الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همس عاشق

أيوب المزين

2006 / 12 / 8
الادب والفن


1
وسط هذا الجو الفرنجي البارد، تسقط أقنعة المشاعر وتتعرى الأجساد مبدية عوراتها كأغنام تائهة في غابات جبال الألب. الحب هنا كلام تافه كحديث جدي، وسط أحفاده، عن الألعاب السخيفة أيام العشرينيات، فالفتاة تسامر وتنام..ولا تحب.
نعم، تركت "فاس" وتركت فيها من أحبهم: ثانويتي والذكريات..عائلتي وأمسيات الأنس بأفراحها وأحزانها..كوثر وأنوار.. وآيات حب مقروءة في محراب نزار. ودعت جمال العبقرية في بساطته لألج عالما عامراً بفقاعات النرجسية وكذبة يسمونها التقدم !: كم هو رائع ذاك الحمار الشهم!، بين أزقة "الطالعة الصغرى"، تراه يجر بدون هوادة، لا يحكمه ميكانيزم ولا قاعدة رياضية قد تتعطل يوماً ما... تباً لكل الآلات.. بخورنا وحناء تعشقها نسائنا، ليس لرائحتها مثيل في عطورهم الباريسية المصطنعة. تف على حضارة الشواذ، ههههه أتذكر ما قاله عبد العزيز مرة: العرب والأفارقة هم من يلد بكثرة في فرنسا، أما الفرنسيون فيلدون ولداً واحداً يتربى في أجواء مشحونة بالمتناقضات فيجد نفسه مثلياً..هم إلى انقراض.
آه يا حبيبتي، لو أن للنملة أجنحة لحلقت بعيداً !. لماذا يدعون أن الله لما يسخط على النملة يعطيها أجنحة؟، أ لأن رزقها على الأرض؟، لكني نملة رزقها في السماء !!.

2

مضى شهران على دخولي فرنسا..كل الفرحة اختزلتها يوم مجيئي ليتوه كياني بعدها في بحر من الأحزان. لم أفهم أن الدنيا لا تعطي كل شيء، وإن منحتنا شيئاً أخذت أشياء. لكني لم آخذ شيئاً وخسرت كل شيء في المقابل !. يقولون لي: لقد عبرت البحار..الكل يحلم أن يسافر إلى هناك، ولو على حساب حياته..أن يضع قدمه على الضفة الأخرى بأي ثمن:فحياته لا تهم مادامت ذليلة وسط وطنه..هو ذليل بين أهله وأحبابه فكيف سيجد سعادة كبرى مع أناس لا يعرفهم؟.
أيام قليلة قبل توصلي باتصال المصالح القنصلية معلنة لي منحي تأشيرة المرور إلى "الجنة الموعودة"، انقبضت نفسي واختنقت..كنت أقول لها: حتى لو منحوني تأشيرة المرور سأقول للجميع أني لم أحصل عليها وسأبقى هنا، في فاس..سأركب الحافلة رقم 6 مع "أولاد الشعب"، وسندخل مدرجات جامعة "ظهر المهراز" جميعاً..لندرس القانون..القانون؟، لا لن أساير، فدروس القانون صعبة..قلت لها: سألغي دراستي في فرنسا لكي أبقى معك..لن يبقى عليك إلا تغيير الشعبة وسنكون حينها معاً..حسناً، سأفكر..لا هي فكرت ولا أنا ألغيت دراستي هنالك.
اتصل بي أنوار وقال أنه ينتظرني في "لافياط"، وأنه من اللازم علينا الذاهب إلى الجامعة لنتسجل...كنا سعيدين: فقد نجحنا سوياً وسندرس سوياً..القانون. لنعرف ما لنا وما علينا..وخصوصاً، لنعرف ما لدى المغاربة من حقوق ونموت من أجل القضية..لكن الأمل مات والقضية لم تمت...أمرر أصابعي على وجهي في حسرة..أتحسس قطرات تتدفق، كانت كتلك التي تنزل من عيني كلما تشاجرت مع كوثر..لكنها هذه المرة أكثر ملوحة وأكثر ثقلاً عند نزولها. عندما توصلت بالاتصال تشنجت أطرافي وتجمدت في مكاني. أحسست أن كل الأحلام الوردية على هذه الأرض قد انتهت..أحلامي مع كوثر بحب أبدي وأحلامي مع شلتنا بثورة لتغيير الأوضاع..أ الدنيا بهذه القساوة؟..أ يكون هذا قدراً منصفاً؟..عدت للبيت بحزن، أسحب خدي من حين لآخر إلى الأسفل لتنهمر الدموع داخلها عوض الانسكاب خارجاً..وإلا، ستفضحني وسيعرف الجميع أني أحبهم كثيراً وأني غير قادر على فراقهم... . وجدت الباب مفتوحاً..دخلت. كانوا جميعاً هناك: أبي وأمي وعمتي هي الأخرى في غرفة الجلوس. قامعاً دموعي داخل الخدين دائماً، لم أقدر كتم الخبر. أعلمتهم أني سأرحل عنهم وأن غرفتي في السطح ستغلق..وبأن فراشي في الركن سيستعيد حيويته لأني لن أنام فوقه بعد الآن، وحتى التلفاز لن تسخن أسلاكه بعد اليوم..فاتورة الكهرباء ستبخس...أيوب سيرحل، قلتها وقد ثارت دموعي كما ستثور كل الأمم المقموعة، فمصير الإنسان أن يعيش حراً.
كشك يصرخ: "كل المغنيين لهم مقعد في جهنم، إلا أم كلثوم...". الحمد لله، هناك عالم جليل تطربه أم كلثوم. كشك يردف: إلا أم كلثوم فلها مقعدان !!. لماذا يا عم كشك، أنا أحب أم كلثوم كما أحبك، أو أكثر. فهي تؤنس وحدتي وتذكرني بأغلى كنز أعطاني إياه ربي على شبابي..حب يقويني..حب جمعني بوالدي طوال هذه المدة..عثمان، كم علقت له "الفلاقة" عندما كان يتأخر في عودته من المدرسة..لكنه اليوم ودعني وهو يريد أن يقول شيئا..عيناه كانتا عامرتين بالحزن..كان يريد أن يقول: سأفتقدك، سأفتقد ضرباتك ومقابلات الكرة بيننا في صحن البيت. عمر، كان حزيناً وأراد أن يخفي ذلك بترتيب غرفتي حسب ذوقه الخاص..ليوهمني أن الصراع بيننا قائم. شيماء، أتذكر أنها بكت بعد خروجي ولو أني لم أراها. فهي رقيقة ككوثر. من شدة حبي لأمي لا أقوى أن أراها تبكي أمامي..أبي، يحاول إخفاء مشاعره، فهو الرجل الصلب..الذي لا يسقط. رغم كل هذا، بكى الجميع فكانت ثورة الدموع... .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا