الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ والتحولات في الحاضرية الوجودية الشاملة

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 5 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بدأت الأفكار التي تشكل أسس الوجودية في القرن التاسع عشر، حيث كانت العالم يشهد تحولًا نحو عالمية علمانية وعلمية، وكان الإطار الديني التقليدي الذي كان يوفر التوجيه الأخلاقي والتماسك للحياة قد بدأ ينهار. ومع ذلك، لم يكن العلم وحده هو السبب وراء القلق والضياع في العصر الحديث، بل أيضًا صعود البروتستانتية التي أكدت على الداخلية الشخصية وخلق تكوين اجتماعي فريد مبني على مبادئ الفردية والحرية والاعتماد على الذات. وكانت النتيجة فقدان الشعور بالانتماء. تحت هذه التحولات التاريخية، تم إنشاء ظروف العدمية، حيث وجد الإنسان الحديث نفسه فجأة مشتتًا ومرتبكًا، غير متأكد من الطريق الذي يجب أن يسلكه أو المكان الذي يجب أن يبحث فيه عن معنى ثابت ودائم لوجوده. وتنطوي حالة العدمية على الاعتراف المروع بأنه لا يوجد سبب عام أو ترتيب أو هدف لوجودنا، وأن كل شيء في الأساس لا معنى له ولا جدوى. ومن بين جميع الفلاسفة، كان نيتشه الأكثر تأثيرًا ونبوغًا في تشخيص وتصور هذه الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الوجودية نقدًا قويًا للمتجردة والتحليلية في الفلسفة التقليدية. فهي تؤكد على أننا لا يمكننا أن ننظر إلى الحالة الإنسانية من منظور مستقل ومحايد، بل نحن بالفعل مشاركون في حدث أو نشاط الوجود، وهو نشاط متجسد دائمًا ومشعور ومتواجد في سياق تاريخي، وبالتالي، يتم فهم الوجود بشكل عام. ومع غياب معيار أخلاقي مطلق موجه، وجد الفرد الحديث نفسه مهجورًا وضائعًا، "متجولًا"، كما يكتب نيتشه، "كما لو كان في عدم لا نهائي. تأثرت الوجودية بالتحولات الاجتماعية والتاريخية التي رافقت الثورة الصناعية وتشكيل الدولة الحديثة. مع ظروف العمل الميكانيكية الجديدة وأشكال الإدارة البيروقراطية، تم تأسيس نظام اجتماعي بارد ومنفصل يؤدي إلى الاغتراب والتبعية. وعندما يقدم أورتيغاي غاسيت مفهوم "الإنسان الجماهيري"، يصور العصر الآلي والتشابه الخامل للطبقة الإدارية والشك وعدم الثقة التي تنشأ عندما يتم تنظيم الحياة بواسطة مسؤولين بلا وجه.
ان الأسس الفلسفية للحاضرية الوجودية تتمثل في التالي:
النقد النيهيليزم وأزمة الحداثة: يعتبر الحاضريون الوجوديون ان النيهيليزم حالة تتضمن الاعتراف المروع بأنه لا يوجد سبب عام أو ترتيب أو هدف لوجودنا، وأن كل شيء في الأساس لا معنى له ولا جدوى. وهذا لا ينطبق على جدوى الوجود.
التورط مقابل الانفصال: ترفض الحاضرية الوجودية المنهجية المتمحورة حول الانفصال العقلاني والموضوعية للوصول إلى الحقائق الثابتة والخالدة. بدلاً من ذلك، تؤكد الحاضرية الوجودية على أننا لا يمكننا أن ننظر إلى الحالة الإنسانية من منظور غير منحاز ومحايد، بل نحن بالفعل مشاركون في حدث الوجود ونشاطه.
أهم النقاط التي ينتقدها الحاضريون الوجوديون في الفلسفة التقليدية:
التجريد والتجريدية: الفلسفة التقليدية تعتمد بشكل كبير على التجريد والتجريدية، حيث تعتبر الحقائق العامة والمفاهيم العالمية أكثر أهمية من الخبرات الفردية والواقعية.
الانفصال عن التجربة الإنسانية الحقيقية: أن الفلسفة التقليدية تبتعد عن التجربة الإنسانية الحقيقية وتعتمد بشكل كبير على النظريات والمفاهيم العقلية المجردة، مما يجعلها بعيدة عن الخبرة الحية والواقعية للإنسان.
الانفصال عن الواقعية: أن الفلسفة التقليدية تنحاز إلى الواقعية وتعتبر الواقع الخارجي والحقائق الموجودة في العالم الخارجي أكثر أهمية من الواقع الداخلي والتجربة الشخصية للفرد.
الانفصال عن التزام الفرد: أن الفلسفة التقليدية تغفل عن التزام الفرد وحريته في اتخاذ القرارات وتحديد معنى حياته الشخصية، حيث تعتبر القيم والأخلاق العامة أكثر أهمية من الاختيارات الفردية والتجارب الشخصية.

الانفصال عن الوجود الفردي: ترى الفلسفة التقليدية وتغفل عن الوجود الفردي والتجربة الشخصية للفرد، حيث تعتبر الوجود العام والجماعي أكثر أهمية من الوجود الفردي والتجربة الشخصية.
لذا الفلسفة الحاضرية الوجودية الشاملة، تعتبر جزءًا من تاريخ الفلسفة بشكل عام، ولها فوائد مميزة مقارنةً بالفلسفة التقليدية. فيما يلي بعض الفوائد التي يرونها الحاضرون الوجوديون في الفلسفة الحاضرية مقارنةً بالفلسفة التقليدية:
تطبيقية وعملية: تركز الفلسفة الحاضرية على مشاكل وقضايا العصر الحديث وتحاول تطبيق المفاهيم الفلسفية على الواقع الحالي. هذا يعني أنها تسعى لإيجاد حلول للتحديات والمشكلات التي نواجها في حياتنا اليومية.
تعدد الثقافات والمنظورات: تتيح الفلسفة الحاضرية فرصة للتفاعل والحوار بين مختلف الثقافات والمنظورات الفلسفية. فهي تجمع بين الفلسفة الغربية والفلسفة الشرقية وتعمل على تبادل الأفكار والمفاهيم بينهما.
تحديث المفاهيم الفلسفية: تسعى الفلسفة الحاضرية لتحديث المفاهيم الفلسفية التقليدية وتطويرها لتناسب العصر الحديث. فهي تستخدم الأدوات والمناهج الحديثة لفهم وتحليل القضايا الفلسفية.
التركيز على التنوع والشمولية: تهتم الفلسفة الحاضرية بالتنوع والشمولية في الفكر الفلسفي. فهي تعترف بأن هناك مجموعة متنوعة من المنظورات والأفكار الفلسفية التي يمكن أن تساهم في فهمنا للعالم وتحليله.
الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والسياسية: تركز الفلسفة الحاضرية على القضايا الاجتماعية والسياسية الراهنة، مثل العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والتعددية الثقافية. فهي تسعى لفهم هذه القضايا وتقديم تحليلات فلسفية لها.
وهذا ما ينتج الأدوات والمناهج الحديثة في الفلسفة الحاضرية الوجودية ويتيح لها فهم القضايا الفلسفية. تستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات والمناهج لفهم القضايا الفلسفية:
المنهج اللغوي: يستخدم الفلاسفة الحاضرون تحليل اللغة واستخدامها كأداة لفهم القضايا الفلسفية. يتم تحليل الألفاظ والمفاهيم والعبارات لفهم معانيها وتأثيرها على الفهم الفلسفي.
المنهج التحليلي: يعتمد على تحليل المفاهيم والقضايا الفلسفية إلى مكوناتها الأساسية ودراسة العلاقات بينها. يهدف هذا المنهج إلى تحليل القضايا الفلسفية بشكل دقيق ومنطقي.
المنهج التاريخي: يركز على دراسة التطور التاريخي للأفكار الفلسفية وتأثيرها على التفكير الحاضر. يتم استخدام المنهج التاريخي لفهم السياق الثقافي والاجتماعي الذي نشأت فيه الأفكار الفلسفية.
المنهج النقدي: يستخدم لتحليل وتقييم الأفكار الفلسفية والحكم عليها بناءً على معايير منطقية وفلسفية. يهدف المنهج النقدي إلى تطوير الفهم الفلسفي من خلال التحليل النقدي للأفكار والحجج.
المنهج الفلسفي التجريبي: يستخدم في إجراء تجارب فلسفية لاختبار الأفكار والنظريات الفلسفية. يتضمن هذا المنهج إنشاء سيناريوهات تفاعلية أو استخدام النماذج الفلسفية لاختبار صحة الأفكار والنظريات.
في الحاضرية الوجودية الشاملة، تعتبر طبيعة الحالة البشرية مشكلة فلسفية رئيسية، وأن هذه المشكلة يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال الأنطولوجيا. يمكن تحديد سبعة مواضيع رئيسية تعرف على الفكر الحاضري، وهي:
الفلسفة كنمط حياة: يعتقد الحاضرون أن الفلسفة يجب ألا تكون محاولة لاستكشاف الذات أو العالم فحسب، بل يجب أن تكون جزءًا متكاملًا من الحياة. يمكن أن يعيش الإنسان حياة فلسفية دون معرفة تقنية تفصيلية بالفلسفة.
القلق والأصالة: يعتبر القلق اعترافًا بأن الوجود البشري في حالة من العزلة. يعتبر الحاضريون العواطف والمشاعر ذات أهمية كبيرة، حيث يعتقدون أنها ترتبط بشكل أكبر ثقافيًا وفكريًا بالوجود الفردي والمستقل.
الحرية: يعتبر الحاضرون الحرية موضوعًا مهمًا، حيث يرون أن الإنسان لديه القدرة على اتخاذ قرارات أساسية بشأن وجوده باستقلالية تامة عن التفكير العقلاني أو القيم المعتادة.
الوجود: يعتبر الحاضرون الوجود نفسه موضوعًا رئيسيًا للفكر الحاضري، وللموت أهمية في مفهوم الوجود.
العقلانية / السخرية: يعتبر الحاضرون العقلانية والمنطق ذات أهمية عند اتخاذ القرارات الأساسية بشأن الوجود بالرغم من معرفتهم الحقيقية بالمصير.
الوجود في الجماعة: يعتبر الحاضرون الوجود الفردي فريدًا ولا يمكن فهمه الا بالاعتماد على أنواع أخرى من الوجود.
تأثير الحاضرية الوجودية: لقد كان للحاضرية الوجودية تأثير كبير خارج المجال الفلسفي، على سبيل المثال في نظرية النفس والفنون.
على الرغم من أن الحاضرية الوجودية لا تزال تثير الكثير من الجدل في الفلسفة، إلا أنها تقدم بعض الإطار الفكري للتفكير في الأسئلة الوجودية التي يتساءل عنها الإنسان منذ بداية الخليقة. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن الحاضرية الوجودية لا تقدم إجابات نهائية، بل الحاضرية الوجودية هي تيار فلسفي يعتبر طبيعة الحالة الإنسانية مشكلة فلسفية رئيسية، ويرى أن هذه المشكلة يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال الأنطولوجيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء