الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العضوية وانعطاف الوعي : الجامعات الغربية انموذجا ّ

مظهر محمد صالح

2024 / 5 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تعد انتفاضة الطلبة في الجامعات الامريكية المحافظة لمناصرة غزة ، مرآة عاكسة وصادقة لتطور الوعي النقدي غير المسيس للمثقف الاكاديمي العضوي ، وهو اصطفاف (تلقائي ) مفاجيء يتفجر غالباً خارج المحركات السياسية الحزبية ومقوماتها الاديولوجية ، وبعيدا عن تاثير درجات انغلاقها وانفتاحها كقوة متحزبة تخضع لتكتيكات ومصالح المنظمات الحزبية في التاثير والتعبير ازاء حروب التوحش التي لم تهدأ في منظومة راس المال المركزية .
ومنها على سبيل المثال انتفاضة طلاب الجامعات الفرنسية والتي سميت وقتها حقاً revolt of Paris , حيث قادت عوامل متعددة إلى اندلاع الاحتجاجات الطلابية في العآم 1968 ، وجاء العديد منها رداً على الظلم الملحوظ من قبل الحكومات - في الولايات المتحدة الأمريكية (تحديدا ضد إدارة الرئيس جونسون ) - اذ كانوا معارضين للتجنيد الإجباري وتورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام.
وهكذا ظلت شرارات الوعي تلتهب على مر التاريخ المعاصر وتاخذ على الدوام شكلها التلقائي النقدي (الحركي الجمعي ) ولاسيما عندما تبلغ الحروب الراسمالية نقطة اتقاد توحشها في قساوة اسلحتها كادوات قتل ضد الانسانية وانتزاع حق تقرير المصير من الشعوب المضطهدة كالشعب الفلسطيني اليوم.
فالمثقف العضوي organic intellectual كما عبر عنه فيلسوف ايطاليا انطونيو غرامشي
Antonio Gramsci
بانه شخص يخرج من سياق اجتماعي أو ثقافي محدد ويستخدم معرفته وتأثيره للدفاع عن التغيير الاجتماعي أو تحدي هياكل السلطة القائمة. وانهم غالبًا ما ينشأون من مجموعات مهمشة أو مضطهدة ويقدمون وجهات نظر بديلة للأيديولوجيات السائدة.
وهنا يقول المفكر السياسي الاجتماعي إبراهيم العبادي في مقال مهم عنوانه : الاسلام والغرب بعد تظاهرات الطلبة …!
( بأن ثمة جيل جديد ينبغي التواصل معه وفهمه والدفع بخطواته نحو تغيير بطيء، لكنه تراكمي وسيحدث اثره السياسي ، وربما الثقافي والاجتماعي ،جيل تصنعه العولمة الثقافية والمشتركات الانسانية والضمير الاخلاقي ).
فحقا مايجري اليوم من وعي جمعي للنخب المثقفة تنطلق تحديداً من كيانات اكاديمية تتمثل بالجامعات لتصنع الراي العام الانساني في التاثير في قرارات مصير الشعوب المضطهدة ، وتاتي اليوم بزخمها كبديل (ديناميكي ) لتحركات التنظيمات الحزبية التي مازالت بطيئة التعبير في تحريكها للراي العام صوب القضايا المصيرية للشعوب والتي يسيرها بالغالب نمط اديولوجي (استاتيكي ) مؤطر باوامر مركزية يزحف على مسالك احتجاجية ضيقة ، او غالباً ما تتحرك او تسكن على خرائط المصالح السياسية عند تبريد المواقف او تسخينها .
ففي تاريخ الحركات الوطنية خارج التحزب السياسي مثلما قام به الثائر الكبير (جيفارا ) وانفلاته في النضال نحو تحرير جنوب العالم اللاتيني ، اذ جاء متحرراً من قبضة الحزب الواحد ليجسد بوعيه نمط حاد ومسلح في التعبير عن انعطافات المثقف العضوي من انغلاقات الوعي المسكون بأيديولوجيا احادية ، و ليرسم بنفسه ورفاقه دروب الحرية وفلسفة التحرير . وهنا ينصرف المفكر الاكاديمي الدكتور مزهر الخفاجي في مقال لافت عنوانه : فلسطين في عباءة اميركا اللاتينية، عاكساً فيه و بصوت عالي مفارقة الوعي والثقافة العضوية في مواقف الدول اللاتينية تجاه غزة ولاسيما ما قاله الزعيم البرازيلي لولا دا سلفا مؤخرا في قمة الاتحاد الافريقي في اديس ابابا وبالنص : ((ان ما حدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة... لم يحدُث أبداً في أي وقتٍ من التاريخ….. . وهذه الموقف وغيره من الموآقف لعددٍ من رؤساء وحُكام دول العالم
جعلت المواطن العادي والمتابع لهذه الشؤون من العرب ان يشعروا بالحيرة والدهشة والغرابة والحرج)).
فثوران الطلبة في الجامعات الامريكية (ببعده الواعي النقدي اليوم ) يتخذ اتجاهين : الاول ، ان الطلبة هم قوى (مثقفة عضوية ) تلقائية في انسانيتها خاليه من العُقد الاديولوجية ومتحررة منها.
والاخر ، انها قوى ولدت من رحم المؤسسة الاكاديمية الجامعيّة المحافظة ، وهي خالية من القيود و الانظمة الحزبية ، على الرغم من القمع البيروقراطي والبوليسي والتشريعي الذي تتعرض له ،ما يعني ان صلابة وديمومة تاثيرها بسبب قوة مبادئها والتعبير عنها بشكل مباشر دون قيود ملزمة ، هي اقوى تاثيرا على عموم الراي العام من اي تنظيمات سياسية تتحلى بالافق النمطي التدريجي التطوري evolutionary في الحركات الاحتجاجية الحزبية وهو افق بطيء لايبدل حركة التاريخ ويسرع من انعطافاتها بل هي محاولات حزبية خالية من تفجير الافق الثوري او بلوغ غليان الثورة او الانتفاضة revolt كما يفعل الطلبة في جامعة كولومبيا وغيرها اليوم.
فبين غزة 2024 و هانوي 1968 خط ثقافي عضوي واحد مشترك هو (ثورة الطلاب )التي تتكثف في انسانيتها على مدار اكثر من نصف قرن ( اي ثورة طلاب فرنسا في 1968 وثورة جامعة كولومبيا وغيرها في 2024 ) وهما حصيلة واحدة في تكاثر الوعي لبلوغ نقطة انفجار (ثورة الوعي نفسه ) لفرض السلام بقوة العقل النقدي المدني و ايقاف الحروب الراسمالية غير العادلة والتي تستسيغ الانفلات والافراط في مستويات التوحش باستعمال ادوات العنف حتى بلوغ جرائم الحرب .
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا


.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ




.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.