الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا ومدينتي الأولى القدس3

محمود شقير

2024 / 5 / 6
الادب والفن


5
لست وحدي مَنْ عزّزت مدينة القدس لديه قيم التسامح والوفاء والتفاني والانفتاح على كل جديد. ففي القدس يتعايش المسلمون الفلسطينيون مع المسيحيين الفلسطينيين، كونهم أبناء شعب واحد له المعاناة ذاتها من الاحتلال، والتطلعات ذاتها إلى الحرية والانعتاق. وللمدينة سبع بوابات يدخلها ويخرج منها الناس بما يعزّز الانفتاح على كل الجهات. فيها المساجد والكنائس والأسواق المسقوفة وغير المسقوفة، فيها المقاهي والمطاعم والمتاجر والفنادق والمدارس والنوادي والمراكز الثقافية، وفيها كاميرات المراقبة والجنود الغرباء.
والقدس حاضرة في الغالبية العظمى من كتبي؛ سواء تلك المكرسة للأطفال والفتيات والفتيان أم تلك المكرسة للكبار.
حدث ذلك بحكم المعايشة الطويلة وبحكم نشأتي منذ الطفولة وحتى اليوم على تخوم المدينة وفي داخلها. عرفتها حين كان أبي يصطحبني معه إلى أسواقها وإلى مسجدها الأقصى؛ وعرفتها حين كنت تلميذًا في مدرستها الثانوية الشهيرة؛ المدرسة الرشيدية التي درست فيها المرحلتين الإعدادية والثانوية، وعرفتها أكثر حين تعرّفت إلى مكتباتها وإلى صحفها اليومية ومن ثم إلى مجلتها الثقافية "الأفق الجديد"، ثم صحيفة "الجهاد" التي كنت محررًا ثقافيًّا فيها، ونشرتُ قصصًا وقصائد لعدد غير قليل من المواهب الشابة آنذاك؛ تلك المواهب التي أفرزت كاتبات وكتابًا مشهورين لهم حضورهم البارز الآن.
وبالطبع؛ فقد انعكست هموم القدس ومعاناة أهلها على اختلاف المراحل الزمنية في كتاباتي القصصية والروائية، وحين كنت في المنفى القسري الذي استمر ثمانية عشر عامًا؛ كانت القدس حاضرة من على البعد في عدد من قصصي القصيرة جدًّا.
وحين عدت من المنفى عام 1993 أمضيت عامًا بعد العودة لإعادة التموضع في المكان، ثم عملت ابتداء من عام 1994 رئيس تحرير لجريدة "الطليعة" الأسبوعية المقدسية، وكان صاحب الامتياز فيها الرفيق إلياس نصر الله، وذلك بعد أن تفرغ رئيس التحرير الأول الرفيق بشير البرغوثي للتنظيم الحزبي، لكنه ظل مواظبًا على كتابة مقالة أسبوعية متميزة فيها. وكان في الجريدة طاقم من الرفيقات والرفاق الصحافيين؛ خولة عليان وفاتنة الزغير، والمدير الإداري فريد قواس، وسكرتير التحرير عصام العاروري، ومسؤول الشؤون الثقافية الشاعر سميح محسن، وعدد آخر من المحررين؛ عاطف سعد، محمود جميل أبو عيد، حسين فرح الطويل، مصطفى البربار. وكان من كتابها في فترة تسلّمي رئاسة التحرير، الرفيقان نعيم الأشهب، وعبد المجيد حمدان وآخرون.
كانت الصحيفة التي تأسست عام 1979 في القدس ممنوعة بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي من التوزيع في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وظل القرار ساري المفعول إلى العام 1995، وقد ترك هذا القرار تأثيره السلبي على توزيع الجريدة وانتشارها.
6
وحين عدت من المنفى كانت ندوة اليوم السابع قد بدأت نشاطها الأسبوعي منذ العام 1991، وهي اليوم تعد علامة ثقافيًّة بارزة في القدس؛ بحيث تمزج بين الحلقة الدراسية التي تضمّ في صفوفها كتّابًا وكاتبات، وبين الندوة الثقافية المفتوحة أمام الجمهور المعني بالثقافة، من دون أي اشتراطات.
وتلك في ظنّي صفة حميدة تتصف بها ندوة اليوم السابع، لأنّ إبداء الرأي وحرية النقاش والحقّ في الحوار فيها ليس حكرًا على أحد. ومما له مغزاه الإيجابي أن من حقّ جميع روّادها أن يتقدموا باجتهاداتهم المكتوبة أو الشفاهية حول أي كتاب مطروح للمناقشة، ومن ثمَّ يجري نشر هذه الكتابات في الصحافة المحلية وفي المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.
وفي نهاية المطاف، يتمّ جمع موادّ الندوة وتحريرها لتصدر في سلسلة من الكتب التي تبقي هذا النشاط الثقافي موثقًا؛ قابلا للتداول وللاستفادة منه في الجامعات وفي المكتبات العامة وفي غيرها من المؤسسات الثقافية.
تثابر الندوة منذ أكثر من ثلاثين سنة على القيام بدورها في خدمة ثقافتنا الوطنية؛ وفي تعزيز حضور الثقافة والمثقفين في مدينة القدس. وقبلَ أن تُحاصَرَ القدس بالحواجز العسكرية التي عزلتها عن محيطها العربي الفلسطيني فقد كان الكتاب يأتون إلى الندوة من مختلف المدن الفلسطينية، لكنهم لم يعودوا قادرين على الحضور بعد الحواجز والإغلاق، فاقتصر الحضور فيها على كتّاب القدس ومثقفيها، وكذلك على كتّاب ومثقفين يأتونها من وراء الخط الأخضر، وهذا كله كان قبل جائحة كورونا التي ضربت البلاد عام 2020 وما تلاه من أعوام.
الجدير ذكره أن الندوة تأسّست على أيدي خمسة من الكتّاب المقدسيين هم: جميل السلحوت، إبراهيم جوهر، ديمة السمّان، ربحي الشويكي، ونبيل الجولاني، وفي زمن جائحة كورونا تحوّلت أغلب نشاطات الندوة إلى منصة زووم، ما مكّن أعدادًا من المثقفين الفلسطينيين والعرب في الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق 48 وفي الوطن العربي والعالم من الانضمام إليها والمشاركة في أنشطتها الثقافية.
مع ذلك، فقد أثّر عزل القدس عن محيطها الفلسطيني بالحواجز العسكرية وجدار الفصل بشكل سلبيّ على النشاط الثقافي في المدينة. قبل الإغلاق، كانت في القدس حركة مسرحية نشيطة علاوة على مهرجانات الغناء والندوات الثقافية والفنية.
هذه الأيام، تنشط مؤسسة يبوس الثقافية، ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى، ومقهى الكتاب الثقافي التابع للمكتبة العلمية، ومركز القدس للموسيقى وسنابل للمسرح والقافلة للمسرح، وتقام مهرجانات الغناء السنوية، لكن هذه الأنشطة جميعها تظل محكومة بالحالة السائدة في القدس، حيث الأوضاع غير الطبيعية في ظل احتلال يحاول بكل السبل التضييق على حضور الفلسطينيين في المدينة المقدسة، وحيث جرى تعطيل كل الأنشطة الثقافية وغير الثقافية في ظل الحرب الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وما دمنا ذكرنا مقهى الكتاب الثقافي الذي داوم على عقد ندوات ثقافية أسبوعية، فإن أوضاع المقاهي في القدس لم تعد كما كانت في السابق، إذ لم يعد ثمة فضاء مدني يتيح للمقاهي فرصة للازدهار المنشود. فالمنتمون إلى الجماعات الدينية، ما عاد المقهى يجتذبهم لتعارض رسالته الدنيوية مع رسالتهم الدينية. وأبناء الطبقة الوسطى أصبحوا أكثر قلقاً على المستقبل، وما عاد المقهى وارداً في حسابهم كما كان في السابق، خصوصاً مع ضعف التواصل الاجتماعي وسوء الأحوال الاقتصادية وانعدام الأمن في ظل الاحتلال. والقرويون ما عادوا قادرين على دخول القدس بسبب الحصار المفروض عليها. ناهيك عن أن الحياة في المدينة تضمحلّ كل يوم قبيل حلول المساء.
ومع تنامي الظواهر المؤدية إلى الاضمحلال، تحوّلَ عدد من مقاهي البلدة القديمة إلى محالّ لبيع الأحذية كما هي حال مقهى «زعترة». وتحوّل مقهى «صيام»، ومقهى «منى» داخل باب العامود إلى محلّين لبيع الملبوسات.
وأما مقهى باب العمود فقد بقي على حاله فترة من الزمن، وكان أقرب ما يكون إلى الكافتيريا التي تقدّم لزبائنها أنواعاً من العصير، إلى جانب المشروبات الغازيّة والقهوة والشاي، (لم يلبث هذا المقهى أن أغلق أبوابه قبل سنوات قليلة)، والأمر نفسه ينطبق على مقاهي باب الخليل وحارة النصارى، وعلى مقهى «الباسطي» في طريق الواد، حيث أصبحت هذه كلها أقرب إلى محلات الكافتيريا التي تستقبل السيّاح من النساء والرجال، وهم قلة قليلة على أية حال.
فيما بقي مقهى «جابر» ومقهى «ناصر» داخل باب الساهرة، محافظين على طابعهما التقليدي، حيث النراجيل والزبائن ذوو الدخل المحدود من أبناء المدينة، الذين يقضون الوقت في لعب الورق أو طاولة الزهر، أو في الاستماع إلى الأغاني وفي التعليق العابر على بعض الأمور، في حين تحوّل مقهى «الشعب» الواقع بمحاذاة شارع السلطان سليمان قريبًا من محطّة الحافلات، إلى "معرض الشعب للأدوات المنزلية".
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي