الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القبلية والتخلف في مواجهة الديمقراطية والدولة الحديثة في مصر

إلهامي الميرغني

2024 / 5 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


إنزعج العشرات من المثقفين الوطنيين في مصر من خبر الإعلان عن تشكيل إتحاد القبائل العربية والخوف من تكرار تجربة الدعم السريع وحميدتي الذي أشعل الحرب في السودان وتمرد علي الجيش النظامي. والحقيقة ان كل الانظمة الفاشية في العالم اعتمدت علي مجموعات مدنية مسلحة بأسماء مختلفة باختلاف التجارب السوداء في تاريخ البشرية. وهي تستخدم في تصفية المعارضين من ناحية وخوض الحروب القذرة من ناحية أخري.
أما في مصر فتتعالي الصرخات بأن هذا الاتحاد هو تجاوز للدولة الموحدة وللأمة المصرية الموحدة عبر التاريخ . وكأن هذا الكيان نبت فجأة ولم تسبقه مقدمات ممتدة بامتداد تاريخ مصر الحديثة منذ ثورة 1919 مروراً بثورة 25 يناير 2011 وحتي الآن.
حدث تقسيم في الريف بعد ثورة 19 فنصب كبار ملاك الأرض والاقطاعيين أنفسهم بحيث كان منهم أعضاء في الوفد ومنهم أعضاء في أحزاب المعارضة لكي يضمنوا تمثيل العائلة والقبيلة في مجلسي النواب ومجلس الشيوخ. ودائما ما استخدمت القبلية في مواجهة الديمقراطية ولأن تزوير إرادة الناخبين من اسماعيل صدقي وحتي الان اعتمد علي التصويت القبلي الجماعي لمرشح بعينه وحزب بعينه وللاسف فإن حزب الوفد ممثل الوطنية المصرية بعد ثورة 1919 لم يخلوا من هذه الظاهرة فكان حمد باشا الباسل وكل قبائل العرب في الفيوم تؤيد الوفد. طبعا لا يجب ولا يمكن المقارنة بين مناضل وطني مثل حمد باشا الباسل ورموز القبلية الآن من مهربي المخدرات وحماة عتاة المجرمين. لكن ما يجمع بينهم هو الاعتماد علي القبلية بكل عاداتها وروابطها.
واستمر التصويت القبلي والعائلي في الريف والمدن علي امتداد الفترة من 1919 وحتي 1952. ورغم الصدام الذي حدث بين الثورة ورموز الاقطاع الا ان هذه القبلية العتيدة استوعبت الموقف وضخت افراد منها واتباعها في تنظيمات يوليو من هيئة التحرير الي الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي. وحتي عندما بدأ السادات تجربة التعددية ظل ممثلي العائلات اعضاء في حزب مصر ثم الحزب الوطني حتي ثورة يناير فكان الاباظية في الشرقية بل أن سيد مرعي رئيس البرلمان ابن الشرقية كان ممثل لأسرة اقطاعية من الأسر التي التحقت بمركب يوليو بل ويعرف بأنه أبن القبائل العربية وكان يعتز بإنتمائه القبلي. وكذلك عائلات أبو ستيت وأبو سحلي إضافة للعائلات الجديدة الملتحقة بالحزب الوطني مثل عثمان احمد عثمان في الاسماعيلة ومحمود أبو وافية في البحيرة وال محي الدين في القليوبية وال مكرم عبيد في قنا والدكروري في المنيا. بل ان كمال الشاذلي ظل ممثل لدائرته الانتخابية من ايام الاتحاد القومي وحتي الحزب الوطني الديمقراطي فهل كان يتم انتخابه ديمقراطياً أما قبلياً وعشائرياً. كذلك منصور حسن في الشرقية وباقي قيادات الحزب الوطني الذين اعتمدوا علي الضغط الإداري وانحياز الأجهزة التنفيذية لهم بجانب استخدام العائلات والقبلية في حشد المؤيدين. وظلت الانتخابات تعرف التصويت الجماعي بامر الأسرة والعشيرة والقبيلة ولذلك ظلت الديمقراطية في مصر تعاني العديد من المشاكل وغياب المشاركة الحقيقية.
ومنذ ظهور المشاكل الطائفية في الصعيد في ثمانينات القرن الماضي اعتمدت الدولة والأجهزة الأمنية علي المجالس العرفية للصلح وانهاء الصراعات التي يتكرر تفجرها بشكل مستمر حتي الان. ورغم صدور قانون لدور العبادة الا ان المشكلة لازالت قائمة ولازلنا نسمع بين الحين والآخر عن تفجر صراع طائفي في قرية فقيرة من قري الصعيد. وربما تكون محافظة المنيا كانت ولازالت مركز للعديد من هذه الاحداث الطائفية. وفشلت المجالس العرفية في حل المشكلة في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية وحرمان المواطنين من تنظيم أنفسهم في الاشكال التي تناسبهم في نقابات وجمعيات أهلية وأحزاب سياسية .
لكن بعد ثورة 25 يناير فكرت الدوائر الأمنية في السلطة في البحث عن أشكال لمنع تكرار ما حدث ومنها ظهر اسم اتحاد القبائل العربية، المجلس الصوفي الأعلي وقد رأس عبدالهادي القصبي عضو المكتب السياسي للحزب الوطني مشيخة الطرق الصوفية وظل عضوا بالبرلمان حتي 2020.
ولا ننسي أنه في عام 2013 وقبل ايام من عزل مرسي اعلن عن تأسيس التحالف الوطني لدعم الشرعية "لحماية مكتسبات الشعب المصري الديمقراطية، وحراسة ثورته -25 يناير- من محاولات فلول النظام السابق الآثمة". وقد ضم التحالف بجانب الأحزاب الاسلامية ائتلاف اتحاد القبائل العربية بمصر، ومجلس أمناء الثورة، واتحاد النقابات المهنية الذي يضم 24 نقابة مهنية. لذلك أقول أن اتحاد القبائل العربية هو احد إفرازات الثورة المضادة بعد ثورة 25 يناير وهو أداة تستخدم علي مدي السنوات الماضية لدعم النظام ومرشحيه وسياساته .
لكن ما هو الجديد الآن؟
الجديد أن دور الاتحاد ووظيفته تتغير وتتطور وربما تصل لتشكيل مليشيات مسلحة بعيداً عن الجيش والشرطة لتستخدم في المهام القذرة ومطاردة واغتيال المعارضين وهنا مكمن الخطورة. فهي دعم سريع مصري او فاجنر مصري جديد بمهام جديدة تناسب مرحلة التطور التي تعيشها مصر الآن.
اعتقد انه يوجد شكلين للتنظيم الأول هو اتحاد القبائل العربية المصري وهو الذي يقسم الأمة المصرية الي عرب وغير عرب والآخر هو اتحاد القبائل العربية في الدول العربية ولا نعرف علي سبيل المثال هل سيضم الامازيغ في مصر والمغرب العربي ام لا؟! وفي جميع الأحوال هو خطر داهم يعود بنا لعصر ما قبل الدولة .
إننا أمام مرحلة جديدة من أزمة النمو والتطور في مصر وهناك مصادرة لكل مجالات العمل السياسي وبالتالي لا يوجد أفق لديمقراطية قريبة في ظل تأميم السياسة في الجامعات وحصار النقابات العمالية والمهنية وتزوير إرادة الناخبين ومنع كل حقوق التعبير السلمي عن الرأي وحصار كل اصحاب الرأي واغلاق المجال العام وتاميم الإعلام في الوقت الذي تباع فيه كل اصول مصر. الإعلام هو القطاع الوحيد الذي تصر الدولة علي تأميمه والسيطرة عليه لتشكيل الرأي العام .
لذلك نحن أمام مرحلة جديدة في الصراع وما اعلن هو مجرد الجزء العائم من جبل الجليد، وما خفي كان أعظم. إننا أمام استخدام ادوات للقهر والتخلف والاستبداد لفرض السيطرة علي الشارع والمواطن في مصر. لذلك اجدها معركة بين قيم العلم والحداثة والديمقراطية والمشاركة الشعبية وقيم القبيلة والعائلة والعرف والتخلف والاستبداد وتبرير الظلم.
إن القبلية ليست جديدة علينا ولكن بدأ توظيفها بما يخدم استقرار الاستبداد، وعلي كل قوي التقدم والديمقراطية أن توحد صفوفها في مواجهة الإشكال القبلية الجديدة والدفاع عن الديمقراطية التشاركية والدولة الحديثة .
3/5/2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. … • مونت كارلو الدولية / MCD كان 2024- ميغالوبوليس


.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح




.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با


.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على




.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف