الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهابي؟

فالح مهدي

2024 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



ما الذي يمكن ان يكون أكثر تدميراً للأم والأب من فقدان طفل يمثل اعز ما يملكون؟ لا يمكن لكائن ان يقيس مأساة من هذا النوع دون ان يختبرها. قد يكون ذلك الفقدان ناتجاً عن مرض، او عن حادث سيارة، ولكن عندما يكون قتل ذلك الطفل نتيجة عمل " إرهابي "، حيث يقوم الفاعل بتفجير نفسه بحزام ناسف او يقتل على يد الشرطة، فلا يمكننا توجيه اللوم له.
في الرابع من ديسمبر 1997 وفي شارع بن يهودا في قلب مدينة القدس، فجّر ثلاثة انتحاريين من حماس أنفسهم، فقتلوا خمسة اشخاص من بينهم فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً تدعى سمادار.غادرت تلك الفتاة ، بيت ابويها لشراء كتاب. فكانت من ضمن القتلى. تحمل هذه الفتاة اسماً مرموقاً فجدها هو ماتيتاهو بيلر، أحد مهندسي حرب حزيران في عام 1967، قبل ان يصبح " حمامة " وأحد ابطال ما يسمى " محادثات باريس " وهي اللقاءات السرية الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الإسرائيليين.
رئيس الوزراء في تلك الفترة لم يكن إلا بنيامين نتنياهو، والذي وعد بتدمير اتفاق أوسلو الموقع في عام1993 ونجح في ذلك، قام بالاتصال بوالدة سمادار، السيدة نوريت، حيث كان صديق المدرسة معها وقبل ذلك صديق الطفولة، لتقديم التعزية فردت عليه " بيبي لم فعلت ذلك؟" محمّلة إياه مسؤولية وفاة ابنتها. وعندما حاول هذا المجرم تبرير الجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين، كان ردها على النحو التالي" بالنسبة لي،لايوجد فرق بين الإرهابي الذي قتل ابنتي وبين الجندي الإسرائيلي الذي لم يسمح لامرأة فلسطينية حامل بعبور حاجز الطريق لكي تلد في المستشفى، لذا فقدت طفلها في النهاية (راجع مقال آلان غريش في اللموند دوبلوماتيك على النجو التالي (Alain Gresh : Barbares et civilisés ,Le monde diplomatique ,20223, N0836_70,Novembre2023)
تضعنا هذه السيدة في ردها على بنيامين نتنياهو، أمام مأزق يتعلق بمفهوم الارهاب، ذلك انها قالت لهذا المجرم الكبير" لا يوجد فرق بين الإرهابي الذي قتل ابنتي وبين الجندي الإسرائيلي الذي لم يسمح لامرأة فلسطينية حامل بعبور حاجز الطريق لكي تلد في المستشفى "
توقفت طويلاً امام هذه المعادلة، ذلك ان الأول يتضمن القيام بعمل، في حين ينطوي الثاني عن الامتناع عن عمل. الفلسطيني الذي فّجر نفسه وقتل عدداً من الإسرائيليين المدنيين، قام بذلك الفعل المتمثل بتفجير نفسه، أيّ قتل نفسه وقتل اخرين أبرياء بل ربما يكونون من المدافعين عن حق الفلسطيني بدولة مستقلة وبحياة كريمة، ولكن عندما تفقد الامل وتهان وتعتقل دون سبب، تجد ان موتك وموت الاخرين معك حق مشروع.

الإرهاب لا يحتاج الى جيوش وطائرات وصواريخ، بل غالباً ما يقوم بالعمليات الإرهابية افراد قلائل، بل حتى الأفعال الإرهابية التي تقوم بها دولة من الدول لا تحتاج الى جيوش بل فئة قليلة من المدربين جيداً.
يعتقد بعض المفكرين ان قراصنة الانترنت يمثلون شكلاً من أشكال الإرهاب لا سيما اذا تعلق الامر باقتحام نظام معلوماتي ذي قيمة استراتيجية، او الغرض منه شل الفعاليات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بل حتى السطو الالكتروني على معلومات مهمة تتعلق بالمرضى أو تعطيل أجهزة المستشفيات مقابل مبلغ كبير من المال قد يصل الى ملايين الدولارات، هو شكل من اشكال الارهاب.
الحرب على الإرهاب، الشعار الذي اختاره الرئيس الأمريكي جورج دبليوبوش، كان " مضللاً وبعيداً كلياً عن الدقة. فلا دخل للشعب الافغاني بما فعله بن لادن عند هجومه على البرجين في 11 سبتمبر من عام 2000.
بل نجد الدول العظمى تتنافس في مجال الميكروبات والبكتريا. وهذا السلاح الخفي والمتطور والذي يعتمد على تقنيات حديثة، يمثل بذاته شكلاً من اشكال الارهاب
في هذا الغرب الذي يدعّي التحضرويكيل بمكيالين وقام بتدمير حضارات وشعوب من اجل ان يبقى متسّيداً،لازال مصطلح "إرهابي" موضع جدل بين مفكريه وكتابه.
هتلروعلى سبيل المثال قال عندما تناول موضوع الإرهاب " القسوة تثير الإعجاب. القسوة والقوة الوحشية محط اعجاب رجل الشارع. الإرهاب هو الطريقة الأكثر فاعلية في السياسة". بل يعتقد البعض ان إرهاب الدولة هو الأصل في معظم أشكال الإرهاب. من الملاحظ ان مفهوم الإرهاب كان من نتاج الثورة الفرنسية
وعلى ضوء هذه المقدمة نجد صعوبة بالغة بتعريف الإرهاب ، وهذه الصعوبة التي تحدت كبار المفكرين واللغويين،لا زالت دون حل.
من التعريفات الشائعة لمفهوم الإرهاب نجد هذا التعريف " جريمة ضد حياة انسان اخر. ويفترض هذا التعريف ان يكون الإرهابي مدني، أي لا علاقة له بالجيوش والتنظيمات داخل دولة من الدول، كما يمكن ان يكون الإرهاب وحسب تلك التعريفات التي وردت باللغات الاوربية، الاستيلاء على السلطة في بلد ما وفرض نظام شمولي يصبح فيه سكان تلك الدولة رهائن بيد ذلك النظام فيمكنه قتل أو سجن من يريد منهم دون أي اعتبار للقانون والأعراف. ولنا في هذا الصنف من الإرهاب والذي يمكن ان نطلق عليه " إرهاب الدولة" أمثلة لا حصر لها وهو صنف من الإرهاب لا تلجأ اليه إلا الأنظمة المستبدة والتي لا تعير ذرة احترام للإنسان وحقوقه. ولو اكتفينا بصدام حسين فسنجد ان الغرب ولا سيما الولايات المتحدة وقفت معه ودعمته، ولم تعر اهتماماً للتقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، بشأن هذا النظام. ولم يفقد ذلك النظام التأييد الكاسح له من قبل الولايات إلا عندما قام باحتلال الكويت....
كما يذهب تعريف اخر باستخدام العنف كتكتيك متمثل بالتخريب والهجمات والقتل والخطف وأخذ الرهائن لأغراض سياسية تهدف الى زعزعة الاستقرار في دول معينة.
ونتيجة خلو النظام الدولي من تعريف دقيق للارهاب الدولي، فهو فضفاض ويخدم قوى عظمى كالولايات المتحدة التي مارست ولم تزل هذا الصنف من الإرهاب. لقد قامت الأمم المتحدة بارتكاب جريمة وذلك من خلال الأذن الذي منحته للولايات المتحدة باستخدام جميع الوسائل التي تعتبرها الولايات المتحدة مناسبة لحماية نفسها من "الإرهاب الدولي"!
ومن المضحك ان من اطلقت عليهم الولايات المتحدة "إرهابيين"الأفغان، هم نفسهم لم يكونوا إلا مقاتلين ومجاهدين " من اجل الحرية" في حربهم ضد السوفييت ! كما أشاع الاعلام الغربي حينذاك
هل يمكننا ان نعتبر نضال الجزائريين في وقوفهم ضد الفرنسيين والايرلنديين في حربهم ضد الإنكليز والفلسطينيين في صمودهم ضد البربرية الإسرائيلية إرهابا؟
لو خرجنا من التاريخ وحاولنا تعريف الإرهاب، فسنجد تواتر الرجوع الى مصطلح إرهاب في المحافل الدولية، دون الوصول الى تعريف واحد متفق عليه عالمياً. واذاعدنا الى جاك دريدا فهو يعود الى التعاريف القانونية الشائعة لمفهوم الإرهاب فيجدها قاصرة عندما تشير الى جريمة ضد انسان اعزل أو برئ أو تنطوي على التمييز بين المدني والعسكري (من المفترض ان يكون ضحايا الإرهاب مدنيين) او لهدف سياسي الغرض منه ترويع الأبرياء. ( Qu est -ce que le terrorisme international ? Le mond Diplomatique , Févier, 2004)
فيما يتعلق بالحروب فهناك اتفاقيات وقوانين دولية تمنع ترويع وقتل المدنيين الأبرياء ولكن لم تلتزم حتى القوة الأعظم في العالم وحتى هذه اللحظة بتلك الاتفاقيات والقوانين الدولية، فقامت الولايات المتحدة بدفن الجنود العراقيين في خنادقهم وهم وفي حالة استسلام ... بل استخدمت اليوارنيوم المخضب ذلك السلاح الخطير الذي قتل ولا زال يحصد أرواح العراقيين الأبرياء نتيجة اثاره البعيدة المدى، ولم يكن ذلك الفعل البربري وحيداً فقد افرطت الولايات المتحدة باستخدام القوة مع كل من حاربته ولنا في فيتنام مثلُ ساطعاً. وهذا ما فعلته إسرائيل مع الجنود المصريين في حرب 1967 حيث أمرتهم بحفر قبورهم ومن ثم رمتهم بها ...
وهناك إرهاب الدولة بحق أبناء شعبها وهنا نجد امامنا امثلة لا حصر لها لاسيما في دول العالم الثالث.
ومع كل الجهود العظيمة التي بذلت ولم تزل ليس هناك تعريف واحد مقنع لمفهوم الإرهاب.
وبما ان هذا المقال يطمح بمعالجة موضوع الإرهاب في هذه المنطقة من العالم، نجد ان المخابرات الإسرائيلية قامت بين الأعوام 1979ــ 1983 وفي بيروت بسلسة من عمليات السيارات المفخخة والتي أدت الى قتل مئات المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين واللبنانيين، كان وراءها "جبهة تحرير لبنان من الأجانب"، وهي جهة من ابتكار الموساد الإسرائيلي. قال الجنرال الإسرائيلي دافيد اكمون، ان الغرض من تلك العمليات هو أحداث فوضى في صفوف اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين دون ترك أيّ أثر على تورط اسرائيل. كان الغرض من ذلك دفع منظمة التحرير الفلسطينية للجوء الى نفس الطريقة حتى تقوم إسرائيل بغزو لبنان على حد قول الصحفي الإسرائيلي رونِن بيرجمان في مقاله عندما تقوم اسرائيل بخلق مجموعة إرهابية لنشر الفوضى في في لبنان ( Ronen Bergman,Quand israel créait un groupe terroriste pour semer le chaos au liban, Orient XXI,20 juin 2018)

الفرق بين المقاومة والإرهاب
أشار ألبرت كامو إلى ان الشر يحدد الأشياء وذلك بإضافة كارثة اخرى الى هذا العالم المضطرب. فقام بتحديث صيغة سقراط في فيدون " التعبير الشرير لا ينفجر فقط فيما يتعلق بالشيئ الذي يعبر عنه، لكنه يسبب ضررا في النفوس. هناك جهود حثيثة لردم الهوة العظيمة بين الإرهاب والمقاومة. المقاومة تهدف إلى اقامة نظام عادل او التعبير عن واقع بائس تهدر به حقوق الانسان.
المقاومة هنا تطمح إلى إزالة الشر الذي سعت اليه وراكمته الرأسمالية العالمية مثلاً، من قبيل التلوث البيئي أو الوقوف بحزم امام الماكنة الرهيبة التي تنزع الى تشيئ الإنسان، في حين هدف الإرهاب الموت من اجل الموت، او العودة الى ماض متخيل عبر سفك دماء الأبرياء والقيام بمجازر بشرية كما فعلت القاعدة وداعش مثلاً. هناك نوع من الإرهاب تمارسه شبكات المافيا فيما بينها أو السعي لقتل من يقف امام اعمالها الاجرامية.
الخلط بين " المقاومة والإرهاب، لا ينتج عن جهل وعيب معرفي، بل هو تعبير عن نقص أخلاقي.
هل حماس منظمة إرهابية؟
على ضوء ما ذكرناه لا يمكن اطلاقاً اعتبار حماس منظمة إرهابية، بل تفتح لها "المقاومة " كمفهوم وتعريف" أوسع أبوابها.
وحتى أكون أكثر وضوحاً باعتباري رجل قانون اولاً، لا يمكن بنظر القانون الدولي اعتبار حماس منظمة إرهابية، بل تقوم بفعل المقاومة لمحتل بربري لا يتوانى عن قتل وتدمير الآخر. انا أقف على الضد من فلسفة "حماس" في كل ما يتعلق بالحياة، لكنني لا استطيع ان ادينها واعتبرها منظمة إرهابية. فالفرق بينها وبين داعش لا يختلف عن الفرق بين الليل والنهار. حماس لا تقتل من اجل القتل بل لأن الفلسطينيين ولا سيما أبناء غزة، في قعر الجحيم. قام ناتنياهو ومنذ عودته الى السلطة في عام 2008، بفرض حصار لا مثيل له على غزة. فكما يذهب الباحث اليهودي ألون بن مئير« فرض نتنياهو حصارًا صارمًا على غزة. من الصعب وصف القنوط واليأس اللذين اجتاحا السكان البالغ عددهم حوالي 2.1 مليون نسمة والذين يعيشون فيما يرقى إلى معسكر اعتقال. أكثر من 70% من السكان تحت سن 25 عامًا، يعيشون بلا أمل، محرومين من تحقيق أحلامهم على الإطلاق. استخدم نتنياهو تهديدات حماس ضد إسرائيل كذريعة لتبرير حصاره الوحشي، مدركا ً أنه كان يزرع بذورا سامة تصيب كل شاب فلسطيني نشأ ولا يطمح لشيء إلا إلى الانتقام من إسرائيل. لقد خلق نتنياهو برميل بارود في غزة كان لا بد أن ينفجر، وقد حدث ذلك. أيّ رئيس وزراء يتمتع بضمير حي كان سيستقيل، إلاّ نتنياهو.» (راجع موقع ألون بن مئير في 18 أبريل 2024).
بل يذهب نفس الباحث «لم يكن هناك أي مبرر لعمليات القصف المكثف، والتي كانت جزئياً عشوائية ومليئة بالرغبة الفجة في الانتقام. فكيف يمكن تفسير موت ما يقرب من 33 ألف فلسطيني، 70% منهم من النساء والأطفال؟ فهل فكر نتنياهو يوما في الشعب الفلسطيني باعتباره بشرا له آمال وأحلام، مثل أي إسرائيلي؟ هل خطر بباله أنه مقابل كل طفل فلسطيني يقتل في هذه الحرب، يولد أربعة أو خمسة للانتقام لمقتلهم؟».
لم تقف الفيلسوفة الامريكية جوديث بتلر والفيلسوفة نانسي فريزر وغيرهن كثير رجالا ونساء من أصحاب الوعي والضمير، مع العذاب الفلسطيني، اعجاباًَ بحماس بل وقوفاً مع الحق. فلم يتعرض شعب لما تعّرض الشعب الفلسطيني.
معظم الدول الاوربية (عدا اسبانيا وبلجيكا) وقفت مع إسرائيل وأعلن كبار المسؤولين في هذه الدول بعد احداث السابع من أكتوبر عن " مساندة اسرائيل ودون حدود " ولم تقم تلك النخب الحاكمة بما يقتضيه شرف الكلمة في هذه الدول التي تدعي التحضر في مواجهة البربرية، فأعلنت ودون مواربة انها مع الإرهاب وضد المقاومة.
في مقابل ذلك نجد بعض العرب ولا سيما من أبناء شبه الجزيرة العربية يلقون باللوم على الفلسطينيين وعلى اهل غزة ذلك انهم لم يرضوا بالعبودية وقاموا وما زالوا بمقاومة عدو بربري متعطش للدماء، بل ان بعض شباب الخليج العربي ممن يطلق عليهم "الشباب الذهبي" Golden boys، هجروا بيروت ووجدوا في تل أبيب أفضل مدينة تحتضن دعاراتهم ورخصهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر