الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرخة من أجل من لاصوت لهم أيها المستقيمون جنسيا، إرفعوا صوتكم دفاعا عن المثليين والعابرين جنسيا

عصام الخفاجي

2024 / 5 / 4
حقوق مثليي الجنس


صرخة من أجل من لاصوت لهم
أيها المستقيمون جنسيا، إرفعوا صوتكم دفاعا عن المثليين والعابرين جنسيا



1. يد الشيطان
حتى وقت قريب نسبيا، كان شائعا بين معظم شعوب الأرض أن من يستخدمون اليد اليسرى هم أناس منحرفون. وشرعنت "ثقافة" منطقتنا، مهد العقائد الإبراهيمية الثلاثة، إضطهاد هؤلاء "المنحرفين" دينيا بالتمييز الصارم بين من يأتيه كتابه بيمينه ومن يأتيه بيساره. هكذا تعرّض الملايين من مستخدمي اليد اليسرى (أرفض تعبير "الإعسر" المهين) للقتل والتعذيب والإضطهاد وأصيب كثيرون منهم بعاهات نفسية وخلقية بسبب إجبارهم على استخدام اليد اليمنى.
ثم حسم العلم الأمر في القرن العشرين حين تطوّرت دراسات الدماغ البشري فتمّت البرهنة على أن ثمة اختلافات في تراكيب الدماغ البشري بين من بستخدمون هذه اليد أو تلك وأن ليس للشيطان يد في ذلك وأن نسبة تقارب تسعة بالمئة من البشر تولد كذلك على الدوام، لتتوّلد إثرها خرافة مضادة مفادها أن مستخدمي اليد اليسرى أكثر ذكاءا من غيرهم (ومن حسن حظ كاتب هذه السطور أنه ولِد في بيئة تتبنّى تلك الخرافة المضادة!).
تكيّف معظم العقل الديني مع هذا التطور معتمدا إلى مبادئ تقول أن لله في خلقه شؤون، وإن للخالق حكمة لايدركها البشر الذين لايحقّ لهم التساؤل عن أسباب الخلق. وحدث أن اعتذرت بعض العقائد المسيحية عمّا ألحقت من أذى بالبشر بسبب تدخّلها في شؤون العلم. ولا أعرف أن معمّما إسلاميا واحدا فعل ذلك.
2. دفاعا عن إرثنا. ولكن ماهو إرثنا؟ ما هو "إرثهم"؟
ومنذ صغرنا، تربّينا على تراث يشاد به بوصفه حضارة عربية إسلامية لا يجوز نقدها وإلا بتنا في مصاف دعاة الإستعمار ومروّجي النفود الغربي الساعي إلى تدمير قيمنا. لكن جسما مهما من هذا التراث كان يتحدث عن عواطف بين بشر لم تكن مشابهة للمشاعر التي نحسّها.
وجد معظمنا، بل وجد العالم، هذا التراث غنّيا وملهما. هكذا تربّينا على "ألف ليلة وليلة" وفيها قصص عن رجال يقعون في عشق غلمان. واحتضن العراقيون أبو نواس الذي "هزّه الشوق إلى أبي طوق" فتدحرج "من أسفل إلى فوق". ثم كانت البستات البغدادية المشبّعة بعواطف مثلية. فما كان بوسع أي تخريجة مطّاطة إقناعنا بأن المدلّل جليس "كهوة عزّاوي" (مقهى عزّأوي) الذي يتغنى به الشاعر يمكن ألا يكون رجلا. وتوّج هذا الإرث المغني الشعبي سعدي الحلّي الذي بات أشبه بالإسطورة بين أبناء جيلي من العراقيين.
هل كان هذا الإرث منقطعا عن الواقع؟ روايات تاريخ الخلفاء كانت صريحة في الإشارة إلى أن كثيرا منهم كانوا مثليين. وأعرف من أصدقائي المهاجرين من جنوب العراق روايات عن أعراس كانوا يحضرونها تحتفل بتزويج رجل لرجل.
تعالوا نطرح أسئلة صريحة: هل حرّضّنا كل هذا الإرث على الميل إلى أبناء جنسنا عاطفيا؟ أكاد أجزم أن إجابة الغالبية الساحقة ستكون بالنفي. أقرأ ألف ليلة وليلة باستمتاع، وأنفر من أغاني سعدي الحلي. ولا أرى تعارضا بين هذا وذاك. فالقضية هنا هي قضية ذائقة فنّية ترى في الأخير ابتذالا ولاتقيّمه وفقا لميول المغنّي الجنسية.
3. ولكي نعرف سبب ذلك، علينا العودة إلى العلم.
تعالوا نحتكم إلى إحصاءات من بلدان تتميّز بالشفافية وينعم مواطنوها بالحرية. هاتان ميزتان حاسمتا الأهمية لأن الفرد في هذه البلدان لا يتحرّج من إعلان ميوله الجنسية ولأن الشفافية تضمن صحة الإحصاء. الإحصاءات تقول بأن نسبة المثليين/ المثليات، العابرين/ العابرات جنسيا شبه ثابتة على مدى طويل ولم تؤد القوانين المحرّرة لهم إلى أي تغيير.
لماذا؟ لأن العلم أثبت، أن المثلية ليست سلوكا أو انحرافا خلقيا وليست مرضا (ثمة أصدقاء تقدميون يريدون وصف الأمر مرضا، لكي "نعطف" عليهم). إنها تركيبة تلعب فيها الجينات والهورمونات وعوامل عدة دورا تجعل نسبة من البشر هكذا. لا ينفي العلم دور عوامل اجتماعية في تحوّلات كهذه. ويعرف أبناء منطقتنا ذلك جيّدا. إذ نعرف أن النظم الإجتماعية/السياسية/الدينية التي تشجّع العزل بين الجنسين، تحفّز غرائز غير طبيعية بين أفراد "مستقيمين"، أي ميّالين غريزيا إلى الجنس الآخر. يصح هذا في أفغانستان طالبان التي تروج فيها دعارة الصبيان كما يصح في سجون الولابات المتحدة الأمريكية حيث تنتشر ممارسة الجنس المثلي بين السجينات وبين السجناء.
ولكن دعونا ألا ننسى، أن نسبة شبه ثابتة من البشر في أي مجتمع من المجتمعات ولدت ميّالة إلى أبناء جنسها، أو ولدت مصنّفة منتمية لجنس وهي تحس أنها تنتمي لجنس آخر. هؤلاء بشر مثلنا، يتعذبّون لأن غالبيتنا ممّن لا نشاركهم ميولهم نشعر بأنهم يتحدّون ما تعوّدنا عليه، في حين أنهم لا يطالبون إلا بأن تكون لهم حقوق كحقوقنا في اختيار من نريد أن نتشارك العيش معه.
وكما كان حال ذوي اليد اليسرى، أخذت الكنائس تراجع بعض مواقفها. أما آن الأوان لبعض المتديّنين القول: نؤمن بالخالق، نؤمن بأن له حكمة ليس بوسعنا الإحاطة بها. نؤمن بأنه خلق بشرا على غير نزوعنا؟
4. لكن السياسة تستولي على العلم
تتغذى ماكنة الفاشية على الدوام على انتقاء فئات ضعيفة تختلف في انحداراتها أو عقائدها أو قيمها أو خصائصها عن غالبية السكان، حتى لو لم تكن متعارضة مع توجهات تلك الغالبية ولا تشكل تعدّيا على حقوقها. وليس صعبا أن نرى لمّ تنحو الفاشية هذا المنحى. فهي، إذ تعيش على تهييج المجتمع ووضعه في حالة خوف دائم من خطر خارجي يهدده (وهو خطر غالبا ما يكون مختلقا) تسعى إلى كسب إذعان الغالبية لها بوصف السلطة الفاشية هي من يحميهم من تلك المخاطر. ويتصاعد خطر الفاشية في مجتمعات لم تترسّخ فيها تقاليد التسامح والإيمان بالتنوع بين البشر التي رسّختها قرون من الفكر التنويري في أصقاع مختلفة من العالم ولم تترسّخ فيها مؤسسات تتحدى استبداد المتسلّطين. هنا يسهل تهييج المشاعر تجاه كل من يختلف معي. فالقاعدة في ظل نظم الإستبداد هي تماثل البشر. فإن تمايز بعضهم، سلوكيا، عرقيا، دينيا، مذهبيا، لغويا... فلابدّ أن ثمة عدو خارجي يسعى لتغيير طبيعة الأشياء. والطبيعة تقوم على التجانس.
العدو هو الغرب وقيمه "المنحلّة"، بالطبع. لكن دولا عدّة خضعت للإستعمار البريطاني تسعى اليوم لنقض قوانين فرضتها بريطانيا على بلدانهم تجرّم المثلية الجنسية. فالغرب، إن كان لكلمة "الغرب" معنى، كان حتى منتصف القرن العشرين معاديا للمثلية والعبور الجنسي حين كانت البلدان الخاضعة للإرث الإسلامي أكثر تسامحا تجاهها.
هذه الهستيريا التي أصابت قطاعات واسعة من مجتمعاتنا تقود إلى مخاطر حقيقية لا تمس مجتمع الميم، بل هي تمسّنا جميعا. ألوان قوس قزح التي ألهمت خيال الأطفال وشغلت مخيّلة الرسامين والشعراء عبر آلاف السنين يراد لها أن تنطفئ لأن المثليين اختاروها رمزا لهم.

هذا ما يدور في العراق وبلدان منطقتنا اليوم. فالقضية ليست قضية المثليين ولا قضية الدفاع عن القيم الإسلامية. إنها قضية قضم حقوق البشر التي تبدأ بقضم حقوق من يصعب الدفاع عنهم، لأنهم يشكلون نسبة قليلة من السكان وصولا إلى ابتلاع حقوق الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يحرق مدرسة تؤوي مئات النازحين في بيت حانون شمالي غز


.. مفاوضات تحت القصف.. والغارات الإسرائيلية تستهدف منازل النازح




.. خطر المجاعة في غزة يزداد


.. القضاء الإيطالي يحيل قضية المهاجرين إلى محكمة العدل الأوروبي




.. منظمات ا?غاثة تتهم إسرائيل بتجاهل الإنذار الأمريكي بشأن المس