الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تتم إعادة فتح مغارة فريواطو بتازة ؟

عبد الإله بسكمار

2024 / 5 / 8
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


بالصدفة يكتشف راعي غنم شاب سر الأسرار المتمثل في " الشهد المهجور " الذي من دونه لن تشفى ابنة سيد القبيلة، بعدما ولج أي الراعي هوة عميقة تتخلل إحدى غابات الأطلس المتوسط الخلابة، هوة رهيبة، ممتدة لا تضيئها سوى الفتحة العليا التي منها نزل، هذا الشهد كان عسله سببا في شفاء الفتاة " يطو " من علة عجز الأطباء والحكماء أمامها، شكل تميمة غامضة ألفت بين قلبي الفتاة والراعي الشاب، وطبعا لن يرضى الأب الجبار وسيد القبيلة عن هذه العلاقة، فيكون الجزاء إلقاء القبض على الراعي التعس والرمي به في تلك الهوة السحيقة بالذات للتخلص منه، لم تحتمل الفتاة يطو ما جرى له وانطلقت إلى المغارة لتلقي بنفسها في أثر حبيبها، غير أن الأقدار أرادت لها أن تلقى على تل من شهد العسل !! انغمست فيه فوقاها من الخطر المميت مثلما وقع للراعي من قبل .
وجد الإثنان نفسيهما أمام مصيرهما المجهول، فقررا ركوب التحدي مع الأنفاق والمنعرجات والظلمة والمياه المتدفقة في سبيل حبهما، مؤونتهما الوحيدة شهد من العسل لإطفاء غائلة الجوع، وزادهما اليتيم فتائل إزار الفتاة لإنارة المنعطفات والسراديب المعتمة والتي تزخر بالرطوبة والبرودة وببعض زوايا المياه، تلاشى الزمن بالنسبة للعاشقين أمام جبروت المكان، وبعد قطع العديد من المسافات مع الوحشة والظلام والماء والبرد القارس، تنطفئ آخر فتيلة تبقت لهما من جراء ريح شديدة، وكادا يفقدان الأمل في النجاة والحياة، لولا رؤيتهما لضوء بعيد يلوح من كوة صغيرة جدا، لقد وصلا أخيرا إلى سطح الأرض، مما يعني الإيذان بالخلاص ومعه انتصار الحب والحياة والنور، وكانت تلك الكوة بالذات عي عين راس الماء التي تقع جنوب تازة والبعيدة عن مغارة فريواطو بحوالي 06 كيلومترا وهي نفس العين التي تتجمع فيها مياه ضاية شيكرالموجودة في حيز جبلي أعلى .
اعتقد أهالي القبيلة أن الراعي والفتاة لقيا مصرعهما، واعتبروا هذه الأخيرة شهيدة حبها، فربطوا بينها وبين الكهف إياه علما بأن كلمة إفريواطو تتوزع إلى كلمتين في اللهجة المحلية " إيفري " يعني المغارة أو الكهف و " إيطو تعني الريح " فهو كهف الريح إذن، وفعلا فإن الحرارة داخل المغارة منخفضة تعززها بعض الرياح أحيانا وهذه الأسطورة التي أوردها المرحوم امحمد العلوي الباهي في كتيبه " المرأة المغربية عبر التاريخ " لا علاقة لها بإسم المغارة، ولا نعرف كيف ارتبطت بها، اللهم إن كان الأمر يتعلق بتراث شعبي شفوي، غير أن الأسطورة ذاتها تعطي نكهة متميزة لهذه المغارة، ربما لشهرتها أكثر من باقي مغارات الإقليم .
على امتداد منحدر تيسيدلت المحسوب على دوار شيكر وبعلو يتراوح بين 1432 و1719 م وبمحاذاة الطريق الجهوية رقم 507 حاليا ( الطريق الثانوية رقم 311 سابقا ) المؤدية إلى مصطاف بابودير ومركز سيدي عبد الله عبر باب أزهار وبوشفاعة، تقع هذه المعلمة الطبيعية، وذلك ضمن تراب الجماعة القروية لبابودير وليس غريبا أن ترتبط ثاني مغارة في العالم ( من حيث الطول والعمق بعد مغارة بيروت ) بأسطورة حب جارف، فالمعروف أن بعض الأمكنة والفضاءات تنزاح بامتداداتها الرهيبة عن أبعادها التاريخية والمجالية المحددة بالمقاييس والمقاربات العلمية التقريرية، لتلج مجال " الخرافة " والميثولوجيا من بابه الواسع، بكل إيحاءاته الإنسانية ورموزه الغنية بالدلالات، فتنخرط في الزمن الدوري ( بتعبير كلود ليفي ستراوس ) حيث تختلط الحقيقة بالخيال والمثال بالواقع، وذلك أمام رهبة المشهد الطبيعي وامتداده الجبار ولنا في الإيفريست وجبل فوجي ياما وكانيون الكولورادو و مونيمونت فالي أمثلة على ذلك، وتلك أيضا حالة مغارة فريواطو .
هناك افتراض مؤسس علميا وهو أن المغارة إياها تكونت عبر ملايين السنين بفعل عوامل التعرية أساسا ونقصد تأثير تدفق المياه في الصخور الكلسية، فقد كان نفس الفضاء عبارة عن مجرى مائي ضخم، ولا علاقة له بأي نشاط بركاني، كما يتخيل البعض، فضلا عن انعدام كل أثر للصخور البركانية كالغرانيت والبازالت والفضاء الممتد من مغارة شيكر وحتى عمق مغارة فريواطو يشمل كلا من المياه السطحية متمثلة في ضاية شيكر( كما كانت في الأصل والدليل تسميتها بالضاية ) والمياه الجوفية مجسدة في مغارتي فريواطو والأخرى البعيدة عنها ببضع مآت من الأمتار جهة الغرب ونقصد مغارة شيكر، إذ إن التقارب بين المغارتين يبدو واضحا باستثناء مستوى العلو بينهما، كما أن الباحثين صاغوا فرضية التقاء كل من المغارتين في نقطة محددة لا زال هؤلاء يستقصون ويبحثون عنها .
اكتشفت المغارة من طرف المستغور الفرنسي نوربير كاستيري Norbert Casteret سنة 1933 أي في عز فترة الحماية الفرنسية وهو الذي نعت تازة ب" عاصمة المغارات " وليس معنى ذلك أن المغارة لم تك معروفة في المنطقة على الأقل، ففي ظني أن الرعاة وعموم ساكنة الدواوير والمداشر القريبة كانت تعرف على الأقل الفوهة الكبرى للمغارة، وغالبا، فإن المستغور الفرنسي اكتشف المدخل الجانبي للمغارة وهو الذي أتاح له الدخول والاطلاع على ما تتميز به من صواعد ونوازل وقاعات ومجاري مياه وكائنات .
إثر هذا الاكتشاف، وضعت سلطات الحماية سلالم حديدية تؤدي نزولا إلى عمق المغارة ونفس الشيء تم وضعه في مغارة شيكر، ثم حصلت التهيئة الثانية خلال الاستقلال وبالضبط في فترة السبعينات من القرن الماضي حيث تم إعداد أدراج إسمنتية ودعائم حديدية جانبية وبعض العارضات الخشبية التي تمكن من تجاوز الممرات والبرك المائية، وتتميز مغارة فريواطو بفتحتها العليا المطلة على باحتها الخارجية ويصل عرضها إلى 45 مترا وفد تجاوز كاستريت عمق 200 مترا علما بأن الباحة الخارجية تبلغ 146 مترا، والمقطع العمودي للمغارة يصل بدوره إلى 245 م هذا ويبلغ العدد الإجمالي لتلك الادراج والسلالم 250 من المحتمل أن تتعدل خلال آخر تهيئة جرت بالمغارة، وعلى إثر نفس التهيئة أغلقت المعلمة إلى إشعار آخر، دون معرفة أو فهم أسباب هذا الإغلاق لحد الآن، علما بأن مختلف المؤشرات تؤكد أن عملية التهيئة الجديدة قد تمت واكتملت.
وعند سفح المغارة يوجد مدخل أرضي غائر بطوله الممتد ويعتبره الباحثون وعموم المهتمين أجمل مقطع في المغارة حيث يحتوي على العديد من الأشكال الصخرية البديعة، فضلا عن الصواعد والنوازل التي تحتويها قاعات مختلفة الأبعاد والأشكال أطلق على بعضها أسماء محددة هي حديثة العهد غالبا كقاعة الموسيقى وقاعة يطو، وتتخلل بعض تلك الالتواءات نتوءات ومساحات مائية باردة بالطبع أبرزها بئر بعمق 307 م، وتنقسم المغارة وفقا لهذا المجال إلى ثلاثة مفاصل : المفصل الأول وهو يتمثل في البهو الخارجي الذي تطل عليه الفتحة العليا، المفصل الثاني ضيق ومظلم يجب معه استخدام المصابيح الكهربائية وأخيرا المفصل الثالث ويمتد على طول 03 كيلومترات ويتطلب مستغورين محترفين ويشار إلى أن المغارة تستقطب زوارا من مختلف دول المعمور يصل عددهم حسب إحصائيات رسمية إلى 10000 زائر/ ة، لكن استمرار إغلاق المعلمة الطبيعية يحرم المنطقة من هؤلاء الزوار حاليا .
رغم أن الوضع الحالي للمغارة تطلب تهيئة ثالثة وعلى عمق 130 م بميزانية تتعدى 12 مليون د اعتبارا من دجنبر 2023 والآن مرت أزيد من سنة على انتهاء أشغال التهيئة دون أن يتم فتح المغارة من جديد أمام ألزوار، ومع ذلك فلا زالت المعلمة تحتاج إلى أكثر من التهيئة ولاسيما عبر الفضاء المحيط بها إذ يتسم بأنه خال من أي مرفق استقبال ناهيك عن أن أقرب فندق موجود في مصطاف بابودير دون نجاح يذكر، فأغلب الزوار يمرون عبر منتزه تازكة من فاس ثم يعودون أدراجهم على نفس المسار مما يلحق ضررا بليغا بتازة التي تتمتع بجاذبية طبيعية وتاريخية لا تنكر، وقبل هذا وذاك يجب إحياء أنشطة رالي رالي بابودير للسيارات ( كان آخر رالي عرفته المنطقة سنة 1976 ) وبعث مشروع فرع تازة للجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية والمتمثل في إحداث وكالة للأسفار متخصصة في الاستغوار بتازة، وكذا التفكير الجدي في إعادة فتح مندوبية السياحة بالمدينة بعد أن تم إغلاقها لأسباب غير معروفة لحد الآن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإجراءات الدستورية في حال وفاة رئيس الجمهورية في إيران


.. بعد إعلان إيران موت الرئيس بحادث تحطم طائرة.. من هو إبراهيم




.. مصادر إيرانية تعلن وفاة الرئيس الإيراني بحادثة تحطم مروحية|


.. إيران تؤكد رسمياً وفاة رئيسي وعبد اللهيان.. في تحطم المروحية




.. إيران تودع رئيسها الثامن.. من هو إبراهيم رئيسي وكيف وصل إلى