرَّغْمِ منْ أنَّهَا مَادَّةٌ مَاثِلٌ جَامِعٌ لَمْ تُكْتَبْ، كَمَا تَرَيَانِ جَلِيًّا، هٰكذا كَمَا يُمْلِيهِ تَقْلِيدُ الكِتَابَةِ السَّائِدُ إمْلاءً بحُدُودِ، أوْ حتَّى بقُيُودِ، كُلٍّ من الشَّكْلِ المَنْضُودِ والمَتْنِ المَعْضُودِ عَلى ذٰلك النَّحْوِ «الرَّسْمِيِّ» والسَّطْحِيِّ السَّمِيِّ بَلِ السُّمِّيِّ الذي تَنْحُوهُ نَحْوًا بالعُنُوِّ، منْ دَاخِلٍ مَرْئيٍّ أو حتَّى منْ خَارِجٍ لَامَرْئيٍّ، جُلُّ تِيكَ الصَّحَائِفِ والمَجَلاتِ والدَّوْرِيَّاتِ والدُّورِ العربيَّةِ (الخَاصَّةِ والعَامَّةِ مِنْهَا ومَا بَيْنَهُمَا، عَلى حَدٍّ سَوَاءٍ)، هٰذا إنْ لَمْ نَقُلْ كُلَّهَا مُجْتَمِعَةً ودُونَ سِوَاهَا كذٰلك منْ نَظِيرَاتٍ أوْ مَثِيلَاتٍ دُونَمَا الاِسْتِثْنَاءِ، تَنْحُوهُ نَحْوًا بالعُنُوِّ نَامُوسًا «مُقَدَّسًا ومُكَلَّلًا» للعَديدِ من الكُسَّابِ «مُنَزَّلًا» من السَّمَاءِ، وفَانُوسًا «مُهَجًّسًا ومُدَلَّلًا» للعَبِيدِ من الكُتَّابِ «مُحَلَّلًا» لِلإمَاءِ، في آلِيَّاتِ أوْ إوَالِيَّاتِ أنظمةِ النَّشْرِ العربيِّ بالذاتِ – ومَا أدْرَاكُمَا، مَا أدْرَاكُمَا، مَا آلِيَّاتُ ومَا إوَالِيَّاتُ أنظمةِ النَّشْرِ العربيِّ بالذاتِ، مَا أدْرَاكُمَا في هٰذِهِ الدُّنْيَا ثَكْلَى الثَّكَالَى وعَجْلَى العَجَالَى قبلَ أنْ يَسْتَبِيئَهَا اسْتِبَاءَةً عِزْرَائِيلُ المَمَاتِ؟

كَما قلتُ في مَتْنِ القسمِ الآنِفِ منْ هٰذا المقالِ (أيْ في القسمِ الحَادِيَ عَشَرَ منهُ بالذاتِ)، وخاصَّةً في مَعْرِضِ الكَلامِ عن ارتكابِ الخَطَأِ الفَادِحِ والجَسِيمِ نَوْعًا من جَرَّاءَ إجْرَاءِ ذٰلك «التَّحليلِ السِّياسيِّ» الاِنتقائيِّ والاِصطفائيِّ مُنَمَّقًا بفَيْضٍ، أوْ حتَّى بفُيُوَضٍ، منْ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ التي تَنْجُمُ نَجْمًا بالهَيْفِ واللزَامِ عنْ ذٰلك الحَمَاسِ المُفْتَعَلِ بالزَّيْفِ والإيهَامِ (أيِ عَمَّا سَمَّيْتُهُ قَبْلاً بـ«الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour) عَلى كُلٍّ من المُسْتَوَيَيْنِ الجَمْعِيِّ والفَرْدِيِّ، وفي مَعْرِضِ الكَلامِ كذاك حتَّى عن ازْدِيَادِ فَدَاحَةِ وجَسَامَةِ هٰذا الخَطَأِ النَّوْعِيِّ أكثرَ فأكثرَ حَائِدًا حينمَا يَصْدُرُ هٰكذا «تحليلٌ سياسيٌّ» عنْ مَصْدَرٍ مَرْبُوصٍ ومَحْسُوبٍ عَلى عَيْنِ «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوْ حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، إنَّ مُجَرَّدَ التركيزِ وخَالِصَ التشديدِ المُتَعَمَّدَيْنِ عَلى «أسْرَارِ التَّفَوُّقِ والتَّمَيُّزِ» في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ أوْ حتَّى عَلى «أسْبَابِ الإخْفَاقِ والإحْبَاطِ» في سَائِرِ مَا خَلاهُ منْ مشاهِدَ ثوريَّةٍ شَعْبِيَّةٍ عربيَّةٍ قدْ تأجَّجتْ منْ قبلُ في المُقَابِلِ، ليسَ لَهُمَا، والحَالُ هٰهُنَا، إلَّا أنْ يدخُلا في إطاراتِ ذٰلك الزَّخْمِ الرِّوَائِيِّ، أو حتَّى «الشِّعْرِيِّ»، الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ الذي تختصُّ بهِ وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةُ عن التعريفِ في الشَّرْقِ المَائِلِ حتَّى قبلَ الغَرْبِ النَّائِلِ – منْ حيثُ قُدْرَتُهَا الوَلائِيَّةُ كُلًّا عَلى الإشْهَارِ، إشْهَارِ فَرْدٍ أوْ جَمَاعَةٍ في حِينٍ، ومنْ حيثُ قُدْرَتُهَا العَدَائِيَّةُ كُلًّا كذاك عَلى الإغْمَارِ، إغْمَارِ هٰذا الفردِ أوْ هٰذِهِ الجَمَاعَةِ، أوْ حتَّى عَلى الإفْنَاءِ، إفْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إفْنَاءً كُلِّيًّا، في حِينٍ آخَرَ. فهَا هو، مثلًا لَا حَصْرًا، مثالُ الباحثِ الجَامعيِّ «الماركسيِّ» جلبير الأشقر، في مقالِهِ المُطَرَّزِ في الخِتَامِ تطريزًا شِعْرِيًّا زَيَّادِيًّا فيمَا يتبدَّى لِعِيَانِ شتَّى الأَنَامِ، هَا هو يناقضُ نفسَهُ بنفسِهِ حتَّى في سِيَاقِ الجُمْلَةِ ذاتِهَا، إنْ لَمْ نَقُلْ في سِيَاقِ الفِقْرَةِ أوْ حتَّى المَقَالَةِ كُلِّهَا، هُنا وهُناك منْ صَفَحَاتِ ذاك المِنْبَرِ المَعْنِيِّ أوْ حتَّى منْ صَفَحَاتِ هٰذا المِنْبَرِ اللامَعْنِيِّ بالذاتِ. فبعدَ تقريظٍ إغراقيٍّ لافتٍ كانَ قدْ أسْبَغَهُ أيَّمَا إسْبَاغٍ عَلى الدَّورِ التَّنْظِيمِيِّ والرَّأْيِيِّ الذي كانتْ تقومُ بِهِ إبَّانَئِذٍ «قيادةُ» ذٰلك الائتلافِ المورفولويِّ المُسَمَّى بـ«قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ»، بوَصْفِهَا منْ حيثُ التنظيمُ السِّياسِيُّ والرَّأْيُ البرنامجيُّ الجَلِيُّ، قيادةً «أثبتت أنَّها حقًّا متفوِّقةٌ عَلى كافَّةِ القياداتِ التي عرفتها السَّيْرُورَةُ الثوريَّةُ الإقليميَّةُ حتَّى يومِنَا [هٰذا]»، نَرَاهُ (أَيْ نَرَى الباحثَ الجَامعيَّ المَعْنِيَّ) يُعْلِنُ إعْلانَ المُشَارِكِ الفِعْلِيِّ في حُشُودِ الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ السُّودَانِيِّ بالعَيْنِ عنْ كَثَبٍ أنَّ هٰذِهِ القيادةَ ذاتَهَا قدْ «تمكَّنتْ، في وجهِ الأسلحةِ الناريَّةِ التي استخدمتْهَا قواتُ القمعِ في ارتكابِهَا مجزرةَ فضِّ الاعتصامِ السِّلْمِيِّ، تمكَّنتْ منْ أنْ تُشْهِرَ سِلاحَ الإضرابِ العامِّ والعصيانِ المدنيِّ [الأَعَمِّ]» (اُنْظُرَا تقريرَهُ المعنيَّ مَثَلًا، «ارفعوا أيديكمْ عنْ شعبِنا في السُّودانِ!»، القدس العربي، 11 حزيران 2019). تُرَى كيفَ يتراءَى للنَّاظِرِ أنَّ قيادةً ثوريَّةً منْ هٰكذا نوعٍ لافتٍ (ولا رَيْبَ، لا رَيْبَ، في كُلِّ خُطْوَةٍ إيجَابيَّةٍ كانتْ، ومَا زالتْ حتَّى حِينٍ قبلَ الاجتيَاحِ «الكورُونيِّ»، تخطُوهَا في مَسَارِ ذاك الحَرَاكِ الشَّعْبِيِّ، كَمَا سُوجِلَ وكَمَا شُدِّدَ عَلَيْهِ كذاكَ أكثرَ منْ مرَّةٍ قبلًا، لِكَيْلَا يُسَاءَ الظَّنُّ بَتًّا، هٰهُنَا)، تُرَى كيفَ يتراءَى لهٰذا النًّاظِرِ أنَّهَا تولَّتْ إشهارَ هٰذا السِّلاحِ، أَعْنِي «سلاحَ الإضرابِ العامِّ والعصيانِ المدنيِّ [الأَعَمِّ]»، وقدْ تولَّتْ إشهَارَهُ بالفِعْلِ (أوْ، عَلى الأقلِّ بادئَ ذِي بَدْءٍ، بالقَولِ المُعَوَّلِ عَلَيْهِ بالتوثيقِ دُونَ الفِعْلِ ذاتِهِ) حُشُودُ الثائراتِ السُّودانيَّاتِ أنفسِهِنَّ والثائرينَ السُّودانيِّينَ أنفسِهِمْ طُرًّا، حتَّى قبلَ أنْ لجأتْ في مطلعِ ذٰلك الشهرِ المَشْؤُومِ من العَامِ المَاضِي، شهرِ حزيرانَ عَامَ 2019، عَنَاصِرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ منْ «قواتِ الدعمِ السريعِ» (أو منْ «ميليشياتِ الجَنْجَويدِ» تلك الشَّبِيهَةِ بـ«الشَّبِّيحَةِ»، سَابقًا)، بالإيعازِ «العربيِّ» الجَلِيِّ وبالإشرافِ الغربيِّ الخَفِيِّ، مثلَمَا أُشِيرَ إليهِمَا في مَوْضِعٍ آخَرَ، حتَّى قبلَ أنْ لجأتْ عَنَاصِرُ لاإنْسِيَّةٌ مَا دُونَ-بَهيمِيَّةٌ كهٰذِهِ إلى ارتكابِ تلك الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ والمَجَازِرِ الشَّنْعَاءِ بحَقِّ مَنْ كُنَّ يعْتَصِمْنَ، ومَنْ كانوا يعْتَصِمُونَ، اعْتِصَامًا سِلْمِيًّا صِرْفًا في الخَارجِ منْ مَقَرِّ الدِّفَاعِ بالذاتِ، مِمَّا أسْفَرَ دونَمَا رَيْبٍ عنْ عَشَراتٍ من القَتْلى قابلةٍ للزِّيَادَةِ حَتْمًا وعنْ مِئَاتٍ من الجَرْحَى كذاك قابلةٍ للنُّقْصَانِ لكيمَا تزدادَ العَشَرَاتُ الأولى أكثرَ فأكثرَ (بِمَا فِيهَا حَالاتٌ مُوَثَّقةٌ شَتَّى من الإغْيَابِ والاغتصابِ القَسْرِيَّيْنِ، كذٰلك) – هٰذا عَدَا أنَّ هٰؤلاءِ الثائراتِ الصِّنْدِيدَاتِ لمْ يكنَّ راغباتٍ وأنَّ هٰؤلاءِ الثائرينَ الصَّنَاديدَ لمْ يكونوا راغبينَ، بَتَّةً، في إيقافِ ذينك «الإضرابِ العامِّ والعصيانِ المدنيِّ [الأَعَمِّ]» حتَّى حينَمَا أعلنَ، بالقَصْدِ والعَمْدِ، عنْ هٰذا الإيقافِ قادةٌ منْ «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ» بعدَ أيَّامٍ ثلاثةٍ، أوْ يزيدُ أوْ ينقصُ، مِمَّا حَدَا بِهِنَّ وبِهِمْ (أيْ بالثائراتِ وبالثائرينَ هٰؤلاءِ) كُلًّا إلى الانجِرَارِ تلقائيًّا في التظاهُرِ النَّهَاريِّ وإلى حتَّى الاستمرَارِ تَشْيَائِيًّا في التظاهُرِ اللَّيْلِيِّ، عِلاوةً عَلَيْهِ، وعَلى الرَّغْمِ إذَّاك منْ لجُوءِ رَعَادِيدِ ذٰلك المَسَمَّى بـ«المجلسِ العسكريِّ الانتقاليِّ»، أو حتَّى «الانقلابيِّ» بالعُرْفِ المُعَارِضِ بالأصَحِّ، إلى قَطْعِ إرسَالاتِ الشَّبَكَةِ الدُّوَلِيَّةِ في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا وذاك بحُجَّةِ، لا بَلْ بأُحْبُولَةِ، أنَّهَا إرسَالاتٌ دِسَاسٌ تمثِّلُ «تهديدًا للأمنِ القوميِّ»، وأنَّهَا من ثمَّ إرسَالاتٌ أدَسُّ تُسَهِّلُ «تبديدًا للصَّالِحِ الوطنيِّ»، كذٰلك. يَعْنِي ذٰلك عَنْيًا جَلِيًّا أنَّ دَافِعَ، أوْ حتَّى دَوَافعَ، مَا أُشِيرَ إلَيْهِ في السِّيَاقِ أكثرَ منْ مَرَّةٍ كذاك قَبْلَئِذٍ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وعَلى الأَخَصِّ حينمَا يكونُ هٰذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهَا في ذاتِ السِّيَاقِ أيضًا بـ«الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ» Collective Human Will، لا يأبَهُ، أوْ لا تأبَهُ، والحَالُ النفسيُّ-الاجتماعيُّ هٰهُنَا، بأيٍّ منْ تلك الإعلاناتِ «التَّرْشِيدِيَّةِ»، ولا حتَّى بأيٍّ منْ تلك الإشْعَارَاتِ «التَّوْجِيهِيَّةِ»، عنْ إيقافِ تأجُّجِ الثَّورانِ الشَّعْبِيِّ ذاتِهِ، مَهْمَا كانتْ أمثالُ هٰذِهِ الإعلاناتِ وهٰذِهِ الإشْعَارَاتِ بَادِرَةً منْ «قادةٍ» مدنيِّينَ نَاصِحِينَ ومَانِحِينَ، ولا يأبَهُ، أوْ لا تأبَهُ، فَضْلًا عنْ ذٰلك كُلِّهِ، حتَّى بأيٍّ منْ تلك الفَرَمَانَاتِ «التَّهْدِيدِيَّةِ»، أوْ تلك القَرَارَاتِ «الوَعِيدِيَّةِ»، في قَطْعِ الإرسَالِ الإلكترونيِّ، مَهْمَا كانتْ أشكالُ هٰذِهِ الفَرَمَانَاتِ وهٰذِهِ القَرَارَاتِ صَادرةً عنْ «قادةٍ» عسكريِّينَ كَابِحِينَ وكَاسِحِينَ.

وللمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ، مُتَجَلِّيًا، بدَوْرِهِ هو الآخَرُ، في كُلٍّ منْ تجلِّيَاتِ هٰذا «اللاأَبْهِ» وهٰذا «اللااِلْتِفَاتِ» وهٰذا «اللااِكْتِرَاثِ»، ومُتَبَدِّيًا منْ ثَمَّ في كلٍّ مِمَّا يُقَابِلُهَا، عَلى النَّقِيضِ، منْ تَبَدِّيَاتِ الأَبْهِ والاِلْتِفَاتِ والاِكْتِرَاثِ منْ أجلِ تأريثِ الجِذاءِ من الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ مُسْتَدَامًا (بأيٍّ منْ تفعيلاتِهِ السِّلْمِيَّةِ في التَّظاهُرِ أوْ الاِحتجَاجِ أوْ حتَّى مُجَرَّدِ الاِعتصَامِ – ولَمْ يَزَلْ يَجْتَرِحُ المُعْجِزاتِ في التَّخَلُّصِ منْ رُمُوزِ النِّظَامِ البيروقراطِيِّ العَسْكَرِيِّ القَمِيءِ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ)، ولهٰذا المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ أنْ يبرُزَ إلى حَيِّزِ الوُجُودِ مثالًا واقعيًّا مَحْسُوسًا بِجَانِحَيْهِ المُتَوَازِيَيْنِ والمُتَوَازِنَيْنِ كـ«كُلٍّ واحِدٍ مُتَوحِّدٍ» عَلى كلٍّ منْ ذٰلك الانجِرَارِ التِّلْقَائِيِّ إلى تَحْشِيدِ الحَرَاكِ السِّلميِّ كَمًّا وكَيْفًا عَلى مستوياتِ «العَامَّةِ» منْ جَمَاهِيرِ الشَّعْبِ الجَزَائِرِيِّ الفِرْنَاسيِّ بِجُلِّ أطْيَافِهَا الثَّرَّةِ مِمَّن ثَارتِ ومَا زَالتْ تَثُورُ (حتَّى حِينٍ بالمِثْلِ قبلَ الاجتيَاحِ «الكورُونيِّ» ذاتِهِ)، منْ ناحِيةٍ أولى، وذٰلك الاستمرَارِ التَّشْيَائِيِّ في مُضَاعَفَةِ هٰذا التَّحْشِيدِ بالكَمِّ والكَيْفِ كذاك، إضَافَةً إلى ذٰلك كُلِّهِ، عَلى مستوى «الخَاصَّةِ» من جَمَاهِيرِ هٰذا الشَّعْبِ الفِرْنَاسيِّ الخِنْذِيذِ بكُلِّ طَيْفِهَا الثَّرِّ، عَلى الأثَرِّ، من الطالباتِ الثَّائِرَاتِ والطُّلابِ الثَّائِرِينَ، من ناحِيةٍ ثانيةٍ. وهٰكذا، وقدْ تخطَّى تَسْيَارُ ذاك الحَرَاكِ السِّلميِّ بالزَّمَانِ حَوْلًا كَامِلًا إبَّانَئذٍ دُونَمَا حَدٍّ زَامِنٍ أوْ مُزَمِّنٍ (لولا ذٰلك الفَاصِلُ «الكورُونيِّ» بالذاتِ)، ودُونَمَا أيِّ شَيْءٍ يُذْكَرُ مِنْ قَبِيلِ وُجُودِ مَنْ «يَقُودُهُ» مِنْ قَادَةٍ مَعْنِيِّينَ مُعَيَّنِينَ، عَلى الأقَلِّ عَلى غِرَارِ أولئك القَادَةِ المَعْنِيِّينَ المُعَيَّنِينَ منْ «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ» في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانِيِّ النَّظِيرِ – كمَا ذُكِرَ، فإنَّ مَا رَأيْنَاهُ إذَّاك رَأيَ العَيْنِ البَصَرِيَّةِ والعَيْنِ العَقْلِيَّةِ منْ ذاك المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ المُنَاظِرِ قدْ بَرْهَنَ، ولمْ يَفْتَأْ يُبَرْهِنُ، للعَالَمِ كٌلِّهِ تلك المَقُولَةَ الثَّوْرِيَّةَ الفَذَّةَ التي قِيلتْ عَلى ألْسِنِةِ الكثيرِ من المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ اليَسَارِيِّينَ (الماركسيِّينَ أوِ اللاماركسيِّينَ أوْ حتَّى «مَا بَيْنَ-البَيْنِيِّينَ») بأنَّ الثَّوَرَانَ الشَّعْبِيَّ، بأيٍّ منْ تفعيلاتِهِ السِّلْمِيَّةِ المُشَارِ إليهَا قَبْلَ قَلِيلٍ، إنَّمَا هو ثَوَرَانٌ «دَفْعِيٌّ عَفْوِيٌّ» Spontaneously Impulsive، بِطَبْعِهِ وتَطَبُّعِهِ، كَمَا يَسْتَعِيرُ هٰؤلاءِ المُحَلِّلُونَ السِّيَاسِيُّونَ في تَوْصِيفِهِم هٰذا منِ اصْطلاحَاتِ مَا يُسَمَّى بـ«عِلْمِ النَّفْسِ الحُشُودِيِّ (أوِ الجَمَاهِيريِّ)» Crowd Psychology، وقدْ كانَ من رُوَّادِهِ اللامِعِينَ الأوائلِ عَالِمُ النَّفْسِ الاجتمَاعِيُّ الفرنسيُّ شارل-ماري غوسْتاف لو بون (1841-1931). بصَرِيحِ الكلامِ، هٰهُنَا، الثَّوَرَانُ الشَّعْبِيُّ ثَوَرَانٌ «دَفْعِيٌّ عَفْوِيٌّ»، بِطَبْعِهِ وتَطَبُّعِهِ، بمَعنَى أَنَّهُ لا يَحْتَاجُ إلى بَوَادِرِ أَيَّةِ إِرْهَاصَةٍ «لادَفْعِيَّةٍ لاعَفْوِيَّةٍ» بَادِرَةٍ، عَلى العَكْسِ، بُدُورًا منْ أَيَّةِ «قِيَادَةٍ تَنْظِيمِيَّةٍ» تُحَاوِلُ أنْ تَرْكَبَ أمْوَاجَ هٰذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ مَرْكبًا قِيَادِيًّا (ثوريًّا) تَنْظِيمِيًّا، فتسْعَى منْ ثَمَّ وَرَاءَ توجِيهِ دَفَّتَيْهِ إلى المَصِيرِ وبِالمَسَارِ اللذينِ تُريدُ منْهُمَا هٰكذا «قِيَادَةٌ تَنْظِيمِيَّةٌ»، لا إلى المَصِيرِ وبِالمَسَارِ اللذينِ تُريدُ منْهُمَا جَمَاهِيرُ الشَّعْبِ ذَاتُهَا وذَوَاتُهَا، مَهْمَا حَاوَلَتْ هٰكذا «قِيَادَةٌ تَنْظِيمِيَّةٌ» أنْ تَتَشَدَّقَ للآنَامِ برُمَّتِهَا، ومَهْمَا حَاوَلَتْ أنْ تَتَنَطَّعَ في تَشَدُّقِهَا هٰذا بأنَّهَا لا تَحْمِلُ بينَ طّيَّاتِ طَوَايَاهَا أَيًّا منْ رَغَائبِ هٰذِهِ الإرادةِ القِيَادِيَّةِ (الثوريَّةِ) التَّنْظِيمِيَّةِ. عَلى الخِلافِ المنطقيِّ منْ كُلِّ ذٰلك، فإنَّ المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ اليَسَارِيَّ الماركسيَّ التَّقْلِيدِيَّ، أوِ «المُحَنَّطَ» بالذَّاتِ، مثلَمَا يَحْلُو للبَعْضِ منْ أَمْثَالِهِ اسْتِحْضَارُ هٰكذا نَعْتٍ نَاجِمٍ عنْ مَنْطُوقِ مَا يُعْرَفُ بـ«النَّقْدٍ الذَاتِيٍّ» Autocriticism، إنْ كانَ يدَّعِيهِ بالفِعْلِ مَنْطُوقًا تَقَدُّمِيًّا بنَحْوٍ أوْ بآخَرَ، فإنَّ هٰذا المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ بالذَّاتِ لَهُوَ الذي يُؤْمِنُ إِيمَانًا رَاسِخًا رُسُوخًا إلى حَدِّ «التَّحَنُّطِ»، في حَدِّ ذَاتِهِ، بضَرُورَةِ الحُضُورِ القِيَادِيِّ (الثوريِّ) التَّنْظِيمِيِّ في قرينةِ هٰذا الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ المُتَحَدَّثِ عنهُ، هٰهُنَا، لماذا؟ – لأنَّهُ يُؤْمِنُ إيمَانًا رَاسِخًا رُسُوخًا إلى حَدٍّ أشدَّ «تَحَنُّطًا» حتَّى بضَرُورَةِ الوُجُودِ القِيَادِيِّ (الثوريِّ) التَّنْظِيمِيِّ في سِيَاقِ ذاك الثَّوَرَانِ القَائِمِ بالقِيَامِ الجَسَدِيِّ والرُّوحِيِّ كُلًّا وكُلِّيًّا عَلى طَيْفٍ مُحَدَّدٍ منْ أَطْيَافِ جَمَاهِيرِ الشَّعْبِ، والحَالُ هٰذِهِ، طَيْفٍ مُحَدَّدٍ جِدِّ خَاصٍّ يُطَبِّقُهُ تطبيقًا ويُبَوِّبُهُ تبويبًا، ويُعَرِّفُهُ تعريفًا منْ ثَمَّ بـ«الطبقةِ العاملةِ»، أوْ بـ«الطبقةِ الكادحة»، أوْ بـ«البروليتاريا» بالحَافِ، إذا أَرَادَ أنْ يَتفَذٰلك بَعْضَ الشيءِ. وهٰذا الإيمَانُ الرَّاسِخُ بالرُّسُوخِ إلى الحَدِّ الأشدِّ «تَحَنُّطًا» حتَّى يعُودُ بتاريخِهِ التَّلِيدِ والعَتِيدِ، عَلى أقلِّ تقديرٍ، إلى أوائلِ التِّسْعِينِيَّاتِ من القرنِ التاسِعَ عَشَرَ، هٰذا إنْ لَمْ يُذْهَبْ في التنقيبِ الزَّمَانِيِّ أبعدَ منْ باكورةِ أعْمَالِ فلاديمير لينين (1870-1924) حينمَا كانَ في ربيعهِ الثالثِ والعشرينَ تَحْدِيدًا، ألا وهي كُرَّاسُهُ الذي يحملُ العنوانَ الاِسْتِفْهَامِيَّ، عنْ قَصْدٍ وعنْ عَمْدٍ، هٰكذا: «مَنْ هُمْ «أَصْدِقَاءُ» الشَّعْبِ؟» What the ‘Friends of the People’ Are، ذٰلك الكُرَّاسُ الذي يشيرُ، بالمُخْتصَرِ الشَّدِيدِ المُفيدِ، إلى مَدَى أهميَّةِ التكوينِ الأُسِّيِّ لأَسَاسِ «حِزْبٍ قِيَادِيٍّ (ثوريٍّ) تَنْظِيمِيٍّ» يهدفُ، قبلَ كلِّ شيءٍ، إلى تَوْعِيَةِ هٰذا الطَّيْفِ المُحَدَّدِ والجِدِّ خَاصٍّ من العمَّالِ الكادِحينَ تَوْعِيَةً بالواقعِ المَرِيرِ الذي يرزحُونَ تحتَ نيرِهِ بسببٍ منِ استغلالِ ثَمَرَاتِ أَتْعَابِهِم استغلالًا سَافرًا منْ لَدُنْ فَلٍّ مُعَيَّنٍ منْ أَنْجَاسِ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ المَنَاكيدِ الذين كانوا يتظاهرُونَ بالنقيضِ منْ كلِّ هٰذا، حِينَذَاك: وهٰؤلاءِ الأنْجَاسُ الرأسماليُّونَ «الشَّعْبَوِيُّونَ» المَنَاكيدُ ليسُوا في شَيْءٍ منْ أَصْدِقَاءِ الشَّعْبِ الحَقيقيِّينَ بتاتًا – وكانَ ذاك، معَ الاحترَامِ الكُلِّيِّ لكلِّ مَا تستحقُّهُ الطبقةُ المَعْنِيَّةُ منْ حَقٍّ فرديٍّ وجَمْعِيٍّ ومنْ عَدْلٍ اجتمَاعيٍّ، وكانَ ذاك في زمنٍ كانَ مِيدَاءُ «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ» Collective Consciousness، في أَدْنَى مُسْتَوَيَاتِهِ (سَأعُودُ، بِشَيْءٍ من التَّفْصِيلِ، إلى هٰذِهِ النقطةِ الهَامَّةِ، عَمَّا قليلٍ). منْ هُنَا، ونحنُ هُنَا الآنَ نتحدَّثُ عنْ شَعْبٍ جَزَائِرِيٍّ أوْ شَعْبٍ سُودَانِيٍّ أوْ شَعْبٍ لِيبِيٍّ أوْ شَعْبٍ يَمَانِيِّ أوْ شَعْبٍ سُورِيٍّ، إلى آخِرِهِ، إلى آخِرِهِ، شَعْبٍ بأَكْمَلِهِ وبكافَّةِ أَطْيَافِهِ الجَمَاهِيرِيَّةِ «العَامَّةِ» و«الخَاصَّةِ» بالفحْوَائَيْنِ المقْصُودَيْنِ (بمَا فيهَا ذٰلك الطَّيْفُ المُحَدَّدُ والخَاصُّ جِدًّا من جُمُوعِ العمَّالِ الكادِحينَ)، ونحنُ هُنَا الآنَ نتحدَّثُ عنْ كُلٍّ منْ هٰذِهِ الشُّعُوبِ وقدِ ارتقتْ إلى مُسْتَوًى لافتٍ للانتبَاهِ منْ هٰذا «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ» بوُجُودِهَا المَسْلوبِ، مُسْتَوًى لافتٍ لَمْ تَكُنْ قدِ ارتقتْ إليهِ منْ قبلُ سِوَاهَا من الشُّعُوبِ الأُخْرَى، فإنَّ ذاك المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ اليَسَارِيَّ الماركسيَّ التَّقْلِيدِيَّ، أوِ «المُحَنَّطَ» بالذَّاتِ، إِنَّمَا يُخَاطِبُ الذَّاتَ أوِ الآخَرَ بلسَانٍ إيديولوجيٍّ ليسَ لَهُ إلَّا يُوَلِّدَ حَيِّزًا هَائلًا بينَ الرُّوحِ الفَرْدِيِّ الكامِنِ في هٰذا اللسَّانِ الإيديولوجيِّ وبينَ الرُّوحِ الجَمْعِيِّ الكَنينِ الذي تنطوي عَلَيْهِ مشيئةُ الجَمَاهِيرِ بِدَفْقِهَا اللُّجِّيِّ: ذٰلك لأنَّ الجَمَاهيرَ، في يقينِهِ، إنَّمَا تتأسَّسُ في «جَمَاهيرِ» العمَّالِ الكادِحينَ، وتتقدَّسُ بالتالي في قُدْسِيَّةِ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ مُسَمًّى لهٰذِهِ «الجَمَاهيرِ»، ولا جَمَاهيرَ، لا جَمَاهيرَ، في الأخيرِ، غَيْرُ هٰذِهِ «الجَمَاهيرِ». وهٰكذا، فإنَّ ثَمَّةَ فارقًا جِدَّ مُهِمٍّ بينَ نَوْعِ التَّفَكُّرِ «الشَّعْبِيِّ» Popular، الذي يأخذُ بعَيْنِ الاعتبارِ عُمُومَ أطيَافِ الشَّعْبِ بكُلِّيَّتِهَا (بمَا فيهَا طَيْفُ العمَّالِ الكادِحينَ بجُزْئِيَّتِهِ)، وبينَ نَوْعِ التَّفَكُّرِ «الشَّعْبَوِيِّ» Populist، الذي يأخذُ بلُبِّ الحُسْبَانِ خُصُوصَ طَيْفِ العمَّالِ الكادِحينَ بجُزْئِيَّتِهِ، ويدَّعي في الآنِ ذَاتِهِ عَيْنَ الاِهتمَامِ بعُمُومِ أَطْيَافِ الشَّعْبِ بكُلِّيَّتِهَا، مَثَلُهُ تمامًا كمَثَلِ ذٰلك الفارقِ المُهِمِّ جِدًّا بينَ شَكْلِ التَّصَوُّرِ «التَّجْرِيبِيِّ» Empirical، الذي يعتني بتجربةِ الواقعِ صُورةً كمَا هي كائنةٌ بتَعْمِيميَّتِهَا، وبينَ شَكْلِ التَّصَوُّرِ «التَّجْرِيبَوِيِّ» Empiricist، الذي يهتمُّ بتجربةِ الواقعِ صُورةً كمَا هي مُكَوَّنةٌ بتَبْعِيضِيَّتِهَا – وليتَ ذاك المُحَلِّلَ السِّيَاسِيَّ اليَسَارِيَّ الماركسيَّ التَّقْلِيدِيَّ، أوِ «المُحَنَّطَ» بالذَّاتِ، لَيْتَهُ يَعِي عَيْنَ الوَعْيِ لماذا كانَ جوزيف ستالين (1878-1953) ذَاتُهُ يُخَاطَبُ، حِينًا بعدَ حِينٍ، باسْتِهْجَانِيَّةِ هٰذا المُصْطَلَحِ الأخيرِ مَنْعُوتًا أَيَّمَا نَعْتٍ بعبَارَاتٍ من مثلِ «التَّجْرِيبَوِيُّ الحَرُونُ»، إيحَاءً أيَّمَا إيحَاءٍ بِحِرَانِ الجَحِيشِ والبِغَالِ!

يَسْتَتْبِعُ مِمَّا تقدَّمَ، إذنْ، أنَّ قرَارَ أيَّةِ قيادةٍ ثوريَّةٍ يَسَارِيَّةٍ تَسِيرُ تَسْيَارًا جَسَدِيًّا وَ/أوْ رُوحِيًّا مُوَازِيًا لتَسْيَارِ الثَّورانِ الشَّعْبِيِّ في السُّودَانِ (أوْ في أيِّمَا بلدٍ عربيٍّ، أوْ لاعربيٍّ، آخَرَ ثائرٍ في هٰكذا أوَانٍ، كمثلِ الجزائرِ أوْ حتَّى كمثلِ جزيرةِ هونغ كونغ، بقَدْرِ مَا يَخُصُّهَا الأَمْرُ، كذٰلك) إنَّمَا هو قرَارٌ مُتَرَتِّبٌ عَلى مَا يُقِرُّهُ الشَّعْبُ الثَّائِرُ إقرَارًا، أوَّلًا وآخِرًا، بمَا يقتضِيهِ في قَرَارَتِهِ منْ ذٰلك الكُمُونِ العَامِليِّ التأليفيِّ والتَّوْحِيدِيِّ الذي تَصَدَّى لَهُ بالبَحْثِ وبالتَّنْقِيبِ الجَادَّيْنِ عَالِمُ الاجتماعِ الفرنسيُّ، إميل دوركايم، في كتابِهِ الشهيرِ «تقسيمُ الشُّغْلِ الاجتماعيِّ» De la Division du Travail Social، ذٰلك الكُمُونِ العَامِليِّ الذي سَمَّاهُ تَسْمِيَةً اصطلاحِيَّةً بـ«الوَعْيِ الجَمْعِيِّ» (أوْ، بالحَرِيِّ، بِـ«الضَّمِيرِ الجَمْعِيِّ» Conscience Collective، حَسْبَمَا يعْنِيهِ الأَصْلُ الفرنسيُّ أيضًا)، والذي عَرَّفَهُ منْ ثَمَّ بكُلٍّ منْ غَرَزِيَّتِهِ وعُضْوِيَّتِهِ في إطارِ فِعْلِهِ النفسَانيِّ الوَاعِي (أو المُضْمِرِ)، من طَرَفٍ أَوَّلَ، وفي إطارِ تَجَلِّيهِ بهَيْئَاتِ شُغْلٍ اجتماعيٍّ قابلةٍ للتَّهَيُّؤِ تأليفيًّا وتوحيديًّا، من طَرَفٍ آخَرَ. وهٰكذا، بصَريحِ الكَلامِ عنْ تَسْيَارِ الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ في السُّودَانِ بالذاتِ، فإنَّ هٰذا القرَارَ القياديَّ الثوريَّ المُتَكَلَّمَ عنهُ، هٰهُنَا، إنْ هو، قبلَ أيِّ شيءٍ آخَرَ، إلَّا قرَارٌ مَرْهُونٌ بِإقرَارِ، أوْ حتَّى بإقرَارَاتِ، هٰذا «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ»، أو هٰذا «الضَّمِيرِ الجَمْعِيِّ»، سَوَاءً كانَ فِعْلُهُ النفسَانيُّ الوَاعِي (أو المُضْمِرُ) غَرَزِيًّا أمْ عُضْوِيًّا، وليسَ بالغِرَارِ العَكْسِيِّ بَتًّا – وليسَ ثَمَّةَ أوضَحُ، منْ هٰذا الخُصُوصِ، مِمَّا قدْ صَرَّحَ بِهِ عَيْنُ الأمينِ العَامِّ لـ«الحزبِ الشيوعيِّ السُّودَانيِّ»، محمد مختار الخطيب عَيْنِهِ، قبلَ سُوَيعَاتٍ (منْ كتابَةِ هٰذِهِ «العَيْنِ» الأخِيرَةِ آنَئِذٍ) قائلًا بحَرْفِيَّتِهِ، عَلى المَلَأِ الأَدْنَى، هٰكذا: «فالشعبُ [السُّودَانِيُّ] هو الذي انتفضَ وصنعَ التغييرَ، والكلمةُ الأعلى لهُ، بعدَ أنْ أسقطَ نظامَ الرأسماليةِ الطفيليةِ الذي جثمَ على صدرهِ ثلاثينَ عامًا. [...] والكلُّ يعلمُ أنَّ الشعبَ [السُّودَانِيَّ] قدْ صنعَ الانتفاضةَ تحريرًا لإرادتهِ المغتصبةِ [...] وقدْ هدفَ لفترةٍ انتقاليةٍ تؤسِّسُ دولةً مدنيةً ديمقراطيةً [...] وقدْ أدركتِ الجماهيرُ بحسِّهَا الثوريِّ كلَّ المراوغاتِ في تسليمِ السُّلطةِ، مِمَّا دعَاهَا إلى الاستجابةِ للاضرابِ حفاظًا عَلى [سَيْرُورَةِ] الانتفاضةِ». وإنْ دَلَّ هٰذا التصريحُ عَلى شيءٍ، بعدَ مُضِيِّ كَمٍّ من الزَّمَانِ لافِتٍ للانتباهِ «المَحَلِّيِّ» والدُّوَلِيِّ، فإنَّهُ يدُلُّ عَلى ضَرُورةِ اتِّخَاذِ المَوْقِفِ الصَّحِيحِ والصِّحِّيِّ إزَاءَ أيٍّ من هٰذِهِ الثوراتِ الشَّعْبِيَّةِ العربيَّةِ، أو اللاعربيَّةِ، وقدْ طَفِقَتْ تَشُبُّ بالفِعْلِ شُبُوبًا سِلْمِيَّ الفُؤادِ والمُحَيَّا في أَنْحَاءٍ مُتَبَايِنَةٍ عِدَّةٍ منْ هٰذِهِ الدُّنْيَا، ألَا وهو: الوُقُوفُ الآنَفِيُّ، بكلِّ الجَوارِحِ والجَوَانِحِ كُلِّهَا، إلى جَانِبِ تلك الإرْهَاصَاتِ الحَقيقيَّةِ التي ليسَ لَهَا سِوَى أنْ تنبثقَ انبثاقًا غَرَزِيًّا وَ/أوْ عُضْوِيًّا عنْ شتَّى مَنَابِعِ «الوَعْيِ الجَمْعِيِّ»، أو «الضَّمِيرِ الجَمْعِيِّ»، مَهْمَا كانتْ طبيعةُ الوُقُوفِ اللاحِقيِّ إلى جَانِبِ تلك الإِسْنَادَاتِ الواقعيَّةِ التي تقترنُ اقترَانًا بشكلٍ أوْ أكثرَ منْ أشكالِ التمثيلِ السياسيِّ، أوْ حتَّى منْ أشكالِ التَّبَنِّي اللاسياسيِّ، منْ لَدُنْ أَيَّتِمَا جهةٍ كانتْ. فَفِيمَا لَهُ مِسَاسٌ بالصِّرَاعِ شِبْهِ الحَتْمِيِّ حَولَ أشكالِ التمثيلِ السياسيِّ في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ دُونَ غيرِهَا، عَلى أَقلِّ تَخْمِينٍ، ثَمَّةَ فارقٌ مبدَئِيٌّ لَهُ دَلالَةٌ اِسْتِقْبَالِيَّةٌ (كَيْلا نقولَ «تنبُّئِيَّةٌ» أوْ حتَّى «تكهُّنِيَّةٌ»، هٰهُنا) من الأهميَّةِ والخُطُورَةِ بمَكَانٍ، ثَمَّةَ فارقٌ مبدَئيٌّ بينَ الوُقُوفِ إلى جَانِبِ شَعْبٍ ثائرٍ مُعَيَّنٍ، كمثلِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ، يَسْعَى إلى تمثيلهِ السِّيَاسِيِّ ائتلافٌ مورفولوجيٌّ مُعَيَّنٌ، كمثلِ «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ»، وبينَ الوُقُوفِ (العَكْسِيِّ) إلى جَانِبِ ائتلافٍ مورفولوجيٍّ مُحَدَّدٍ، كمثلِ «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ»، يسْعَى إلى تمثيلِ شَعْبٍ ثائرٍ مُحَدَّدٍ، كمثلِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ، تمثيلًا سِيَاسِيًّا. وعَلى الرَّغْمِ منْ أَنَّ هٰكذا فارقًا مبدَئيًّا قدْ يتبدَّى للناظرِ بالعَيْنِ البَصَرِيَّةِ، لا بالعَيْنِ العَقْلِيَّةِ، فارقًا «ظاهريًّا» وفارقًا «سَطْحِيًّا» للوهلةِ الأولى، إلَّا أنَّهُ سُرْعَانَ مَا يشتدُّ عُمْقًا وسُرْعَانَ مَا يَحْتَدُّ غَوْرًا حينمَا يتأتَّى الحَدِيثُ (وحتَّى الحَدِيثُ العَابِرُ) عنْ وُجُودِ تلك الأَعْدَادِ غيرِ القليلةِ، بَتَّةً، منْ سَائِرِ أنواعِ الاِئتلافاتِ المورفولوجيَّةِ الأَصليَّةِ وشِبْهِ الأَصليَّةِ والفرعيَّةِ وشِبْهِ الفرعيَّةِ (وحتَّى شِبْهِ شِبْهِ الفرعيَّةِ) الأُخرى والأُخْرَيَاتِ هناك في المشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، في حَدِّ ذاتِهِ. وأَخُصُّ بالذِّكْرِ، في هٰذا السِّيَاقِ الشَّائكِ جدًّا جدًّا، عَلى الأَدْنَى تلك الاِئتلافاتِ المورفولوجيَّةَ التي تتولَّى (أوْ، بالقَمِينِ، تدَّعِي بأنَّهَا تتولَّى) زِمَامَ الرِّعَايَةِ انْضِواءً تَحْتَ رَايَةِ ذٰلك الاِئتلافِ المورفولوجيِّ المَعْنِيِّ تَسْمِيَةً بائتلافِ «قوى إعلانِ الحريةِ والتغييرِ» منذُ أَنْ أَعْلَنَتْهُ تَسْمِيَةً فِعْلِيَّةً في اليومِ الأَوَّلِ منْ شهرِ كانونَ الثاني من العَامِ «الكُورُونِيِّ» 2019 مِيقَاتًا، وأَخُصُّها بالذِّكْرِ اقتضَابًا عَلى النَّحْوِ التالي: أوَّلًا، «تجمُّع المهنيين السُّودانيين» الذي تُكَوِّنُهُ تَجَمُّعَاتٌ جُلُّهَا منْ مَعَاشِرِ الصِّحَافيِّينَ والمُحَامِينَ والطِّبَابِيِّينَ، وجُلُّ قادتِهَا كذاك أَشخَاصٌ مَغْمُورُونَ عَلى الصَّعِيدِ الشَّعْبِيِّ تحديدًا؛ ثانيًا، «تحالف قوى الإجماع الوطني» الذي تُشَكِّلُهُ تَحَالُفَاتٌ مِمَّا لا يَنْزُرُ عنْ سَبْعَةَ عَشَرَ حِزْبًا «لايَسَاريًّا» تتخلَّلُهَا أَرْبَعَةُ أَحْزَابٍ من «اليَسَارِ الماركسيِّ» أو «اليَسَارِ اللاماركسيِّ» أو حتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»؛ ثالثًا، «تكتُّل نداء السُّودان» الذي تُجَسِّدُهُ تَكَتُّلاتٌ منْ مُخْتَلِفِ الأَطْيَافِ الوطنيةِ ضَامَّةً بذاك تنظيمَاتٍ مَدَنِيَّةً مُسَالِمَةً وحَرَكَاتٍ شَعْبِيَّةً مُسَلَّحَةً، عَلى حَدٍّ سَواءٍ؛ رابعًا (وأخيرًا، وليسَ آخِرًا)، «التجمُّع الاتحادي المعارض» الذي تُجَسِّمُهُ تَجَمُّعَاتٌ مِمَّا يَرْبُو عنْ ثمَاني فَصَائلَ اتِّحَادِيَّةٍ لا تَرُومُ التَّدَخُّلَ في شؤونِ أَيٍّ من الأَحْزَابِ الأُخرى، إلى آخِرِهِ، إلى آخِرِهِ – نَاهِيكُمَا، بالطَّبْعِ، عنْ أَنَّ بقاءَ هٰكذا إعلانٍ مفتُوحًا لكُلِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصيبَ مِنَ النظامِ الأتوقراطيِّ العسكريِّ المَقِيتِ المَقَاتِلَ كُلَّهَا ليسَ لَهُ إلَّا أنْ يُخَلِّقَ، والحَالُ هٰذِهِ، نوعَيْنِ مِمَّا يُمْكِنُ أنْ نُسَمِّيَهُ إِجْرَاءً بـ«الخِلافِ السَّبَبِيِّ التَّعَاوُرِيِّ» Alternately Causative Discordance، نوعَيْنِ، أَقُولُ، منْ هٰذا «الخِلافِ» ذاتًا عَلى أَقلِّ تقديرٍ هُنَا: فَثَمَّ خِلافٌ سَبَبِيٌّ تَعَاوُرِيٌّ بينَ كلٍّ منْ هَاتِهِ الاِئتلافاتِ المورفولوجيَّةِ وبينَ ذاتِ «المجلسِ العسكريِّ الانقلابيِّ» في مَسْألَةِ الاِخْتِلاءِ الثنائيِّ حَوْلَ التَّبَاحُثِ والتَّفَاوُضِ، منْ جَانبٍ أَوَّلَ، وثَمَّ خِلافٌ سَبَبِيٌّ تَعَاوُرِيٌّ كذاك بينَ هٰذا الاِئتلافِ المورفولوجيِّ السِّينِيِّ وبينَ ذاك الاِئتلافِ المورفولوجيِّ العَيْنِيِّ في قَضِيَّةِ الاِخْتِلاءِ الأُحَادِيِّ حَوْلَ التخطيطِ والتدبيرِ، وبالأخصِّ فِيمَا يخُصُّ هٰكذا خِلافًا سَبَبِيًّا تَعَاوُرِيًّا فِيمَا بينَ أَحْزَابِ «اليَسَارِ الماركسيِّ» و«اليَسَارِ اللاماركسيِّ» وحتَّى الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ» ذَوَاتِهَا، منْ جَانبٍ آخَرَ.

يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ، وآنَ الآنَ للحَقِّ عَلى شَفِيرِ هٰذا «الشِّقِّ» أنْ يُقَالَ، يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ من اليَسَارِ الماركسيِّ الحَقِيقِيِّ الحَقِيقِ في الآلِ والمَآلِ، خَلا، حَقًّا، أَيِّ شَيْءٍ يَتَشَيَّأُ بالقُوَّةِ، دَعْكُمَا مِنْ تَشَيُّئِهِ بالفِعْلِ، عنْ أولٰئك الزَّاعِمِينَ والمَزْعُومِينَ عَليهِ منْ سَائِرِ الاِزدواجِيِّينَ والاِنتهازيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنكسارِيِّينَ والاِنكشارِيِّينَ، ومنْ سَائِرِ أَمْثَالِهِمْ كذاك، بطبيعةِ الحَالِ. بَيْدَ أَنَّ من الأغلاطِ الجِسَامِ اللواتي يرتكبُهَا هٰذا اليَسَارُ الماركسيُّ الحَقِيقِيُّ الحَقِيقُ حَقًّا، وترتكبُهَا كذٰلك سَائِرُ «مُشْتقَّاتِهِ» ارْتِكابًا لاوَاعِيًا في بلادِ الغربِ بالذاتِ (بِمَا فيها عَيْنًا حتَّى تلك «المُشْتقَّاتُ» الأصليَّةُ والفرعيَّةُ والفرعيَّةُ-الفرعيَّةُ، وهْيَ تظهرُ حِينًا بعدَ حِينٍ بانضوائِهَا البَيِّنِ تحتَ لِوَاءِ اليَسَارِ التروتسكيِّ، أوِ اليَسَارِ الأَنَارْكِيِّ، أوْ أيٍّ منْ أمثالِهِمَا، كذٰلك)، من الأغلاطِ الجِسَامِ مَا يَتَكَمَّنُ في الاِختلاقِ الوَاعِي، عَلى النَّقِيضِ، لذٰلك البَوْنِ الإيديولوجيِّ شَاسِعًا شُسُوعًا إلى حَدٍّ لا يقبلُ المِرَاءَ ولا يقبلُ الجِدَالَ، فِيمَا يبدُو، بينَ «الثِّقَالِ» منْ تلك الآثامِ والشُّرُورِ التي تتخصَّصُ بِهَا أنظمةُ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ نَهْجًا مُنْتَهَجًا (بأَيٍّ منْ شَكْلَيْهَا «البَرَّانِيَّيْنِ» المُكَمِّلَيْنِ لِبَعْضِهِمَا البَعْضِ، شَكْلِهَا الليبراليِّ الاِتِّبَاعِيِّ، أو القَدِيمِ، وشَكْلِهَا الليبراليِّ المُحْدَثِ، أو الجَدِيدِ)، مُنْتَهَجًا في ذٰلك العَالَمِ «الديمقراطيِّ» المصنَّفِ «عَالَمًا أَوَّلَ»، خاصَّةً، منْ جِهةٍ أولى، وبينَ «الخِفَافِ» منْ تلك الآثامِ والشُّرُورِ ذَوَاتِهَا التي تتعمَّمُ بِهَا أنظمةُ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ-التقليديَّةِ (المُنْضَوِيَةِ) نَحْوًا مُنْتَحًا بشَكْلٍ «دَوْلِيٍّ-مَرْكَزِيٍّ» سَارِدٍ، أوْ بالعَكْسِ «مَرْكَزِيٍّ-دَوْلِيٍّ» سَادِرٍ، شَكْلٍ آخَرَ ثالثٍ يُسَمَّى تَسْمِيَةً قَرْنِيَّةً خَاصَّةً بـ«رأسماليَّةِ الدولةِ» State Capitalism، مُنْتَحًا كذاك في هٰذا العَالَمِ الأتوقراطِيِّ المصنَّفِ «عَالَمًا ثَالِثًا»، عَامَّةً، منْ جِهةٍ أُخْرَى. وهٰكذا، عَلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ، في أثناءِ تأجِيجِ تلك التَّدَاعِيَاتِ الإقليميَّةِ والعَالَمِيَّةِ التي تَأَتَّتْ عنْ حَرْبِ الخَلِيجِ الأولى عامَ 1991، تَأَتَّتْ في الضَّرَّاءِ لا في السَّرَّاءِ، وفي إبَّانِ تَهْجِيجِ تلك المُظَاهَرَاتِ الغربيَّةِ التي قِيمَ بِهَا احْتِجَاجًا وسَخَطًا عَلى شَنِّ هٰذِهِ الحَربِ البربريَّةِ الشَّعْواءِ (وعَلى الأخصِّ تَهْجِيجَ تلك المُظَاهَرَاتِ التي قِيمَ بِهَا في فرنسا وإنكلترا دُونَ غيرِهِمَا، إبَّانَئِذٍ، في كافَّةِ الأطرَافِ والآنَاءِ)، لَمْ يَلْبَثِ المُتَظَاهِرُونَ، ولَمْ تَلْبَثِ المُتَظَاهِرَاتُ، منْ ذاك اليَسَارِ الماركسيِّ الحَقِيقِيِّ الحَقِيقِ حَقًّا أنْ رَفَعُوا يَافِطَاتِهِمْ وعَقَائِرَهُمْ، وأنْ رَفَعْنَ يَافِطَاتِهِنَّ وعَقَائِرَهُنَّ، بأَعْلَى مِمَّا تُطيقُ الأَيَادِي والحَنَاجِرُ تنديدًا شَدِيدًا بأمريكا جورج هربرت بوش (الأبِ)، وكذاك بكُلٍّ منْ تلك الحَلِيفَاتِ منْ بلادِ «الغُرْبَانِ» ومنْ بلادِ «المُسْتَغْرِبِينَ» قَاطِبَةً، مِنْ زَاوِيَةٍ أولى، وتأييدَا وتسْنيدًا أشدَّ منهُ بشدِيدٍ، منْ ثَمَّ، لعِرَاقِ صدام حسين (الآبِ والاِبْنِ والرُّوحِ المُقَدَّسِ، ذاك الذي «تحَدَّى، بالمُفْرَدِ، أَيَّمَا تَحَدٍّ» أرَاهِيطَ الأبَالِيسِ، «جَمْعًا مَجْمُوعًا»، من الغَرْبِ الإمبرياليِّ المُدَنَّسِ)، دُونَمَا تَطَرُّقٍ إلى أَيَّةٍ من تيك الخَصِيمَاتِ والغَرِيمَاتِ الشُّؤْمَيَاتِ الأُخْرَيَاتِ منْ بلادِ «العُرْبَانِ» ومنْ بلادِ «المُسْتَعْرِبِينَ» بَتَاتًا، منْ زَاوِيةٍ أُخْرَى، كذٰلك – وذٰلك فيمَا يُمْكنُ أنْ نَدْعُوَهُ الآنَ، منْ هٰذِهِ الزَّاويةِ المَتْنِيَّةِ الأَخِيرَةِ بالذاتِ، اصطلاحًا بـ«المُقَابِلِ المَوْضُوعِيِّ» Objective Contradictive، حَسْبَمَا يَدُلُّ عَليهِ عَيْنُ المفهُومِ النَّظِيرِ دَلَالًا خَفِيًّا في خَفَايَا الاِستدلالِ المنطقيِّ بالعَيْنِ، وحَسْبَمَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ استئناسًا جَلِيًّا كذاك بمَا قدْ دُعِيَ دُعَاءً نَحْتِيًّا أَجَلَّ من قبلُ بِـ«المُعَادِلِ المَوْضُوعِيِّ» Objective Correlative، دُعِيَ في كُلٍّ من مَجَالِ النقدِ الفنيِّ الآلْسْتُونِيِّ (نَسْبًا إلى الرَّسَّامِ والشَّاعِرِ الأمريكيِّ المَغْمُورِ واشِنْتُون آلْسْتُون (1779-1843) ومَجَالِ النقدِ الأدبيِّ الإلْيُوتِيِّ (عَزْوًا إلى الشَّاعِرِ والنَّاقِدِ الأمريكيِّ-البريطانيِّ المَشْهُورِ توماس سْتيرْنْز إلْيُوت (1888-1965)). صَحِيحٌ أَنَّهُ، في مَرَاحِلِ طُغْيَانِ أنظمةِ الرأسماليَّةِ التقليديَّةِ طُغْيَانًا بتَوَحُّشِهَا وتَحَوُّشِهَا الجَارِفَيْنِ، أنَّ عَلى هٰذِهِ البشريَّةِ جَمْعَاءَ أنْ تختارَ بينَ «الاِنتقالِ الدَّلِيلِ إلى النِّظَامِ الاِشتراكيِّ» وبينَ «الاِنْخِزَالِ الذَّلِيلِ إلى المَشَاعِ البَرْبَرِيِّ»، كمَا كانَ المُعَلِّمَانِ الصَّدِيقَانِ كارل ماركس (1818-1883) وفريدْريك إنْغِلْز (1820-1895) يُحَذِّرَانِ الآنَامَ، عَلى الدَّوَامِ، تَحْذِيرًا منْ مَغَبَّاتِ هٰذا الطُّغْيَانِ الرأسماليِّ التقليديِّ الذَّمِيمِ والدَّمِيمِ طُرًّا، وكمَا كانتْ كذٰلك عَيْنُ التلميذةِ الصَّدُوقِ روزا لَكْسِمْبُورْغ (1871-1919) تُؤَكِّدُ تَأْكِيدًا كذاك، بالمِرَارِ والتَّكْرَارِ، عَلى هٰكذا تحذيرٍ دُونَمَا كَلالٍ أوْ مَلالٍ وذاك منْ خِلالِ مَنْشُورَاتِ كُرَّاسِهَا الثوريِّ الشَّهِيرِ بالعنوانِ الجَهْرِيِّ «أزْمَةُ الديمقراطيةِ الاِجتماعيَّةِ في ألمانيا» Die Krise der Deutschen Sozialdemokratie، والأكثرِ شُهْرةً حتَّى بالعنوانِ السِّرِّيِّ «كُرَّاسُ يونْيوس» Junius-Broschüre (والاِسمُ «يونْيوس»، أوْ «جونْيوس»، عَلى فكرَةٍ، إِنَّمَا هو الاِسمُ القَلَمِيُّ المُسْتَعَارُ الذي كانتْ روزا لَكْسِمْبُورْغ تستخدمُهُ لِذَاتِهَا تلميحًا تفاؤليًّا إلى مؤسِّس الجمهوريَّةِ الرُّومَانيَّةِ الأولى، لوشْيوس جونْيوس بروتوس (545-509 ق.م.)). ولٰكِنَّهُ صَحِيحٌ كذاك، لا بَلْ أَصَحُّ بكَثِيرٍ، أَنَّهُ، في أَطْوَارِ عُدْوَانِ أنظمةِ الإمبرياليَّةِ الحَدِيثَةِ عُدْوَانًا بتَوَغُّلِهَا وتَغَوُّلِهَا العَارِمَيْنِ، وفي أَطْوَارِ بُغْيَانِ أنظمةِ الفاشيَّةِ «الحَثِيثَةِ» بُغْيَانًا بتَوَغُّلِهَا وتَغَوُّلِهَا الأَشَدِّ عُرَامًا، أَنَّ عَلى هٰذِهِ البشريَّةِ جَمْعَاءَ كذٰلك ألَّا تختارَ إلَّا المَوْقفَ الرَّافِضَ رَفْضًا قَطْعِيًّا لِكُلٍّ من «الاِنْبِيَاعِ اللَّكِيعِ لِلنِّظَامِ الإمبرياليِّ البَرْبَرِيِّ» و«الاِنْصِيَاعِ الوَضِيعِ لِلنِّظَامِ الفاشيِّ الهَمَجِيِّ»، كمَا كانَ الرَّاحِلُ الفَذُّ إدوارد سعيد يُنَبِّهُ «اليَسَارَ» الغَرْبِيَّ (حتَّى قَبْلَ «اليَسَارِ» الشَّرْقِيِّ) بالذاتِ، عَلى اختلافِ تَحَزُّبَاتِهِ وعَلى ائتِلافِ تَكَتُّلاتِهِ إذَّاك، تَنْبِيهًا مُسْتَدِيمًا منْ مَطَبَّاتِ هٰذا الوُقُوفِ «المَبْدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ السَّقِيمِ الخَمِيمِ، هٰذا الوُقُوفِ «المَبْدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ بينَ شَرَّيْنِ شِرِّيرَيْنِ لا يَنِيَانِ يَجْنِفَانِ بكُلِّ الشُّرُورِ، وكلٌّ بأُسْلُوبِهِ السُّلُوكِيِّ اللاإِنْسَانِيِّ واللاأَخْلاقِيِّ المَسْعُورِ، جَنَفًا جَنُوفًا عن الحَقِّ الفَرْدِيِّ والجَمْعِيِّ وعن العَدْلِ الاِجْتِمَاعِيِّ أَنَّى تَوَاجَدَا (إِنْ تَوَاجَدَا، فِعْلِيًّا) في هٰذِهِ الدُّنْيَا، وعَلى حِسَابِ أَيٍّ منْ تلك الجَمَاهِيرِ التي ثارتْ، ومَا زالتْ تَثُورُ، منْ أجلِ هٰذا الحَقِّ ومنْ أجْلِ هٰذِا العَدْلِ، ولَوْ بالإتْيَانِ والمَأْتَاةِ بَدْءًا حتَّى بالحُدُودِ الدُّنْيَا، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ – وقدْ أعَادَ إدوارد سعيد ذاتُهُ هٰذا التَّنْبِيهَ بنَحْوٍ حتَّى أكثرَ اسْتِدَامَةً في مُسْتَهلِّ إحْدَى رَائِعَاتِ مُحَاضَرَاتِهِ الرِّيثِيَّةِ (نِسْبَةً إلى جون تشارلْز وُولْشَامْ ريث (1889-1971)، بوَصْفِهِ إذَّاك أَوَّلَ مُديرٍ عَامٍّ مُؤَهَّلٍ بكلِّ جَدَارَةٍ لـ«هَيْئةِ الإذَاعةِ البريطانيَّةِ» BBC، الغَنِيَّةِ عن التَّعْرِيفِ)، تلك المُحَاضَرَةِ التي ظَهَرتْ بتَرْتِيبِهَا السَّادِسِ والأَخِيرِ تحتَ العنوانِ الدَّالِّ، «الآلِهَةُ التي تُخْفِقُ دَائِمًا» Gods That Always Fail، في كُتَيِّبِهِ الشَّهِيرِ جَامِعًا هٰذِهِ المُحَاضَرَاتِ كُلَّهَا، وحَامِلًا كذاك عنوانَ المُحَاضَرَةِ الأولى الأكثرَ دَلالّةً، «تَمَثُّلَاتُ المُثَقَّفِ» Representations of the Intellectual – وفيمَا يلي، هٰهُنَا أَدْنَاهُ، بِضْعَةٌ منْ أمثلةٍ مَلْمُوسَةٍ عَلى هٰذا الوُقُوفِ «المَبْدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ بينَ الشَّرَّيْنِ الشِّرِّيرَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ بالذَّاتِ، أمثلةٍ مَلْمُوسَةٍ مُسْتَقَاةٍ منْ صَفَحَاتِ ذٰلك المِنْبَرِ المَعْنِيِّ بالذَّوَاتِ:

هٰكذا وُقُوفٌ «مَبدَئِيٌّ» تَقَلْقُلِيٌّ لا يَخْتَلِفُ بَتَّةً، منْ حيثُ الجَوْهَرُ، عنْ مَوْقِفِ البَاحِثِ الجَامِعِيِّ «اليَسَارِيِّ الماركسيِّ» جلبير الأشقر لَدَى تَرْوِيجِهِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ الوَاضِحٍ جِدًّا، عَلى لِسَانِهِ بالذَّاتِ، لقوَّةِ إيرانَ «الجمهوريةِ الإسلاميَّةِ» بالفَرْضِ الكِفَائِيِّ والكِفَاوِيِّ أوْ، بأدْنَاهُ، بفَرضِ العَيْنِ، ولقدرَتِهَا «عَلى إشْعَالِ منطقةِ الخَلِيجِ بأَسْرِهَا» قُدَّامَ المَشْرِقَيْنِ وقُدَّامَ المَغْرِبَيْنِ، رَغْمَ الصَّوَابِ في كلامِهِ الانتقادِيِّ عنْ أمريكا بالذَّاتِ وعنْ سِيَاسَةِ «البَلْطَجَةِ»، أوْ بالقَمينِ سِيَاسَةِ «الخُوَّةِ»، التي تَسُوسُهَا «مُتَعَنْطِزَةً» وتُسَيِّسُهَا «مُتَمَضْرِطَةً»، عَلى أكثرَ منْ صَعِيدٍ، في تلك الفَلاةِ (انْظُرَا، مثلًا، تقريرَهُ المعنيَّ، «ترامب، كثورٍ في متجرِ خزفٍ»، القدس العربي، 14 أيار 2019). وهٰكذا وُقُوفٌ «مَبدَئِيٌّ» تَقَلْقُلِيٌّ لا يَفْتَرِقُ البَتَّةَ أيضًا، منْ حيثُ الأَسَاسُ، عنْ مَوْقِفِ الكاتبِ الإعْلامِيِّ «اليَسَارِيِّ اللاماركسيِّ» فيصل القاسم إزَاءَ تَدْوِيرِهِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ الأَوْضَحِ منْ آنِفِهِ حتَّى، منْ لَدُنْهُ هو الآخَرُ، بُغيَةَ الإِنْحَاءِ باللائِمَةِ كُلِّهَا عَلى أولٰئك الآمِرِينَ مِمَّنِ اصْطَنَعُوا الطُّغَاةَ العُتَاةَ، لا عَلى هٰؤلاءِ المَأْمُورِينَ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِم بالإِثْبَاتِ والدَّلِيلِ، ولاتِّهَامِ كُلِّ مُحَلِّلٍ، أوْ مُعَلِّقٍ، سِيَاسِيٍّ يلُومُ هٰؤلاءِ المَأْمُورِينَ الأَوَاخِرَ لَوْمًا دُونَ أولٰئك الآمِرِينَ الأَوَائلِ بالخِدَاعِ والتَّضْلِيلِ، رَغْمَ السَّدَادِ في حَدِيثِهِ المَلامِيِّ عنْ أولٰئك الآمِرِينَ الأَوَائلِ، في حَدِّ ذَوَاتِهِمْ، بوَصْفِهِمْ سَبَبَ البَلاءِ والبَلْوَى كُلِّهِمَا، في مَقَامٍ أَسْبَقَ منْ مَقَامِ طُغَاتِهِمْ حتى (انْظُرَا، مثلًا، تقريرَهُ المعنيَّ: «لا تلوموا كلابَ الصيدِ بلْ لوموا أصحابَها»، القدس العربي، 10 أيار 2019). وهٰكذا وُقُوفٌ «مَبدَئِيٌّ» تَقَلْقُلِيٌّ لا يَتَبَايَنُ بَتًّا كذٰلك، في لُبَابِهِ، عنْ مَوْقِفِ الكاتبِ الصِّحَافيِّ «اليَسَارِيِّ الماركسيِّ-اللاماركسيِّ» صبحي حديدي جَرَّاءَ تَدْوِيلِهِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ الأشَدِّ وُضُوحًا منْ آنِفَيْهِ كذاك، منْ طَرَفِهِ هو الآخَرُ، لِلسَّمَاحِ لنفسِهِ (وهو مُحِقٌّ كُلَّ الحَقِّ في ذٰلك) بإدَانَةِ «العُرْبَانِ» في المَمْلكاتِ والإمَارَاتِ منْ منطقةِ الخَلِيجِ، كمثلِ آل خليفة وأمثالِ «الآلاتِ» الآخَرِينَ، بِمَا فَعَلُوهُ في تلك «الورشةِ الاقتصاديةِ المَنَامِيَّةِ» منْ أَفْعَالٍ في التَّحْرِيفِ والتَّسْريعِ الكَارِثِيَّيْنِ منْ مَسَارِ الشَّعْبِ الفلسطينيِّ نَحْوَ مَصِيرٍ مَجْهُولِ الهُوِيَّةِ لا مُؤدًّى لَهُ إلَّا إلى الهَاوِيَةِ، ولِعَدَمِ السَّمَاحِ لنفسِهِ منْ ثَمَّ، في المُقَابلِ المُدَاهِنِ أَيَّمَا مُدَاهَنَةٍ، بإِدَانَةِ «العَرَبِ» و«المُسْتَعْرِبينَ» منْ أزلامِ «القياداتِ الفلسطينيَّةِ» أنْفسِهِمْ من البَائدينَ كياسر عرفات ومن السَّائدِينَ كمحمود عباس، عَلى حَدٍّ سِوًى، عَلى الأَقَلِّ بَدْءًا مِمَّا سَبَّبُوهُ منْ كوارثَ أَفظَعَ جَرَّاءَ الرُّضُوخِ لتوقيعِ اتِّفَاقِيَّاتٍ هَوَانِيَّةٍ، كاتِّفَاقِ مُعَسكر داوود واتِّفَاقِيَّةِ أوسْلو، ومَا شَابَهَ ذٰلك، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ سَيَحْصُلُونَ عَلى مَا خَالُوهُ منِ امتيازاتٍ منْ خلالِ «بُنُودِ السَّلامِ» لِعَجْزِهِمْ عنْ حُصُولِهِمْ إيَّاهَا مِنْ خلالِ الحُرُوبِ الضِّرَامِ – وهناك من المُحَلِّلِينَ والمُعَلِّقينَ السِّيَاسيِّينَ مِمَّنْ هُمْ عَلى يَقِينٍ تَامٍّ منْ أَنَّهُ لَوْ كانَ ياسر عرفات عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ، في هٰذا الزَّمَانِ، الزَّمَانِ المَوَاتِ، لكانَ قدْ أَوْصَلَ الشَّعْبَ الفلسطينيَّ إلى جَحِيمٍ أسْوَأَ بكثيرٍ مِمَّا يفعلُهُ الآنَ بِهِ «عُرْبَانُ» الخَلِيجِ أولٰئك «الآلاتُ»، بحُضُورِ «شَخْصِيَّةِ» المِهْرَجَانِ العَجِيِّ الدَّاشِرِ جارد كوشنر، صِهْرِ دونالد ترامب الهَكَّةِ الأَدْشَرِ– وهناك كذاك من المُحَلِّلِينَ والمُعَلِّقينَ السِّيَاسيِّينَ مِمَّنْ هُمْ عَلى يَقِينٍ أَتَمَّ منْ أَنَّهُ لَوْ كانَ شارل ديغول عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ، هو الآخَرُ الذي يُدَوِّلُ لَهُ صبحي حديدي «اليَسَارِيُّ الماركسيُّ-اللاماركسيُّ» عَلى الغِرَارِ الدِّعَائِيِّ والدِّعَاوِيِّ ذاك عَلى اعتبارِهِ بالحَرْفِ الحَدِيدِيِّ « مُحرِّرَ فرنسا من الاحتلالِ النازيِّ»، لَوْ كانَ شارل ديغول عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ بضَمِيرٍ إِنْسَانِيٍّ حَقِيقِيٍّ كضَمِيرِ نْعُوم تشومسكي، مثلًا لا حَصْرًا، لَهَزِئَ كُلَّ الهَزْءِ وكُلَّ الهُزُوءِ وكُلَّ المَهْزَأَةِ كُلِّهَا منْ هٰكذا تدويلٍ دِعَائِيٍّ ودِعَاوِيٍّ لشَيْءٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ بَتَاتًا، في وَاقِعِ الأَمْرِ، بَلْ قَامَ بِهِ أولٰئك الجُنُودُ الذينَ جُلِبُوا عَنْوَةً منْ أَرْحَامِ المُسْتَعْمَرَاتِ، أيَّامَذاك، وأَغْلَبُهُمْ كانوا منْ آنَامِ الجَزَائرِ والمَغْرِبِ، عَلى وَجْهِ التَّحْدِيدِ، أولٰئك الجُنُودُ الذينَ أُرْغِمُوا عَلى الخَوْضِ في غِمَارِ حَرْبٍ لَمْ يكونوا، في الأصْلِ، يُرِيدُونَ الخَوْضَ في غِمَارِهَا، منْ قريبٍ أوْ بعيدٍ، أولٰئك الجُنُودُ الذينَ قاتلوا النَّازِيِّينَ بِبَأْسٍ شدِيدٍ كَانَ الفَصْلَ الحَاسِمَ والفَيْصَلَ المَحْسُومَ في مَسْألَةِ «الانْتِصَارِ»، وكانَ الرَّأيُ الفرنسيُّ العَامُّ قَدْ أَجْحَفَ، عنْ قَصْدٍ وعنْ عَمْدٍ، بحَقِّهِ أَيَّمَا إِجْحَافٍ منْ أَمَامِ كُلِّ المَدَائنِ والأَمْصَارِ، أولٰئك الجُنُودُ الذينَ قاتلوا النَّازِيِّينَ بأشدِّ مَا أُوتُوا منْ ذٰلك البَأْسِ الشدِيدِ لأنَّهُمْ كانُوا قَدْ خُدِعُوا وقَدْ وُعِدُوا باسْتِقْلالِ بلادِهِمْ، في المُقَابلِ الأَعَزِّ والأغْلَى، فكانوا يقاتلونَ النَّازِيِّينَ بأشدِّ مَا أُوتُوا منْ ذٰلك البَأْسِ الشدِيدِ وكأنَّهُمْ كانوا يقاتلونَهُمْ منْ أَجْلِ تَحْرِيرِ بلادِهِمْ، ليسَ إلَّا (انْظُرَا، مثلًا، تقريرَيْهِ المعنيَّيْنِ، «المنامة: طنينُ آلِ خليفة في ورشةِ آلِ ترامب»، القدس العربي، 27 حزيران 2019؛ «اليمينُ الفرنسيُّ بينَ مطرقةِ ماكرون وسندانِ ديغول»، القدس العربي، 13 حزيران 2019). حتَّى طَاقِمُ التَّحْريرِ المَعْنِيُّونَ، طاقِمُ تَحْرِيرِ هٰذِهِ «القدس العربي» الذينَ يدَّعُونَ باسْتِحْسَانِ «الاِستقلالِ السِّيَاسيِّ» عنْ سَائرِ الطُّيُوفِ من «اليَسَارِ» وعنْ كافَّةِ الصُّنُوفِ من «اليَمينِ» وعنْ مُجْمَلِ المَعْطُوفِ واللامَعْطُوفِ منْ رُفُوفِ أوْ منْ دُفُوفِ الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، حتَّى طَاقِمُ التَّحْريرِ المَعْنِيُّونَ هٰؤلاءِ، والأنْكى منْ ذٰلك كُلِّهِ، لا يتردَّدُونَ ولا حتَّى يتلكَّؤونَ في اسْتِنْفَارِ مَلَكَاتِ «المَوْهُوبِينَ» منْهُمْ، إنْ كانَ ثَمَّةَ بينَهُمْ «مَوْهُوبُونَ» حَقًّا، في السَّبْكِ الكلاميِّ الإعْلاميِّ المَبْتُورِ لأحْقَرِ مَا يُمْكِنُ أنْ يكونَ نَعْتًا نَمُوذَجًا للمَوْقِفِ «المَبدَئِيِّ» التَّقَلْقُلِيِّ المَسْتُورِ مَا بينَ هٰذا وذاك المُبْتَدأِ المُبْتَدَى ومَا بينَ هٰذاك المُنْتَهَى من السُّطورِ، ترويجًا دِعَائِيًّا ودِعَاوِيًّا جَلِيًّا لِمَا يُمْلَى عَليهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ من «العُرْبَانِ» المُمَوِّلِينَ، وتَسْحِيجًا كِنَائِيًّا وكِنَاوِيًّا خَفِيًّا لِمَا يُتْلَى عَليهِمْ من الطُّغَاةِ العُتَاةِ من «العُرْبَانِ» اللامُمَوِّلِينَ، تَرَيَانِهِمْ (أيْ تَرَيَانِ طَاقِمَ التَّحْريرِ المَعْنِيِّينَ هٰؤلاءِ) يجْرُؤُونَ بالجَرَاءَةِ المُشْتَرَاةِ، إبَّانَ «الحُرُوبِ الدَّاحِسِيَّةِ والغَبْرَائِيَّةِ حَوْلَ انْبِثَاقِ الهِلالِ»، يجْرُؤُونَ عَلى شَنِّ الهُجُومِ المَنْظُومِ عَلى «العُرْبَانِ» في المَمْلكاتِ والإمَارَاتِ بالـ«آلِ» والـ«آلِ»، يجْرُؤونَ (وهُمْ، لاكْتِمَالِ المَهَازِلِ، مُصِيبُونَ) عَلى شَنِّهِ بالحِجَاجِ والتَّحَجُّجِ أنَّ هٰذِهِ «الآلاتِ» لَمْ تَفْتَأْ تُعَجِّلُ بالخُطَى نَحْوَ ذٰلك «التَّطْبِيعِ» الذَّلِيلِ، ولا يتجَرَّؤُونَ، كَمَا الفِئْرَانِ الخِنَاسِ، بأيِّ تَجَرُّؤٍ عَلى شَنِّهِ، في المُقَابِلِ الأنْكَى، عَلى «الآلاتِ» من «العُرْبَانِ» في الدُّويْلاتِ بالذَّوَاتِ وهُنَّ «المُطَبِّعَاتُ» الأُولَيَاتُ، بلا مُنَازِعٍ، معَ تلك الدُّوَيْلَةِ التي يَدْعُونَهَا «إسرائيل». كَمَا نَوَّهَتْ إحدى المُعَلِّقَاتِ الفَطِينَاتِ عَمَّا مَعْنَاهُ هُنَا، لا أظنُّ أنَّ هناك «مُحَلِّلاً سِيَاسِيًّا»، أوْ «كاتبًا صِحَافِيًّا»، عربيًّا شريفًا في أيِّ طَاقِمِ تَحْرِيرٍ عربيٍّ لأيَّةِ صَحِيفةٍ رَسْمِيَّةٍ عربيَّةٍ، حتَّى لَوْ شَهِدَتْ كلُّ مَعَاشِرِ الإِنْسِ والجِنِّ عَلى «شَرَفِهِ»، من المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأقْصَى – والافتتاحِيَّاتُ منْ طَاقِمَ التَّحْريرِ المَعْنِيِّ اللواتي تَدُلُ عَلى هٰذا التَّنْوِيهِ بالبُرهَانِ القَطْعِيِّ أيَّمَا تَدْلِيلٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى!

وفي الأخيرِ من جهةٍ أولى، إذن، لقدِ استمرَّتْ أمريكا ترامب وَقْتَئِذٍ في الالتذاذِ باللَّعِبِ اللامرئيِّ معَ إيرانِ الخامنئي (لا الخميني، كما كانَ يغرِّدُ المَسْطُولُ الأَوَّلُ)، قدِ استمرَّتْ أمريكا في تلعيبِ إيرانَ عَلى أحبالٍ لامرئيَّةٍ كذاك ثَمَنًا لتَسْلِيمِ الأولى الأخيرةَ العراقَ «عَلى طَبَقٍ منْ ذَهَبٍ، أوْ منْ فِضَّةٍ»، كمَا يَحْلَوْلِي للكثيرِ من المُحَلِّلِينَ السِّيَاسِيِّينَ والكَتَبَةِ الصِّحَافِيِّينَ استعْمَالُ هٰذا التعبيرِ العُبُودِيِّ قلبًا وقالبًا. وهٰذا الالتذاذُ باللَّعِبِ اللامرئيِّ، هٰهُنا، إنْ هو إلَّا شكلٌ من أشكالِ النُّزوعِ إلى التلاعبِ بالتباسيَّةِ الدالِّ اللاواعي، كأمرٍ مقضيٍّ، شكلٌ من نزوعٍ من العسيرِ جدًّا فَصْلُهُ فَصْلًا كُلِّيًّا عنْ جِنْسَانِيَّةِ كلٍّ من الملتذِّ اللاعبِ والملتذِّ الملعوبِ بهِ (ترامب والخامنئي، والحالُ هٰذِهِ، على الترتيبِ)، شكلٌ من نزوعٍ سمَّاهُ المُحَلِّلُ النفسانيُّ الفرنسيُّ، جاك لاكان (1901-1981)، تسميةً بالنَّحْتِ المُركَّبِ Jouissance، في اللغةِ الفرنسيَّةِ، وسمَّيتُهُ، بدَوْرِي، تسميةً بالنَّحْتِ المُركَّبِ «الرَّعِبُ»، في اللغةِ العربيَّةِ، لكيْ يُوِحيَ إيْحَاءً جِنْسَانِيًّا، فيمَا يتبدَّى، بكُلٍّ منْ دلالةِ «الرَّعْشَةِ» ودلالةِ «اللَّعِبِ» في آنٍ واحدٍ – وكأنَّ ترامب والخامنئي المعنيَّيْنِ كِلَيْهِمَا، بالتعبيرِ النفسانيِّ الكاشفِ والصَّريحِ، والمآلُ هُنَا، وكأنَّهُمَا يُمَارِسَانِ الجنسَ الذُّهَانِيَّ ممارسةً «رَعِبِيَّةً» عَلى تيك الطريقةِ الإنجيليَّةِ-الصَّفويَّةِ (الشِّيعِيَّةِ)، لأنَّ منْ مقتضيَاتِ هٰذا الالتذاذِ باللَّعِبِ اللامرئيِّ أنْ يشتدَّ الانجذابُ الجنسيُّ الذُّهَانِيُّ كلَّمَا احتدَّ العداءُ (المرئيُّ) بينَ الملتذِّ اللاعبِ والملتذِّ الملعوبِ بهِ، تمامًا كمَا ينعتُ عَلَنًا كلٌّ من المَعْنِيَّيْنِ الآخرَ نَعْتًا تكفيريًّا استهجانيًّا بـ«الشَّيطانِ الأكبرِ»، أوْ بـ«الشَّرِّ الأعظمِ»، وكلٌّ في الآنِ ذاتِهِ يلتذُّ التذاذًا «رَعِبِيًّا» بما يكتسبُهُ اكتسابًا ماديَّا و/أو معنويًّا منْ جرَّاءِ ذٰلك كلِّهِ، في آخِرِ المَطافِ (كاجتياح إيرانَ لأربعٍ من العواصمِ العربيَّةِ حتَّى الآنِ، ومكتسباتُ أمريكا منْ «صَفْقَتِهَا التَّطْبِيعِيَّةِ» لمْ تعدْ خافيةً على أحدٍ، في هٰذا الأوَانِ). وفي الأخيرِ، من جهةٍ أخرى، لقدِ استمرَّتْ أمريكا ترامب في الالتذاذِ باللَّعِبِ المرئيِّ معَ تركيا أردوغانَ بدورِهِ هو الآخَرُ، قدِ استمرَّتْ أمريكا في تلعيبِ تركيا عَلى أحبالٍ مرئيَّةٍ كذاك ثَمَنًا لتَنْدِيبِ الأولى الأخيرةَ على شمالِ سوريا إشباعًا لمآربِهَا التوسُّعيَّةِ، ولتَسْخيرِهَا منْ ثمَّ الأغلبَ و«الأقوى» منْ فصائلِ المعارضةِ السوريَّةِ، ولتَحْويلِهَا فضلًا عنْ ذٰلك كلِّهِ إلى فصائلَ مرتزقةٍ مأجورةٍ لا تختلفُ، منْ حيثُ المبدأُ الهمجيُّ والبربريُّ، عن «الكتائبِ الحَميدِيَّةِ» حينذاك، فصائلَ مرتزقةٍ مأجورةٍ لا تستخدمُها تركيا أردوغانَ القوميِّ الفاشيِّ منْ أجلِ تحريرِ الشَّعبِ السُّوريِّ منْ إجرامِ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ الفاشيِّ، من طرفِهِ هو الآخَرُ، بلْ منْ أجلِ القضاءِ على الشعبِ الكرديِّ بدلًا منهُ حتَّى، بدءًا منْ وَحَدَاتِ الحزبَيْنِ الكرديَّيْنِ الشهيرَيْن، الأصلِ «حزبُ العمالِ الكردستانيِّ» PKK، والفرعِ «حزبُ الاتحادِ الديمقراطيِّ» PYD، ذينك الحزبَيْنِ اللذين لا ينيَانِ يقُضَّانِ مضجعَ «السلطانِ العثمانيِّ الجديدِ» في اليَقَاظِ وفي المنام – الجِمَاعُ الجنسيُّ بينَ ترامب وأردوغانَ، هٰهُنا، لا يحيدُ عنْ سَابقهِ كثيرًا (خصُوصًا وأَنَّ الأَوَّلَ مشهُورٌ بصِفَتِهِ «هَبِّيشَ» إباحيَّاتٍ من الدرجةِ الأولى)، الجِمَاعُ الجنسيُّ بينَهُمَا لا يحيدُ كثيرًا مَا خَلا أنهُ جِمَاعٌ عُصَابيٌّ يمارسُهُ الاِثنانِ ممارسةً «رَعِبِيَّةً» عَلى تيك الطريقةِ الإنجيليَّةِ-العثمانِيَّةِ (السُّنِّيَّةِ) في المقابلِ، نظرًا لأنَّ هٰذا الالتذاذَ باللَّعِبِ المرئيِّ لا يقتضي احتدادَ العداءِ (المرئيِّ) بينَ الملتذِّ اللاعبِ والملتذِّ الملعوبِ بهِ، في هٰذِهِ الحَالِ. والطُّغاةُ العُتاةُ المُصْطَنَعُونَ من «العُرْبَانِ» و«العَرَبِ» و«المُسْتَعْرِبينَ»، طُغاةُ التهدُّمِ لا التقدُّمِ، منْ طرفِهِمْ همُ الآخرون، ليسَ لهُمْ إلَّا أنْ يمارسُوا الجِمَاعَ الجنسيَّ الذُّهَانِيَّ و/أو العُصَابيَّ فيمَا بينَهُمْ بالذواتِ ممارسةً «رَعِبِيَّةً» مرئيَّةً و/أو لامرئيَّةً عَلى تلك الطريقةِ الوَهَّابِيَّةِ السَّلَفِيَّةِ أو حتَّى الخَلَفِيَّةِ (المُحْدَثَةِ)، حَسْبَمَا يَنْتَوِيهِ حَالُ التظاهُرِ الفاعليِّ بـ«العَداوةِ» تارةً، وحَسْبَمَا يَبْتَنِيهِ حَالُ التَّمَظْهُرِ المنفعليِّ بـ«الصَّداقةِ» تارةً أخرى. بَيْدَ أنَّهُمْ، رغمَ ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ الذي يتَّصِفُونَ بهِ جَميعًا، ولا رَيْبَ فيهِ بَتًّا وبَتَّةً، بَيْدَ أنَّهُمْ مُخْلِصُونَ بـ«الذَّكَاءِ» المُقَابلِ كُلَّ الإخلاصِ العَضُودِ لِمَا يَرْمِي إليهِ بيتُ المتَنَبِّي المُغَمَّسُ بإكْسِيرِ الخُلُودِ: «وَمِنَ العَداوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ / وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ وَيُؤْلِمُ». وليسَ لهُمْ، في ذاك، منْ كُلِّ هٰذا التَّجامُعِ الجنسيِّ الذُّهَانِيِّ و/أو العُصَابيِّ، وليسَ لهُمْ منْ كلِّ هٰذا التظاهُرِ الفاعليِّ بـ«العَداوةِ»، أوْ منْ كلِّ هٰذا التَّمَظْهُرِ المنفعليِّ بـ«الصَّداقةِ»، سوى التَّسَانُدِ والتَّعَاضُدِ الجِمَاعِيَّيْنِ الحَمِيمَيْنِ فيمَا بينَهُمْ سَعْيًا حثيثًا وَرَاءَ الاِبتكارِ اللاإنسانيِّ واللاأخلاقيِّ، لا بلْ سَعْيًا دؤوبًا وَرَاءَ الاِبتكارِ مَا دُونَ-الحَيَوانيِّ ومَا دُونَ-البهيميِّ، لأحدثِ الأسَاليبِ وأنجعِهَا وأكثرِهَا دَمَويَّةً ووَحْشِيَّةً وحُوشِيَّةً وهمجيَّةً وبربريَّةً منْ أجلِ القَمْعِ والسَّحْقِ «النِّهَائِيَّيْنِ» لكلِّ ثَوَرَانٍ شَعْبِيٍّ يهدِّدُ وُجُودَهُمْ ويَهُزُّ كِيَانَهُمْ ويُقَوِّضُ عُروشَهُمْ، في أيِّ صُقْعٍ منْ أصْقَاعِ هٰذا العَالَمِ العَرَبيِّ الرَّثِيمِ – فالطاغيةُ العتيُّ المصطنَعُ عبد الفتاح السيسي، من جَانِبِهِ، يُضَاعِفُ منْ حَالاتِ الاعتقالِ والإخْفاءِ القَسْرِيِّ والقتلِ الفُجَائيِّ بالعَشَرَاتِ وبالمئاتِ، بلا توقُّفٍ، وبالأخَصِّ بعدَ أنْ لَقِيَ الرئيسُ الأسبقُ محمد مرسي حَتْفَهُ وهو في قفصِ الاتَّهَامِ قسرًا، ذٰلك الحَتْفَ الذي سَيَبْقَى وَصْمَةَ عَارٍ وخِزْيٍ في جَبِينِ هٰذا النظامِ السيسيِّ الاستبداديِّ الفاشيِّ إلى أنْ يأتيَ آنُ زَوَالِهِ بسَواعِدِ المصريَّاتِ والمصريِّين عاجلًا أو آجلًا، لا مَحَالَ – والطاغيةُ العتيُّ الأكثرُ اصْطناعًا بشار الأسد، منْ طرفِهِ هو الآخَرُ، يُوَاصِلُ، بالسِّلاحِ والعَتادِ الرُّوسِيًّيْنِ جَوًّا والإيرانيَّيْنِ برًّا، يُوَاصِلُ التفنُّنَ، دُونَمَا انقطاعٍ، في ارتكابِ المَجَازرِ النكراءِ تلوَ المجَازرِ الشنعاءِ في الشَّمَالِ والشَّمَالِ الغربيِّ منْ سُوريا بالذاتِ، ووَسْطَ صَمتٍ قُبُوريٍّ كتومٍ في كلٍّ من العَالَمِ الغربيِّ «الديمقراطيِّ» والعَالَمِ الشرقيِّ الأوتوقراطيِّ، ووَسْطَ بُزوغِ إرهَاصَاتٍ من الثَّوَرَانِ الشَّعْبِيِّ هُنَا وهُناكَ، عَلى الرَّغْمِ من كُلِّ ذٰلك – وثَمَّةَ قتلٌ في ليبيا اللَّهِيفَةِ بالجُملةِ منْ لَدُنِ الحَفْتَرِيِّينَ، وثَمَّةَ قتلٌ وقتلٌ في اليَمَنِ «اللاسعيدِ» بالجُملةِ والمُفَرَّقِ منْ قِبَلِ الحُوثِيِّينَ، وثمة قتلٌ وقتلٌ وقتلٌ وتدميرٌ وإبادةٌ في غزَّةَ الحَزينةِ حتَّى بالوصَايةِ المُثْلَى حضوريًّا، وبالوصَايةِ اللامُثْلَى غيابيًّا، وعَلى أيْدِي أحقرِ وأوضعِ الإسْرَائيليِّينَ المستكلِبين والمستذئبينَ، وعَلى ألْسِنَةِ «أطهرِ» و«أودعِ» العَبَّاسِيِّينَ المُنَسِّقِينَ الأَمْنِيِّينَ مع الصهاينةِ الأمريكيينَ، أولٰئك الفَتْحَاوِيِّينَ القادمينَ تباعًا وإتباعًا وسراعًا من أَوْسَاطِ «اليَسَارِيِّينَ الماركسيِّينَ» و«اليَسَارِيِّينَ اللاماركسيِّينَ» و«اليَسَارِيِّينَ الماركسيِّينَ-اللاماركسيِّينَ»، إلى آخرِهِ، إلى آخِرِهِ.

مَرَّةً أُخْرَى، يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ، وآنَ الآنَ للحَقِّ عَلى شَفِيرِ هٰذا «الشِّقِّ» أنْ يُقَالَ، يُعْجِبُنِي كثيرًا كُلُّ شَيْءٍ من اليَسَارِ الماركسيِّ الحَقِيقِيِّ الحَقِيقِ في الآلِ والمَآلِ، خَلا، حَقًّا، أيِّ شَيْءٍ يَتَشَيَّأُ بالقُوَّةِ، دَعْكُمَا مِنْ تَشَيُّئِهِ بالفِعْلِ، عنْ أولٰئك الزَّاعِمِينَ والمَزْعُومِينَ عَليهِ منْ سَائِرِ الاِزدواجِيِّينَ والاِنتهازيِّينَ والاِنهزاميِّينَ والاِنكسارِيِّينَ والاِنكشارِيِّينَ، ومنْ سَائِرِ أَمْثَالِهِمْ كذاك، بطبيعةِ الحَالِ. ولا أَسْفَلَ، لا أَسْفَلَ، منْ هٰؤلاءِ، ولا أَفْسَلَ، لا أَفْسَلَ، منْهُمْ (ومنهُنَّ، تَبْعًا بالإيحَاءِ والإيمَاءِ) سِوَى أولٰئك «المُتَمَرْكِسِينَ» و«المُتَمَرْكِسَاتِ»، أولٰئك «المُتَأَدْلِجِينَ» و«المُتَأَدْلِجَاتِ»، أولٰئك المُتَذَبْذِبِينَ والمُتَذَبْذِبَاتِ تَذَبْذُبًا ليسَ ثَمَّ بَعْدَهُ، وليسَ ثَمَّ قَبْلَهُ، منْ تَذَبْذُبٍ في المُنَاوَرَاتِ وفي المُحَاوَرَاتِ وفي المُؤَازَرَاتِ بَيْنَ أَنْجَاسِ النظامِ الطُّغْيَانيِّ العُرْبَانِيِّ والعِبْرَانِيِّ والغُربَانيِّ وأَذْنَابِهِمْ وبَيْنَ أَرْجَاسِ الظَّلامِ «الإسلاميِّ» والإيرانيِّ والعُثْمَانِيِّ وأَرْبَابِهِمْ – هٰذا إنْ لَمْ نَقُلْ أيَّ شيءٍ آخَرَ عنْ سَفَالَتِهِمْ وسَفَالَتِهِنَّ وعنْ فَسَالَتِهِمْ وفَسَالَتِهِنَّ، وهُمْ يتشدَّقُونَ وهُنَّ يتشدَّقْنَ أيَّمَا تَشَدُّقٍ بعباراتِ «النقدِ الثوريِّ البَنَّاءِ والعَمَّادِ» وعباراتِ «النقدِ الثوريِّ النَّصَّاحِ والجَدَّادِ»، و«الحَرْبُ مَسْألَةُ القَطِيعِ لِمَنْ يَدُكُّونَ الجِيَادَ»، و«الحَرْبُ خَاتِمَةُ الجُنُونِ، وَبِالجُنُونِ يُحِيلُهَا السِّمْسَارُ مَائِدَةَ الجَرَادِ»، و«طَبِيعَةٌ ثَكْلَى، وَإرْمٌ لا تَقِرُّ بِمُسْتَقَرٍّ أوْ عِمَادٍ»، ومَا إلى هٰذا مِنْ صَخْرَةٍ في وَادٍ، ومَا إلى ذاك مِنْ حُفْرَةٍ في مِهَادٍ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج