الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنتحاري الأرهابي والشخصية الداعشية - تحليل من منظور علم النفس والأجتماع السياسي

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2024 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تنويه
معظم المنشغلين في السياسة سوف لا يقرئون هذا المقال لأنهم ينفرون من عنوانه، مع انه يشخّص الحقيقة. فأحدى اهم نقاط الخلاف بيننا نحن علماء النفس والاجتماع السياسي والأخوة السياسيين،انهم يشخصّون الخلل في الانتحاري الإرهابي بالاستيلاء على السلطة عن طريق العنف، فيما نشخصّه نحن في المعتقد الذي يحمله في رأسه ويسوقه إلى تحقيق هدفه. فنحن نرى أن السلوك، أيا كان نوعه: عبادة ، قتل ، تطرّف ، تسامح... ناجم عن فكرة أو معتقد، وأن اختلاف الناس في أفعالهم ناجم أساسا عن اختلافهم في الأفكار والمعتقدات التي يحملونها.

التحليل
ثمة حقيقة سيكولوجية هي..إن كلّ المنتحرين،عدا الحالات الفردية، يقدمون على الانتحار إخلاصا لمعتقد يؤمنون به. ولا اختلاف في الفعل بين الطيارين اليابانيين الذي انتحروا بضربهم، في لحظة مباغتة، البوارج الأميركية الحاملة للطائرات وتفجيرها بطائراتهم في ميناء بيرل هاربر، وبين انتحاري إرهابي يفجّر نفسه بين الناس. فالفعل هو انتحار، والفرق يكمن في نوعية المعتقد الذي يدفع صاحبه إلى الانتحار. فهو عند الطيارين اليابانيين كان من أجل الوطن، فيما هو عند الانتحاري الإرهابي إلحاق أكبر الأذى بالآخرين. ولهذا علينا أن نجيب على هذا السؤال:
كيف تشكّل هذا المعتقد لدرجة أنه يجعل الفرد يستسهل إفناء نفسه والآخرين بعملية قتل بشعة؟
الانتحاري الارهابي..صناعة عربية

من متابعتنا الميدانية وجدنا أن الانتحاري الإرهابي هو صناعة عربية، وأن المصدر الأول في تشكيله هو السلطة العربية، وأنه ابنها بامتياز. وأن هذا لا يعود لظلم السلطة بالدرجة الأولى، بل لانعدام العدالة الاجتماعية المتمثل بثراء فاحش ورفاهية خرافية تتمتع بها قلّة، وحرمان تعاني منه الأكثرية، أفضى إلى اغتراب بين المواطن العربي وسلطته. وما لا يدركه كثيرون أن الاغتراب، فضلا عن كونه حالة مأزقية بين الفرد والسلطة، فإنه يجعل صاحبه يشعر بأن وجوده لا معنى له، وأنه يعيش حياة بلا هدف.
ولأن الحاكم العربي تتحكم فيه “سيكولوجيا الخليفة” التي يرى فيها نفسه انه امتداد للخليفة من 1400 عام، ولأنه استفرد بالثروة لضمان ديمومة سلطته، فإن بين المغتربين عن السلطة العربية من راح يبحث عن سلطة أخرى يجد فيها لوجوده معنى ولحياته هدفا، فوجدها في القاعدة ثم في داعش، بعد أن زين له من يراهم قدوة أنه سيكون بين هدفين لا أروع منهما: إما أن يفوز بتحقيقه دولة إسلامية يكون فيها أميرا، وإما يموت ويفوز بالجنّة، في حياة أبدية بها ما لذّ وطاب وحور عين وولدان مخلدون بخدمته.
ولهذا فإن الانتحاري الإرهابي ليس فقط يستسهل تفجير نفسه بل يستعذبه، لأنه مؤمن إيمانا مطلقا بمعتقده الذي لا أروع وأكرم وأعظم منه في نظره. ولهذا لم تستطع أميركا بعظمتها العسكرية ومعها حلف الناتو القضاء على الإرهاب، لأن السلطة العربية “ولادّة” لانتحاريين إرهابيين يعدّون الحياة أمرا تافها إزاء حياة أبدية في جنّات النعيم، ويعدّون النيل من حاكم يعيش حياة الأباطرة، فيما هم غرباء أذلاّء في وطنهم.. قصاصا عادلا وأمرا جهاديا.

الشخصية الأرهابية..في اطروحة دكتوراه
في عام (2009) اشرفت في جامعة السليمانية على اطروحة دكتوراه للسيدة جوان احسان ( صارت فيما بعد عضوا في البرلمان العراقي) تعدّ الأولى عراقيا وعربيا ودوليا من نوعها، وقد استضافتها اميركا لتقدم محاضرة عنها.
ما يعنينا هنا ان الباحثة التقت بالمحكومين بجرائم الارهاب في السجون التابعة لوزارة الداخلية في اقليم كوردستان ومؤسسات السجون التابعة لوزارة العدل العراقية لتطبيق الاختبارات واستمارات المقابلات عليهم . وتبين ان نصف الارهابيين يحملون الجنسية العراقية فيما توزع نصفهم على عشرة بلدان عربية هي: سوريا، السعودية ،اليمن، السودان، تونس، فلسطين، الاردن ، مصر، الكويت، والجزائر..لتؤكد مقولتنا ان الارهابي هو صناعة عربية .
وتوصلت في نتائجها الى ان الارهابيين (لديهم شعور دائم بالغبن وغير راضين عن السلطة ومن يواليها)، وان الارهابي يعتقد (ان ضحايا التفجيرات والعمليات الانتحارية ..شهداء) وان تلك العمليات (هي قمة الاستشهاد ) وان هدف الارهابي في حياته هو (نصرة دينه والفوز بالجنة).
البندقية..لن تقضي على الشخصية الداعشية
ثمة حقيقة سيكولوجية..إن البندقية وحدها لن تخيف من يستسهل ويستعذب إفناء نفسه والآخرين، وليس بمستطاعها القضاء على داعش، وإن عقد مؤتمرات دعائية لمكافحة الإرهاب تبدأ ببهرجة وتنتهي بوضع توصياتها في الأدراج، وأخرى تدعو لتوافق سياسي ومصالحة وطنية تلتقي بوجوه متآلفة وتنتهي بقلوب متخالفة، لن تجدي نفعا، ما لم يتم توظيف السلاح المفقود في هذه المواجهة باستقطاب خبراء سيكولوجيين وعلماء تربية واجتماع يضعون إستراتيجية علمية يشكل تحقيقها ظهيرا اجتماعيا وسيكولوجيا يسهم في إنهاء داعش بزمن أقصر وتضحيات أقل.
وهنالك مفقود آخر لم تفكر السلطات السياسية باستخدامه في مواجهة داعش، هو أن المسألة الحاسمة في الفكر الداعشي هي التكفير، إذ يرى أن تفسير القرآن والسنة النبوية بكلام الفقهاء بدعة أبعدت الناس عن معرفة الحقيقة التي جاء بها القرآن، وقد تبناها جمال الحمداني (أبو نوح قبر العبد) وجماعته المنتشرة في الجزيرة والقرى بين الحدود العراقية والسورية، التي تكّفر من لا يقول بمثل قولها، فيما هنالك جماعة أشد غلوا يمثلهم أبو علاء العفري نائب البغدادي،لا يعذرون بالجهل مطلقا، حدثت بينهم ومجموعات أخرى خلافات تجاوزت الطرد والتسفيه إلى التصفية الجسدية، بينهم قاضي داعش التونسي أبو جعفر الحطاب الذي كفرته وقتلته، وقبله تمت تصفية قاضيها السابق الكويتي، أبو عمر الكويتي، الذي كفّر البغدادي. وقد أدى مسلسل التكفير إلى قتل 18 قائدا من أصل 43 من قيادات الصف الأول بين يونيو 2014 وأبريل 2015، ما يعني سيكولوجيا أن الحول العقلي( وهو مصطلح ابتكرناه وادخلناه في علم النفس العربي) يتحكم بالتفكير الداعشي. ولأن المصاب بالحول العقلي ينظر إلى الأمور الجدلية على أنها أبيض وأسود فقط، ومنغلق ذهنيا على معتقدات جزمية، ولن يتخلى عن آرائه حتى لو بدا له خطؤها، فإن هذا يعني أن هنالك خطرا كبيرا يتهدد داعش من الداخل، وهذا هو المفقود الفكري الذي لم يتم التفكير به أصلا في مواجهتها، ولم يفكر به القائمون على شبكة الأعلام العراقي،والاعلام العربي.

في ضوء منظورنا هذا، نرى ان العالم لن يستطيع القضاء على الإرهاب، وهذا ما اكده الجيش الأمريكي بتصريحه في (6 / 4 / 2024) بأن داعش ما يزال قويا في العراق وسوريا.ومع تعدد وتنوع الأسباب ،فأن السبب الرئيس هو ان السلطة العربية ما تزال ولّادة للإرهابيين ممن باتوا يعدّون حياتهم البائسة أمراً تافهاً إزاء حياة أبدية يسعون إليها في جنات النعيم، وهم يعدون النيل من حاكم يعيش حياة الأباطرة، فيما هم غرباء أذلاء في وطنهم..قصاصاً عادلاً وأمراً جهادياً، و أن فساد واستبداد الأنظمة العربية وعجز المواطنين عن تحقيق التغيير السلمي، يشكل بيئة مناسبة لتغذية الأفكار المتطرفة وبروز الجماعات الإرهابية.
اقتراح
نكرر القول بأن البندقية تقضي على الأرهابي جسديا ولن تقضي على افكاره التي يبثها بين الأطفال والمراهقين والشباب والمضطهدين ومن يرى أن السلطة مصدر شقاء له.
ولو كانت ظاهرة الإرهاب تقتصر على بضعة أفراد لأمكن القول أنهم قلة من المجرمين المرضى نفسيا في المجتمع، لكن الحديث يدور اليوم عن ملايين يسمون أنفسهم مجاهدين ويقتلون الناس بدم بارد. بل انهم نجحوا في ان يجعلوا صانعة الحياة ومانحة الحب ورمز التضحية والايثار والعطاء غير المحدود ..المرأة.. ان تكون قنبلة تقتل من حولها!
وعليه نقترح عبر جريدة (المدى ) العراقية عقد مؤتمر عربي في بغداد يشارك فيه أكاديميون وسياسيون ورجال دين واعلاميون من المعنيين بالأرهاب تحديدا لوضع استراتيجية لمكافحة الارهاب تنفذ على مراحل، تبدأ من المناهج الدراسية بمرحلة الدراسة الأبتدائية وتنتهي بسياسة الدولة وخطط المؤسسات الامنية في مكافحة الأرهاب في العالم العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم تلتفت لتنطّع ملحاح جاهل أولاً باللُّغة
عبد جاسم ( 2024 / 5 / 8 - 20:41 )
مهما حاول الدّاعشيّ المُتخشّب الجّاهل المُركَّب، سيشعر بأن العالِم الأكاديمي ينبذه كما يكشف النحاة ركاكة المُتنطّع. تحيّة لترفعك عمَّن أشرتَ إليهم في مُستهلّ مقالتِكَ هذي.


2 - تفجير الشخص لنفسه لا علاقة له بالقومية
حسين علوان حسين ( 2024 / 5 / 9 - 17:27 )
الأستاذ الفاضل السيد قاسم حسين صالح المحترم
تحية حارة
انتم وضعتم يدكم على السبب الحقيقي وراء تفجيرات الأشخاص لأنفسهم كردة فعل لشعورهم بالاضطهاد الاجتماعي- السياسي. في 21 مايو،1991 قامت التاميلية كاليفاني راجاراتنام البالغة من العمر 22 عامًا بتفجير نفسها وسط حشد لراجيف غاندي، رئيس وزراء الهند السابق في ولاية تاميل نادو، وقُتل ما لا يقل عن 14 آخرين، بالإضافة إلى غاندي. وكانت القاتلة عضوا في المنظمة الانفصالية التاميلية السريلانكية نمور تحرير تاميل إيلام. المفجر لنفسه هنا يؤمن بأن فعله هذا فيه الخلاص أو التمكين لمجموعته في نضالها ضد اعدائها في ضوء فقدان توازن القوى بين الطرفين، وليس هناك مشكلة في توفير الغطاء الاديولوجي لهذه الفعلة، سواء كان الفوز بالجنة او التحرر. العمليات الاستشهادية للفلسطينيين ضد الصهاينة هدفها التحرر. المنتحر هنا هو مقاتل يدافع عن مبدأه بتفجير نفسه. المفجر يعتبر عدوه ارهابيا والعدو يعتبره ارهابيا، وهذا غير صحيح لأن الارهاب المعاصر هو امبريالي، وكل نضال ضده هو ثوري وليس ارهابيا. جماعات التكفير كلها صناعات امريكية صهيونية ارهابية وقبلها صناعة بريطانية في الوهابية.


3 - هؤلاء ابطال وليسوا ارهابيين
muslim aziz ( 2024 / 5 / 11 - 02:24 )

ليس كل من يفجر نفسه في سبيل قضية من القضايا ارهابيا، إذ عندما يختل ميزان القوى بين فئة واخرى يلجأ البعض الى تفجير نفسه ليفدي وطنه، كما فعل الطيارون اليابان وكما فعل جول جمال السوري الجنسية في حرب السويس وكما فعل ابناء حزب الله في لبنان ضد المارينز الامريكان وكما يفعل اليوم ابناء المقاومة الفلسطينية في غزة يرمون انفسم على الموت ضد كيان صهيوني مجرم


4 - المقاربة العلمية لمعالجة ارهاب الجماعات الدينية
حميد فكري ( 2024 / 5 / 11 - 15:17 )
لاشك أن الإرهاب الداعشي في سوريا والعراق له جذور في كلا المجتمعين ,ونفس الشيء يقال عن الإرهاب السلفي الإخواني في كل مجتمعاتنا. لكن هذا لا يعني أن هذا الإرهاب صناعة عربية صرف .
فتمة عامل خارجي أيضا له يد في صناعة هذا الإرهاب , إنه التسخير manipulation الجيوسياسي للدول الإمبريالية,بهدف قلب الأوضاع في مناطق معينة عن بعد أو بالوكالة .
نلاحظ أن نشر الفكر السلفي الوهابي الأب الروحي للداعشية وأخواتها , كان بتمويل من قبل المملكة العربية السعودية لعقود من الزمن وتحت مرأى ومسمع وتزكية من قبل الدول الإمبريالية, بهدف التصدي للمد التقدمي في كل أنحاء العالم. والنتيجة أننا اليوم نحصد ما زرعوه بالأمس.
دعم الإرهاب في أمريكا اللاتينية اتخذ شكلا آخر وهو تجنيد عصابات وتجار المخدرات الإجرامية .أما في مجتمعاتنا فقد اتخذ شكل الجماعات الدينية المنغلقة , لأن الدين يحتل فيها مكانا مبالغا فيه.
لذلك ينبغي على كل مقاربة علمية لمعالجة هذه الظاهرة, أن تأخذ في الحسبان هاذين العاملين : الداخلي (الواقع المجتمعي) والخارجي (التحولات الجيوستراتيجية في العالم)

اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط