الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية لقصة ومضة - ثبات - للقاص يحيى القيسي/ بقلم: رائد الحسْن

رائد الحسْن

2024 / 5 / 4
الادب والفن



تعمّقت الجذور؛ أخفقت الرياح
......................................................................................
العنوان: ثبات
ثَبات: مصدر ثبَتَ، والثبات هو مظهر مِن مظاهر عالمنا وتدرك بوصفها ثابتة بالرغم من حدوث درجة من التغيُّر، بثبات: بشجاعة، ثَبات المفاهيم: دوامها وبقاؤها، ثبات: الرأي، القيم، القلب، المبادئ، المواقف.
ثَبَتَ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ثَبَاتاً بالفتح وثُبُوتاً بالضمّ فهو ثابِتٌ وثَبِيتٌ وثَبْتٌ بفتح فسكون. شيءٌ ثَبْتٌ: أَي ثابِتٌ، وأَثْبَتَه هو وثَبَّتَه بمعنىً.
ويُقال: ثَبَتَ فلانٌ في المكانِ يَثْبُتُ ثُبُوتاً: إِذا أَقامَ به فهو ثابِتٌ.
والثبات هو عكس التغيير والحركة واللا استقرار، وهو ما يشد به الشيء من حمل أو رحل أو سرج أو غيرها ليثبت.
الشطر الأول: تعمّقت الجذور.
الصورة التي أمامنا هي لشجرةٍ تمتلك غصونًا وأوراقًا وجذعًا وجذورًا، جذورها قرَّرت أن تمتدّ في تربة أرضها، وفعلًا كان الامتداد في عمق الأرض، وكلما تعمّقت الجذور في الأرض، تشبثت بها وتمسّكت بتربتها وصعب انتزاعها لأنها ومكانها أصبحا حالة واحدة لا يمكن الفصل بينهما.
الشجرة هنا هي مجرّد رمز تحكي لنا عن المحبة والإصرار على التجذّر والتمسّك في الأرض والصمود فيها، أرض القِيم والمبادئ والثبات على المواقف وعدم السماح لتغييرها رغم المصاعب الكبيرة والأخطار المحدقة ورياح التغيير التي تحاول القلع والنفي والتحريك بعيدًا عن الأصول وعن الموطن الأم وأرض الأجداد والقيم النبيلة وينابيع الأصالة.
الشطر الثاني: أخفقت الرياح.
أخفق: فشل، لم يظفر في حاجته ولم يصل إلى هدفه المنشود.
وفي هذا النص نرى أن الرياح أخفقت وفشلت، وعندما نعود للشطر الأول، سنرى أن الرياح فشلت في تحقيق هدفها، وهو خلع وقلع الشجرة بعيدا عن مكانها، والسبب هو لأن الشجرة قرّرت أن تمدّ بجذورها بقوة وعمق في تربة أرضها؛ مما حال دون تأثير تلك الرياح الصفراء العاصفة، النيل مِن الشجرة التي ثبتت وبقوة في تربة أرضها.
هنا نلاحظ في هذا النص الجميل هو أن الشجرة بكل تفاصيلها وأجزائها تتكاتف وتتعاون، فعندما تشمخ الأغصان والأوراق عاليًا، نرى أن الجذور تؤمّن لها الحماية والقوّة مِن خلال تشبّثها بالأرض؛ عندما تتعمّق وتتغلغل في التربة، فالذي تفعله الشجرة - مِن خلال جذورها في الأرض - نرى ان الرياح تعجز - كقوة مُضادة - عن فعله في الهواء وما فوق الأرض.
قِوى الخير، لو اجتمعت وقرّرت الصمود والثبات، فبكلّ تأكيد ستعجز كُل قِوى الشر على زحزحتها والوصول إلى غايتها وهو قلعها وتغيير مكانها وإبعادها عن المكان الذي تعشقه ولا تريد أن تحيا بدونه.
العنوان - ثبات - نراه قد ألقى بمعناه على شَطري النص، وجاء بصيغة النكرة وسنفهم معناه بشكل دقيق من خلال قراءة كل الومضة.
فالثبات، حصلَ، مِن خلال تعمّق الجذور في موطن وجود الشجرة ومكانها الذي زُرعت به ونمت وكبرت حتى أصبحت كبيرة وذات شأن.
لكن قِوى الظلام والشر تأبى أن ترى الأصلاء يثمِرون في أماكنهم وأوطانهم؛ فتحرّك عليهم رياحًا شديدة مِن أجل قلعهم وتشتيتهم وقتلهم.
وهنا تبدأ المعركة، التي يجب أن تبدأ باستعدادات مُسبقة - من قِبل المدافع، حتى قبل بدايتها - وهذا يتأتّى مِن سبق النظر وبعده في رؤية أحداثا مستقبلية ستحدث، وهنا الحكمة تسبق فعل هجوم الشر وتفشِله، من خلال فعل التموضع والتحصّن خلف متاريس دفاعية قوية، وأهمها هو الثبات والصمود والتشبّث بالأرض و مد الجذور إلى أعماقٍ تؤهلها، لتجعلها بموقف لا يمكن زحزحتها وانتزاعها، مهما كانت قوّة الرياح وشدّتها.
وهكذا بالتعاون والتآزر والتماسك والمشاركة والوفاء والإخلاص للوطن ، يمكن لأي مجتمع ، شعب ، أمة ، الصمود بالأرض التي يقف عليها ويحيا فيها والوطن الذي يحتضنه، والوقوف بوجه كل المؤامرات التي تُحاك ضد أوطانهم من أجل النيل من وحدتهم ووجودهم وبقائهم، مِن خلال التمسّك بالثوابت الوطنية والمجتمعية والقيم الروحية والمبادئ الأصيلة ويجب أن يكون الولاء للوطن والمواطنة يأخذ الأسبقية المُطلقة على أي اعتبار آخر، وهكذا يتم إفشال كل الرياح وبمختلف مُسمّياتها وألوانها وشدّتها، لأن هناك رابطة وقوة تشدّ التربة بالشجرة - الوطن بالمواطن - مِن خلال علاقة الحب والوفاء والإخلاص والتمسّك بكلِّ ثوابت البقاء والمواطنة الصالحة.
ومضة جميلة، أجاد فيها الكاتب الأستاذ يحيى القيسي، تقديم حكمة مُعبّرة، مِن خلال صياغتها في نص يأخذ شكل فن أدبي، ألا وهو فن الومضة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان