الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الماء الأول

أبوذر بابكر

2024 / 5 / 7
الادب والفن


في المسافة بين "حاء" الحب و "حاء" الحرب، تعلن "الراء" وجلها المريع وتنزوي، آملة في عناق الحياة، نادمة على توسد "الرحيل"
وفي حضرة الماء الأول، تنهض أشياء وتخيب أخرى، ويتخذ العطاء هيئة البراءة حين يجلس في راحة اليد ويقاوم غواية المنح قبل أن يقطع الطريق بين "نون" النية و "نون" النوال، ثم، قد يتمرد الصلصال ذلك القاطن منذ أزل التراب بين حيطان الأجساد وحقول الرغبة وينتفض ساخطا في براح الأرواح التي لا تخشى "بطلان التييم" ولكنها ترى حقيقة الإرتواء تنبعث من مبتدأ حتمية الظمأ وصولا الى خبر السقيا، وتتلهف للإنصهار مجددا مع طينها القديم، ويكون الهواء شاهدا لا يكذب أهله.
في حضرة الماء الأول، تقدم الصحارى فروض طاعتها وهداياها للعابرين التائهين، وتختفي سخرية الرمل من سطح ثوبها الشاحب، ولكن ما بال القوم يسعون خلف غبار لا يغري سوى بالمزيد من الدعاء؟ يخبرون الأشجار عن "صاد" عاقة لا تحالف غير الصحارى وتلك العصية التى في أول الصبر، يراودون الجهات عن اسمائها التى محاها اصرار الريح ووعثاء الضجر، ويسألوننا عن أخبار ما سيأتي غدا وعن احوالنا، وما عرفوا اننا تركنا تقاويم الحياة خلفنا ببسطام.
في حضرة الماء القديم، تبدأ اولى نهايات العطش وتنتهي آخر "عِينة" في فصل التمني، فالمسافة بين "واو" الوطن و "واو" الوصول، أبعد وأشق مما هي بين "واو" الولادة و "واو" الوجود، فهل تطيق السعي أيها الرجل؟
واينما داهم شوك الرجس المقيم فينا اقدامنا، وكلما غزتنا عتمة، تجدنا نعتمر خوذات الخيبة ونتحسر، كيف نسينا مصباحنا ببسطام ؟ فمن ذا الذي يهبنا دربا لا تدير الشمس وجهها عن ترابه المحموم، لأننا والحمد والشكر لإله التراب، لنا نصيب وافر من رهق الأيام يكفي مؤونة عامنا ويزيد، ولنا أكثر منه مما ورثنا من بخل الأحلام المضيئة بقمح مواسمها العجولة.
في حضرة الماء القديم، وفي جسارة معلنة، تصبح الوجوه مثل خريطة لا تستسيغ البوصلة أن تشير الى جهة الإبتسام فيها من شدة الخجل، ولا تقدر أن تجلس بين ملتقى خطوط عرضها التى ترسم وتحدد مسافات العناء التى يسمح للدم بالتحليق فوقها، وخطوط طولها النائمة على وسائد قطبي الغناء المتجلد في لهاة النجم، كيف السبيل اذا لمحاورة الأفق أو حتى لسؤاله عن أحوال الصلصال بعد أن تركنا نارنا ببسطام؟
فيا أيها الماء القديم، هب لنا من لدنك نارا وأرضا، نارا تضيئ باناشيد الليمون واهازيج الأعياد، وارضا لا يأتيها الشقاء من أمامها ولا من خلفها، ولا تجلس المسغبة فوق جلدها المصبوغ بأهات الحيارى ونزق الشعراء وأمنيات الموتى

أيها الماء القديم، دعنا نتم صلاتنا أولا ثم خذ منا ما تشاء، فها هي نوافذ الليل مشرعة تغازل النجم وتهدي القمر أريكة من فضة الإنتظار، اما نحن فقد سكتنا وقايضنا ذهب السكوت بصلصال جديد، دعنا نتم غنائنا، فغيرك لا يستطيع مجاراة غواية الوقت ومحاباة لؤم الأمكنة، خذ ما تشاء، ودع لي أمنيتي الوحيدة العذراء
أن يكون الوطن طيرا تقبله السماء إن طار وارتفع، وتشتاقه الأرض، لا، تدسه الأرض في جيب روحها إن وقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر