الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور عبده زايد إنسانا وباحثا

صبري فوزي أبوحسين

2024 / 5 / 4
الادب والفن


(عبده زايد): اسم كنائي، مُكوَّن من الاسم(عبده) واللقب العائلي(زايد)، و(عبده) أسمته به أمُّه منذ وُلِد؛ تيمنًا بأن يكون عابدًا لله تعالى، كأني بها نذرته عبدًا مُحرَّرًا لله تعالى؛ بغية أن يعيش لها، وقد كانت لا يعيش لها أولاد قبله! وهو اسم معروف به في قريته وبين أهله وزملائه وطلاب علمه، وهو اسم دال معبِّر عن شخصية مصرية أزهرية جنوبية صافية، من الصعيد الجواني: صعيد الفطرة والأصالة؛ إنه الأستاذ الدكتور أحمد محمد علي إبراهيم زايد، الذي وُلِد في التاسعِ من شهرِ فِبراير لعامِ سِتةٍ وأربعين وتِسعِمِائةٍ وألفٍ(1946م) بقرية (القُرنة(، تلك التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل، مقابل مدينة الأقصر الجديدة، على مقربة من تلال طيبة. وهي مدينة تنتمي إلى محافظة الأقصر، إحدى المحافظات الخمس المكونة لإقليم جنوب صعيد مصر، بجانب كل من محافظة سوهاج، ومحافظة قنا، ومحافظة أسوان ومحافظة البحر الأحمر، و(الأقصر) من أصفى الأماكن بمصرنا الحبيبة بلا مبالغة، وتمثل البراءة والأصالة والنقاء، فهي محافظة ذاخرة بالآثار العتيقة والتماثيل الشوامخ، وإنسانها يتمتع بالنيل الطاهر غير المُلَوَّث، ومجتمعها قَبلي ذو تقاليد رواسخ، ولغة خطاب خاصة، ولهجة جادة حادة ممتعة لكل أذن. ومن ثم فهي جزء فريد من مصر العريقة العتيقة العالية. إنها بحق مصنع الرجال وموطن الأُباة، وبقعة مصرية تاريخية أنجبت لنا ذلكم الإنسان الصعيدي النجيب الأريب البليغ، والمثقف الضُّلَعة والطُّلَعة معًا، وله ترجمة بكتاب معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين للأستاذ أحمد الجدع، وعقدت معه حوارات كثيرة نشرت في مجلة الأدب الإسلامي وغيرها من المجلات الدعوية والثقافية، وقد نعاه كثير من رفاقه في مقدمتهم شيخ الأزهر، حفظه الله، ومن هذه الكتابات بقلمه أو لسانه أو بقلم غيره، نرى أنه قُدِّر له أن يؤسَّس منذ الطفولة في الخير وللخير؛ فقد التحق بكُتَّاب القرية في سن صغيرة، فحفظ القرآن الكريم، وتعلَّم القراءة والكتابة وقواعد الحساب، وحين افتُتح معهدُ الأَقْصُرِ الدينيُّ عامَ ثمانيةٍ وخمسين وتِسعمائةٍ وألفٍ(1958م) التحق به بعد اجتيازه امتحانًا للقَبول، أعدَّه لدخوله زميلٌ له كان قد سبقه بسنتين إلى الدراسة في الأزهر؛ هذا الزميلُ هو فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف. وقد اجتاز أستاذنا الشهادة الإعداديةَ الأزهرية بتفوق بارز؛ فكان ترتيبُه الأولَ على طلاب معهد الأَقْصُر الديني، ثم حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية من معهد قنا الديني عام 1969م بترتيب الأول على طلاب المعهد. وفي هذه المرحلة بدأ ينظُم الشعر ويلقيه في إذاعة المعهد. ثم التحق بعد الثانوية بكلية اللغة العربية التي تعلم فيها على يد صفوة من الأساتذة الكبار، حيث حصل على الإجازة العالية (الليسانس)، سنة 1973م، وفور تخرجه فيها التحق بالدراسات العليا، فدرس دراسة منهجية لمدة عامين، أَعدَّ بعدهما بحثًا علميًّا بعنوان: «أبو الحسنِ الرُّمانيُّ وجهودُه في بلاغة القرآن الكريم»، وقد نوقش فيه مناقشةً غيرَ علنية – على ما كان يقضي به النظامُ المعمولُ به آنئذٍ – وكان مناقشاه الشيخين أحمد الحجار وكامل الخولي. ثم في عام واحدٍ وثمانينَ وتِسعمائةٍ وألف(1981م) حاز أستاذُنا درجةَ العالِمية (الدكتوراه) في البلاغة والنقد من كلية اللغة العربية بالقاهرة، عن رسالته: (بلاغةُ السَّكاكيّ: منهجًا وتطبيقًا)، وكانت الرسالةُ بإشراف الشيخ كامل الخولي والأستاذِ الدكتور محمد أبو موسى، وناقشها الشيخُ محمد عبد الرحمن الكردي، والأستاذ الدكتور شوقي ضيف. وإن باحثًا بدأ رحلته في البحث في آثار أبي الحسن الرماني(269-384هـ) ذلك الحَبْر المتبحِّر في علوم الفقه واللغة والكلام والفلك، ثم في آثار أبي يعقوب السكاكي(555-626هـ) العالم بالعربية والأدب، والمقنِّن لعلوم البلاغة العربية الثلاثة- لَقَمِين أن يُقدَّر ويُوقَّر؛ فهما كوكبان نَيِّران في مجالين فريدين: بلاغة القرآن الكريم، وعلوم العربية الفصحى، هذا إضافة إلى أعلام البلاغة والنقد الأدبي المحدثين: الشيخ كامل الخولي والأستاذِ الدكتور محمد أبو موسى، والشيخُ محمد عبد الرحمن الكردي، والأستاذ الدكتور شوقي ضيف، رحم الله مَن رحل، وبارك عُمر مَن بقي.....
وقد ترقَّى أستاذُنا في السُّلَّم الوظيفي- كما يقول الدكتور محمود الصاوي في ترجمته إياه وتقديمه في أولى محاضرات الموسم الثقافي لقسم البلاغة والنقد، بكلية اللغة العربية بالقاهرة في 10 ديسمبر سنة 2023م- بدءًا من درجة معيد حتى درجة أستاذ، سنة 1993م، وعَمِلَ في ثماني كلياتٍ في خَمْسِ جامعاتٍ عربية في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبَحْرَيْن، وأشرف وناقش عددًا من الرسائل العلمية في الجامعات التي عمل بها داخلَ مصر وخارجَها. وظل يمارس مهامه الجامعية تعليما وتقييما حتى وافته المنية في صباح يوم السبت أول رجب1445هـ، الموافق 13 يناير2024م. رحمه الله رحمة واسعة.
ولفضيلة الأستاذ الدكتور عبده زايد عددٌ من المؤلفات الماتعة، والمُصنَّفات النافعة، التي بلغت تسعة عشر مؤلفًا، تنوعت بين ثلاثة عشر كتابًا، وسبعة أبحاث علمية مُحَكَّمة، هي:
1- (أبو الحسنِ الرُّمانيُّ وجهودُه في بلاغة القرآن الكريم)، وهي رسالته للماجستيرسنة 1975م، وقد نشر في العدد العشرين من مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة سنة 2002م..
2- (بلاغةُ السَّكاكيّ: منهجًا وتطبيقًا)، وهي رسالته للدكتوراه، وقد نالها سنة 1981م.
3- (مُعلَّقةُ زُهيرٍ في ضوء نظرية النظم)، وقد طبع سنة 1986م.
4-(من أسرار البيان النبوي)، وقد طبع سنة 1406هـ=1986م.
5-(الأدبُ الإسلاميُّ ضرورة)، وقد طبع 1411هـ= سنة 1991م.
6-(عكسُ الظاهر في ضوء أسلوب القرآن الكريم ولغة العرب). وهو مطبوع سنة1992م، ثم سنة 2010م.
7- (من أسرار النظم في القصص النبوي)، وهو كتاب مطبوع سنة1412هـ= 2010م. وقد اعتمد فيه على منهج التحليل اللغوي الذي جسده الإمام عبدالقاهر الجرجاني في نظريته النظم، الذي يرى أن اللغة هي مفتاح مقاربة النص، وإن مقدمته لهذا الكتاب لتقدم خلاصة رؤيته للمنهج الأمثل في تحليل النص الأدبي، وموقفه من المناهج الخارجية السياقية التي دارت حول النصوص، ولم تعن بالدخول إليها وفيها في نظره! ولعلي أقف وقفة معمقة مع هذا الكتاب في مقالة تالية إن شاء الله تعالى.
وله مؤلفات أربعة تنحو منحًى تعليميًّا عامًّا، هي: كتاب: -(نظرات في الفصاحة والبلاغة(، وكتاب: (نظرات في المحسِّنات البديعية، وقد نشرا سنة 1402هـ، وكتاب: (دراسات في علم البديع) وقد صدر سنة 1986م، وكتاب: (محاضرات في البلاغة العربية)، وقد صدر سنة 1413ه=1993م. وله كتابان خاصان بالهم العربي القومي، هما: (صدام حسين ووحدة الأمة العربية)، و(صدام حسين والصعود إلى الهاوية)، وقد طُبعا ونشرا سنة 1991م، اللذين نُشِرا في فترة من أخطر الفترات التي مرَّت بالوطن العربي خلال التسعينات من القرن العشرين. ونسب له كتاب(شاعر وقصيدة)، وأنه صدر سنة1404هـ!
أما أبحاثه العلمية المُحَكَّمة السبعة فهي:
1-بحث: (استعمال الألفاظ الأجنبية.. هل يخل ببلاغة الكلام؟)، وهو منشور في مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة، ع2، سنة1984م.
2- بحث: (عَزلُ اللغةِ عن القرآن الكريم وآثارُه المدمِّرة)، منشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة ع14، سنة 1996م .
3- بحث: (المبالغةُ عند السِّجْلِمَاسِيِّ وهيمنةُ المنهجِ الأَرِسْطي). وهو منشور في مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة، ع10، سنة 1992م.
٤بحث: (رأي في قرينة المجاز)، منشور في مجلة كلية اللغة العربية بالمنوفية، العدد الثاني عشر، الجزء الأول، سنة ١٩٩٢م، ص١٣٣ ١٦٢.
٥ مقال: (قضيةُ المصطلحِ في النقد الأدبي الإسلامي)، منشور في مجلة الأدب الإسلامي، مج 9، ع24، سنة 1999م.
٦ بحث: (مفهوم الأدب الإسلامي عند المستشرق الأمريكي جرونباوم). بحث مقدم إلى مؤتمر الأدب الإسلامي المنعقد في جامعة عين شمس 23 - 25 ربيع الثاني 1413ه= 20 - 22 أكتوبر 1992م، بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية .. وهو منشور في مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة، ع22، سنة 2004م.
٧ بحث: (تنصير النحو العربي). وهو بحث ألقى فيه أستاذنا الضوء على محاولة تنصير النحو العربي المعتمد على استقراء کتاب تعليمي في اللغة العربية عنوانه: (کتاب في بحث المطالب في علم اللغة العربية) للسيد جرمانوس فرحات، مطران الأمة المارونية في مدينة حلب المحمية. وسلط فيه الضوء على محاولة تنوير قواعد اللغة العربية. وهو منشور في مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة مج23، ع1، سنة 2005م. وله بحث بعنوان:(الأستاذ الدكتور عبدالعظيم المطعني وقضية المجاز)، ألقاه في الندوة العلمية الأولى لكلية اللغة العربية بالقاهرة، والتي عنوانها : (كلية اللغة العربية بالقاهرة وثمانون عامًا في خدمة اللغة العربية وحمايتها)، والتي انعقدت يوم الثلاثاء الموافق/ 18 – 12 – 2012م....وهذه العنوانات دالة على ثقافة أستاذنا عبده زايد المتنوعة، وعلى شخصيته الموسوعية، وعلى انفعاله بكل حراك ثقافي يحدث أمامه وحوله، فلم يتقوقع داخل تخصصه الدقيق(البلاغة والنقد) إلا بالقدر الذي ترقَّى به الترقِّي الأكاديمي المعهود، فنجد له اهتمامًا بالأدب الإسلامي في كتابه الجهير(الأدب الإسلامي ضرورة)، وفي بحثين علميين هما: ( مفهوم الأدب الإسلامي عند المستشرق الأمريكي جرونباوم)، (قضيةُ المصطلحِ في النقد الأدبي الإسلامي)، ونجد له اهتمامًا بالدرس النحوي في بحثه الخطير في عنوانه: (تنصير النحو العربي)، ومن أبحاثه المحذرة والمنذرة بحثه: (عَزلُ اللغةِ عن القرآن الكريم وآثارُه المدمِّرة)، ثم كان كتاباه عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وأثره السلبي في وحدة الأمة، وفي انهياره وفشله، وهما كتابان يدلان على الفقه السياسي لأستاذنا، وموقفه الحازم والشجاع مع قضايا الأمة العربية المصيرية!
ولأستاذنا حضور مع الصحافة الإسلامية والدعوية؛ فقد كان له باب ثابت في مجلة الدعوة بعنوان( بريد الغرباء)، كما كان له باب ثابت في مجلة لواء الإسلام بعنوان(أدبيات)، بدءًا من العدد(12) السنة(41)، شعبان 1410ه=فبراير سنة 1990م، حتى العددان(6،7) من السنة(46) ربيع الأول 1412هـ=أغسطس سنة 1991م، وقد نشر عشرات المقالات الأدبية والنقدية والثقافية في عدد من المجلات، منها: (الأدب الإسلامي) و(الفيصل(و(الحرس الوطني)، و(أهلا وسهلا) و(المستقبل الإسلامي( في السعودية، و(الدعوة) و(لواء الإسلام) و(سطور) ، و(رسالة الإسلام(، و(الوسطية) في مصر، و(المنتدى) في الإمارات. وما أحوجنا إلى باحث همام يختص المقالات الصحفية لأستاذنا بالجمع والتصنيف والتحليل!...
وختامًا يكفي أستاذنا عبده زايد-رحمه الله- مكانة تلك الصلة الحياتية والعلمية بينه وبين الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حيث الأخوة والصداقة والزمالة في رحلة الدراسة وطلب العلم؛ فقد ذكر شيخ الأزهر-حفظه الله- في نعيه إياه أنَّه قد زامل الصديق الراحل منذ الطفولة وخروجهم من نفس القرية للدِّراسة في المراحل التعليمية المختلفة، وانتهاءً بالدراسة في جامعة الأزهر؛ فكان مثالًا في الأدب والأخلاق والعلم، مخلصًا لأزهره طوال فترة عمله، منذ أن كان معيدًا وحتى تفرغه للبحث، وأنَّ الصديق الراحل لم يدَّخر جُهدًا في خدمة طلاب العلم والباحثين، وكان خير ممثِّل للأزهر في المحافل العلميَّة والأكاديميَّة، وستظل كتبه ومؤلفاته منهلًا خصبًا للطلاب والباحثين في علوم اللغة العربية وآدابها...وصدق شيخنا وإمامنا الأكبر فيما قال وفيما عبر به عن مكان (عبده زايد) ومكانته، رحمه الله تعالى.
أما على المستوى الشخصي فقد عرفت أستاذنا عبده زايد منذ ثلاثين سنة، أو يزيد، عالمًا جليلًا وأديبًا بارعًا وبلاغيًّا قديرًا، ومثقفًا إسلاميًّا بارزًا، عرفته معرفة متنوعة في طريقتها أو وسيلتها: بين معرفة سماعية أولى من خلال محاضرات زميله وصَفِيِّه أستاذي الدكتور محمد كاظم الظواهري، الذي كان يذكره لنا بكل خير: يذكر اسمه الحقيقي (أحمد محمد علي)، واسمه الكنائي الذي عُرِف به(عبده زايد)، ويذكر قصة كفاحه مع التعليم، وقصة معاناته مع المرض، وقصة قدراته الخاصة على فهم النصوص وتذوقها وإفهامها، وتفوقه على أقرانه وأترابه، وذاكرته القوية، فقد كان لا ينسى شيئًا، وأنه ابتلي في أعز ما يملك، حيث فقد الذاكرة مدة سنتين، وصار لا يتذكر فيما بعد إلا الذكريات القديمة!
وكانت لي معرفة ثانية لأستاذنا (عبده زايد) من خلال كلام أستاذي المؤرخ والداعية الدكتور عبدالحليم عويس- رحمه الله- عنه أمامي في غير مجمع ومحفل، وتقريره من أنه من خيرة علماء الأزهر في مجال الدراسات الأدبية والبلاغية والنقدية، وأنه ينبغي أن يكون أنموذج كل أزهري وأزهرية، يريدان أن يتخصصا في هذا المجال الحي والحَيَوِي من الدراسات اللسانية والإنسانية، حيث كان في نظر مؤرخنا- رحمه الله- المثقف الواعي، والمعلِّم الباني، والناقد البصير القادر على التوجيه والإرشاد للمواهب الشابة، والكاتب الذي يُوظِّف قلمه في كل قضية تثار محليًّا أو قوميًّا أو إسلاميًّا، ولا ريب في ذلك ولا مراء حوله، فأستاذنا علم من أعلام تخصص البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، وعضو عامل ومؤسس لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، ونائبُ رئيس تحرير مَجلة الأدب الإسلامي....
ثم كانت لي معرفة ثالثة مباشرة لأستاذنا (عبده زايد) من خلال رؤيته ومعاشرته في غير منتدى ثقافي أصيل نبيل، مثل مقر رابطة الأدب الإسلامي العالمية، أيام كانت بمقر جمعية الشبان المسلمين برمسيس، وكلية اللغة العربية بالدراسة، وختامًا كلية العلوم الإسلامية لغير الناطقين بالعربية، بمدينة نصر، حين كان يدرس النقد الأدبي للطلاب الوافدين المتخصصين في البلاغة والنقد في العام الجامعي 222/2023م، وكان في كل هذه اللقاءات الهاشَّ الباش المقبل على شخصي، والمحبَّ والموقِّر، والمُنطلِق في الحديث في كل شأن ثقافي مهما كان مجاله، وأتذكر هنا هذا الحوار بيني وبينه، والذي سجلته في بحث لي عن: (المدونات النقدية الأولى عند العرب) حيث ذكرت هذا العنوان لأستاذي: أ.د/عبده زايد في مكتب وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين[أ.د/صالح عبدالوهاب، وهو خليل أستاذنا ومُحبَّه وعائده في سنيه الأخيرة] يوم الأحد24/7/2022م، فكان مما قاله حول هذه القضية: قضية تاريخ تدوين النقد الأدبي عن أسلافنا العرب: إننا نعد المبدع أول ناقد لعمله الأدبي، وإنه لذلك يقوم بمراجعات عقلية لعمله، ويحدث تعديلات وتحويرات فيه، وهذه المراجعات والتعديلات وصلت إلينا عبر تعدد الروايات واختلافها في العمل الأدبي الواحد، على النحو الذي نراه في حوليات مدرسة عبيد الشعر الجاهلية عند زهير بن أبي سلمى وأتباعه، ومدرسة المعلقات، ومن ثم يرى الحوليات والمعلقات في نظره أول نص أدبي ونقدي مدون! وهذا رأي طريف عميق في القضية لم أقرؤه لأحد قبله! ومن رؤاه العميقة التي يرويها عنه طلاب علمه قوله :"أعظم وظائف علوم العربية، هي أن تكون وسيلة لفهم القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكلام العرب من شعر وأمثال وحكم وخطب"، وأن الأدب الإسلامي كان موجودًا منذ أن نزلت سورة الشعراء؛ وقال في مناقشة رسالة طالب هندي:" إن دولة الهند دولة كبيرة وللمسلمين دور فيه وآثار علمية وأدبية، و على الطلاب من دولة الهند خاصة وطلاب شبة القارة الهندية عامة، أن يسجلوا رسائلهم حول دراسة علمائهم وأدبائهم؛ لكي يفيدونا ويتعرف منا من لا يتعرف، على آثارهم"، وما أدق وأعمق قول أستاذنا عبده زايد عن الأدب الإسلامي: إن الدعوة إلى الأدب الإسلامي في المجتمع الإسلامي دعوة إلى أن تبرأ الأمة من الانفصام الحادث بين عقيدتها وعبادتها وسلوكها وفكرها من ناحية وبين عواطفها ومشاعرها وأحاسيسها وخيالها من ناحية أخرى . فإذا كان الأدب تجسيدا لعواطف الأمة ومشاعرها وأحاسيسها وتصوراتها وأخيلتها فإنه في المجتمع الإسلامي لا بد أن يكون إسلاميا ، وإلا كان المجتمع زائفا إما في إسلامه وإما في أدبه ، أو على أقل تقدير يكون مصابا بمرض الانفصام ما بين عقله ووجدانه . وإذا كان تعبيرا عن ذات الأديب فإنه عند الأديب المسلم لابد أن يكون إسلاميا وإلا كان الأديب زائفا إما في إسلامه وإما في أدبه ، أو على أقل تقدير يكون مصابا يمرض الانفصام ما بين دينه وأدبه .. والدعوة إلى الأدب الإسلامي دعوة إلى تصحيح مسار الأدب في المجتمع الإسلامي حتى يبرأ من الزيف ومن مرض الانفصام ، ويتحقق الانسجام ما بين عقل الأمة وعاطفتها ، ما بين فكرها وشعورها ، ما بين أدبها وعقيدتها..." وتلك رؤى تدل على أنه كان – رحمه الله – بحق من الأساتذة الراسخين في مجال البلاغة والنقد والأدب الإسلامي والثقافة العربية الحديثة.
حقا وصدقًا كان أستاذنا علمًا من أعلام اللغة العربية، والقراءات الأدبية، ومن الدعاة إلى الأدب الإسلامي ورائدا من رواده، وكان له حضور فاعل في الجامعات العربية، والمجلات الأدبية، فعرفناه أديبًا، ناقدًا، بلاغيًّا قديرًا، منافحًا عن كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن التراث العربي العريق العتيق الذاخر الفاخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض