الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغد صدام حسين .. إذا أبتليتم فاستتروا

جعفر المظفر

2024 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في يقيني أن رغد صدام حسين هي آخر من يحق لها الحديث عن أبيها بعد أن طعنته في ظهره وصيرته هُزُوًا لأغلبية العراقيين وفي المقدمة قبيلته التي صار من الطبيعي حتماً أن تنظر لشيخها صدام نظرة إستخفاف واستهجان وتستبدله بآخر لم يتسخ ثوبه وذلك حرصاً على الحكم حتى لا يضيع وتضيع معه مكاسب القبيلة المَلَكية.
واقع الأمر أن الضرر الذي ألحقته (رغد) بأبيها كان أشد بكثير من ذلك الذي ألحقته به قوات التحالف في معركة الكويت. لذلك يكون واجباً على رغد أن تبتعد كلياً عن كل ما يذكر الناس بها وذلك رحمة بأبيها, ففي كل مرة تظهر في وسائل الإعلام يتذكر الناس تلك الواقعة التي أكلت كثيراً من شيخ القبيلة وكانت رغد بطلتها بإمتياز.
لقد إضطُر حسين كامل آنذاك للهروب الى الأردن ليس بسب صحوة ضمير وإنما لان حياته باتت أمام خطر حقيقي, فلقد أشعل (عدي) الحرب على كل الرجال الذين يشكلون تهديداً حقيقياً أمام استيراثه للسلطه في حالة غياب أبيه, اذ بعد ان تم اخراج أعمامه من ساحة التنافس وموجهاً رصاصات كادت أن تكون قاتله لعمه وطبان, استدارلكي يجعل من حسين كامل هدفه التالي. وفي ليلة ظلماء فقدت بغداد "بدرها" ألذي أهلّ في سماء عمان, وباشر عملاً ثأرياً ضد الرجل الذي حوله من فلاح لم يتجاوز تعليمه الإبتدائية الى الرجل الثاني في دولته.
ومع أن "كامل" كان كريماً جداً في تبرعاته المعلوماتيه إلا أنه لم يحسن تسويقها, كما ان قراءته للموقف الأمريكي كانت خاطئه. هو وإبن عمه صدام كانا يقرآن العالم بعقلية الأفراد لا بعقلية الدول.
وكما وقع صدام في احدى أكبر أخطائه معتقداً أن أمريكا ستصفق له في أثناء أزمة الرهائن فان كامل اعتقد ايضا أنه سيملك مفتاح واشنطن بمجرد أن يعلن من خلال المنبر الأردني انه ضد صدام حسين.
هكذا أشعل حسين النار في نفسه حينما فاتته حقيقة ان الدولة الكبيرة لاتفكر بعقلية العشيرة.
إن أمريكا كانت سعيدة حقا بالمعلومات التي قدمها "كامل" إذ تمكنت من خلالها أن تفك خناقها من أيدي المجتمع الدولي ألذي بدأ يطالبها بفك الحصار عن أالعراق بعد أن تأكد أنه لا يملك أسلحة الدمار ألشامل. وربما كان حسين كامل هو الوحيد الذي اعتقد حينها أن أمريكا سوف ترد له جميله بما يتعداه, غير أن أمريكا لم تضمن لحسين كامل سوى منفاه الأردني في حين أنها أخذت منه كل أوراقه العراقية.
إن قصة حسين كامل تصلح أن تكون موضوعه دسمة لفلم هوليودي رائع, ولو حدث وان تم إنتاج ذلك الفلم لكان في مقدمة ما سوف يقوله إن حسين كامل هو الذي وجه أقسى ضربة لنظام صدام بعد أن أصابه كشيخ قبيلة بسهم مسموم.
إن الضربة الأمريكيه لنظام صدام بعد غزوه للكويت أفلحت في أن تكشف عورة النظام الحقيقة, ولا أعتقد أن النصر العسكري الأمريكي هو الذي فعل ذلك وإنما هي التنازلات المهينه التى قدمها صدام من أجل البقاء في الحكم .
وحينها فأن دولة صدام التي كانت تسير بقوة النشيد الثوري أصبحت تعيش بقوة النشيد العشائري. وأكملت الدوله العراقيه انتقالتها كاملاً من مرحلة (الدولة -القائد-الحزب) الى مرحلة (الشيخ-العشيرة-الدولة).
وبقوة تلك المعادلة حاول صدام أن يسد الفراغ الكبيرالذي أنتجته هزيمته السياسية والتي حولته من بطل للتحرير القومي إلى مجرد شيخ قبيلة.
في الحقيقة لقد كانت لصدام قدرة تشغيل تلك المعادلة بأقصى طاقتها بعد أن أصبحت العوجه هي العاصمة الحقيقه وليست بغداد, وأصبحت عشيرته هي القوه الأساسيه لتلك الدوله. لقد أصبح حسين كامل وزيراً للدفاع, وأخوه غير الشقيق وطبان وزيراً للداخلية, كما وأصبح الأخ الثاني غير الشقيق أيضاً سبعاوي مديراً للآمن العام ولجهاز المخابرات, أما بن عمه علي حسن المجيد فقد أخذ ينتقل من مسؤولية كبيره الى مسؤولية أكبر وكان من ضمن ما تسلمه مسؤولية الأمن العام ووزارة الحكم المحلي ووزارة الدفاع وعضوية مجلس قيادة الثورة, بينما كان الإبن البكر لصدام "عدي" وكأنه الوريث الشرعي لأبيه.
لنعد الآن إلى موضوعة حسين كامل, فما أردناه من ذلك العرض الوصول الى تقدير قوة الضربه التي وجهها كامل لنظام صدام وكيف تصرفت أمريكا مع ذلك الأمر.
ليس من باب المبالغة أن نقول إن الضربة التي وجهها كامل لإبن عمه صدام كانت أشد هولاً وأكثر تأثيراً من تلك التي وجهتها ضده قوى التحالف الدولي مجتمعة.
وفي تلك الفتره لم يعد مهماً لدى صدام استمرار جماهيريته كاحدى وسائل الحفاظ على السلطة فلقد انتقل بعد هزيمة الكويت من مرحلة (القائد العشيرة الحزب) الى مرحلة (الشيخ العشيرة الحزب) , ومعنى ذلك أن البناء الهرمي للدولة قد حُسمت موضوعته باتجاة عشائري وإن صدام كان يقود الدولة والحزب وذلك من موقعه كشيخ عشيرة في المقام الأول, وإن استمرار دولته بات يعتمد الى حد كبير على قدرته أن يلعب دور شيخ العشيرة بشكل متقن. ولهذا فإن الضربة التي تنتقص من موقعه ودوره كشيخ عشيرة كانت ستصيب زعامته ونظامه السياسي بمقتل أكيد.
لهذا لن يصير عصياً على الفهم تأكيدنا على أن الضربة التي وجهها كامل لابن عمه كانت شدتها أقوى من تلك التي وجهتها له قوات التحالف,وأن تأثيراتها كانت ستصبح واضحة لولا عودة كامل الى بغداد أو إعادته اليها.
إن ما من هزيمة قد يتعرض لها شيخ عشيره أشد قوة من تلك التي تعرض لها (الشيخ صدام) اذ بعد هروب إبنتيه لم يعد لشيخ العشيرة قوة إقناع حتى داخل دائرته الضيقة, ولم يكن مستغرباً حينها لو أن واحداً من تلك الدائرة كان سيحمل السيف لينقذ العرش من الضياع.
ويبقى السؤال ألذي يمكن أن يكون فاتحة لما يليه, هل عاد كامل الى العراق أم أعيد اليه ؟
في إعتقادي أن كامل كان قد أعيد إلى العراق ولم يعد بإرادته, أو لنقل لم يعد بوَعْيه, فالعوامل النفسية في حالته غالباً ما يكون لها تأثيرأ أشد قوة من تأثير المخدر أو المُسكر .
فبعد أن استقبلته عمان بالأحضان ووضعت في خدمته قصراً وحاشية عادت بعد فترة قصيرة لتشعره بأنه أصبح شخصاً ثقيل الوطأة, بينما لم تشعره أميركا بأية قربى ولم تسمح له بالمراهنة على أية قرابة.
في الوقت عينه كانت رسل صدام إليه تستثمر ما آل اليه وضعه النفسي لكي تصطاده. وكان كامل قد ظن بأن أقسى ما سيتخذه صدام بحقه أن يركنه في الظل ولن يقتله, ربما رفقاً بأحفاده وإلتزاماً بوعد العفو عنه الذي أطلقه في رسالة مذاعة.
ونأتي الى لب الموضوع مبتدئين بسؤال, ترى ألم تكن أميركا على دراية بأن عودة كامل الى بغداد سوف تعطي النظام دفعة كبيرة للبقاء, وأن شيخ العشيرة الذي وجه له كامل ضربة تفوق بكثير قوة الضربه العسكريه التي وجهتها له قوات التحالف مجتمعة سوف تجعله بعد عودة كامل قادراً على استعادة مكانته كشيخ , وان ذلك كل ما يحتاجه الأن للخروج من الأزمة.
إن أكثر الإحتمالات قوة هو أن أميركا لم تشأ لنظام صدام وقتها السقوط ,ليس حباً به وإنما اعتقادا بأن الأوان لم يكن قد حان بعد, أو ربما لاعتقادٍ أكثر أثارة وهو أنها لم تكن قد وصلت بعد الى قرار اسقاطه, ولسوف ينسجم مع ذلك قولنا أنها لم ترَ آنذاك أية مصلحة حقيقية بسقوطه, اذ أن صدام كان قد دخل في الخانه التي كانت تريد له أن يدخل فيها وهي خانة (العدو الضعيف), وأنها شاءت من خلال عودة كامل أن تمنع انتقاله الى خانة (العدو الأضعف مما يجب ) لكي لا يكون حصة للاخرين, ولكي تستعيد لوحدها قدرة السيطرة عليه, وأن تكون هي صاحبة قرار إزاحته بالشكل الذي يكون عليه وبالوقت ألذي يكون فيه.
ولقد شاءت أمريكا وقتها أن يستمر صدام في وصلة التعري التي إتقنها بحرفية كبيرة, فقد كان من شأن ذلك أن يمكنها على الحصول على المزيد من التنازلات, أو أن توصله الى لحظه تكون فيها (الرؤوس قد أينعت وحان قطافها) ولكن بيد (حجّاج) أمريكي.
واقع الحال أن لحظة اسقاط النظام لم تكن قد حانت بعد لإعتبارات عديدة أهمها أن البديل الأمريكي لم يكن قد توفر بعد, ولم العجلة خاصة وأن صدام لم يعد يشكل خطراً حقيقياً سواءً على مصالحها ولا على مصالح جيرانه.
أما العودة بعد كل ذلك إلى قضية رغد صدام حسين فسوف تجعلنا نقدر جيداً مقدار الضرر الذي ألحقته هذه المرأة بأبيها, وسوف يكون محالاً أن نصدق أن رغد لم تكن راضية بعملية الفرار لأن قصة حبها لحسين كامل كانت قصة معروفة, وكانت رغد متيقنة أن أخاها الأهوج عدي قد وضع حسين على رأس قائمة التصفيات, وأن عملية الهروب كانت كانت هي الحل الوحيد لإنقاذ عائلتها من سطوة الأخ وجنونه ولم يكن سلوك عدي غريباً على العائلة التي تعلمت من عرابها أن الوصول إلى السلطة يبدأ من خلال تصفية الخصوم سواء كانوا أصدقاء أو حتى أخوة أو أبناء عم.
ولو إفترضنا أن رغد تفاجئت بعد وصولها إلى عمان أن حسين كان قد خدعها كما يقول بعض المدعين, فلقد كان عليها, وهي التي تتعبنا الآن بإرهاصات جيناتها القيادية وقابلايتها الفكرية, أن تتخذ موقفاً عاجلا من أجل إيضاح تخليها عن ذلك الموقف الخاطئ وترتيب العودة إلى العراق بأسرع وقت, وذلك غسلاً للعار الذي ألحقته بأبيها وشيخ عشيرتها صدام حسين.
أما اليوم فإن على رغد أن تنهي أية صلة لها بعالم السياسة لكي لا يتذكر الناس بعد كل إطلالة لها تلك القصة المخزية التي لعبت فيها دور رأس الحربة في طعن أبيها وشيخ عشيرتها صدام حسين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليت رغد
ماجدة منصور ( 2024 / 5 / 5 - 14:08 )
تقرأ مقالكم الكريم هذا و تتعظ منه
شكرا أستاذ


2 - ماجدة منصور
جعفر المظفر ( 2024 / 5 / 8 - 17:06 )
أهلاً وسهلاً بك سيدتي

اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر