الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة ابن الملوح ( المقامة المطولة ) .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 5 / 7
الادب والفن


صبح عليها بنثر جميل أشبه بالشعر , فردت : (ممنونة منك ابن الملوح).
وكلنا يعرف ان قيس المقصود لم يكن مجنونًا وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها ان يزوجوها به, فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري, فيرى حينًا في الشام وحينًا في نجد وحينًا في الحجاز, وهو القائل : ((تعلَقت ليلى وهي ذات تمائم ولم يبد للأتراب من ثديها حجم....صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر, ولم تكبر البهم)) .
مما يذكره السّيد فالح الحجّية في كتابه (الغزل في الشّعرالعربي) من قصتهما : (أحب ليلى بنت سعد العامري ابنة عمّه, حيث نشأ معها وتربّيا وكبرا سويًا, كانا يرعيان مواشي والديهما فأحبّ أحدهما الآخر, وكما هي العادة في البادية, عندما كبرت ليلى حُجبت عنه, وهكذا نجد قيس وقد اشتد به الوجد يتذكّر أيّام الصّبا البريئة ويتمنّى لها أن تعود كما كانت لينعم بالحياة جوارها.
( ومن الحب ماقتل ), تلك الجملة التي قالها قيس بن الملوح عندما تم طعنه بالسيف واحدة من أشهر الجمل على مر العصور, قالها قبل أن يتم طعنه , وقد حظيت هذه العبارة بشهرة بالغة للغاية, فحتى هذا الوقت وعلى الرغم من مرور كافة هذه السنوات فإن هذه الجملة ما زالت حتى الآن تستخدم لكي ترمز إلى شدة الحب والمحبة الكامنة بين العديد من الناس.
من كتابات أحد ألأدباء الشباب أعجبني هذا النص المختصر : (( أَثَرٌ : سَرَقُوا قَلْبُهُ , نَبْضَ فِيهِمْ )) , وفي التراث العربي الكثير من قصص العشق والهيام , منها ما انتهى نهاية سعيدة ومنها ما وصل إلى طريق مسدود ومات الحبيب في نهاية الأمر بشكل مأساوي وهو لم يبل وصله, ولكأن الشعر هو نديم الهيام , ولا ننسى أن القصائد كانت تفتتح بالغزل والنسيب, ولعل في ذلك دفعاً للذات والنفس بأن تكون قادرة على اقتلاع ما فيها وتحريكها لكي تبوح حيث يكون الغزل بداية لتحرر كبير يفتح شغف القول لما هو أعمق وأبعد في القصيدة من حكايات وقصص أخرى ومرويات وحكم.

وقصة عنترة وعبلة من القصص الشهيرة بطلها عنترة بن شداد من قبيلة بني عبس وعبلة وهو ذلك الفارس الذي بزّ الأعداء في حرب داحس والغبراء, وأمه كانت جارية, وبعد أن أثبت قدراته في الحروب, ألحق نسبه ببني عبس وأصبح من الأحرار بحسب تقاليد ذلك الزمان , وقد أحب عنترة ابنة عمه عبلة بنت مالك, ولكن المنال لم يكن سهلاً إلى أن أنجز مهمة أسطورية في تلبية طلب والدها بجلب النوق العصافير من الملك النعمان , ليكلل الهيام بالمراد, وقد ذكر عنترة عبلة في أشعاره كثيراً، ومعلقته الشهيرة، كقوله:
(( يا دار عبلة بالجواء تكلمي ....وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي)).

وهناك جميل وبثينة وهي قصة انتهت بالصدّ, فجميل بن معمر الذي عاش في العصر الأموي, وأحب بثينة وكلاهما من بني عذرة مع اختلاف الفرع , وقد تقابلا في مرابع الإبل في مشادة بسبب الهجن في البداية انتهت إلى هيام , لم ينل وطره من بثينة إذ مانعه أهلها, لكنه لم يقتل الحب رغم أن محبوبته ذهبت لزواج رجل آخر بإملاء الأهل, وظلت في نفسها مع هواها الأول والأخير, ويقال إنهما كانا يتقابلان سراً أحياناً ليبلا الأشواق ولكن في لقاء عفيف بحسب المرويات, ويشار إلى كلمة الحب العذري جاءت من هذه القبيلة بني عذرة وسياق قصة جميل وبثينة, أي ذلك الحب العفيف والطاهر, بعد زواج بثينة ضاق الحال بجميل فسافر فقرر أن يهاجر إلى مصر وظل هناك إلى أن مات يتذكر حبه القديم , وهناك أنشد في أيامه الأخيرة قبل رحيله:
(( وما ذكرتك النفس يا بثين مرة ....من الدهر إلا كادت النفس تتلف
وإلا علتني عبرة واستكانة .........وفاض لها جار من الدمع يذرف )).

اما كثير وعزة فكثير بن عبد الرحمن الأسود الخزاعي من شعراء العصر الأموي ,عرف بعشقه لعزة بنت جميل الكنانية, وقد اشتهر بهيامه بعزة حتى أنه كُني بها فصار يلقب بـ كثير عزة , ويذكر أنه أولع بها عندما أرشدته مرة إلى موضع ماء لسقاية الإبل في إحدى رحلاته بالمراعي وقد كانت صغيرة السن , وكأغلب قصص الحب عند العرب لم يتزوج لأن عادة العرب كانت ألا يزوجوا من يتغزل شعراً ببناتهم , وقد تزوجت بثينة وغادرت من المدينة المنورة إلى مصر مع زوجها, ولحق بها جميل هناك لكنه عاد إلى المدينة وتوفي بها, ومن قوله: ((رأيت جمالها تعلو الثنايا ....كأنّ ذرى هوادجها البروج)), وذكر أن عبد الملك بن مروان سمع بقصصه, فلما دخل عليه ذات يوم وقد كان كثير قصير القامة نحيل الجسم كما قيل إنه كان أعور كذلك, قال عبدالملك: أأنت كثير عزة؟ وأردف: أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه, فأنشده قولا القصيدة الشهيرة التي مطلعها:
(( ترى الرجل النحيف فتزدريه ....وفـي أثـوابـه أســد هـصـورُ
ويعجـبـك الطـريـر إذا تـــراهُ .....ويخلفُ ظنكَ الرجـلُ الطريـرُ
بغـاث الطيـر أكثرهـا فراخـاً ....وأم الصقر مقلات نزور)) , فقال عبد الملك: لله دره, ما أفصح لسانه, وأطول عنانه, والله إني لأظنه كما وصف نفسه, وقيل إنه عند وفاته شُيّع بواسطة النساء أكثر من الرجال وكن يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن.

وهناك مجنون لبنى واسمه قيس بن ذريح الليثي الكناني, عاش في زمن خلفاء الرسول, وقد أحب لبنى بنت الحباب الخزاعية, وقد عشقها لأول مرة يوم أن زار مرابع بني حباب أهل لبنى فطلب سقي الماء فجاءت له بها فأغرم من وقتها وقد كانت مديدة القامة, بهية الطلة وعذبة الكلام , ولكن اختلاف قصته أنه تزوجها بخلاف الآخرين ثم طلقها لأنها كانت عاقراً, وقد فعل ذلك تحت ضغط الأسرة لاسيما والده الذي كان يرى عارا أن يقطع نسله,
ومما أنشد في لوم نفسه على الطلاق :
((أتبكي على لبنى وأنت تركتها ....وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ....فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل ....إذا فكرة منها على القلب تخطر)) ,ومن ثم ربما أنه أنكر فعله فجرى فيه ما جرى وهو يهيم بالصحاري ينشد الشعر وقد ساء حاله, وإن كانت قد تزوجت لبنى بعده فقد كان المنال صعبا إلى حين , وكانت هي أيضا هائمة به لم تنسه, وهذا أغضب زوجها الذي خيّرها بينه والمجنون , فاختارت الطلاق وتزوجت من جديد بقيس ولكن بعدها لم يعيشا طويلاً, ماتت هي أولاً وهو ثانياً.

وثم هناك ليلى الأخيلية كانت شاعرة مثل الخنساء, وقد هام بها توبة بن الحمير, وهنا نرى البطولة للمرأة, فهي التي ذاع صيت شعرها أكثر, في حين كان الرجل هو الحبيب الذي يتغزل فيه حتى لو أنه كان شاعراً مثلها, وقد عاشا في صدر الإسلام والعصر الأموي, وعرفا بعشق متبادل لا شك فيه , ورغم حبهما إلا أن والد ليلى حال دون زواجهما, حتى إنه اشتكى إلى الخليفة من توبة, فعاشا حباً عذرياً إلى أن قُتِل توبة في إحدى المعارك, فرثته ليلى تقول:
(( لعَمرك ما بالموت عارٌ على الفتى ....إذا لم تصبه في الحياة المعابرُ
وما أحدٌ حيا وإن كان سالما ......بأخلد ممن غيّبته المقابرُ
ومن كان مِما يُحدثُ الدهر جازعا ....فلابد يوما أن يُرى وهو صابر
وليس لذي عيش من الموت مذهبٌ ....وليس على الأيام والدهر غابِرُ
وكل شبابٍ أو جديد إلى بِلى ....وكل امرئ يوما إلى الله صائرُ
فأقسمتُ لا أنفكُ أبكيك ما دعت ....على فننٍ ورقاءُ أو طار طائرُ)) .
ويروى أنها ماتت بجوار قبره عندما كانت تزوره بشكل متكرر, وذات مرة سقطت من على الهودج بجوار القبر فأخذتها المنية.

ابن زيدون وولادة بنت المستكفي
وهي من القصص الشائعة في العصر الأندلسي, حيث عاش ابن زيدون حياة رغدة, وكان أديبا وشاعرا وكان بمثابة وزير المعتضد بالله بن عباد في إشبيلية, وفي المقابل فإن ولادة بنت المستكفي كان أبوها حاكما على قرطبة وقد قتل , وقد كانت من الأديبات الشهيرات في زمانهن, وقد التقت بالعديد من الأدباء والشعراء لكن لم يلق أحدهم طريقا إلى قلبها سوى ابن زيدون, الذي بادلها الحب كذلك, وهنا تتشابه القصة مع توبة وليلي الأخيلية في أن الطرفين شاعران, وعاش الاثنان حياة حب لفترة ومن ثم كان الجفاء والممانعة من قبل ولادة, لكن بين الشد والجذب ولدت أقوى قصة حب في الأندلس دخلت التاريخ العربي, ومن أروع ما أنشده ابن زيدون قصيدته النونية التي جاء فيها عن الجفوة:
(( أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيبِ لُقيانا تجافينا
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت سُودا وكانت بكم بيضا ليالينا
ليُسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيا كان يحيينا
عليك مني سلام الله ما بقيت صبابة بكِ نُخفيها فتخفينا )) , ويبدو أن ولادة متحركة القلب, فبعد ابن زيدون سعت إلى كسب قلب الوزير ( ابن عبدوس) الذي تزوجها فعلا وسجن ابن زيدون لهجائه له بعد أن شعر باليأس, وبقيت ولادة في المقابل خالدة رغم كل شيء بسبب ابن زيدون, لكن للقصة وجه آخر حيث ورد أن ابن زيدون تعلق بإحدى جواري ولادة, ليثير غيرتها, أو أن ذلك حدث وهي تتغالى عليه, ما أثار غضب ولادة وقد أوردته شعرا, بعد الفراق:
(( لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا.....لم تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ
وتركت غصناً مثمراً بجماله .........وجنحت للغصن الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنني بدر السما ..........لكن ولعت لشقوتي بالمشتري)) ,ومن شعر ولادة على قلته قولها في بيتين مشهورين لها:
(( أنا والله أصلح للمعالي .....وأَمشي مشيتي وأتيهُ تيها
أمكنُ عاشقي من صحن خدّي .....وأعطي قُبلتي مَن يشتهيها)) .

ابن رهيمة وزينب
عرف ابن رهيمة بأنه من شعراء الغزل العفيف وإن لم ينل الاهتمام الكافي به في التراث الأدبي, وقد كانت محبوبته زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن, وبعد أن شاع أمر عشقه فقد استعداه هشام بن عبد الملك, فأمر بضربه 500 سوط وأن يباح دمه إن عاد لذكرها, فهرب وأنشد:
(( إن كنت أطردتني ظالما لقد كشف الله ما أرهبُ
ولو نلت مني ما تشتهي لقلّ إذا رضيت زينبُ
وما شئت فاصنعه بي بعد ذا فحبي لزينب لا يذهبُ )) ,
ويرجح أنه لم يطرق قلبه الهوى إلا في سن كبيرة لما أورده شعرا:
(( أقْصدت زينبُ قلبي بعدما ذهب الباطل عني والغزل
وعلا المفرق شيبٌ شاملٌ واضحٌ في الرأسِ مني واشتعل)) ,
وكان قد عرف في شعره بالوضوح والصراحة، كقوله:
(( إنما زينب همي بأبي تلك وأمي .....بأبي زينب لا أكني ولكني أسمي
بأبي زينب مِن قاضِ قضى عمدا بظلمي .....بأبي من ليس لي في قلبه قيراط رحمِ)) , ومأساته أن قصته على ما يبدو كانت من طرف واحد، ما زاده ألما وجعله يعيش وحشته كما في قوله:
(( أقْصدت زينبُ قلبي وسَبَت عقلي ولُبي
تركتني مستهاما أستغيُث الله ربي
ولها عندى ذنوبٌ في تنائيها وقربي)) , وقد انتهت حياته بغموض, بعد هروبه من الخليفة, والأغلب أنه مات هائما وهو يتذكرها رافضا الزواج, ففي أغلب القصص أنهم يهيمون ثم يموتون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر