الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الليبرالية مرادفاً للحرية ؟

عبدالله محمد ابو شحاتة

2024 / 5 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الرجال تختار والعبيد تُطيع" مقولة أندرو رايان الشهيرة في لعبة الفيديو بيوشوك. مقولة تعبر عن نظرة رايان، والذي هو في الواقع ليس إلا إسقاطاً تهكمياً لأين راند صاحبة فضيلة الأنانية.
إن النيوليبراليين أمثال راند يخبرونا أن الرأسمالية هي مرادف الحرية، بينما كل ما عاداها هو مرادف العبودية والخضوع. فالإنسان الحر هو من يختار في السوق المفتوح، أما العبد هو من يُطيع في الاقتصاد الموجه، أو حتى في اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي هو النظام الاقتصادي السائد تقريبا في معظم دول العالم، مع كثير من الاختلافات بالتأكيد بين دولة وأخرى. أما نظام السوق الحرة كما تتخيله راند و المدرسة النمساوية ومدرسة شيكاغو، فهو نظاماً مُتخيلاً لم يُطبق إلا في مدينة رابتشر أسفل قاع المحيط.
إ
ن ما تتصوره تلك النظريات الفردانية، وهو نظاماً اقتصادياً لا تتدخل فيه الحكومة في كل ما يخص الاقتصاد. لا تتدخل في الاسواق، لا دعم، لا إعانة بطالة ،لا مكافحة احتكار، لا حد أدنى للأجور، لا تحديد لعدد ساعات العمل، لا ضرائب، لا برامج تكافل ....اختصاراً لا حماية من أي نوع لأي إنسان. إن مجتمعاً كهذا إن جاز أن نسميه مجتمعاً لا يضمن لأفراده أي شيء،وبالتالي فإنه يتناقد مع العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه المجتمعات في الاساس. هو ببساطة لا يمكن أن نسميه مجتمعاً، هو ردة لقانون الغابة حيث سيأكل القوي سعيد الحظ الضعيف، قبل أن يأتي من هو أقوى منه ليأكله، ويغرق المجتمع في الاحتكار بحكم قانون التراكم الرأسمالي، وهو قانون لا يقبل جدال كمبرهنة فيثاغورث. ويغرق السواد الأعظم من الطبقة العاملة تحت رحمة المحتكرين للسلع وقوة العمل، دون قوانين تحميهم في ظروف هي أشبه بعصر الثورة الصناعية. أما الحكومة المنتخبة، فإنها ستقف وتستمتع بالشاهدة دون أن يكون لها أي دور حقيقي، وبالتالي ديمقراطية بلا معنى . أو حتى يمكننا أن نلغيها تماماً، ونعيش في رأسمالية بلا دولة، كما يريد خافيير ميللي.



وعلى العموم دعونا ننظر للواقع ونترك جانباً الخيالات المريضة لفريدمان وهايك وراند ومن على شاكلتهم. لننظر للرأسمالية الأمريكية كمثال على أكثر الرأسماليات الواقعية تطرفاً. ولندخل لصلب الطرح الذهبي للرأسمالية الأمريكية، ونسأل، هل الرأسمالية بالفعل مرادفاً للحرية والديمقراطية ؟
ولكن دعونا أولاً نسأل، ما هو المجتمع الحر ؟ وما هو المجتمع الديمقراطي ؟
إن الحرية هي أن تقول وتفعل ما تريد دون الإضرار بالأخرين، وبالتالي فالمجتمع الحر هو المجتمع الذي يستطيع السواد الأعظم من أفراده قول وفعل ما يريدون.
أما المجتمع الديمقراطي فهو المجتمع الذي يستطيع السواد الأعظم من أفراد المشاركة في اتخاذ القرارات.
دعونا الأن نطبق تلك التعريفات على مجتمعا رأسمالياً نموذجياً, هل الإنسان حراً في مجتمعاً كهذا ؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال لا بد لنا أن نعرف ما هو وضع الاقتصاد في المعادلة الاجتماعية. إن الاقتصاد متمثلاً في الانتاج وقوة العمل البشرية هو تقريباً اللاعب الأساسي في كل ما يخص الحضارة والمجتمع البشري، فالإنسان هو حيوان يطوع الطبيعة ويصنع الادوات. ولهذا فالاقتصاد والموارد وقوة العمل هي المحركات الاساسية لكافة السياسات، لكافة الصراعات، للحروب والاستعمار، بل وحتى للعدات والتقاليد والدين. ولذلك فلا معنى للحرية في مجتمع يفقد السواد الأعظم من أفراده ممثلين في الطبقة العاملة حريتهم في كل ما يخص الاقتصاد والعملية الانتاجية وبيئة العمل، حيث تنزل الأوامر عليهم بشكل هرمي بيروقراطي من طبقة محدودة من أصحاب رؤوس الأموال. في نظام كهذا تفقد حتى حرية التحكم في مظهرك الشخصي، ولو حاولت التمسك بحريتك فستفقد قوت يومك.
قد يجادل البعض بأنك لست مجبراً على الطاعة في بيئة العمل الرأسمالية، يمكنك التمسك بحريتك واختيار الموت جوعاً إن أردت، و بنفس المنطق فدول ديكتاتورية الحزب الواحد الشيوعية والفاشية تكفل الحرية هي الأخرى، فيمكنك التمسك بحريتك وقضاء حياتك خلف القضبان إن أردت.
أما الديمقراطية فلا حدث ولا حرج. فديمقراطية المجتمع الرأسمالي هي ديمقراطية صناعة الإجماع، رأي النخبة الاقتصادية هو ما سيشكل الرأي العام، وما تريده هو ما ستنشره القوى الناعمة من إعلام وصحافة وسينما، وسرديات النخبة الاقتصادية وتصوراتها هي ما سيربى عليها الاطفال في المدارس. وحتى لو افترضنا وجود ديمقراطية حقيقية فيما يخص المجال السياسي، فستظل ديمقراطية بلا معنى، فلا معنى لديمقراطية لا تتدخل في الاقتصاد، إن يجب أن تبدأ بالاقتصاد بدلا ً من أن تنتهي عنده. الديمقراطية الحقيقية هي التي تتحكم في العملية الانتاجية وتوجيه قدرات المجتمع الاقتصادية نحو خدمة الجماعة. الديمقراطية الحقة إن لم يستفيد منها العامل في بيئة العمل، فلا معنى لها.
إن ما تفعله الديمقراطية الرأسمالية هو، ليس إلا قولبة الرأي العام لتنصيب حكومات بلا صلاحيات وعديمة النفع. بينما تظل السيطرة الحقيقية لرأس المال.
إن مقولة اقتصاد بلا تدخل حكومي تحيل الديمقراطية إلى عمليه صورية لا معنى لها، وتخلق أنظمة نخبوية هي صورة طبق الأصل من أنظمة الحزب الواحد الفاشية والشيوعية التي وجدت في القرن العشرين. فما الفرق أن بين اقتصاد تسيطر عليه وتوجهه نخبة سياسية كالحزب الشيوعي السوفيتي أو الحزب الفاشي الإيطالي، وبين اقتصاد تسيطر عليه وتوجهه نخبة اقتصادية من رجال المال وكبار المديرين !؟ ما الذي سيفرق مادام الاقتصاد في كلتا الحالتين يدار بواسطة النخب دون أي تدخل من السواد الأعظم من الناس !؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال