الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تم تكفير علي شريعتي في إيران؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2024 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يعد علي شريعتي من أبرز المفكرين الإيرانيين الذين أثاروا الكثير من الإختلافات حوله بسبب ثقافته الواسعة جدا وإصراره على حريته أو ما يسميه ب"التمرد" وتفتحه على كل التيارات الفكرية العالمية سواء كانت إسلامية أو غربية وغيرها، مما جعل إمكانية تبنيه من مختلف هذه التيارات. فقد سبق لنا أن أطلعنا على جل كتبه بعد ما أشتريناها تقريبا كلها عام 2005 من دمشق بسوريا بحكم أننا كنا نسمع به كثيرا دون أن تقع كتبه في أيدينا من قبل لأنها كانت لا تدخل إلى الجزائر بإستثناء إطلاعنا على شذرات قليلة أو مقتطفات من كتابه "العودة إلى الذات" هنا أو هناك من الصحف والمجلات الذي يعد من آواخر كتبه قبل أن تغتاله السافاك في إيران عام1978.
لم تدخل للأسف كتبه إلى الجزائر إلا القليل جدا منها بعد الشروع في ترجمتها من الفارسية إلى العربية منذ ثمانينيات القرن20، ولعل يعود ذلك إلى ضعف الإقبال عليها بدعوى أنه "شيعيا"، خاصة بعد بروز الصراع الطائفي القاتل في المشرق الإسلامي بعد غزو العراق 2003 وتأثيره على البعض من ابناء الشعب الجزائري المعروف بأنه لا يولي لا هو ولا نظامه أهمية تذكر للإختلافات الطائفية قبل ذلك. نشير إلى أن أن شريعتي نفسه قد تجاوز النزعات الطائفية في كل كتاباته، كما كان صديقا وفيا للثورة الجزائرية عندما كان طالبا في باريس في نهاية الخمسينيات، فعرف الكثير من قياداتها ومثقفيها، وله علاقة وطيدة بفرانز فانون الذي تأثر به، وترجم مقتطفات من كتابه الأخير "المعذبون في الأرض" من الفرنسية إلى الفارسية. كما أن الرئيس هواري بومدين طالب، وضغط على شاه إيران لإطلاق سراحه في منتصف السبعينيات بحكم أنه صديق للجزائر ليس فقط بدعمه لثورتها، بل أيضا لتقاربه الإيديولوجي نسبيا مع نظام بومدين الذي هو مزيجا من الإسلام الثوري والإشتراكية ومعاداة الإستغلال الرأسمالي.
يتبين من خلال إطلاعنا على كل كتابات علي شريعتي أنها كلها نضال ضد النظام الرأسمالي العالمي الإستغلالي معطيا لذلك صبغة إسلامية منطلقا من قراءة قرآنية خاصة وصلت مثلا إلى درجة تفسير طبقي لقضية قتل قابيل لهابيل في خاتمة كتابه "العودة إلى الذات"، ليتوصل من خلاله إلى تفسير ماركسي بحت للتطور التاريخي للبشرية من شيوعية بدائية، فعبودية وإقطاع ورأسمالية، ويمكن أن نعود إلى ذلك مستقبلا. كما كان متأثرا نسبيا بماركس الذي يتفهم قوله بأن" الدين أفيون الشعوب"، فيقول أن ماركس وغيرهم من التنويريين في أوروبا لم يعرفوا تاريخيا إلا الممارسات الدينية التي سيطر عليها الإستبداد والإستغلال بدعم من الكهنة ورجال الدين الذين يبررون لهم ذلك بعد ما أختطف هؤلاء الأديان بعد وفاة أنبيائها، فحرفوها عن أصلها، ويظهر ذلك بجلاء في كتابه "دين ضد الدين، أين يثبت أن الصراع هو بين الدين الأصيل الذي جاءت به الأنبياء والرسل والدين المزيف عبر التاريخ بعد ما أختطفه الإستبداديون والإستغلاليون بمساعدة من رجال الدين، فينصح ماركس وغيره من التنويريين في أوروبا بالبحث عن الدين الأصيل الذي أتت به الأنبياء والرسل قبل ما يتم تحريفه على يد رجال الدين المتحالفين مع الإستبداد والإستغلال. لا يمكن لنا أن نفصل في كل ما كتبه شريعتي في هذه المقالة البسيطة جدا، ويمكن لنا العودة لها في مقالات قادمة حول الكثير من أفكاره التي هي مزيج من الإسلام والإشتراكية والوجودية، وهو ما يظهر بجلاء في جل كتبه كما قلنا، ومنها محاضرته الأخيرة قبل إغتياله المعنونة "ثالوث العرفان والمساواة والحرية ".
ان ما يهمنا في هذه المقالة هو: ماذا سيكون مصير علي شريعتي لو عاش الثورة الإيرانية حيث قتلته السافاك قبل إندلاعها بعام؟، فهل سيحتفى به كما يتم اليوم بالقول بأنه أحد مفجري هذه الثورة، وسيقف إلى جانب الخميني أم سيلقى نفس مصير الكثير من المفكرين والمثقفين والتيارات السياسية التي أشعلت فتيل هذه الثورة قبل أن تختطف من متطرفين، فيعدموا الكثير من كل هؤلاء؟.
فللإجابة على هذا السؤال وبحثنا حوله أكتشفنا أن شريعتي تم تكفيره من الكثير من رجال الدين في إيران سواء قبل الثورة بحكم نقده اللاذع لهؤلاء ودعوته إلى ما يمكن تسميتها ب"بروتستانتية إسلامية"، أي إبعاد أي واسطة بين الإنسان وربه، والتي تتجسد حسبه في رجال الدين الذين تخصصوا في الإفتاء وتفسير النصوص الدينية دون غيرهم كما كان البابا في الكاثوليكية، وهو ما جعلهم مثل اليهود والنصارى الذين جعلوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله. فقد عانى شريعتي كثيرا من الكثير من هؤلاء شأنه في ذلك شأن كل مفكر أو مثقف يعمل من أجل التجديد الديني كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبن باديس وغيرهم.
لكن إن وقع صراعه مع هؤلاء قبل الثورة الإيرانية، فإنه قد تم تكفيره صراحة في1980 من طرف عدد كبير من رجال الدين في إيران، ويأتي على رأسهم آية الله مصباح اليزدي الذي شكك في عقيدته الدينية، وقال عنه أنه من ضمن أولئك المفكرين والمثقفين الذين يتسترون بغطاء التجديد الديني والحداثة الإسلامية لضرب الإسلام في عمقه، وطلب من تلامذته في مدرسة الحقانية التأكد مما يقوله بالعودة إلى كتب ومحاضرات شريعتي ليكتشفوا مثلا أنه كان لا يؤمن بإمكانية أن يكون للوحي دور في حياتنا المعاصرة، وأن الإنسان قد بلغ اليوم من النضج أين لا يحتاج لذلك، فهو في نظره كفر، وقد أستند مصباح اليزدي في ذلك على تأويل لبعض ما كتبه شريعتي في الكثير من كتاباته، خاصة كتابه الشهير"معرفة الإسلام"، كما أعتبره آية الله مصباح اليزدي بأنه من المحرفين للإسلام تحت غطاء التجديد والحداثة الإسلامية، فقد وضع الكثير من هؤلاء المفكرين في هذا السياق.
ونشير أن آية الله بهشتي قد دافع عن شريعتي، ورد في محاضرات ولقاءات على هذه التهم الموجهة لشريعتي بحكم أنه يعرفه، لكن مع تأكيده بان شريعتي كي يخلط ويمزج عدة توجهات وتيارات فكرية غربية بالإسلام، ويقول أنه قد نصحه في ذلك بحكم لقاءاته معه. فمن يريد التأكد مما نقوله، فليعد إلى كتاب لآية الله بهشتي نشرته "دار الهادي" اللبنانية عام 2003 بعنوان " الدكتور علي شريعتي- باحث على طريق التكامل-"، وهو عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها بهشتي حول علي شريعتي عام 1980.
نشير أن بهشتي يعد من المتطرفين في إيران بعد تأسيسه الحزب الجمهوري الإسلامي، وكان وراء التأثير على الخميني ضد أول رئيس جمهورية إيران أبو الحسن بني صدر الذي شكك في صفاء إسلامه مثل الكثير من المفكرين المتفتحين على العالم، وقد قتل بهشتي عام 1981 في إنفجار بمقر حزبه أثناء الصراع بين مختلف التوجهات السياسية داخل إيران غداة نجاح الثورة.
قبل أن نواصل علينا أن نفتح قوس للإشارة إلى مسألة هامة طرحها آية الله بهشتي وهي مؤاخذته لعلي شريعتي حديثه الكثير عن أبي ذر الغفاري، وكذلك عن علي بن أبي طالب مقارنة بسيدنا محمد(ص)، ولو أن شريعتي له كتاب حول سيرة الرسول(ص) بعنوان "محمد خاتم النبيين- من الهجرة حتى الوفاة-". أن إشارتي لذلك هو كي أبين مختلف الأكاذيب التي تروج من أهل السنة حول الشيعة، ومنها قولهم بأنهم يعتبرون علي بن أبي طالب نبي، ويقدسونه، وكذلك الأكاذيب المختلفة أيضا التي يروجها الشيعة حول أهل السنة، مما يثير حزازات وصراعات طائفية مبنية على أوهام وأكاذيب تروج بين الطرفين لا وجود لها في الحقيقة.
يتبن لنا مما سبق، ومما تتبعناه حول شريعتي بأن مصيره سيكون الإعدام بعد الثورة بنفس الشكل الذي ووجه به تنظيم "مجاهدي خلق" لأن هذه الحركة الأخيرة بقيادة مسعود رجوي هي التي يمكن أن نقول بأنها أحتضنت نسبيا، وتعبر أحسن تعبير عن أفكار شريعتي. فهذه الحركة رغم إسلاميتها، فإنها متهمة من نظام الخميني في إيران بأنها تنظيم ماركسي يتغطى بالإسلام إلا لأنها تدعو إلى الإشتراكية ومناهضة الإستغلال الرأسمالي العالمي كما كان يفعل شريعتي في كل كتاباته.
نعتقد أن نفس المصير كان سيلقاة المفكر الجزائري مالك بن نبي لو عاش فترة الإرهاب في جزائرالتسعينيات رغم أن الكثير من الإسلاميين يتغنون ويحتفون به كما يتغنى ويحتفي الكثير من إسلاميي إيران بعلي شريعتي. فحتى بن نبي ستثار حوله الكثير من الشبهات بحكم تأثرة بغاندي وماوتسي تونغ وغيرهم كما تأثر شريعتي بماركس وسارتر وغيرهم أيضا، وأكثر من هذا، فإنه لو عاش بن نبي تسعينيات القرن الماضي سيصطدم بتلك الأحزاب الإسلامية التي ظهرت آنذاك منذ بداية تأسيسها، وسيعارضها بقوة بحكم أنه يرفض قيام أي حزب أو دولة بتجسيد فكرة أو دين كالإسلام لأنه -حسبه- هي أساليب إستعمارية لتسهيل عملية القضاء على تلك الفكرة أو ذلك الدين، وهو ما يوضحه بجلاء في الكثير من كتاباته، خاصة كتابه "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، فمعارضة بن نبي لذلك سيؤدي حتما إلى صدام مع هذه الأحزاب، وستنتهي بتصفيته كما تمت تصفية الكثير من المثقفين آنذاك.
ومادام نتحدث عن مالك بن نبين فإننا نشير بأن شريعتي لم يذكره على الإطلاق في كل كتاباته ومحاضراته، فلا نعرف إن لم يكن سمع به أو لا يتفق مع أفكاره هذا في الوقت الذي يذكر الكثير من الجزائريين المعجب بهم مثل فرانز فانون ومولود معمري وعمار أوزقان وغيرهم، بل أستشهد عدة مرات بفرحات عباس.
نعتقد أنه لا يتفق معه، خاصة حول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون الذي يعتبره مالك بن نبي أنه جاسوسا للإستعما ر ووراء كل مأساته، لكن علي شريعتي معجب بماسينيون بحكم أنه أستاذه في السوربون، بل ترجم شريعتي كتاب "سلمان الفارسي" لأستاذه ماسينيون من الفرنسية إلى الفارسية، وهو يعد أول إنتاج لشريعتي، ويرى شريعتي أن ما كتبه ماسينيون عن سلمان الفارسي أحسن من مئات الكتب التي ألفها رجال دين في إيران حول مواضيع لا تسمن ولا تغني من جوع -حسب نظره-. فمن المحتمل جدا أن نعود إلى مقارنة بين المفكرين مالك بن نبي وعلي شريعتي مستقبلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر