الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المزاجية . مغرب الاستثناءات

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


حين لا تنفذ احكام القضاء
" البوليس السياسي الاجرامي قطع الكنكسيون عن منزلي حتى لا ارسل هذه الدراسة ، لكن سأرسلها من Cyber "
النظام المزاجي البوليسي والمخزني ، نظام فريد من نوعه ، وبعض المشتغلين بالشأن العام ، وطبعا النخبة المثقفة الواعية ، يسمونه بمغرب الاستثناءات .
فهل النظام المزاجي البوليسي الفريد من نوعه في العالم ، بطقوسه الغريبة ، بجدباته المنفعلة ، بعشوائيته ومزاجيته في كل شيء ، هو حقا مغرب الاستثناءات ، ليصبح عنوانه الى جانب الدولة المزاجية ، بالنظام الاستثنائي ؟
هنا سنطرح السؤال . هل حقا ان النظام السياسي البوليسي المزاجي ، يأخذ بمبدأ الفصل بين السلط ، الذي تأخذ به الأنظمة الديمقراطية في العالم . وهل دولة مزاجية بوليسية استحواذية ، تتمثل فقط في شخص الملك ، الدولة انا / انا الدولة ، هي دولة ديمقراطية ، أساسها احترام مبدأ الفصل بين السلط ، بحيث يمنع منعاً كليا ان تعتدي سلطة ، على اختصاصات سلطة أخرى ، بدعوى مخالفة الدستور . وفي دولة كالدولة الطقوسية ، المزاجية ، العشوائية ، التي زادت مزاجية مع محمد السادس حتى فاتت القياس ، خاصة حين يخضع القضاء ، لسلطة محاضر البوليس المُحرّفة والمطبوخة ، فيحكم بناء على التعليمات والهواتف ، خاصة في الجرائم السياسية الشريفة ، فيكون الرعب البوليسي وحده من يسوي طبائع النظام ، ويسوي معارضة النظام السلمية ، لينتهي بها الامر وبتعليمات البوليس السياسي في السجون ..
ففي النظام البوليسي المزاجي الفاشي ، ينعدم كلياً مبدأ الفصل بين السلط ، ويصبح النظام الوحيد الأوحد ، دولة البوليس المزاجية ، التي تمتح مشروعيتها من الاعتداء والقمع بكل صنوفه وانواعه .. ففي الدولة البوليسية ، المزاجية ، المخزنية ، النيوبتريمونيالية ، النيوبتريريكية ، الكمبرادوية ، الرعوية ، السلطانية ، الافتراسية للثروة من مصادر مختلفة ، المفقرة للمغرب وللمغاربة ، المهربة للثروة وتكديسها بالمصارف الاوربية .. تنعدم بالكامل مبدأ الفصل بين السلط ، ليصبح الجميع يخضع لدولة المزاج ، الذي يحكمها شخص واحد ، هو الدولة والدولة هي الشخص .. وباقي ( المؤسسات ) من برلمان وحكومة ، هما ملك للراعي والأمير ، ويعتبر أعضائها بمثابة موظفين سامين عند الملك ، يسهرون ويتسابقون لتنزيل برنامجه ، وليس تنزيل البرامج الانتخابية التي على أساسها شاركوا في الحملة الانتخابوية .. نعم الدولة في المغرب ، هي دولة مزاجية بالأساس ، ولو لم تكن مزاجية هل كان للحسن الثاني ان يقول وامام الملء ، بانه يمكن له ان يعين سائقه وزيرا أولا ، ولو لم تكن مزاجية . هل كان للملك الحسن الثاني ، وهو واقف وراء Jaque Chirac ان يخاطبه قائلا " أغبطك على عمدتك لباريس من ان أكون ملكا للمغاربة " ، وهنا نفهم . لماذا الملك في المغرب يسمى بملك الغرب ، وليس بملك المغاربة ، في حين ان الملك في فرنسا كان يسمى بملك الفرنسيين وليس بملك فرنسا . ولو لم تكن الدولة البوليسية مزاجية ، هل كان لمحمد السادس عند تعيينه ملكا ، ان يمحي ديون المغرب على الدول الافريقية ، لأنها أموال ( الشعب ) الرعايا .. ولو لم تكن الدولة بالمزاجية " كوّر واعْط اللّعْور " ، هل كان لمحمد السادس ان يتقدم بحل الحكم الذاتي في الصحراء الغربية في ابريل 2007 ، وهل كان له ان يعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار امام العالم في يناير 2017 ، ويصدر ظهيرا يؤكد فيه هذا الاعتراف ، وينشره بالجريدة الرسمية عدد : 6539 / يناير 2017 ..
طبعا سندلل على مزاجية الدولة هذه المرة ، بمحاولة نقاش التناقض بين اعمال حكومة الملك ، وبين الاحكام التي يصدرها ( قضاء ) مأمومو الملك ، في حق حكومة الملك ، وفي موضوعات من قضايا تدخل في المِلْك العام ، الذي هو ملك للملك ..
فهل ( قضاء ) مأموم الملك ، قادر على ابطال قرارات أصدرتها حكومة الملك ؟ . وعندما يكون قضاء الملك بهذا العجز في تولي معالجة قرارات الملك ، لان الحكومة حكومته ، والقضاء قضاءه .. أفليس هذا اكبر برهان ، على ان الدولة الطقوسية البوليسية ، هي دولة مزاجية ، لا علاقة تجمعها لا من قريب ولا من بعيد بالدولة الديمقراطية ، التي تربط المسؤولية بالمحاسبة ، والنظام يكون مبينا على مبدأ الفصل بين السلط ..
وبالرجوع الى دستور الملك الممنوح ، سنجد التنصيص على مبدأ ( الفصل ) بين السلط ، حيث يمنع عن أي سلطة ان تتدخل في الاختصاصات التي يمنحها الدستور لسلطة أخرى . لكن في الدولة المزاجية ، دولة الاستثناءات ، وبالضبط المغرب البوليسي الذي يحكمه نظام اكثر من استثناءي ، نظام غير ديمقراطي ، بوليسي ، مزاجي ، طقوسي ، حگار ، نيوبتريمونيالي ، نيوبتريركي ، اوليغاشي ، ثيوقراطي ، طوطمي ... الخ ، سنجد وبكل سهولة ، ان مبدأ ( الفصل ) بين السلط في ممارسة النظام ، هو مبدأ وحدة السلطة ، خاصة تغول البوليس السياسي في التدخل في السلط الأخرى ، المفروض انه منصوص عليها في الدستور ، والتدخل طبعا يحصل باسم الملك الغائب عن الدولة ، ويجهل ما يجري فيها .. فتدخل سلطة القمع والجبر ، في اختصاصات سلطات اخريات ، يمكن فهمه من عقد البيعة الغير مكتوب ، حين يعطي للملك كأمير وامام سلطات استثنائية غير مكتوبة كالدستور ، لكنها مستمدة من طبيعة النظام البوليسي ، والمزاجي ( في عهد ادريس البصري كانت وزارة الداخلية تسمى بأم الوزارات ) . وهذا التدخل او التداخل ب بين السلط ، وفي وحدتها بدل فصلها عن بعضها ، يبقى مشروعا ، لان الذي بيده ، ويرأس كل الدولة العلوية يبقى الأمير الراعي . أي الملك . انا الدولة / الدولة انا .
فكيف للحكومة التي هي حكومة الملك ، ان تجمد او تبطل او تعطل مثلا تنفيد احكام أصدرها ( قضاء ) الملك ، وباسم الملك ، دون ان يكون هذا التعطيل او التجميد ، او العرقلة في تنفيد احكام وقرارات الملك ، الذي هو القاضي الكبير رئيس القضاء ، ماسا بمبدأ ( الفصل ) بين السلط في دولة امير المؤمنين ، الذي هو اعلى سلطة جبرية ، قهرية ، طاغية في بلاد الاستثناءات والمتناقضات ..
فحكومة الملك حين تعطل احكام الملك ، لان ما يسمى بالقضاء في المغرب ، هو من ( من وظائف الامامة ) ، هنا نكون حقا امام العبث في دولة الراعي الكبير الملك ، من ناحية منطوق الدستور ، وهلامية السلطات الاستثنائية التي من المفروض ان يعكسها عقد البيعة الغير مرئي كالدستور . وتكون هذه الحالة ، اكبر حجة واكبر دليل على انتفاء مبدأ الفصل بين السلط ، وسيادة الفرد الواحد الأوحد . فالملك هنا بسهولة يتحول الى سلطة جبرية قاهرة ، بمقتضيات عقد البيعة الذي يبيح أي شيء ، في ظل غياب قوة ردع تكون لاجمة ، للعشوائية والمزاجية وللفوضى والعبث السياسي .
لكن يمكن ان نفهم هذا الارتجال بكل سهولة ، عندما نعلم ان ما يسمى ب ( القضاء ) في المغرب ، هو مجرد اسم بدون مسمى ، وان ما يسمى بالقضاء في الدولة الطقوسية ، ليس بسلطة قضاء ، بل هو مجرد وظيفة من وظائف الامامة ، وان (القضاة ) ليسوا بقضاة ، ولكنهم مأمومون للإمام الأكبر الذي هو الملك ، ومن ثم استحالت أي اجراء ، يخالف في الأنظمة الديمقراطية منطوق الدستور ، الذي من المفروض ان يكون دستور الشعب ، يبقى جائزا في دستور الملك ، ويبقى مشروعا في نظام ( عقد البيعة ) . بل ان هذا الاجراء يبقى مشروعا حتى بالنسبة لدستور الملك الممنوح ، الذي يركز جميع السلط بين ايديه ، ويجعل منه هو الدولة والدولة هي الملك .
والسؤال . كيف يمكن تعطيل حكما صدر باسم الملك ، الامام ، من قبل مأموميه ( قضاته ) ، وبعد ان يحوز على قوة الشيء المقضي به ، لا يعرف طريقه الى التنفيذ ، ويصبح بذلك مشلولا ، والذي قام بشله ، هي حكومته . أي موظفيه السامين . بل كيف لقرار سياسي للحكومة ، ان يعطل حكم قضائي في نازلة ، او نوازل سيتضرر منها المتقاضون الذين سيفقدون الثقة، ليس فقط في ( القضاء ) ، قضاء الملك ، بل سيفقدون الثقة في دولة الملك ، التي لن تعود في نظرهم فقط دولة غير مفهومة ، بل سيتعاملون معها كشيء غير موجود شَبه تجسد العبث بكل صوره المقرفة .
فهل يعقل ان يصدر ( قضاة ) الملك الاحكام باسمه ، وتقوم حكومة الملك بتعطيل الاحكام التي تحمل اسمه ؟
والسؤال هنا . ما موقف الملك من هذا التناقض غير المفهوم ، من طرف أعوان الملك ؟
وبالتساؤل عن سبب عدم تنفيذ احكام وقرارات الملك ، التي تصدر باسم الملك ، الذي يبقى المسؤول الأول ، الذي يتحمل كل نتائج العبث الذي يوجد عليه نظامه .
ان المخرج لهذه الفوضى ، صدور الاحكام باسم الملك ، ورغم حيازتها على قوة الشيء المقضي به ، وتصبح نهائية ، ومحصنة من أي طعن ، تبقى معلقة ، ولا تعرف طريقها الى التنفيذ ، هو الشروع في طرح الدستور الديمقراطي ، الذي يؤسس للدولة الديمقراطية ، التي تبني نظامها على مبدأ الفصل بين السلط ، وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة . فاذا كان الملك ، واي ملك يريد ان يحكم ، فلا اشكال ، لكنه من حق الشعب محاسبته على نتائج سياسة حكمه في الزمان وفي المكان .
فعندما تكون حكومة الملك ، التي تشتغل لتنفيذ برنامج الملك الانتخابوي ، هي من يعرقل قرارات صدرت باسم الملك ، والملك الذي من المفروض انه رأس الدولة ، لا يهتم وغائب ، فيصبح البوليس والسياسي يقيد القضائي ، فيقع تداخل السلط . بل يحصل تغول الجهاز ( السلطة ) التنفيذي على الجهاز ( السلطة ) القضائي ، و الجهاز ( السلطة ) التشريعية .. هنا نكون حقا امام نظام فريد من نوعه في العالم ، ويشكل الاستثناء المخزني الذي يحلل ويبيح ما طاب له ، ويمنع ويحرم ما لم يطب له .

تترتب عن عدم تنفيذ الاحكام القضائية ، جملة من السلبيات التي تسيء الى وجه الدولة ، وتشكك في قراراتها ، كل مؤسساتها ، والمقصود هنا الدولة الديمقراطية ، لا الدولة الشمولية التي تؤسس حكمها على الغيب ، فيحل المزاجي على القانوني ..
ان من بين هذه السلبيات :
1 ) عدم احترام مبدأ المشروعية ، حيث ان جميع تصرفات الإدارة، يجب ان تكون قانونية ، فما بالك بحكومة الملك المعطلة لقرارات الملك القضائية ، لأنه هو رئيس القضاة والقضاء ، والاحكام تصدر باسمه ، وهو ما يعد ضربا لمبدأ ( الفصل ) بين السلط ، ومن ثم نكون امام دولة مزاجية تتحرك حسب الظرفية و حسب المصلحة ..
2 ) ضرب مبدأ السلم الاجتماعي ، خاصة سحب المتقاضين لثقتهم بالأحكام القضائية ، وريبتهم من حكومة الملك ، تقرر تعطيل قرارات الملك ، صدرت باسمه كرئيس اول للقضاء ، ورئيس الجهاز القضائي .
فاذا كان المستثمرون ، وبأم اعينهم ، يشاهدون حكومة الملك ، تعتدي على قرارات الملك ، أي قضاة الملك في خرق سافر لدستور الملك .. ، فما الفائدة ، وما الجدوى من وجود محاكم ، وقضاة ، ومجلس اعلى للقضاء ، ووزارة للعدل ، وإصدار احكام باسم الملك ، تعطلها حكومة الملك .. انه العبث ليس الاّ المعروف به النظام المزاجي بكثرة ..
فلتفادي هذا الارتجال ، والعبث ، واللاّمسؤولية ، لوضع حد لتضارب وتداخل السلطات المختلفة .. وحتى لا تبقى احكام القضاء مجرد حبر على ورق ، نقترح مجموعة من الإجراءات للحفاظ على حقوق المتقاضين ، التي يقرها القضاء بأحكامه ، حتى تسود الثقة ، ويسود الاطمئنان ، تضمن الحقوق .
1 ) اعتبار عدم تنفيذ احكام ( القضاء ) ، بعد ان تحوز الاحكام على قوى الشيء المقضي به ، هو تصرف مهين لجزء من الحكومة التي تشتغل جماعة في تنزيل برنامج الملك ، خاصة وهي تصدر باسم الملك التي تعتبر الحكومة حكومته . فلا يعقل القول بمبدأ ( الفصل ) بين السلط ، واستقلالها عن بعضها ، اذا لم تعرف القرارات التي تصدرها احداها ، طريقها الى التنفيذ ، والخطورة ان في عدم تنفيذ قرارات جزء من مكونات الحكومة ، التي هي حكومة الملك ، إهانة للملك نفسه . فهل يرضى الملك بتعطيل الاحكام التي يصدرها جزء من الحكومة ، من قبل جزء اخر منها ..؟ .
بل ان عدم تنفيذ الاحكام والقرارات التي تصدر باسم الملك الغائب ، قبل ان تكون اعتداء مكشوفا على حقوق المتقاضين ، الذين يرعاهم الملك الممثل الاسمى للامة ، وامير المؤمنين الذي يرعاهم دستوريا ويحفظ مصالحهم .. هو إهانة كبيرة للملك الذي يتصدر اسمه منطوق الحكم الذي نطقت به محكمة الملك ، في حق جزء من حكومة الملك . أي قطاع العدل المنفي في امارة الأمير الراعي ، والامام الكبير .
بل بما ان القرارات والاحكام تصدر وتنفذ باسم الملك ، فهي ، أي الاحكام ، تعتبر بمثابة أوامر الملك للتنفيذ ، ومن ثم ، يمكن تكييف عدم تنفيذ أوامره بالعصيان لأوامره ، مما يجعل من التصرف بعدم التنفيذ ، ان يصبح جناية كاملة الأركان ، حسب القانون الجنائي الخاص المغربي ، هذا في دولة الملك .
لكن السؤال هنا . بما ان القضاة هم قضاة الملك ، والاوامر / الاحكام ، هي أوامره واحكامه . وبما ان السلطة التي عطلت او عرقلة أوامره واحكامه ، هي حكومته او جزء منها ، فهل يتصور ان يقاضي الملك شخصه بدعوى العصيان ، عندما عصى امره هو نفسه ، من خلال حكومته التي عطلت امرا اصدره ( قضاته ) ، أي مأموم الامام ..
انه لشيء غريب ان يكون المسؤول الأول هو الملك ، وان تصدر احدى اداراته امرا باسمه ، فتعمد حكومة الملك الى تعطيل امر الملك ، لأسباب غير مقبولة اطلاقا ، تضر بمصالح الناس والمستثمرين ..
ان مثل هذه الحالة لا توجد الاّ في مغرب الاستثناءات ، مغرب المزاج في كل شيء .. نظام يجمع بين ( الاصالة والمعاصرة ) ..
2 ) خرق مبدأ وحقوق الدفاع . وهذا شيء خطير في دولة من المفروض ان تحترم التزاماتها ، وتعهداتها ووعودها ، وانها تدعي زورا وكذبا انها دولة حق وقانون .. وليس بدولة بوليسية قامعة وجبرية .
ان احترام حق الدفاع ، يبقى دائما حقا مقدسا في جميع الدول الديمقراطية ،لان المحاكمة العادلة ، تقتضي تمكين اطراف النزاع من وسائل دفاعهم ، التي على ضوئها تتخذ القرارات والاحكام التي يصدرها القضاء . وحين يعمد جزء من الحكومة الى الامتناع عن تنفيذ قرارات واحكام أصدرها جزء اخر من الحكومة ، يكون هذا الامتناع بمثابة ضربة توجه الى هذا الحق ، الضامن لوحده للمحاكمة العادلة ، المفقودة بالكامل في الدولة الرعوية الاميرية والامامية ..
3 ) ضرب مبدأ حجية الامر المقضي به ، وهو ما يعتبر تحقيرا للأحكام والقرارات ، واهانة لجزء من مكونات حكومة صاحب الجلالة والمهابة ، بل قد تعتبر إهانة لصاحب المهابة نفسه ، لان جزء من الحكومة ، وضمن سلطات الاختصاص ، هي تنتمي للملك لا لغيره . بل نحن نعتبرها بمثابة مساً لرئيس الدولة كملك ، ومساً اكثر واخطر للأمير ، وللراعي الكبير ، وللإمام الجامع المانع ، الذي صدرت التقارير والاحكام باسمه ، فبقيت مهمشة لم تعرف طريقها الى التنفيذ .
اذا كانت الحكومة تتدرع بمقتضيات الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية ، الذي يمنع الحجز على الممتلكات العامة ، فان هذا التدرع ليس بحجة ، ولا بمبرر للتهرب من تنفيذ الاحكام والقرارات . بل هو تدرع مردود عليه ، لأنه يمس المعاملات القانونية التي هي الثقة في الدولة ، التي من المفروض ان تكون الدولة الديمقراطية ، لا الدولة المزاجية البوليسية الفاشية .
ان المشكل في عدم تنفيذ الاحكام والقرارات التي تصدر بأمر الملك ، إضافة الى كل ما سبق تحليله أعلاه ، يكمن في ان النظام ( القضائي ) السلطاني المزاجي ، هو نسخة طبق الأصل للنظام القضائي الفرنسي ، من حيث الشكل ، لا من حيث الجوهر . وهنا نكاد نلمس حالة من حالات السلبيات التي تُضعف الدولة المزاجية الضعيفة أصلا . ان ( القضاء ) لا يملك سلطة توجيه الأوامر للإدارة كما هو الحال في النظام القضائي الانگلوساكسوني ، الذي لا يميز بين الإدارة والخواص ، عند النظر في المنازعات . ومن هنا يصبح السؤال الوجيه لتعطيل قرارات الدولة في ميدان ( القضاء ) ، هو ما العمل والسبيل في جعل الاحكام التي يصدرها ( القضاء ) تعرف طريقها الى التنفيذ ، لأنه هنا لا يعقل استعمال القوة العمومية ضد جزء من الدولة ، او ضد الحكومة التي اتخذت قرارا بتعطيل الاحكام ضد الأملاك العامة للدولة ، ورغم ذلك تبقى هناك عدة وسائل في نظرنا تتوزع بين المعنوي والمادي :
وأمّا المعنوي ، فان كل هيئة ، او إدارة ، او وزارة ، تمتنع عن تنزيل الاحكام التي أصدرها جزء من الدولة ، المفروض فيه انه ( القضاء ) ، خاصة اذا كانت ( الهيئة القضائية ) ، هو دليل ساطع عن ضعف النظام المزاجي البوليسي ، الذي يمثل السلطة الحقيقية التي سرقت الدولة ، واستعملتها في الفساد والافساد .. ووصلت نتيجة القرارات المزاجية الى قرب استقلال الصحراء ، وكثرة المتدخلين المزاجيين في هذا الفساد والافساد ..
وأمّا الوسائل المادية لفرض تنزيل الاحكام ، والقرارات التي يصدرها جزء من الحكومة المزاجية ، ضد الجزء الواقف وراء تعطيل القرار فهي كما يلي :
1 – ان كل شخص صدر له حكم ضد الإدارة ، وحاز على قوة الشيء المقضي به ، وتجبّر جزء من الإدارة ، للاذعان لها ، ان يسلك النضال الديمقراطي ، كالاعتصام بمسجد السنة قرب قصر الملك ، المسؤول عن هذه الفوضى في تسيير الشأن العام ، بسبب المزاجية ، مع قراءة اللطيف ، والدخول في اضراب مفتوح عن الطعام ، وذلك للمطالبة فقط بتنفيذ قرار او حكم صدر باسم المسؤول عن هذه الفوضى الذي هو الملك بسبب ضعفه ، وبسبب مصادرة الدولة من قبل ( صديقه ) و ( مستشاره ) المدعو فؤاد الهمة الذي هو الحاكم الفعلي للدولة ، من خلال سيطرته على جهاز البوليس ، وسيطرته على الجهاز السلطوي ، الخاضعين له كل الخضوع ..
ان هذا الاجراء في نظرنا ، هو ضغط مادي لإلزام المسؤول عن هذه الفوضى ، بتطبيق نص الدستور الذي يركز كل الدولة في شخصه ، وبتنزيل ( عقد البيعة ) الذي يسمو بالرمز / الملك الى فضاءات عليا ، ومن ثم ينتج عن هذا الخلط ، وضع مرتبك وخطير ، تجعل ( الامة ) التي يُعتبر هو ممثلها الاسمى ، ومن سلالة النبي ، أي خليفة أوتوقراطي ، تفقد الثقة فيه ، وتصبح مؤهلة لأي عرض سخي بالمشاركة في قلب النظام . ففي الدول الديمقراطية ، تعتبر مثل هذه الحالات ، جريمة نكراء غير مقبولة في حق مبادئ الجمهورية ، او مبادئ الملكية البرلمانية . اما في الدولة المزاجية البوليسية المخزنية ، فسيان بين الترشيد والعقلنة في تنفيذ القرارات والاحكام ، وبين المزاجية التي تتعارض مع دولة المؤسسات ، وتنبذ دولة العائلات والقبائل ، أساس الطغيان واساس الاستبداد ..
ينص الفصل 77 من الدستور المغربي ، على ان الاحكام تصدر وتنفذ باسم الملك ، وهذا ما ذهب اليه الفصلان 50 و 433 من قانون المسطرة المدنية . وهذا معناه ان ( السلطة ) الهيئة ( القضائية ) الإمامة ، يمارسها رئيسها بواسطة ( القضاة ) المأمومون ، الذين هم نوابا مباشرون عنه .. لان المأموم ( القاضي ) عندما يصدر قرارا او حكما ، فالمفروض ان هذا القرار او الحكم ، قد صدر باسم الملك لا باسم غيره . وعندما يتعطل تنفيذ وتنزيل القرارات والاحكام ، فالمسألة والاجراء ، يعتبر من خصائص دار المخزن التي تتصرف طبعا بالمزاج ، في العزل بين ما يجب تطبيقه ، وما لا يجب تطبيقه ، ولو انه صدر باسم الامام ( القاضي ) الأول في الدولة المزاجية البوليسية ..
ان الملك المفروض فيه انه رئيس الدولة ، بل هو الدولة ، والدولة هي الملك ، انّ هذه التركيبة ، تعتبر من اقوى الاذلة ، والحجج الدامغة ، من ان النظام المزاجي البوليسي المخزني ، هو نظام ضد مبدأ الفصل بين السلط ، هو المبدأ عنوان الدولة الديمقراطية ..
انّ السؤال هو . كيف لمأمومي ( قضاة ) الملك الأمير والراعي الكبير ، ان يصدروا حكما ، او أوامر باسم الملك ، وكيف ان حكومة الملك تعطل تطبيق قرارات الملك ، واحكام الملك الصادرة باسم الملك ، وعند تنزيلها يعتبر تطبيقها قد حصل باسم الملك ، وعند عدم تطبيقها ، تصبح كأنها ليس وراءها الملك .. لان الملك هنا ، يُعتبر ( القاضي ) الإمام ، فيصبح هو نفسه الحكومة التي هي حكومته ، يعطل تنفيذ ما أصدره ( قضاته ) مأموموه ، باسمه ؟ ..
وهنا لا بد من الإشارة الى ان الفصل 266 من القانون الجنائي المغربي ، ينص على انه " يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 203 على : ... الأفعال ، او الاقوال ، او الكتابات العلنية ، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية ، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء او استقلاله . " . فهل من الممكن تنزيل هذا الفصل على الملك الذي يعتبر دستوريا هو الدولة والدولة هي الملك ..
2 -- تحديد مسؤولية المسؤول عن تعطيل وعدم تنفيذ الاحكام ، طبقا لما ينص عليه الفصلان 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود المغربي ( القانون المدني ) . فتدرع الجهة المعرقلة لتنزيل القرارات الصادرة باسم الملك ، هو عمل او تصرف غير مشروع ، وطبعا الملك من يتحمل هذه الفوضى ، لان الدستور رتّبه كأعلى سلطة في الدولة ، والممثل الاسمى الوحيد للامة . لأنه هنا لا يتصور تحقيق مصلحة عن طريق ارتكاب عمل غير مشروع . فالتدرع بالفصل 25 من قانون المسطرة المدنية ، لتحقير الاحكام والقرارات ، يعتبر جريمة في الدول الديمقراطية ، ويبقى في حال الدولة المزاجية ، عملا منافيا للقانون ، واعتداء على حقوق الافراد والجماعات ، في دولة تدعي الديمقراطية ، وتترأس ( مجلس حقوق الانسان ) بالأمم المتحدة ، في حين انها دولة مزاجية بوليسية مخزنية ، نيوبتريمونيالية ، نيوبتريركية ، طقوسية ، غارقة في التقاليد المرعية ، ودولة رعوية .. أي انها دولة المزاج ضد القانون ، وضد المؤسسات الدستورية الديمقراطية ..
3 – في الدول الديمقراطية التي تقيم نظامها على مبدا الفصل بين السلط ، وتربط المسؤولية بالمحاسبة ، يمكن لكل شخص او هيئة او منظمة .. تكون قد صدر لها حكم اصبح نهائيا ، لانه حصل على قوة الشيء المقضي به ، واصبح متحصنا من أي طعن ، بعد ان يكون قد مر بكل درجات التقاضي ، المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ، ان يقاضي الشخص الواقف وراء التعطيل ، أكان الوزير الأول ( المغرب ) او رئيس الحكومة ، او وزير ، او كاتب عام لوزارة ... الخ ، ويطلب بتجريم الفعل ، كما من حقه المطالبة بالتعويض .. والسؤال هنا . بما ان النظام المزاجي البوليسي المخزني الطقوسي ، هو نظام يجمع السلط في يد شخص واحد الذي هو الملك ، الذي هو الدولة والدولة هي الملك ، وينتفي مع ( الممثل الاسمى ) للامة.. ، فهل ممكن مقاضاة الملك المفروض فيه ، لأنه هو الرئيس الوحيد الأوحد ، على تجاهله صدور قرار باسمه او حكم باسمه ؟ .
فحتى نصبح يوما ما نعيش في دولة ديمقراطية ، ضمن الدستور الديمقراطي ، تحتكم للمؤسسات ولا تحتكم للأشخاص والعائلات واللوبيات ، فلا مفر من مبدأ الفصل بين السلط ، ولا مفر من ربط المسؤولية بالمحاسبة ... وبلغة صريحة لا مفر من الدولة الديمقراطية الحقيقية .. دولة المؤسسات لا دولة الأشخاص والعائلات .. وأياً كان غطائها وعنوانها .. المهم النظام الديمقراطي والدولة الديمقراطية . في اوربة هناك ملكيات ديمقراطية ، وهناك جمهوريات ديمقراطية .. فغطاء وعنوان الدولة ليس المهم ، بل المهم الديمقراطية المفقودة في الدولة المزاجية البوليسية ، المخزنية ، النيوبتريركة ، النيوبتريمونيالية، الرعوية ، الطقوسية ، السارقة للثروة وتفقير أصحابها ( الرعايا ) ، ومهرب الثروة خارج المغرب لتكدس في الابناك الاوربية ، الغارقة في التقاليد المرعية ... فكل هذه الاوصاف السياسية ، وغيرها بالكثير لا توجد بالدولة الديمقراطية ، وفي أي نظام ديمقراطي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه