الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة العراقية والخيارات الصعبة

ياسر المندلاوي

2006 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


على وفق ما هو متوقع، تواترت الإعترافات بحجم الخطيئة الأمريكية في العراق، وبالتزامن معها، توالت محاولات إستدراج أفضل العروض المحلية والأقليمية والدولية لتمكين الولايات المتحدة الأمريكية من تلمس طريقها للخروج من المأزق العراقي. إن الولايات المتحدة الأمريكية، وحسب تعبير كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، عالقة في الفخ العراقي، فهي لا تقوى على البقاء، ولا تتمكن من الإنسحاب. وهي بهذا المعنى فقدت قدرتها على الإختيار بين أن تبقى وبين أن ترحل، وحيث أن الحرية تشترط التمكن من أسباب الإختيار، فإن عدم تمكن أمريكا من هذه الأسباب، يعني عمليا، فقدانها لحريتها في العراق. والمفارقة هنا إن أمريكا قدمت إلى العراق غازية بدعوى نشر الحرية، ليس في العراق وحسب، وإنما في عموم الشرق الأوسط، فعلقت هي والعراق في فخ فقدان الحرية الموصوف بفخ الأزمة المستعصية. ومن زاوية النظر هذه، يمكننا الإدعاء بأن محاولات الخروج من الأزمة لن تكون مجدية ما لم تؤسس على إستعادة الحرية المفقودة لكل من العراق وأمريكا، وشرطها، تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن سعيها لإستعباد العراق، لأن الذي يسعى إلى عبودية الغير إنما يسعى إلى عبوديته في وجه من الوجوه، فمن يستعبد الآخرين لا يمكنه أن يكون حرا، وحال أمريكا في العراق يغني عن البيان، وشرطها أيضا، تخلي أطراف عراقية نافذة عن أوهامها بإمكان الخروج من الأزمة الراهنة مع الحفاظ على ما تحقق لها من مكاسب فئوية بسبب تفاهماتها مع الإحتلال أو تابعيتها له، وشرطها أخيرا، تحرر أطراف عراقية معارضة من رواسب الماضي، والإنتقال إلى قناعات جديدة لا تمني النفس بالعودة إلى ما كان، وإنما تحث الخطى نحو الذي ينبغي أن يكون.
إن السياسة المتوافقة مع الإشتراطات السالفة، هي وحدها، لا غيرها، كفيلة بإخراج أمريكا والعراق، من الفخ الذي علقتا به، ومن أهم عناوينها أمريكيا، الإنتقال من مراجعة التكتيكات اليومية إلى مراجعة كامل الإستراتيجية الأمريكية في العراق، على قاعدة إن الإحتلال مفسدة أمريكية أو لنقل شجرة فاسدة تدل عليها مرارة ثمارها، وعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك القاعدة المنطقية التي تقول بأن المقدمات الفاسدة تقود إلى نتائج خاطئة، ولا سبيل إلى تجاوزها ما لم يتم تجاوز مقدماتها، وهذا لن يحصل ما لم تتخلى الإدارة الأمريكية عن إصرارها على بقاء قواتها إلى أن (تحقق أهدافها في العراق). فهي بإصرارها هذا، تديم إنتاج عناصر الأزمة العراقية التي تمسك بخناق الجميع وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.
أما عراقيا، فإن من أهم عناوين هذه السياسة، التخلي عن كل ما تم تشييده على قاعدتي الإحتلال والتحاصص، وإعادة تشكيل العملية السياسية على قاعدة وطنية جامعة، إذ لا جدوى من محاولات ترميم ما بني عل أسس خاطئة، ولا مستقبل لآليات سياسية أثبتت الأحداث بأنها جزء من الأزمة، إن لم نقل بأنها الجزء الفاعل منها. وهنا لا بد من التأكيد بأن تمسك البعض بالعملية السياسية في صيغتها الحالية، والحديث عن تقويم مساراتها، عوضا عن الشروع في إعادة تشكيلها، ناجم عن وهم القدرة على إنفاذ المشروع الطائفي الإقصائي على حساب المشروع الوطني، ومعلوم بأن الأوهام لا تقوى على لجم مضاعفات الأزمة الراهنة، ناهيك عن تفكيك عناصرها. وربما كان الموقف السلبي من دعوة كوفي عنان إلى عقد مؤتمر دولي حول العراق يعود في أركانه الأساسية إلى هواجس مضمرة وأخرى معلنة تتعلق بإحتمالية التأسيس لعملية سياسية على أسس مغايرة تستجيب للمتغيرات المحلية والأقليمية والدولية، وهو ما يعارضه المعارضون بدوافع نفعية فئوية يجري تمويهها بالحرص على الديمقراطية وإحترام إرادة العراقيين والتمسك بالدستور. وبالمقابل فإن أقسام رئيسية من القوى العراقية المعارضة للإحتلال وللعملية السياسية تعاني من مأزق إنشدادها إلى شعار (كل شيء أو لا شيء) وبدوافع تشوبها شبهة الإستئثار السياسي والطائفي، الأمر الذي يشكل عائقا أمام تحولها إلى حالة وطنية تتجاوز التخندقات الطائفية والفئوية، وتفوت الفرصة على مرويجيها من الأطراف المختلفة. وربما من الفائدة بمكان التنويه بأن المستجدات الضاغطة على أطراف الصراع في العراق، وشدة الأزمة التي تحاصرهم، محتلين وموالين ومناوئين، قد تقودهم إلى ولوج الخيارات الصعبة، بدل المراهنات الخاسرة على مشاريع متعارضة مع المشروع الوطني العراقي في ركنين أساسيين من أركانه، مناوئته للإحتلال وللإستبداد سواء بسواء. إن أية محاولة للقفز على إستحقاقات الوطنية العراقية وفق محددات المشروع الوطني، بدعوى نشر الديمقراطية، أو محاربة الإرهاب، أو مقاومة المحتل، لا تؤدي إلى تجاوز الأزمة بقدر ما تؤدي إلى مضاعفة أسبابها لتبلغ شواطيء الإنتحار بدل منتجعات الخلاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له