الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى السنوية لميلاد كارل ماركس.

نزار فجر بعريني

2024 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الجزء الأوّل .
في الذكرى السنوية لميلاد الفيلسوف والمنظّر الثوري والمفكّر العالمي العبقري ، كارل ماركس ،أعتقد أنّ أكثر ما يقدمه في سياقنا التاريخي الممتد طيلة القرن الماضي لخدمة انتصار صيرورات التغيير السياسي الديمقراطي، الإنساني ، والانتقال إلى مستويات سياسية أرقى، وأكثر تطوّرا، هو نهج التحليل السياسي العلمي ، المادّي التاريخي- قراءة الأحداث في سياق عوامل صيروراتها التاريخية ، ومآلاتها في مصالح القوى المتصارعة ؛ والعلاقات، في إطار تشابكها الجدلي، والسياسات ، على قاعدة المصالح المادية - وقد توصّل في نهجه وعصره الى قراءات عميقة واستنتاجات موضوعية حول قوانين تطوّر النظام الرأسمالي في حينه ، وحول آفاق تطوره المستقبلية ، الإمبريالية .
إذا كان لم يستطع ماركس ورفيقه إنجلز ربط النظرية الثورية بالممارسة على الصعيد الأوروبي العام ، وعلى مستوى " كمونة باريس " بشكل خاص ،فقد برز اسم لينن، قائد ومنظّر الثورة الإشتراكية الروسية، الذي أدار انتصارات البلاشفة مع رفيقه " تروتسكي" في ظروف نهاية الحرب العالمية الأولى وفي خضم سلسلة من السجالات النظرية مع الرفاق والخصوم والمنافسين،وأمواج هوجاء من الأحداث عصفت به ، داخل مجموعته المصغّرة وعلى جميع المستويات الروسية والإقليمية ، و عن اليمين واليسار، قاد تغيّراتها بشجاعة ربّان بصير واسع الأفق حصيف العقل،وقد بدأت بضعف النظام الإمبراطوري وتفككه ، وانهيار سلطة نظام القيصر" نيقولا الثاني" في شباط ١٩١٧، و وإسقاط الحكومة المؤقتة " الديمقراطية" في أكتوبر،وإقامة سلطة البلاشفة الثورية في مواجهة تحدّيات مهولة ، نجح في تذليل عقباتها بنهج ماركس العلمي ،و براغماتية سياسية عبقرية ، وشجاعة مواجهة الرفاق والخصوم والأعداء، مكّنته من تجاوز أخطر التحدّيات الداخلية والخارجية- الإلمانية والبريطانية والفرنسية والأمريكية، علاوة على قوى الثورة المضادة ، ورؤى الرفاق المختلفة - وقد فاز ، بعكس معلّمه ، و بعد سنوات نضال طويلة داخل روسيا وفي المنافي، من تحقيق هدفه الرئيسي: الوصول إلى السلطة ، وبناء النموذج السياسي الذي يعتقد انّه الأفضل لبناء دولة قومية اشتراكية عظمى - على أنقاض الإمبراطورية القيصريّة الروسية ، وفي ضوء اخفاقاتها، لكنّ نموذج " دكتاتورية البروليتاريا- الحزب والأمين"، وما نتج عن قيادته في الممارسة من " رأسمالية الدولة البيروقراطية" ، فشل في نهاية المطاف في حل التناقض الماركسي الرئيسي بين قوى الإنتاج وعلاقاته، وفي توفير شروط بناء " جمهورية اشتراكية ديمقراطية "، مازال نموذجها " الديمقراطي " الذي أكّد عليه المعلّم ماركس ، الشكل السياسي الأكثر تطوّرا الذي أمتلك مقوّمات الوجود والاستمرارية، وتوفير الحدود الدنيا من شروط " الضمان الاجتماعي والحياة السياسية ".
في نفس السياق التاريخي،
و في منطقتنا، التي خرجت من تحت احتلال عثماني قروسطي، أكثر انحطاطا وتأخّرا على صعيد التطور الاقتصادي والسياسي من الحكم القيصري، لم تحظ شعوب منطقة الفضاء العربي ب"لينن " ولا ب"أتاتورك" عربي ( ناهيكم عن ماركس )، ولم يكن السبب الرئيسي لينحصر بالعامل الذاتي المرتبط بشخص الشريف حسين وبطبيعة النخب السياسية والثقافية؛ الذي فشل وأولاده في أن يكون أكثر من قائد واجهة لثورة عربية ، مسنودة تكتيكيّا من قبل الانكليزي والفرنسيين ، وفي مواجهة استراتيجية مع سياسات مشروع سيطرتهم الإقليمية ، فكان من الطبيعي،( في ظل موازين القوى الدولية والإقليمية حينئذ، التي كانت تميل لصالح الفرنسيين والبريطانيين ، وتظهر ضعف الدور الأمريكي- وفشل سياسات ويلسون المرتبطة بحق تقرير المصير القومي اللينيني- مبادىء ويلسون )أن يفشل في فرض شروطه القومية في " مؤتمرات تقاسم الكعكة العثمانية " الدولية ، وأن يفشل " البرلمان الديمقراطي السوري " في حماية والدفاع عن مصالح السوريين، بعد تقدّم جحافل الجيش الفرنسي الغازية ، وفشل المقاومين الابطال في ايقافها خلف أبواب دمشق،(التي كان يمكن لها أن تصبح عاصمة إمبراطورية " الشرق العربي الأوسط " على غرار موسكو وأنقرة )التي تطلّعت وملكها فيصل لتمثيلها في تلك اللحظة السياسة الحاسمة في مصير هذا الشرق البائس ! (١).
أوّلا ،
١ في عوامل السياق التاريخية الخارجية :
لقد تجاوز دور العوامل الذاتية ، على أهميّتها القصوى ، العوامل الخارجية لسياق تطوّر الأحداث التاريخية،وهي التي تبيّن الأسباب الموضوعية الرئيسّة لفشل تحوّل شريف مكّة إلى" لينن" أو أتاتورك "عربي" ، والبرلمان الوليد إلى سلطة واقعية ، تنفيذية وتشريعية ، تقود مشروع بناء الدولة الديمقراطية على أنقاض الإمبراطورية المتهالكة تحت ضربات قوى الاستعمار الصاعدة ، وفي مواجه تحدّيات قوى الثورة المضادة الداخلية التي مثّلها حينئذ طموح ودور الشيخ عبد العزيز آل سعود ورفيقه " محمّد بن عبد الوهاب"؛ وقد ارتبطت جوهريا بمصالح وسياسات وموازين قوى وأهداف مشروع السيطرة البريطانية الفرنسية الخاصة بهذه البقعة الجغرافية الحيوية في مواقع السيطرة والنهب الأمبريالية على العالم دون سواها ، وكانت النتيجة التي نعرفها :
تقسيم، واحتلال، جغرافي وديموغرافي، بوسائل وأدوات مطوّرة عن الاحتلال العثماني، وبناء واجهات حكم ، تمثّل ركائز محليّة للفرنسيين والبريطانيين؛ ولم ينته دور العامل الخارجي الحاسم في صناعة أقدار شعوب ودول المنطقة عند حقبة ما بين الحربين العالميتين !!
٢ مرّة ثانية، يكرر التاريخي نفسه بطريقة أكثر مأساوية في نهاية الحرب العالمية الثانية، حين حدث تغيّر نوعي في عوامل السياق التاريخية، فرضته نتائج الحرب العسكرية ، وبرز فيها صعود الولايات المتّحدة، وسعيها لإعادة تشكيل شبكة آليات السيطرة الإقليمية في منطقة باتت أهميتها الحيويّة أكثر وضوحا ، وبما يتوافق مع موازين القوى الجديدة، وعلى حساب مصالح وقواعد ارتكاز القوى " المتقهقرة"، وتطلّعات شعوب ونخب دول الإقليم إلى الحداثة وبناء مقوّمات مشروع وطني .
في نهاية الحرب العالمية الثانية،( وقد عرّج الرئيس الأمريكي في طريق عودته إلى واشنطن على " القاهرة "حيث الملك فاروق ، أقوى وكلاء البريطانيين الإقليميين، في ختام مؤتمر يالطا الذي وضع أسس تقاسم أوروبا بين ستالين والولايات المتّحدة في ضوء رؤية ومصالح السيد العالمي الجديدة )، وفي ضوء نتائجها، خاصة صعود الولايات المتّحدة إلى موقع القوّة الأولى في هرم النظام الرأسمالي العالمي ( والأقوى عالميا ، على الصعيد العسكري، وتراجع تأثير الدولتين الأمبرياليتين بريطانيا وفرنسا الى مراتب أدنى ،وكان من الطبيعي أن تنعكس تلك التغيّرات لاحقا باعتراف سياسي بواقع القيادة الأمريكية، والخضوع التدريجي والانسحاب التكتيكي لتقدّم آليات ووسائل مشروع سيطرتها الإقليميّة الجديدة ، خاصّة منذ مطلع خمسينات القرن الماضي)، بدأت تعمل خطط وسياسات الولايات المتّحدة الإقليمية على تحديث و"استبدال" واجهات الحكم الديمقراطية - الاستقلالية - الفرنسية البريطانية ،بأنظمة حكم مطوّرة، تلبي شروط السيطرة الأمريكية، وقد تبلورت خلال الخمسينات وطيلة حقبة الحرب الباردة ،(وبعد فشل محاولات فرنسية وبريطانية و"إسرائيلة " مضادّة لوقف مسار عجلة حركة التاريخ الأمريكية، خاصة العدوان الثلاثي على السلطة المصرية الوليدة١٩٥٦) ،أشكال سلطات الديكتاتوريات العسكرية، التي مثّل رأس حربتها" النموذج الناصري" ، والتي قادت لاحقا مسارات تفشيل بناء المشروع الديمقراطي الوطني ، محليّا، وعلى الصعيد الإقليمي .
لم يتوقف دور العامل الخارجي الأمريكي عند ذاك الدور المدمّر لصيرورات التغيير!
٣ في بدايات نهاية حقبة الحرب الباردة، وفي مواجهة
تحدّيات انتصار ثورات ديمقراطية في إيران (درّة التاج البريطاني سابقا ، ورأس حربة مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكي لاحقا)، وتغيّرات نوعية في أفغانستان ( وسوفياتية ) خلال النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي ، بوابتي منطقة الخليج الشمالية والشرقية ، بدأت تظهر مؤشّرات ما تكشّف لاحقا أنه تغيّر نوعي في أدوات وسياسات مشروع السيطرة الإقليمية الأمريكية، اخذت مسارات تحقيق أهدافه خطوات وإجراءات تفشيل مرتكزات دول انظمة واجهاتها السابقة،" النموذج الناصري " على يد "أدوات مبتكرة"، جسّدت العبقرية التسلّطيّة في سياسات السيطرة الإمبريالية الأمريكية، وتجسّدت إقليميّا ( وعالميا ، بدرجات مختلفة ) في ركوب ظهر "مشروع الإسلام الأخضر- الجهادي " ، وما نتج عنه من ظهور وتسيّد سلطات وأذرع الإسلام السياسي الجهادي الفاشية، في تساوق مع استراتيجية إعادة الاحتلال العسكري المباشر للمنطقة ، الأكثر اهمية في خطط السيطرة الاستراتيجية العالمية؛ وقد بدأت عمليّا في نهاية السبعينات وخلال الثمانينات بسيطرة ملالي طهران ومجاهدو كابل على إيران وافغانستان،وتشكيل "القيادة المركزية الأميركية" وحرب الخليج الأولى ووصلت إلى ذروة نجاحاتها في " اقتطاع" إقليم شمال وشرق سوريا" في حروب مستمرّة بين ٢٠١٤ ٢٠١٩، مرورا بحرب الخليج الثانية ، ١٩٩١، واحتلال العراق ٢٠٠٣.
--------------------------------------------------
١)-

يبدو لي أنّ عوامل بدايات تشكّل الوعي السياسي القومي العربي لاتخرج عن سياق حاجة البريطانيين والفرنسيين لأدوات محلية في إطار مواجهة الاحتلال العثماني وإيدولوجيته "الإسلامية"- تماما كما كانت حاجتهما ومصلحتهما في تبلور وانتصار الوعي القومي السياسي التركي ، الأتاتوركي – و تحويل اليهودية إلى "قومية صهيونية"، في إطار بناء مرتكزات السيطرة البريطانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور من المسيرة التركية التي تقوم بعمليات البحث في موقع سقوط


.. في أجواء عاصفة.. الهلال الأحمر الأذربيجاني يشارك بعمليات الب




.. وكالة تسنيم عن مسؤول إيراني: تم نشر فريق طبي بكافة المعدات ق


.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟




.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق