الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتح مايو/أيار، يوم الوحدة والنضال للطبقة العاملة العالمية

مرتضى العبيدي

2024 / 5 / 8
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي 2024: تأثير الحروب والصراعات المسلحة على العمال والكادحين، والحركة النقابية


هكذا أراده مؤسسو الأممية الثانية، قبل 135 سنة خلت، أي في سنة 1889 لما اختاروا هذا التاريخ ليكون يوما عالميا للعمّال، تستعرض فيه الطبقة العاملة قواها وتقيّم منجزاتها وتضبط فيه خططها للمستقبل من خلال منظماتها النقابية والاجتماعية وأحزابها السياسية. إلا أن البورجوازية، في جميع الأقطار، سعت منذ ذلك التاريخ للانحراف بهذا اليوم عن مغزاه الحقيقي وعن دلالته الطبقية، لتجعل منه مجرّد يوم للراحة بالنسبة للعمّال، بل يوما للوفاق الطبقي بإطلاق التسميات التمويهية عليه كـ "عيد الشغل" كما هو الحال عندنا، وتنظيمه بشكل يوحي بذلك.
ففي بلادنا مثلا، انتظمت احتفالات فاتح ماي لعقود طويلة، زمن الديكتاتورية تحت إشراف حكومي وبحضور صوري لنقابتي العمال وأرباب العمل. وهو اليوم الذي كانت تعلن فيه الزيادات في الأجور والترفيع في الأجر الأدنى، ويقلّد فيه رئيس الجمهورية "وسام الشغل" لكل من هبّ ودبّ من غير مستحقيه.

فاتح مايو/أيار يستعيد هويته الكفاحية
لكن السنوات الأخيرة والتي شهدت احتداد أزمة الرأسمالية، حتمت على الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم العودة إلى المغزى الأصلي لهذا اليوم والعمل على جعله موعدا متجددا مع النضال من أجل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولتقييم منجزاتها والتخطّيط لمستقبل نضالاتها وللتعبير عن استعدادها الدائم لخوضها، رغم كل الادّعاءات البورجوازية القائلة بانتهاء الدور الريادي للطبقة العاملة في قيادة الشعوب نحو مجتمعات أكثر حرية ورخاء وعدالة اجتماعية. بل إنه كثيرا ما اتخذ إحياء هذا اليوم في بعض البلدان شكل مواجهات دامية كما هو الشأن في تركيا في مناسبات متكررة وخاصة بعد انتفاضة ميدان تقسيم سنة 2014.
يعتبر فاتح مايو/أيار إذن يوما للوحدة والنضال والتضامن الأممي للطبقة العاملة، الطبقة الموكول لها تحمّل دور الطليعة في نضال المستغلين والمضطهدين لإنهاء النظام الرأسمالي المهيمن وبناء المجتمع العمالي والاشتراكية.
إن نضال العمال والشعوب في جميع القارات ضد السياسات التي تتبناها البرجوازية العالمية لتحميل أعباء الأزمة الرأسمالية على كواهل العمال وحماية مصالح أصحاب رؤوس الأموال، يتزايد سواء من خلال الإضرابات في المصنع الواحد أو في قطاع بأكمله أو الإضرابات العامة، ومظاهرات الشوارع، والنضالات السياسية، إلخ. وهي ترفع اليوم مطالب لا من أجل تحسين الأجور وتثبيت الوظائف فقط بل من أجل كامل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومن أجل الحرية السياسية، أي من أجل الحق في حياة كريمة.

لكن في بعض أماكن من العالم، يحل أول مايو / أيار 2024 والطبقة العاملة مازالت تكابد من أجل حقها في التمتع ببعض الحقوق الأساسية التي تضمنها جميع الدساتير ومدوّنات الشغل في العالم، وهو أمر يهم العمال في "أعرق الديمقراطيات" (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مثلا) كما في أكثر الأنظمة استبدادا (إيران الملالي مثلا)، حيث يواصل العمّال النضال من أجل حق التنظم في النقابات، هذا الحق المسلوب منذ وصول الإسلاميين إلى الحكم منذ 45 سنة، والذي يكلف العمال سنويا عشرات الاعتقالات والأحكام الجائرة إذا ما تجرّؤوا على الإضراب للمطالبة بأبسط الحقوق الأساسية، هذا إذا ما نجوا من التصفية الجسدية التي تمارسها ميليشيات الملالي الملقبة بـ حرّاس الثورة"، والتي تطال سنويا أعدادا غير قليلة من المناضلين النقابيين والسياسيين.
وفي فاتح ماي عاد العمال والعاملات والشباب منذ سنوات لاحتلال الشوارع والساحات والميادين ليملؤوها صخبا تنديدا بالاستغلال والاضطهاد الذي يتخذ يوميا أشكالا أكثر فظاعة، إذ يتزايد انعدام الأمن والفقر، لا سيما بين الشباب والنساء والأجراء الذين أضعفتهم سياسات التشغيل الهش، فيزداد شعور الشباب بكونهم جيلا تمت التضحية به، فتزداد نقمته على منظومة الحكم التي لم يعد يرى حلا إلا في القطع معها. لكن غياب البدائل الثورية في عديد البلدان تجعل منه لقمة سائغة للدعاية الشعبوية والفاشية والعنصرية ولمنظماتها، مثلما يحدث في عديد البلدان الأوروبية خاصة.

فلسطين في قلب اهتمامات الطبقة العاملة العالمية
والى جانب الظروف الخاصة التي تعيشها الطبقة العاملة في كل بلد، فقد اهتمت بيانات الأحزاب والمنظمات العمالية الصادرة بالمناسبة بما يجري على الصعيد الدولي وخاصة بحرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والتي ارتقت الى مستوى حرب للتطهير العرقي. فلم يخلُ بيان من البيانات المذكورة من التنديد بجرائم الكيان وبالمطالبة بوضع حد لهذه الحرب.
ففي بيان "مركز نقابات العمال الهندية" وهي كبرى النقابات في هذا البلد، نقرا ما يلي:
"يدين مركز نقابات العمال الهندية بشدة حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على فلسطين والتي قُتل فيها أكثر من 33000 شخص منذ 7 أكتوبر 2023، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال. وتستهدف إسرائيل المستشفيات والمناطق السكنية بقصفها، وتمنع المساعدات عن غزة، مما يتسبب في معاناة وعوز غير مسبوقين...
... يحيّي "مركز النقابات" الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين أعربوا عن تضامنهم مع الفلسطينيين ويفخر بكونه جزءًا من فعاليات التضامن العالمية. ويدعو الطبقة العاملة في الهند إلى رفع صوتها بشكل أعلى وبكثافة أكبر ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية والتضامن مع الفلسطينيين."
أما حزب العمل الإيراني، فقد أشار في بيانه الى ما يلي:
"في هذا العام، نحيي الأول من أيار/مايو، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على "عاصفة الأقصى"، العملية البطولية لحركة المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني المعتدي. بعد ما يقرب من ثمانية عقود من القمع للشعب الفلسطيني، كثف الصهاينة الإسرائيليون حملتهم الإرهابية والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. لقد ألقت إسرائيل حتى الآن ما يزيد على خمسين ألف طن من القنابل على سكان غزة، وهي أكثر تدميراً بكثير من القنابل التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي. وبحسب الإحصائيات المنشورة فإن عدد الأطفال والنساء والرجال الذين قتلوا في غزة تجاوز 35 ألف شخص".
ثم أشاد بالملحمة البطولية التي سطرتها المقاومة رغم الحصار ورغم قلة الإمكانيات: " إن حركة المقاومة الفلسطينية، بمواردها الضئيلة وتحت حصار الصهيونية والإمبريالية الأمريكية وحلفائها، خلقت مقاومة ملحمية ضد الصهيونية في المنطقة وأظهرت أن أمة موحدة صغيرة، لديها الرغبة في القتال والنصر، يمكنها إزالة العقبات وكسر الحصار، وتمريغ أنوف المستعمرين في الوحل."

التنديد بالنظام الرأسمالي المتداعي
وتؤكد البيانات أن الرأسمالية اليوم، كنظام اجتماعي، أثبتت أنها غير قادرة على حل القضايا الخطيرة للعمال والكادحين والأرض التي نعيش عليها. لقد فشلت تمامًا في تلبية الاحتياجات المعاصرة للشعب مثل الحياة الكريمة والآمنة وفرص العمل والأجور المعيشية والإسكان والصحة والتعليم وما إلى ذلك على الرغم من امتلاكها جميع الموارد والثروات اللازمة التي يخلقها الشعب الكادح نفسه.
إن الجشع من أجل الربح لا يؤدي فقط إلى تكثيف استغلال الشعب العامل ونهب الثروة العامة، بل أيضا الموارد الطبيعية بعدم المبالاة بعواقبها الكارثية على البشر والأوطان والبيئية. بل إن النظام القائم لا يسعى سوى للربح غير عابئ بالأزمة الهيكلية المتفاقمة في إطار الرأسمالية، من خلال مواصلة مهاجمة الحقوق التي اكتسبها العمال بشق الأنفس، وحقوق الشعب الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد وصلت الرأسمالية كنظام اجتماعي إلى طريق مسدود، وهي حتى اليوم غير قادرة على إيجاد مخرج. إن المهمة التاريخية للطبقة العاملة هي قيادة الشعب نحو التحرر من هذا النظام الفاشل.

وهو ما يجعل المنظومة الرأسمالية الامبريالية أكثر عدوانية، فتعمل مدعومة بالاحتكارات العالمية على تعزيز الحروب والصراعات في جميع أنحاء العالم، وخاصة في المناطق الحساسة والمهمة من الناحية الجيوسياسية. وهي تلجأ إلى الابتزاز والتخريب والحصار الاقتصادي والعقوبات والتدخل في سيادة الدول النامية لفرض الليبرالية الجديدة. لذلك من واجب الثوريين أن يدعوا حركة الطبقة العاملة العالمية إلى توخي الحذر من المكائد والمناورات الإمبريالية وشحذ الوعي المناهض للإمبريالية بين الطبقة العاملة والشعب. بل إن النضال ضد الإمبريالية يجب أن يكون نقطة أساسية ومركزية في رفع الوعي الأيديولوجي السياسي للطبقة العاملة في سعيها لتحرير نفسها والمجتمع ككل من كل استغلال.


تحية لنضالات العمال في كل أرجاء العالم
كما أن البيانات المذكورة رحّبت بالنهوض العمالي المتزايد وبالنضالات البطولية للطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك في البلدان الرأسمالية المتقدمة ضد الهجوم الرأسمالي، ومواجهة القمع والإيذاء والاعتداءات الجسدية التي يرتكبها أصحاب العمل في كثير من الأحيان بتسهيل من الحكومات. وتهنئ العمال في جميع أنحاء العالم على نضالاتهم التي لا هوادة فيها، وتحثهم على الجمع بين النضال من أجل المطالب المباشرة بهدف وضع حد للاستغلال الرأسمالي، والنضال من أجل مجتمع خال من استغلال الإنسان للإنسان، اي المجتمع الاشتراكي.
وهو ما يطرح على الطبقة العاملة العالمية ومنظماتها المختلفة، بهذه المناسبة وبغيرها من المناسبات، التداول في الحلول التي تطرحها مثل هذه الأوضاع والتي تتطلب مزيدا من الوحدة والتنظم. إن الحضور القوي للمنظمات العمالية وتنظيم الطبقة العاملة يمكن أن يكون بمثابة البوصلة لتوجيه الأنشطة العمالية الثورية. وليعلموا أنه فقط من خلال التنظيم يمكن للعمال أن يقفوا بحزم ضد النظام الرأسمالي والإمبريالية وضد همجية الصهيونية. من خلال حزب الطبقة العاملة، يمكن الاستيلاء على السلطة السياسية وخلق مستقبل مشرق. ولا يتمّ ذلك بدون حزب الطبقة العاملة، فلن تتمكن الطبقة العاملة من مواصلة نضالها من أجل التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي والسلام والعدالة والتوزيع العادل للثروة. وهو ما يحتّم عليها تعزيز أحزابها المستقلة حيثما وُجدت والسعي إلى إيجادها حيث لم توجد بعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ